من المرجح جدا عقد القمة العربية القادمة في الجزائر مطلع شهر نونبر2022، خاصة بعد بزوغ علامات إيجابية صادرة عن عديد الدول العربية الوازنة، والاتفاق شبه المؤكد لغياب سوريا في هذا اللقاء العربي السامي، وتحييد أي محاولة جزائرية لإيصال رسائل مناوئة للوحدة الترابية والصحراء المغربية تحديدا. ويبدو أن المواضيع التي ستكون محط اهتمام ومعاينة ممثلي الدول العربية لن تخرج عن أزمات وتطلعات شعوب المنطقة، من قبيل القضية الفلسطينية وليبيا ولبنان والعراق، والعمل من أجل "لم الشمل العربي" وإعادة اللحمة إلى العمل المشترك سياسيا واقتصاديا ولو في حدوده الدنيا. في الأثناء تمت الإشارة في أكثر من وسيلة إعلامية عربية ودولية إلى أن الملك المغربي محمد السادس قد يحضر شخصيا في هذا الملتقى العربي الاستثنائي، رغم أنه لا يفضل حضور قمم تقتصر على لقاءات بروتوكولية شكلية وإلقاء خطب حماسية خالية من اتخاذ قرارات ملموسة، تخدم المصالح العليا للمواطن العربي البسيط، وحقه في الحرية والعدالة والكرامة. بيد أن جانبا كبيرا من الإعلام الجزائري بدا ضائعا مترددا متخبطا أمام هذا "المستجد"، تجلى ذلك في الخروج المتشنج المنفعل لبعض المحسوبين على المعنيين بالشأن السياسي والصحفي الجزائري، الذين اجمعوا على ضرورة "احترام" جدول أعمال القمة، وعدم التطرق إلى موضوع العلاقة المغربية الجزائرية لا من قريب ولا من بعيد، ورفض أي مسعى للمصالحة بين الدولتين الجارتين، انطلاقا من "حرص" الدولة المستقبلة لهذه القمة على "جمع الكلمة العربية"، وأن الأزمة المغربية الجزائرية موضوع "مستقل تمام الاستقلال" عن حال ومآل الأمة! في كل الأحوال فإن المشاركة المغربية في القمة المقبلة، سواء بحضور الملك محمد السادس أو أي شخصية رفيعة المقام، خطوة بالغة الأهمية والاعتبار لبلورة نتائج راجحة ومعززة للحلم العربي في العمل المشترك والبناء. وفي السياق لا أرى أي مانع من جلوس المغاربة والجزائريين على هامش اللقاء لرأب جزء من الصدع، وإعداد مناخ من التهدئة للانتقال إلى مرحلة التعاطي المجدي مع القضايا الثنائية الشائكة والمعلقة، والتمهيد لوضع استراتيجية عقلانية واقعية وذات مصداقية، قريبة وبعيدة الأمد من أجل استنبات استقلال من نوع آخر، استقلال تاريخي في ميدان التنمية الشاملة والإقلاع الحضاري، الذي تنتظره شعوبنا منذ أكثر من ستين سنة، كل ذلك على أساس متين يتمظهر في التقدير المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الخاصة للدولة الأخرى، والاحترام المطلق لوحدتها الترابية، فما يجمع الجزائر والمغرب أكثر مما يفرق بينهما ماضيا وحاضرا ومستقبلا، وإذا كان أشقاؤنا لا يقبلون وساطة عربية أو إفريقية أو دولية مع المملكة المغربية، وأنهم يحبذون لقاءات ثنائية مباشرة "لمسح الطاولة"، فالمغرب مستعد كل الاستعداد للقاء مع الشقيقة الجزائر لوضع "النقاط على الحروف"، والقضاء على التجاذبات السياسوية الضيقة التي كانت عاملا جوهريا في إضاعة فرص ومواعيد البناء والتشييد وضمان "القوة الاقتصادية الضاربة" للإقليم المغاربي الجريح.