قالت جريدة "الفايننشال تايمز" البريطانية إن تداعيات حرب أوكرانيا أفادت إحدى أكبر مجموعات الأسمدة في العالم، ويتعلق الأمر بالمكتب الشريف للفوسفاط، الذي حقق أرباحا قياسية في العام الماضي بعد تضرر المنافسين الأوروبيين من ارتفاع أسعار الطاقة. وأشارت الجريدة أن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا كانت كارثية لشركات الأسمدة النيتروجينية الأوروبية، حيث أجبرهم الارتفاع الكبير في أسعار الغاز الطبيعي، الذي يشكل المواد الأولية لهم، على خفض الإنتاج بأكثر من الثلثين في بعض الأحيان، كما عطلت الحرب توريد الأسمدة من روسيا، أكبر مصدر في العالم. لكن تضيف الصحيفة، بالنسبة للمكتب الشريف للفوسفاط، أكبر شركة للأسمدة الفوسفاتية في العالم، كانت سنة2022 سنة حققت فيها أرباح قياسية بفضل ارتفاع الأسعار وهوامش الربح، ففي الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي، بلغ الربح التشغيلي للمكتب 3.65 مليار دولار، مقارنة ب 1.99 مليار دولار في نفس الفترة في عام 2021. وأوضحت أن سماد النيتروجين مصنوع من الغاز الطبيعي، لكن الفوسفات معدن مستخرج عادة مع مواد مغذية أخرى لصنع الأسمدة، ومكتب الفوسفاط يمتلك بشكل حصري 70 في المائة من احتياطيات الفوسفات العالمية الموجودة في المغرب، الذي يعد واحدا من أكبر خمس دول مصدرة للأسمدة في العالم. وقال مصطفى التراب المدير العام للمكتب في تصريحات للصحفية، إن العالم بحاجة إلى مزيد من الاستثمار في هذه الصناعة، مؤكدا أن الأسعار كانت مرتفعة حتى قبل الحرب. واعتبرت الصحيفة أن التراب يُنسب إليه الفضل في تحويل الشركة من وكالة شبه حكومية خاسرة تصدر أساسًا صخور الفوسفات إلى شركة رائدة في تصنيع الأسمدة. وأرجع التراب ارتفاع الأسعار، إلى الخلل البنيوي بين العرض والطلب، مضيفا "إذا نظرنا إلى العشرين عامًا الماضية، كان هناك القليل جدًا من الاستثمار في إنتاج الأسمدة." وأكد أن القارة الإفريقية تمتلك مفتاح الأمن الغذائي العالمي لأنها تتوفر على 60 في المائة من الأراضي الصالحة للزراعة غير المستخدمة في العالم، ومع ذلك فإنها حاليًا لا تنتج أو تستخدم ما يكفي من الأسمدة لتحقيق إمكاناتها. وأضاف التراب أنه إلى جانب المغرب توجد احتياطيات من الفوسفات في تونس والجزائر ومصر والطوغو والسنغال، لافتا إلى أن القارة الإفريقية تتوفر أيضا على البوتاس، وهو مادة مغذية، إلى جانب الغاز الطبيعي. وتابع "نحن في إفريقيا يجب أن نكون مكتفين ذاتيًا تمامًا، بل وقادرين على التصدير، لأن الفرص الكبيرة موجودة بالفعل في إفريقيا". وأشارت الصحيفة أن المكتب يخطط لبيع 4 ملايين طن من الأسمدة، أو أكثر من ربع إنتاجه المتوقع، في القارة في عام 2023 في إطار برنامج يتضمن تدريب المزارعين بالتعاون مع مانحين متعددي الأطراف. وذكرت أن التراب يصر على أن الاستراتيجية الرئيسية للشركة هي تطوير الأسمدة المخصصة، والمصممة خصيصًا لتربة أفريقية معينة، لأنها الطريقة المثلى لخفض الأسعار والزيادة في الإنتاج الفلاحي. وأكد التراب أن مكتب الفوسفاط لا يجبر الفلاحين على شراء ما لا يحتاجون إليه، مشيرا أن أسمدة المكتب قد زادت بالفعل من غلة المزارعين في إثيوبيا وتنزانيا وغانا. وشددت "الفايننشال تايمز" على أنه الرغم من أن 25 في المائة فقط من مبيعات مكتب الفوسفاط موجهة لإفريقيا، إلا أن الشركة تعتبرها منطقة نمو رئيسية وقد أنشأت شركة فرعية متخصصة بالقارة ووحدات إنتاج خاصة. وأشارت أن مكتب الفوسفاط بدأ في التطلع جنوبا في عام 2012 ، في الوقت الذي سعت فيه الشركات المغربية إلى النمو في دول جنوب الصحراء الكبرى للتوسع خارج نطاق السوق المحلية المحدودة، وهذه الاستراتيجية، التي شجعها الملك محمد السادس، ساعدت في بناء القوة الناعمة للمملكة ونفوذها في منطقة تعتبر أساسية في اهتمامها الأساسي بالسياسة الخارجية، لتعزيز الدعم الدولي لمطالبتها بإقليم الصحراء المتنازع عليه. وأبرزت الصحيفة أنه بحلول عام 2021، تضاعفت قدرة مكتب الفوسفاط الإنتاجية من الأسمدة أربع مرات لتصل إلى 12 مليون طن، وبلغت إيراداته 9.4 مليار دولار، مقارنة ب 2.5 مليار دولار في عام 2005. وفي منتصف يناير المنصرم، منحت وكالة "موديز" المكتب تصنيفًا ائتمانيًا بدرجة استثمارية للمرة الأولى، وقالت إن مكتب الفوسفاط استفاد من اتجاهات الطلب "المدفوعة بتزايد عدد سكان العالم وتقليص الأراضي الصالحة للزراعة". ولفتت إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا أثار مخاوف بشأن الأمن الغذائي في العالم، خاصة في إفريقيا حيث لم يعد بإمكان صغار المزارعين شراء الأسمدة، وتضاعفت الأسعار أكثر من ثلاثة أضعاف منذ أوائل عام 2020، وعلى الرغم من تراجعها في الأشهر الأخيرة، إلا أنها لا تزال عند مستويات مرتفعة تاريخيًا، وفقًا للبنك الدولي.