كشفت الاحداث الاخيرة التي تعيشها مصر, عن اسئلة حقيقية ظل بعضها مؤجلا من قبيل شكل الدولة بعد سقوط رموز السلطة السياسية في كل من مصر وتونس ... , موقع الدين في الدولة و المجتمع بعد صعود تيارات الاسلام السياسي , طبيعة النظام الديمقراطي و النموذج الاقتصادي الذي تنشده الدول التي عرفت حراكا شعبيا منذ الشرارة التي اطلقها البوعزيزي.... . . وفي اللحظة التي تسعى فيها باقي شعوب العالم نحو امتلاك مستقبلها و التقرير في مصير حاضرها تأتي الانتفاضة الشعبية التي قادتها حركة تمرد , ولسبب ما تم احتجاز سيرورة الحراك الشعبي في مصر في سؤال ثورة او انقلاب ؟ و يمكن ان نطرح نفس السؤال بصيغة اخرى , هل من حق الشعب المصري ان يطالب بتنحي الرئيس محمد مرسي و اجراء انتخابات سابقة لأوانها ؟ بداية لا يهدف هذا المقال الى الخوض في الاجابة عن هذا السؤال , بل مساءلة جماعة العدل و الاحسان حول مشروعها السياسي و علاقته بمفهومي الديمقراطية و الدولة المدنية و من خلالها باقي حركات الاسلام السياسي في المغرب التي تجندت للدفاع عن مرسي العياط ... لكن هذا لا يعفي من تقديم بعض الملاحظات بخصوص السؤال السالف الذكر : حصل مرسي العياط في الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية على 5764952 صوت من اصل 23672236 صوت بينما حصل في الجولة الثانية على 13230131 في مواجهة منافسه شفيق. في حين استطاعت حركة تمرد ان تحشد 22 مليون توقيع لسحب الثقة من مرسي العياط كرئيس منتخب للدولة . قبلت مؤسسة الرئاسة المصرية و معها جماعة الاخوان المسلمين بالجيش كحكم حين امهل القوى السياسية اسبوعا لحل الازمة السياسية منذ 23 يونيو و في المرة الثانية حين امهل مرسي العياط 48 ساعة لحل الازمة السياسية . استطاعت حركة تمرد حشد حوالي30 مليون مواطن مصري و مصرية في الساحات و الميادين مطالبة مرسي العياط بمغادرة السلطة و اجراء انتخابات رئاسية سابقة لاوانها . وكان جواب الاخوان المسلمين بداية هو جمعهم ل 26 مليون توقيع دعما لمرسي العياط في ماسمي بحركة تجرد . لم يقدم محمد مرسي في خطابه الشهير حول الشرعية اي جواب سياسي للشعب المصري المنتفض برمزية المكان الذي اسقط مبارك وبعدد اكثر , بل اهم ما قاله هو ان ثمن الحفاظ على الشرعية هو حياته . وهي دعوة صريحة للجيش قبل عشيرته لقمع ميدان التحرير . لم يحدث في التاريخ السياسي في حدود علمي سياق مشابه لشكل تدخل الجيش في مصر , او انقلاب عسكري سبقه حراك شعبي و تظاهرات عارمة , خصوصا و ان نواة حركة تمرد هي القوى التي كانت ضد استمرار المجلس العسكري بعد ثورة 25 يناير .و ما حدث في مصر مع جمال عبد الناصر و فنزويلا مع تشافيز انقلابان عسكريان اعقبهما انتخابات و احتضان شعبي . ليست هي المرة الاولى التي تتم فيها الدعوة الى انتخابات سابقة لاوانها في الديمقراطيات الحديثة ,تحتضن اللوكسمبورغ انتخابات سابقة لاوانها يوم 20 اكتوبر القادم بسبب فضيحة تنصت غير قانونية بعد تقديم الاشتراكيين مذكرة لحل البرلمان و اجراء انتخابات سابقة لاوانها .في سنة 2009 دعت ايسلندا الى انتخابات سابقة لاوانها بسبب عجز الحكومة عن مواجهة تداعيات الازمة الاقتصادية بالرغم من ان حجم الاحتجاجات لم يكن بالزخم الذي عاشته مصر مع الاخذ بعين الاعتبار فارق عدد السكان. لم تقدم حركة تمرد زعيما لها كرئيس بديل عن مرسي العياط , بل اعتبرت ان معركتها الحقيقية هي الدستور القادم كما ادانت كباقي الديمقراطيين و اليساريين العنف الذي حصل امام الحرس الجمهوري و طالبت بفتح تحقيق ,كما رفضت عودة النائب العام السابق ....و التطورات اليومية ليست محددا للحكم على طبيعة النظام السياسي في مصر بل الدستور القادم و الانتخابات و الاجراءات السياسية و الاقتصادية هي المحدد . سؤال يطرح نفسه : لماذا لم يدعو مرسي العياط الى انتخابات سابقة لاوانها و هو المطلب الاساسي لحركة تمرد , خصوصا و ان حركة تجرد ادعت انها جمعت 26 مليون توقيع في مقابل 22 مليون توقيع لحركة تمرد ؟ و لماذا لم يعمل محمد مرسي على اقالة السيسي قبل البيان الاول للقوات المسلحة ؟ وقبل ذلك حين ردت القوات المسلحة على خطاب مرسي بخصوص سوريا ؟و لماذا تفجرت فجأة الاعتداءات على القوات المسلحة في جزيرة سيناء ؟ اعتقد ان اهم ما حققته حركة تمرد في العلاقة مع الدول العربية و المغاربية هو بداية تشكل قطيعة بين المجتمع و حركات الاسلام السياسي في احتكار هذه الاخيرة للارث الجماعي لهذه الشعوب وهو الاسلام ورفع وصايتها وحجرها عن المسلمين و المسلمات ,و من هنا يمكن ان نفهم الحالة الهستيرية التي اصابت حركات الاسلام السياسي في كل العالم ومنها المغرب .. ترفض جماعة العدل والإحسان فكرة ان يبقى الدين شأنا خاصا بالافراد ,لأن العمود الفقري لمشروعها السياسي يرتكز على فكرة الخلافة بما تستبطنه هذه الاخيرة من شعار ̈ الاسلام هو الحل ̈ .اي الانتقال من امارة المؤمنين الى خلافة المسلمين , وتدقيقا تطمح في ممارسة الحكم من خلال مجلس الشورى/مجلس الارشاد .على اعتبار انها تستند الى موقف شرعي من الحكم ,و الحال انها تقدم قراءة ضمن قراءات اخرى لقضية الحكم في الاسلام بعد وفاة النبي (ص) على اختلاف باقي الفرق و المذاهب و المدارس و الجماعات السلفية والائمة و الشيوخ و الرازي و الحلاج و لسان الدين بن الخطيب و الحجاج ... و للإقتراب أكثر من طرح جماعة العدل و الاحسان ,و تلمس ما تعنيه فكرة الخلافة على ارض الواقع لنتأمل التالي : لأجرأة دولة الخلافة بمرجعيتها الدينية , يجب مراجعة كل القرارات و القوانين ... التي تصدر عن مجموعات او مؤسسات منتخبة ... من طرف هيأة دينية حتى تكون شرعية او ان يكون مصدر التشريع في كل المؤسسات و الهيات هم رجال الدين وفي كلتا الحالتين تنتفي فكرة السيادة الشعبية . لقد سبق للاستاذ العبادي ان صرح بأن الدولة التي ينشدونها لن يصلح فيها رئيس اكبر دولة بوابا (ناهيك عن الحديث عن اصغر رئيس دولة كالاوروغواي)على اعتبار ان معايير اختيار رجال الدولة ينبني على شروط دينية .كما سبق لرئيس الحكومة ان استند الى المرجعية الدينية للعفو عن المفسدين ( عفا الله عما سلف ). لنفترض ان الخلافة على منهاج النبوة قامت في جمهورية الشيشان , مادام الملك العاض تمثله مرحلة ما بعد مقتل عثمان و الملك الجبري تمثله المرحلة الحالية . و النتيجة المباشرة لهذا هي دخول المغاربة تحت الولاية العامة للخليفة في جمهورية الشيشان .يقول الإمام عبد السلام ياسين( فكل من قاتل الاستعمار من المسلمين القتال الفعلي المسلح ما قاتلهم لمجرد انهم غزاة ,بل قاتلهم اولا لانهم كفار , وجاء الاعتبار الوطني في المقام الثاني)1 . الانتقال بالشعب المغربي من لحظته التاريخية في نضاله من اجل الحرية والديمقراطية و الكرامة و العدالة الاجتماعية الى زمن ما سمي بالفتنة ولعل احد تجلياته الفتاوي الصادرة مؤخرا و الموقف من الشيعة و الانتصار لمحمد مرسي.... شبح عودة العديد من الممارسات و العادات كالجواري و العبيد ..... ولعل الموقف الثابث لحركات الاسلام السياسي من زواج القاصرات أكبر دليل ذلك (تشير الاحصاءات الى ان اكبر نسبة وفيات للامهات اثناء الولادة هي لقاصرات ). تتأسس فكرة الخلافة على طاعة ولي الامر , مالم يظهر كفرا . وولي الامر هنا ليس الخليفة فقط الذي يختاره مجلس الشورى / الارشاد و الذي يجب ان تتوفرفيهم الشروط و باقي المعايير الدينية لاختيار الفقهاء, بل صاحب المعمل هو ولي امر العمال ,و الوزير هو ولي امر كل موظفي و موظفات القطاع و هلما جرا .. تعتبر جماعة العدل و الاحسان ان كل التحولات الجارية في المنطقة العربية و المغاربية منذ شرارة البوعزيزي , ما هي الا القومة التي بشر بها الامام عبد السلام ياسين,و أنها احدى علامات قيام دولة الخلافة الاسلامية على منهج النبوة و الديمقراطية هي فلسفة ضد الاسلام2 .لكن يمكن ان ياخذو بها مادامت تسمح لهم بالوصول الى السلطة , وهنا يجب التوقف قليلا امام الملاحظات التالية : الديمقراطية ليست هي حكم الاغلبية بالاحتكام الى صناديق الاقتراع , الديمقراطية هي سلطة الشعب من الشعب ولاجل الشعب وكل سلطة لا تاسس على الارادة الحرة للشعب التي يعبر عليها من خلال الانتخابات او الاستفتاءات او التظاهر السلمي ... لا تنتمي الى فكرة الديمقراطية في حين ان الخلافة تنبني على فكرة الشورى التي تتأسس على ارادة مجموعة من الاشخاص تتوفر فيهم شروط معينة يححددها فهم كل جماعة اسلام سياسي للنص الديني . لا يمكن فهم الديمقراطية بدون حيادية الدولة امام الدين , و لهذا السبب استطاع المسلمون و المسلمات ممارسة شعائرهم الدينية في بلاد المهجر بدون قيد او شرط . العلمانيون و اليساريون هم من واجهوا حملات اليمين المتطرف ابان احداث الحادي عشر من شتنبر و العاشر من مارس , ولا ننسى نضالات النقابيين في معركة تغيير قانون الشغل في اسبانيا لملاءمته مع الاعياد الدينية و تمتيع الصائمين بتوقيت عمل يضمن لهم ممارسة شعائرهم الدينية . يستنبث مفهوم الدولة المدنية تأصيله النظري من النقاشات التي واكبت الانتفاضات الشعبية في كل من تونس ومصر.... , الا ان هناك شبه اجماع فيما تعنيه الدولة المدنية هو انها ليست دولة عسكرية و لا دينية و ترجمته على ارض الواقع تعني عدم احتكار الدين او اعتباره نقطة ارتكاز للنقاش العام في المجتمع بل يصبح الدين شأنا خاصا للأفراد . استطاع اليسار الاوربي تطبيق فكرة البنك الاخلاقي الذي يعمل بدون فوائدو هو مشروع رائد اليوم في دعم التعاونيات و الاقتصاد التضامني , واستلهم بعض عناصر مشروعه من فكرة البنك الاسلامي (الربا محرمة في جميع الاديان),فيما انتهى هذا الاخير الى الى المضاربة في البورصات و دعم مشاريع الحجاب و السواك . خلاصة اولية ان القول بفكرة الديمقراطية و الدولة المدنية يعني التخلي عن فكرة الخلافة . 1الاسلام و القومية العلمانية عبد السلام ياسين 2الاسلام و القومية العلمانية عبد السلام ياسين