1- تعالوا نتجاوز الجدل السفسطائي حول امتداد أو ضيق القاعدة الاجتماعية التي تنتصر لدعوة حركة 20 فبراير بشأن تأسيس نظام سياسي ديمقراطي. ودعونا كذلك نتجاوز لعبة الأرقام التي سعى الإعلام الأعمى/العمومي، وهو حتى اليوم لم ينزع عنه الجبة المخزنية، أن يحرف بها النقاش عن جوهر المشكلة في مملكة محمد السادس. سيظل هذا الجدل مستمراً حتى ولو تمكنت الحركة من تعبئة شرائح مجتمعية مختلفة في مسيرات مليونية، وسيخرج من يتهم هؤلاء بكل أوصاف ونعوت "الحكرة" التي تستخف بإرادتهم وتهوِّن من قدرتهم على صناعة مستقبلهم. لقد رأينا كيف حزمت السلطة أمرها لشيطنة شباب الحركة، وكيف سارع بعض الوزراء والسياسيين "الكارين حنوكهم" إلى تخوين هؤلاء وتسفيه أحلامهم...! وهذا ديدن سحرة الأنظمة وإعلام السلطان في كل زمان... ومكان... 2- إن حركة شباب 20 فبراير استطاعت إذكاء جذوة الإصلاحات السياسية التي كان يحتاجها النظام السياسي منذ عشرات السنوات ولا يزال لتجنب لحظة انخلاع الرأس عن الجسد، بل تمكنت الحركة من بث "روح سياسية" جديدة ستظل تحلق في سماء المملكة حتى تسري في كل المفاصل والأوصال المتصلبة للجسد. وهذا هو المتغير الذي يجب أن تقرأه السلطة جيداً لا أن تلهث وراء لعبة الأرقام، لأن المقاربة الأمنية لمطالب الحركة الشبابية (والمجتمعية) لن تنفع في إخماد جذوتها ولن يجدي منطق ابن نوح في إسكات أصواتها. 3- هذه الروح السياسية الجديدة التي أحيتها حركة 20 فبراير تؤكد التجريف الذي أوغل فيه المخزن للمشهد السياسي فحوَّل معظم الأحزاب إلى هياكل سياسية خربة "لا تهش ولا تنش"... تحتج على عدم احترام المنهجية الديمقراطية ثم تسارع إلى مغانم السلطة وموائدها... تحنطت وافتقدت للمصداقية بعد مخزنتها فهجرها هؤلاء الشباب وهجروا معها الخطاب السياسي للسلطة غير الممأسس دستورياً عن "مشروع المجتمع الحداثي الديمقراطي" والقاموس السياسي المحنط الذي أنتجته خلال عقد كامل. وتعبر هذه الروح عن رفضها لجعجعة الخطاب دون طحين يسد الجوع وتدجين النخبة السياسية وصناعة حزب السلطة وتمييع العمل السياسي، وكذلك رفضها لزواج المال والسلطة... لكنها تستشرف نظاماً سياسياً ديمقراطياً يقطع مع المنظومة المخزنية ويؤسس للمجتمع الحداثي... 4- المشكلة إذاً في جوهر النظام السياسي بأضلاعه المخزنية. فالمؤسسة البرلمانية ليست سوى أداة تفصل تشريعاتها على مقاس الأجندة التي تحددها المؤسسة الملكية في كل دخول برلماني، وهو ما يجعل الجهاز التنفيذي خادماً لاختيارات هذه المؤسسة ومنفذاً لبرنامجها واستراتيجياتها. فتصبح محور هذا النظام والفاعل المركزي المهيمن على الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والرياضية، بل وتفيض سلطات المؤسسة لنرى أثرها اليوم في تدشين سوق للسمك، وربما غداً في تدشين محل للبوكاديوس أو الشورما!. أما الجهاز القضائي فلا يزال مقصلة مسيسة، يخضع لوصاية السلطة التنفيذية ولا يتسق مع مبدأ احترام حقوق الإنسان. فقد يُتهم أحدهم صباحاً ب"الارتشاء واستغلال النفوذ والاختلاس والغدر والتزوير ..." ثم يفرج عنه مساءً وقد نال الرضا والرضوان ليأخذ موقعه خامساً في صف البرتوكول المخزني.! 5- إن هذا ما جعل الشباب يهجر الواقع السياسي المتعفن إلى الفضاء السياسي الافتراضي لتأسيس مملكته الخاصة وهو ينشد دستوراً ديمقراطياً يمثل المفتاح لتفكيك البنية المخزنية للنظام السياسي. يا سادتنا ويا كبراءنا... لا تفوتوا الفرصة، فلتسارعوا الآن وليس غداً للانخراط في دينامية التغيير الحقيقي قبل أن تكبر كرة الثلج ويتدحرج معها كل شيء. نعم التغيير الحقيقي، فأرهفوا السمع ولا تصموا الآذان عن هذه الروح السياسية الجديدة... ولن ينفع السلطة منطق ابن نوح...