أثارت الحلول المقترحة للخروج من دوامة تدهور التعليم في المغرب للباحث في التربية الدكتور الجرموني تعليقات كثيرة ومتباينة. يلاحظ من تلك التعليقات مدى اهتمام الرأي العام المغربي بالشأن التربوي وهذا ليس غريبا عن المغاربة الذين ولوا التربية اهتماما لا مثيل له منذ القدم والدليل القاطع عن هذا الاهتمام وجود الكتاتيب في جميع التجمعات السكانية من مداشر وقرى نائية وفي أعالي الجبال الوعرة التي لا يوصل إليها إلا على ظهور الدواب أو مشيا على الأقدام ناهيك عن المدارس المتخصصة في العلوم ومختلف حقول المعرفة. واللافت والموثق أن التربية في بلدنا كانت لا تخضع إلى سلطة مركزية في فاس أو مراكش بل هي من اختصاص المجتمعات المحلية التي تمولها وتتعاقد مع أساتذتها وترعى شؤونها في الصغيرة والكبيرة ويشتمل ذلك على توفير السكن والإعاشة للطلاب بدون مقابل. واعتبروا يا أولي الالباب ما قامت به نسائنا في هذا المجال تجلى بعض منه في انشاء وتمويل ما يعتبره كثير من العارفين أقدم الجامعات في العالم ألا وهي جامعة القرويين بفاس التي يرجع الفضل في تأسيسها إلى السيدة فاطمة الفهرية امرأة لو تجرأنا وتشجعنا لنحتنا لها تمثالا، ليس لعبادتها، حاشى لله، لكن تخليدا لفكرتها المستنيرة التي نفذتها بمالها الخاص ربما بالرغم من معارضة كثير من الرجال والنساء من معاصريها وربما حتى في زمننا هذا. المهم في الامر أن التعليم والتربية حظيت وضلت تحظى باهتمام المغاربة جميعا ولم تتسع رقعتها ويستفيد من ثمرتها كل المواطنين والمواطنات ولم يبعدهم عن جني ثمرتها إلا رداءة مناهجها وطرق التدريس بها وتفشي الجهل والشعوذة وحاليا عدم جدية ومهنية القائمين على شئونها. زيارتي الثانية هذه للعملية التعليمة في بلدنا تستهدف لفت الانتباه ثانية إلى أن الاشكالية التربوية معقدة ومتشعبة وتستوجب تضافر الجهود من قبل كل طبقات المجتمع لان كل طبقات المجتمع معنية بمعالجتها وستستفيد من حلولها ,ولتوضيح تعقيدها فلا بد من اعتبار عناصرها الاساسية, إن العناصر أو المتغيرات، كما يسميها ذوي الاختصاص، التي هي الركيزة الاساسية لهذه العملية هي: 1.التلميذ، 2.المدرس، 3.المناهج، 4.الإدارة، 5.التمويل(يدخل فيها الاجهزة والمباني). كل هذه المتغيرات متشعبة ومعقدة وانتهى زمن البطل الذي يعرف كل شيء ويحيط بكل علم فلهذا السبب طرحت تساؤلات حول مقترحات الدكتور الجرموني وقلت: فما هي الأ بحاث والبيانات والمنهجية العلمية التي اتبعها السيد الجرموني لاقتراح معالجة أزمة التربية في بلدنا الغني والغالي؟ فبدوري لو سمحتم بودي أن أقدم بعض الافكار التي أعتقد بأن تنفيذها قد يكون مفيدا في بداية فهم اشكالية التربية في بلدنا. أولا وقبل كل شيء لابد من الاعتراف بان ثمار العملية التربوية تأخذ وقتا طويلا للنضج والقطف، فلا بد من طول البال والعملية على كل حال مستمرة باستمرار الحيات إلى ما لا نهاية. ثانيا، أقترح انشاء بنك للمقترحات والأفكار التي يتقدم بها المهتمون بالشأن التربوي كالتعليقات التي تفضل بها قراء مقترحات الباحث الدكتور الجرموني، يضاف إليها كل ما قد يتفضل به العامة والخاصة من اقتراحات وأفكار عندما يفتح باب البنك لاستقبالها. ثالثا، ابعاد الاحزاب السياسية من العملية التربوية برمتها وتكون المسئولية بيد المجتمع ككل يديرها المتخصصين والمهنيين الذين يكون ولائهم لمصلحة وتقدم كل الغاربة بغض النظر عن انتماءاتهم العقائدية واللغوية والجنسية أي مساواة الجميع ومساواة الفرص. رابعا، مبدأ استقلالية كل جهة في جميع شئونها التربوية كما كان عليه الحال في قديم الزمان والتباع مبدأ "الدرهم يتبع الطالب" بحيث تكون الفرص متكافئة لكل أولاد وبنات المغاربة جميعا.الحساب في كل شيء بحيث تكون تكلفة ما يصرف على الطالب في الرباط ومكناس وطنجة وفكيك والخمسيات وتزنيت والعيون وطاطا واكادير وإداوتنان وإداومنو وتنغير والراشدية هي نفس التكلفة ولا يبقى عذر لأحد للتمييز بين أبناء وبنات بلدنا الذي يدعي كل واحد منا أنه يحبه.وتوضع آلية لانتخاب مديري الاكاديميات من قبل ساكنة الجهوية الموسعة وتكون المنافسة بين المتخصصين والمهنيين الذين يقدمون برامج عملهم ويختارون طاقم عملهم لانجازها. وإن كان لابد من وزارة ووزارتان فتكون مهامها جمع الاحصائيات وتمويل الابحاث والمشاريع التربوية التي تتقدم بها الجهات بدل أن تقتل الابداع وتعقد العملية وتسيطر على الصغيرة والكبيرة. خامسا، يشرف خديمنا الاول ويرأس مجلسا علميا يكون من بين أعضائه المتخصصون في العلوم التربوية والمثقفون والخيرين والخيرات من مغاربة الداخل والخارج ويشرف هذا المجلس على بنك المقترحات والقيام بتحليلها ونشر الدراسات والأبحاث لفائدة تحسين أداء وتحصيل الفاعلين في الصناعة التربوية وخصوصا المتغيران الاساسيان التلميذ والطالب والمدرس, وفي الاخير، لا يمكن التأكد من سلامة ونجاعة أي اقتراح للخروج من دوامة أزمة تدهور التعليم في بلدنا إلا إذا قمنا باختبار ذلك المقرح ميدانيا كفرضية علمية وكمتغير مستقل للنظر في تأثيره على الاداء ومعالجة الازمة التعليمية التي تعتبر في هذه الحالة المتغير التابع. التعريب و التدريس بالفرنسية أو الانكليزية أو الامزيغية بالنسبة للمتخصص تستدعي الاختبار كفرضيات علمية أما الميولات الشخصية في الامور العلمية فلا تأخذ في عين الاعتبار إلا كما هي لا بد من اختبارها علميا لإثبات فائدتها. أما وإن كان لا بد من التصريح بلغتي المفضلة في التدريس فهي بدون تردد اللغة الإنجليزية وذلك لاعتبارات كثيرة منها نفض عقدة الاستعلاء الفرنسي علينا وهو متجه نحو توفير عدد من الدرجات العلمية في المعاهد الفرنسية باللغة الإنجليزية الخ....ولو كان اقتراحي يغني من شيء فسيبدأ المغاربة بتعليم أولادهم وبناتهم اللغة الإنجليزية في الاقسام الابتدائية هذا لا يعني أبدا التقليل من شأن اللغة الفرنسية أو أنني لست متمكنا منها وهل خلى منها المغرب؟هذا ما جاد به التفكير في عجالة أمام معضلة التربية والتعليم في بلدي الغالي والغني. وكان الله في عون المومنين وغير المومنين من بني البشر، والله ولي التوفيق. أستاذ العلوم الاجتماعية بمدرسة التدبير وإدارة الأعمال(إيما) ابن زهر اكاديروجامعة