خلافا لما ظلت تدعيه حكومة أخنوش من تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، والقيام بإصلاحات حقيقية ومن بينها إصلاح الضريبة على الدخل وتخفيف العبء الضريبي على الفئات المتوسطة، في اتجاه تحقيق العدالة الضريبية، جاء عرضها النهائي شاحبا وهزيلا، وذلك خلال اللقاء الذي جمع يوم الإثنين 17 أكتوبر 2022 بين الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية والمكلف بالميزانية فوزي لقجع، والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية في إطار جلسات الحوار الاجتماعي والنقاش المتواصل حول تحسين الدخل، على أن يتم توقيع الاتفاق بينهما قبل حلول يوم الخميس 20 أكتوبر. وهو ما اعتبرته النقابات وعموم المواطنين عرضا مخيبا للآمال، حيث أنه لا يرقي إلى مستوى انتظارات الأجراء والموظفين والمتقاعدين، الذين تضررت قدرتهم الشرائية في الشهور الأخيرة، بفعل توالي الزيادات الصاروخية في أسعار المحروقات وباقي المواد الأساسية، ولاسيما في ظل تدني مستوى الأجور وارتفاع معدلات الفقر والبطالة. إذ فضلا عن عدم تضمنه للزيادة العامة في الأجور التي أصبحت مطلبا شعبيا ملحا، فإن تأثيره على الزيادة في الأجور يتراوح ما بين 25 درهما و187 درهما شهريا فقط، ولن يهم سوى الموظفين الذين تعادل أجورهم 5 آلاف درهم فما فوق، دون أن يشمل ذوي الدخل المحدود. فقد خلف العرض الحكومي/المهزلة الكثير من الاستياء في أوساط المأجورين والمتقاعدين، وأثار ردود فعل ساخطة على شبكات التواصل الاجتماعي، إذ أنه لن يعمل سوى على الرفع من منسوب الاحتقان الشعبي. خاصة أن الرهان كان كبيرا على احترام الحكومة لالتزاماتها المتضمنة في اتفاق 30 أبريل 2022 والاستجابة للملف الطلبي، من خلال تقديم عرض جديد مخالف لما سبقه، يتضمن تفعيل الدرجة الجديدة وتنزيل ميثاق الحوار الاجتماعي، لمعالجة النزاعات الاجتماعية وإطلاق الحوار المحلي، وإقرار زيادة مباشرة وعامة في الأجور، لا تقل قيمتها عن 600 درهم حتى تتواءم مع ارتفاع كلفة العيش، بالإضافة إلى تخفيض حقيقي في الضريبة المفروضة على الدخل، تنفيذا لتوصيات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات، المنعقدة في مدينة الصخيرات سنة 2019، في اتجاه التعجيل بتحقيق العدالة الجبائية. وجدير بالذكر أن الوزير لقجع يقر بتدهور القدرة الشرائية للمواطنين، بيد أنه يؤكد على أن موضوع الزيادة العامة في الأجور يندرج ضمن صلاحيات رئيس الحكومة، باعتباره الوحيد المخول له مناقشتها. وأن المركزيات النقابية اقترحت حزمة من التدابير والإجراءات التي وصف بعضها بالعملي والحسابي، ومن شأنها نزع فتيل التوتر والاحتقان والإسهام في الحد من تأثير غلاء الأسعار على القدرة الشرائية للأجراء والموظفين والمتقاعدين، وتحسين دخلهم. وترفض مثل ذلك الفتات الذي لا يعد إجراء معقولا لتحسين الدخل، خاصة بالنسبة لفئة الأجراء والمتقاعدين الذين يخضعون بشكل كبير للضريبة على الدخل. والمثير للاستفزاز أنه في خضم النقاش الدائر بين الحكومة والمركزيات النقابية، اختار رئيس مجلس المستشارين والكاتب العام للاتحاد العام للشغالين بالمغرب والقيادي بحزب الاستقلال النعم ميارة، التنبيه يوم الثلاثاء 18 أكتوبر 2022 خلال حلوله ضيفا على ملتقى وكالة المغرب العربي للأنباء، إلى أن ارتفاع الأسعار لا يهم المغرب فقط، وإنما تعاني منه جميع الدول بما فيها تلك المتقدمة وقد يؤدي إلى مجاعات في إفريقيا. مشيرا إلى ما بذلته الحكومة من مجهود كبير، لمواجهة تداعيات جائحة "كوفيد -19" والركود الاقتصادي العالمي والجفاف وارتفاع تكلفة الطاقة. وأضاف بأن هناك شعوبا في دول كبيرة تستفيد من الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية والتعويض عن فقدان الشغل، ومع ذلك تخرج للاحتجاج كما هو الحال بالنسبة للفرنسيين، مؤكدا على أن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" تحذر مما بات يهدد إفريقيا من مجاعات بسبب الأزمة الخانقة. وبعيدا عن خلفيات خرجته الإعلامية، فإن ما يستغرب له أنه دعا كل أطراف الحوار الاجتماعي ممثل الحكومة وممثلي النقابات وكذا المجتمع المدني إلى التعامل مع الوضع المتأزم بكثير من الوطنية، وأن يتفهم الجميع الظرفية الحرجة التي تمر منها البلاد، ناسيا أنه في الوقت الذي كان فيه رئيس الحكومة يدعو الوزراء إلى "شد الحزام" وترشيد النفقات، وافق سيادته على صفقة شراء 11 سيارة فاخرة لفائدة أعضاء مجلس المستشارين، تكلف الواحدة منها ميزانية الدولة ما بين 505 آلاف درهم و825 ألف درهم، متجاهلا بذلك كل التوجهات في سياق ظرفية اقتصادية عصيبة، وحدهم البسطاء من يدفعون ارتداداتها. وبالعودة إلى مهزلة العرض الحكومي، فإننا نقف عاجزين عن فهم إصرار حكومة أخنوش على تجاهل مطلب الزيادة العامة في الأجور بشكل يتوافق وحجم الغلاء المستفحل، علما أن هناك عدة بلدان في العالم تعيش بدورها على إيقاع التضخم وارتفاع الأسعار، ومع ذلك بادرت حكوماتها إلى اتخاذ إجراءات عملية من أجل تخفيف العبء عن مواطنيها، حماية لقدرتهم الشرائية وحفاظا على السلم الاجتماعي… إن على رئيس مجلس المستشارين ومعه كبار المسؤولين ومدبري الشأن العام ببلادنا، أن يعلموا جيدا أن الوطنية ليست شعارات جوفاء أو حبوبا كيماوية، يتم اللجوء إليها كلما دعت الحاجة إلى تنويم الشعب وتخديره، كما أنها ليست تعبيرات مجردة ورمزية، بل هي سلوك يومي سوي وإحساس عميق بالمسؤولية، وهي حماية المال العام من التبذير، التصدي لمختلف أشكال الفساد والريع، الحرص على الارتقاء بالخطاب السياسي واحترام حقوق الإنسان في التعليم والشغل والعيش الكريم والسكن اللائق، والسهر على ضمان الحريات والعدالة الاجتماعية والمجالية وإنصاف المظلومين والمأجورين والمتقاعدين…