بدأت تأثيرات ما يقع في مصر تتسرب إلى الفضاء العام المغربي، وبدأت معها التحليلات لما يقع في أم الدنيا. وكما كان منتظرا خرج التيار الإسلامي في المغرب بقراءته لما يحدث. أول موقف كان من طرف عبد الله باها، وهو لسان حال رئيس الحكومة، وعندما نقرأ بنكيران بين السطور نجد.. عبد الله باها. فهو بين السطرين، و كلما تحدث عبد الله، فهمنا ما يريده عبد الإله. والموقف في البين بين، أي موقف يقول بأن الأخطاء، لا يمكنها أن تبرر الإنقلاب. وهو معطى يضمر في الواقع موقفين مختلفين، الأول التسليم بوجود أخطاء (فقط)، والثاني يسلم بوجود انقلاب عسكري. أولا، بخصوص الانقلاب، لم يشهد تاريخ البشرية أي انقلاب عسكري، يظل المنقلب عليهم في ساحات المدن يعارضون ويهتفون لمن أطيح به، بل يمكنهم أن يقوموا بغارات وضربات موجهة إلى مناطق عسكرية ومواقع الدولة بمعناها الجاهز. ثانيا، يقتضي التسليم بوجود انقلاب، أن المصريين لم يخرجوا أو أن الذين خرجوا هم فقط الفلول والعلمانيون المتعسكرون ورعايا الفساد. وهنا لابد من التفكير في الإطاحة بثلثي الشعب المصري، الذي يبدو أنه لا يحب الفساد فقط، بل هو ضحيته الأولى والأخيرة. ومن يكون مع الاخوان والرئيس هو بالضرورة رائد الإصلاح، وأن من هو ضد، هو بالضرورة بقايا نظام سقط. والحال أن هذا التقسيم المانوي، إلى أبيض وأسود، لا يستقيم في حالات تكون فيها الوضعية الثورية لم تحسم نهائيا، هكذا هو التاريخ. الانتخاب والاقتراع معرض لدورة الثورة، كما هو معرض إسقاط النظام لنفس المبدأ. لا أحد تحدث عن رئيس منتخب صحيح، لا يلقي خطابا إلا بعد تأشيرة المرشد الإخواني. لا أحد تحدث عن رئيس منتخب صحيح، لا يتخذ قرارا إلا إذا كان لفائدة الجماعة أو من يساندها. لا أحد تحدث عن رئيس، يختطف جنوده وضباطه ويطلب عدم «الإساءة» إلى المختطفين.. لا أحد تحدث عن رئيس منتخب، لكنه يسمع ويبارك ويزكي دعوات تقول إن المعارضين «سيأكلون في الشوارع» وأن الشيعة سيشوون، وأن الأقباط عليهم أن يغادروا مصر أو يدفعوا الجزية، وأن الفن مرتع للفساد وأن الإعلام مرتع للفلول، وأن الديموقراطية لها معنى واحد، هو وصول الرئيس إلى السلطة لتغيير الدولة وطبيعتها رأسا على عقب. ولا أحد تحدث، بالفعل، عن شرعية التظاهر وحماية المدنيين المتظاهرين، وهم مهددون بنزول «جند الله» وليس جند الديموقراطية وسرايا الجهاد وليس سرايا الصندوق... ولا أحد تحدث عن ميزان القوى المختل، من جهة القوة: حشود غفيرة غير مسبوقة في تاريخ الثورات، لا تملك قوة السلاح، وحشود «شرعية» تملك القدرة على الترهيب بتاريخ لم ينس بعد، ومهام لا زالت مستمرة. على الذين يفكرون بخطاطات سابقة عن الحدث ألا يسقطوا من أذهانهم مخاوف الشارع المصري، ولا يكفي أن ننعتهم بالمتربصين وأعداء الإسلام (كذا)، أعداء الشرعية لكي نلغي مطالبهم التي عبأت ملايين المصريين. ولا يمكن أن نلغي مخاوفهم وهم يرون الاستبداد يبنى حجرا حجرا، في مجهود لم تكن مسيرة 80 سنة، منذ البداية مع حسن البنا رحمه الله، سوى إثبات عكسه، مسيرة للتدرج والعمل في المجتمع وتقوية النفس الدعوي. لننصت إلى الذين كانوا من قيادات الفعل التاريخية، وعلى رأسهم محمد الحبيب، الذي كان نائبا للمرشد، ورشح مرة لكي يكون مرشدا للإخوان، وما يقوله عن خطط الجماعة الحالية وأجنداتها، وتقديره للموقف الحالي (حوار نشرته الجريدة يوم 29 يونيو، أي قبل يوم واحد من الثورة الجديدة)!.. ولا يمكن بأي حال ترسيم الاحتقار بجعل كل الذين طالبوا برحيل مرسي قبل الآوان، هم «من أدعياء الثورة». وهم نفسهم الذين وقفوا معه ضد أحمد شفيق، مرشح «الفلول» .. يعني! الدفاع عن الشرعية هو أولا التسليم بقوة الإسلام السياسي والاجتماعي في حل التناقضات. وهنا نصل إلى ما يطرح حول «التهديد» بعودة الإخوان المقتنعين بالديموقراطية إلى .. السلاح (وعلينا أن نتساءل متى اقتنعوا بتركه ولو لفترة ممكنة ؟) وهنا، علينا أن نفهم ما يطرح مشكلا في طبيعة السؤال نفسه. هل التعامل السلمي والاقتناع بالسبل الديموقراطية مسألة مشروطة بقبول كل ممارسات التيار الإسلامي الديموقراطي، أم أنها قناعة مرتبطة بتقدير موقف تاريخي يتجاوز العقبات؟ وباستحضار تجربة اليسار نفسه: هل كان الانتقال من الانقلابية البلانكية والكفاح المسلح، ودخوله إلى معترك التجربة الديموقراطية، والمسلسل الديموقراطي، قد تطلب جدالا سياسيا وفلسفيا وعمليا طويلا، كما أن ممارسته تعرضت لأبشع أنواع المواجهة بما فيها المواجهة مع الجيش وبقايا الديكتاتورية العسكرية (حالة المغرب مع أوفقير ودليمي)، وفي شروط مازلنا نقول إنها مناهضة للديموقراطية، كان المبتغي من ورائها إبادة الأحزاب، فهل كان ذلك مبررا للعودة إلى الوراء؟ لقد كانت قوى كثيرة منه تومن بالحل الجذرى عبر الوسيلة الجذرية، واقتنعت أن ذلك لا يصنع بلادا فيها الحراك الديموقراطي القادر على بناء الإنسان وقيم الإنسان ومجتمع الإنسان الحر، المتميز .. لا أعتقد بكل صدق أن السرايا كانت تنتظر الموقف الحالي لكي «تنجر» إلى الكفاح المسلح. فقد بدا واضحا أنه من الدقائق الأولى للموقف المعلن من طرف الجيش، أن الأسلحة موجودة وخطة الهجوم موجودة، وأن الزر موجود لكي تبدأ العمليات، وليس من الصدفة أنها بدأت، حيث تشكو مصر، وحيث كانت الدولة تتعرض للتركيع يوميا في عهد مرسي، وحيث تتألم مصر أكثر: سيناء. وإذا كنا لا نريد أن نسقط كما يحدث في مصر على تجربة الحكم في المغرب مع بنكيران، فعلينا، أيضا، ألا نسقط تجربة الجزائر على مصر. ففي الجزائر لم تكن هناك ثورة. ولا ثورة أولى، ولا ثورة ثانية، ولم تكن هناك قوى ثورية تختلف من بعد. ولا جرب الإسلاميون الحكم للمدة التي مرت ولا حاولوا، بالفعل، أن يصلوا إلى تغيير طبيعة الدولة. كان الخطأ الجزائري بدون ثورة ولا ثوريين ولا .. شيء سوى صناديق واضحة النتائج في سياق مبهم. الجيش، الذي «كان مع الشعب يد واحدة». وهو الذي طالبه الشارع بالخروج من دائرة الفعل السياسي، فخرج «مع يسقط حكم العسكر». والجيش، هو جزء من النسيج الاجتماعي والتاريخي في مصر، لمدة 7 آلاف سنة. وليس مع دخول الاحتلال البريطاني، وله ما يكفي من الشرعية الوطنية لكي يتقدم بها للدفاع عن مدنيين كانوا يهددون على شاشات التلفزيون بالقتل والإبادة. ومع ذلك تقتضي ثقافتنا المغربية، وتجربتنا أن نبقى الجيش خارج الفعل ودائرة التسيير، وهو ما نريده بالفعل، في كل دول العالم. ولا يمكن أن نحتكم إلى خطاطة تفرض من الأول وجود متهم ، هم كل الذين خرجوا يطالبون بالثورة من جديد. ولا أن يكونوا عرضة لثوار سوريا، التي انتظرت وصول المصريين، فإذا بها تبعث بأبنائها. ولا بدخول أبناء حماس إلى مصر للدفاع عن المشرف العام للإخوان الدوليين. لقد وقعت أخطاء كثيرة في تدبير مسارات الثورة، وكان المنحى الذي سارت فيه سياسة محمد مرسي، منحى يتجاوز التفكير المبسط الذي يريد أن يكون عسكر .. وإخوانية. لا أحد يمكنه أن يقبل بإلغاء قنوات الإخوان، ما دامت خارج أداة الترهيب والتعبئة الجديرة والملحة، ولا أحد يقبل بأن يعتقل القادة والأعضاء، بدون موجب حق، وبدون احترام كامل للقانون والقضاء، ولا أحد يمكنه أن يقبل أن يدفع جزء من الشعب المصرى، إلى زاوية اليأس، لأننا نعتقد بأن الخطأ أخلاقي وسياسي كبير، ولكن لا أحد يسلم بمقولات مسلوقة، بدون إلغاء حق أغلبية الشعب من أن تعيد النظر في نتائج الصناديق. فليذهب الإخوان مجددا بالشرعية والمشروعية، وليضعوا الخصوم كلهم في الهامش بانتصار آخر في الرئاسة، ما الذين يمنعهم إذا كانوا من الصابرين غير المستكينين؟