احتضنت مدينة الرباط لأول مرة فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، خلال الفترة ما بين 2 و 12 يونيو 2022، بعد أن ظلت مدينة الدارالبيضاء المضيف الحصري لهذا العرس الثقافي الهام، الذي شكل مناسبة متميزة لا تمر مرور الكرام. وبعيدا عن الأرقام الرسمية التي تم تداولها حول نسخة معرض "الرباط"، مقارنة بمعرض "الدارالبيضاء"، لأن هذه المقاربة الحسابية ليست ضمن أهداف هذا المقال، وكذلك عدد الزوار وحجم المبيعات وما اقتناه زوار المعرض وضيوفه من إصدارات من شتى الأقطار والأصناف والتخصصات والأجناس الفكرية والأدبية والعلمية…. فإننا لن نتناول هذه الحصيلة بالتعليق والتقييم. فعلا شكل تنقيل المعرض من العاصمة الاقتصادية إلى العاصمة الإدارية فرصة للمطالبة والترافع من أجل الاحتضان الترابي لفعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب، عبر مختلف جهات المغرب. ولو تحقق هذا التطلع لأصبح المغرب ينظم 12 معرضا للنشر والكتاب كل سنة، وبالتأكيد سوف تعم المعرفة مجموع التراب الوطني وسوف تتسع فائدة المعرض الكتاب مجموع التراب الوطني وجغرافياته المتنوعة. ومما يجدر التذكير به أن المغرب الذي اعتمد، رسميا، الجهوية ( 12 جهة) وسبق أن تم التداول حول اللامركزية واللاتمركز…وصولا إلى الجهوية الموسعة والاختصاص الترابي وما يستدعيه من تقريب كل الخدمات والأنشطة من الفئات المستهدفة…. وعليه يتعين، منذ اليوم، استحضار الشأن الثقافي، ومن ضمنه معرض النشر والكتاب، في دائرة اهتماماته وانشغالاته ورهاناته…لاسيما تنظيم المهرجانات والمعارض ….وما تستلزمه هذه العملية من إحداث وتوفير التجهيزات والبنيات الثقافية ( التحتية والفوقية…) لتشجيع القراءة وترسيخها في الحياة اليومية لكافة المواطنين، لاسيما القراءة الورقية القائمة على قراءة ما هو مكتوب ومنشورعلى الورق إلى جانب القراءة الإلكترونية / الرقمية التي تنتشر وتتفشى بشكل ملموس في الوقت الراهن وفيما سيأتي من السنين والعقود القادمة بوثيرة أسرع من المتوقع. وهذا خيار حتمي ولا مناص منه لأنه سينصف العديد من الجهات الجغرافية للبلاد، بحيث يتيح نوعا من المساواة وعدم التمييز بين مناطق المغرب وجهاته، وبالتالي نبذ نظرية المغرب النافع والمغرب غير النافع، كما سيشكل الأمر حافزا على القراءة يطوق عنق القائمين على الشأن العام جهويا وإقليميا للانخراط في توفير شروط الولوج إلى المعارض الجهوية للكتاب على قدم المساواة بين جميع جهات المملكة، كما سيخلق الحدث ترويجا لفعل القراءة ولاقتناء الكتب والحد من انتشار الجهل والضحالة والرداءة، ويساهم في تربية الذوق وتهذيبه. كما أنه من المؤكد أن انتظام احتضان معرض الكتاب جهويا سوف يساهم في تحسيس القراء والقارئات، على اختلاف شرائح أعمارهم، بأهمية القراءة، وذلك من خلال أنشطة مكثفة ومتنوعة مواكبة لمعرض الكتاب الجهوي، بخلفية تحفيزية، فالقراءة مفتاح أساسي لعوالم ثقافية، علمية وفنية وحضارية بشكل عام… والعمل على ترسيخ ثقافة القراءة في مجتمعاتنا وعلى تشجيع الاستهلاك الثقافي، …. كما ينبغي التذكير بالمساهمة الفعلية والملموسة للمدارس، العمومية والخاصة، إبان فترات تنظيم المعرض الجهوي للنشر والكتاب . ولا شك أن فترة انعقاد المعرض الجهوي للنشر والكتاب …سوف يكون لها تأثير مؤكد وواسع لترسيخ عادة القراءة في البيت وفي المدرسة والفضاءات العامة ….. وغيرها، والتكيف مع التطورات الرقمية لتسهيل الوصول إلى الكتاب، رغم أن مصادر متخصصة في المجال لا تخفي التراجع الرهيب والمقلق لفعل القراءة واستهلاك ما ينشر ورقيا، أساسا، وبالمقابل اتساع فعل النشر الرقمي المصور، والذي انضاف إليه الكتاب "المسموع" الذي يكتفي إزاءه القارئ بالسمع فقط. ومن شأن هذه المعارض الجهوية أيضا أن تنعش عرض الكتب والمنشورات المغربية، وأن تنعش الإقبال على ما يُنشر في بلادنا. ونشير بالمناسبة إلى أن مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود ( ومقرها الدارالبيضاء) أوضحت في تقريرها الصادر مؤخرا، عن " وضعية النشر والكتاب في المغرب في مجالات الأدب والعلوم الإنسانية والاجتماعية 2017-2021′′، أنّ المنشورات الورقية بلغت 8365 عنوانا، ممثّلة نسبة 80% من حصيلة النشر المغربي في المجالات المعرفية التي يشملها التقرير (العلوم الإنسانية والاجتماعية، وكذلك الإبداع الأدبي)، فيما بلغت المنشورات الرقمية 2089 عنوانا، أي نسبة 20%. ويمكن أيضا، لو تحققت عملية المعارض الجهوية المقترحة، التفكير في دعم "الجهات الترابية" لعملية نشر الإنتاجات الفكرية المغربية، والاستفادة من تجربة وزارة الثقافة في الميدان، ذلك أن هذه الوزارة ظلت لعقود من الزمن المؤسسة الراعية بامتياز للنشر في المغرب، إذ قدمت خلال سنوات 2017-2021 الدعم المالي ل 651 عنوانا، أي 67،18% من الكتب المدعومة. لذا أدعو للتفكير بجدية ومسؤولية في العمل من أجل إقرار جهوية ثقافية مستدامة، عبر معارض جهوية للنشر والكتاب، تفعيلا لمبدأ المساواة الترابية/ المجالية في ولوج الثقافة والحق في المعرفة.