هل الإطاحة بمحمد مرسي تعد انقلابا عسكريا أم استكمالا لثورة المصريين؟. هذا هو السؤال الذي أصبح حديث الجميع منذ الإعلان عن عزل الرئيس الإخواني بعد سنة واحدة من توليه السلطة بطريقة وصفت ب"الديموقراطية". وهكذا فإن ما حدث يعد بالنسبة للكثيرين بمثابة تراجع خطير عن الخيار الديموقراطي الذي عبرت عنه صناديق الإقتراع. لكن وجهة النظر المخالفة لها ما يبررها أيضا. ذلك أن وصف قرار القوات المسلحة بأنه انقلاب ضد "الشرعية" ليس دقيقا بالنظر إلى الظروف التي أطرت "تدخلا عسكريا " من هذا الحجم في الحياة السياسية بمصر. فغليان الشارع وانقسام المصريين بين مؤيدين ومعارضين لحكم مرسي وضع البلاد على حافة الهاوية، وأدخلها في نفق مظلم لم تخرج منه حتى الآن، لكن هذا القرار على الأقل نجح في إيقاد قبس من الضوء ليمسح بعض العتمة، وينير طريقا جديدا قد يكون سالكا وقد لا يكون. المهم أن تتم المحاولة من جديد. من المؤكد أن تدخل العسكر لم يكن من أجل سواد أعين المصريين فقط، فقد بدا التنافر واضحا بين المؤسستين الرئاسية والعسكرية منذ تولي مرسي مقاليد السلطة، كما أن تنامي حضور الإخوان المسلمين في دواليب الدولة جعل قادة الجيش يستشعرون الخطر، لا سيما وأن أي نجاح في " أخونة الدولة" كان من شأنه أن يهدد امتيازاتهم ونفوذهم المادي والمعنوي، لكن فرصة التخلص من الكابوس الإخواني كانت تحتاج إلى غطاء شعبي يمنح المشروعية "الثورية" لأي قرار من هذا القبيل. وهو ما تحقق فعلا بعد تأسيس حملة " تمرد" التي استطاعت تجييش الشارع المصري بشكل غير مسبوق. وقد ساهمت أخطاء مرسي وجماعته في تسهيل مهمة معارضيه، وكان تحديد تاريخ الثلاثين من يونيو كموعد للنزول إلى الشارع إيذانا بنهاية " زمن الإخوان" خصوصا وأن الشارع الغاضب كان مستعدا للترحيب بعودة القوات المسلحة إلى المشهد من جديد، حتى يتخلص من حكم المرشد وتخبط مرسي وجماعته. هكذا إذن أسفر إعلان القوات المسلحة المصرية عن عزل الرئيس مرسي وإلغاء الدستور عن ارتياح واسع لدى أوساط المعارضة، وأجمع كل مناهضي الإخوان على أن تصرف الجيش جاء لينتصر لإرادة الشعب الذي استنجد بالعسكر حتى ينجح في الإطاحة بمحمد مرسي الذي ظل يردد في آخر أيام حكمه لازمة واحدة مهددا ومتوعدا كل الذين يحاولون إسقاط "الشرعية". لفظ " الشرعية" هذا كرره الرئيس المعزول في خطابه الأخير حوالي مائتي مرة. وهذا دليل على ضعف حجة دفاع الإخوان عن وضعهم وحقهم في الإستمرار في السلطة، فالرئيس لم يجد ما يقنع به المحتجين والغاضبين من إنجازات أو تدابير، فاختار ترديد كلمة "شرعية" التي أصبحت آخر حائط يستند إليه أنصار الحكم السابق. أما المنجزات الميدانية بعد سنة من الحكم فلا تشفع لهم بإقناع أي أحد، لأن الأزمات تفاقمت بشكل كبير على كل المستويات خلال هذه السنة دون أن تتمكن السياسات الحكومية من تصحيح الأوضاع اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. لقد فشل الإسلام السياسي من خلال النموذج المصري فشلا ذريعا في تدبير الشأن العام. إذ اتضح بالملموس أن حزب "الحرية والعدالة"، وهو المظلة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين لم يتمكن من الإستقلال عن توجهات الجماعة وشعاراتها، فبالرغم من حرص مرسي على التأكيد على الإلتزام بقوانين الدولة المدنية، فإن الخرجات الإعلامية للإخوان بدعاتهم وفقهائهم وسياسييهم ملأت سماء الفضائيات ضجيجا، وذلك بلغة التخوين والتكفير والتهديد والوعيد وبث التفرقة والتحريض الطائفي وتوزيع الإتهامات على كل من يخالف نهج الجماعة. وهكذا ألبس حكم المرشد صراعه مع معارضي الإخوان لباسا دينيا، في الوقت الذي ينتظر فيه المواطن البسيط تدابير عملية في القطاعات الحيوية تشعره بوجود تغيير ما، وتجعله يطمئن على أمنه ولقمة عيشه ومستقبله. إن التجربة الإخوانية في مصر أثبتت أن الديموقراطية لا تقتصر على صناديق الإقتراع التي تفرز أغلبية حاكمة. والذين يعتبرون تدخل العسكر انقلابا على الشرعية وتراجعا عن قيم الديموقراطية هم مخطئون حتما، لأن وصول مرسي إلى السلطة كان خطأ فادحا اشتركت فيه قوى إيديولوجية مختلفة، حيث كان الشعب مجبرا على الاختيار بين الشيخ ( محمد مرسي) والجنرال ( أحمد شفيق)، فآثر أن يفضل مرشحا إسلاميا عن اقتناع أو عن اعتقاد خاطئ بأنه الخيار الأفضل. والحال أن المشكل لا يرتبط بطبيعة المرشح أو خلفيته الإيديولوجية بقدر ما يتعلق بطبيعة التوافقات التي يتم من خلالها التأسيس للعهد الجديد. وهنا لابد من أن نفهم أن الديموقراطية في شقها الإنتخابي ليست إلا تتويجا لمراحل سابقة ينبغي أن يتم الإعداد لها والحسم فيها دستوريا قبل الوصول إلى محطة الإقتراع التي تفرز السلطة الحاكمة. وبدون اتفاق مسبق على قواعد وآليات الممارسة الديموقراطية التي تقوم على قوانين الدولة المدنية بالشكل الذي تعرفه الدول الغربية ذات التقاليد السياسية العريقة... وبدون الوصول إلى التوافق حول دستور "علماني" يضمن الحريات ويدافع عن حقوق المواطنة ويحيد الدين في الممارسة السياسية، لن تتمكن الديموقراطية من إرساء قواعدها ولن تتنسم الشعوب نسائم الحرية ولن تنجح في تحقيق مطلب البناء والنماء.