لم أتخيل للحظة أن يلجأ الديوان الملكي لتبرير خطأ لا يغتفر، بأعذار ساذجة كتلك التي يروجها البسطاء عن الملك الذي لا يعلم ولا يعرف، ولو علم وعرف لتغير حال المغرب والمغاربة، وهو تبرير لا ينطلي على أحد للأسف، فإذا كان الملك لا يعرف ما يوقع عليه، فهل لا يعرف الملك كذلك كل هذا القمع والإضطهاد والتبهديل الذي تمارسه قواته ضد كل من تسول له نفسه التظاهر بالمغرب، أم أن الملك كذلك لا يعرف الفقر والمعاناة والشقاء الذي يعيش فيه ملايين المغاربة، وألا يعرف الملك كذلك شيئا عن عائلات وأشخاص كالعماري والهمة والفاسي والفاسي الفهري وبنسليمان وبنسودة وبناني وغيرهم كثيرين، من الذين يتحكمون في دواليب دولته، ويستقوون بعلاقته بهم، وألا يعرف الملك شيئا كذلك عن شركاته التي تستغل مناجم المغرب، والقرى التي لا نصيب لها من تلك الثرواث غير الغبار، وألا يعرف الملك كذلك شيئا عن كون الديمقراطية تقتضي أن لا يكون نظام الحكم بالمغرب كما هو عليه الآن، وألا يعرف الملك مثلا أن أغلب هذا الشعب أمازيغي وأن لغته وثقافته مهمشتين ولا زال ذلك التهميش والعنصرية مستمرين حتى في ظل الدستور الذي عدله. وألا يعلم الملك أن لا شئ تغير في عهده قبل وبعد التعديل الدستوري، وأن كل شئ يزداد سوءا. إذا كان لا يعرف فالبتأكيد عليه أن يبادر بحل كل الأجهزة الإستخباراتية التي تعمل تحت إمرته والتي ترفع إليه تقارير كل يوم عن الصغيرة والكبيرة بالبلاد. للأسف نستطيع أن نتقبل أن الملك لا يعرف إن تعلق الأمر بقضية واحدة، لكن ثمة أمور أكثر بشاعة وسوءا من قضية المجرم دانيال تحدث بالبلاد ويعرفها الملك بالتأكيد، لكن ما يريد الشعب معرفته ليس هو إن كان الملك يعرف أم لا، بل الشعب المغربي يرغب في اعتذار رسمي من الدولة، ومن ثمة إعادة ذلك المجرم إلى السجن، وفتح تحقيق في كل القضايا المماثلة، لأنه على الملك أن يعرف أن قضية مجرم أجنبي يغتصب أطفال مغاربة وينجوا بفعلته، سبق لها الحدوث مرات بالمغرب، بل يحدث ما هو أسوأ كل مرة، ولاشك أن كل المغاربة يعرفون عدا عن الملك، ممارسات سياح الخليج وأمراء الشر بالمغرب، وغيرهم من الأجانب. ثم على الملك أن يعرف أن السياحة الجنسية بالمغرب استفحلت تماما، ولكنها تبقى أخر العنقود من مشاكل الشعب المغربي، التي بالتأكيد وجدت نتيجة سياسات فاشلة لمن يحكمون المغرب، وبالتأكيد فالملك يعرف من يحكم البلاد، وحتى وإن إفترضنا أنه لا يعرف وله قلب طيب لدرجة أنه لو عرف لحدثت معجزة بالبلاد كما تصور الأسطورة الساذجة، وبذلنا جهذنا لنجعله يعرف، فلن يتغير شئ بالبلاد، ما لم يقتنع الملك بأن عليه السير على نهج الدولة التي زاره ملكها أي إسبانيا، ويبادر بالمساهمة حقا في نقل البلاد نحو الديمقراطية. ولعل أغرب أمر في قصة المجرم دانيال، أن ملك إسبانيا كذلك لا يعرف كما ملك المغرب لا يعرف، لذا ما على الملكين بعد أن عرفا إلا أن يبادرا بالمساهمة في إحقاق العدالة في هذه القضية، بإعادة المجرم دانيال إلى السجن ليدفع ثمن جرائمه، لكن ما نخشاه أن من سيدخل السجن لن يكون غير أولئك المغاربة الذين انتفضوا من أجل كرامة شعبهم، أما الملك فيكفي أنه لا يعرف وسيفتح تحقيق ويطرد بضعة موظفين، ويعاقب أخرين، وبعد بعض الوقت يعود كل شئ لطبيعته، تماما كما حدث في قضية منير الماجدي حين إشترى بثمن بخس أرضا تابعة للأوقاف نواحي تارودانت لا يحل فيها البيع ولا الشراء، فكانت عقوبته أن قضى فترة إستجمام بجنوب شرق أسيا. بعيدا عن الحديث عن معرفة الملك من عدمها، وعن حب الملك أو كرهه، وعن غضب الملك أو سعادته، الشعب المغربي يريد إعادة المجرم إلى السجن، وإعتذار الدولة، ومحاسبة كافة أعضاء لجنة العفو وضمنهم وزير العدل، لأن على الجميع أن يعرف أن المواطنين المغاربة البسطاء وحتى ولو كانوا أميين، وارتكبوا مخالفة ما فغنهم يدفعون ثمنها تماما، وحين يقولون أنهم لم يكونوا يعرفون، فإن الشرطي أو القاضي يجيبهم بصرامة أن القانون لا يحمي المغفلين. نقول هذا رغم أننا نعلم أن الملوك لا يعتذرون، اللهم باستثناء أمثال ملك إسبانيا الذي اعتذر لشعبه عن رحلة صيد كسرت فيها قدمه، فكيف لو كان عفا عن مجرم لاشك لن يكتفي بالإعتذار فقط.