قالت نزهة بلخياط، خلال ندوة «القراءة من الورقي إلى الرقمي»، المنظمة بالمعرض الدولي للنشر والكتاب بالدار البيضاء، إنه منذ الستينيات تنبأ ماكلوهان ببداية نهاية الكتاب الورقي، والاستعداد للدخول إلى العالم الالكتروني والرقمي. وانتصرت بلخياط الباحثة في مجال المعلوميات بجامعة أورلاندا، في الندوة التي سيرتها، بشرى زكاغ، إلى الطرح الذي ينادي بالإبداع إلكترونيا وحذف كل ما هو ورقي، مشيرة إلى أنه لا يهم الكم في الكتاب بقدر ما تهم المعطيات التي يمكن قراءتها من هذا الفضاء وذاك. وذكرت المتحدثة، في مداخلتها بعنوان «القراءة في زمن الرقمي»، بأن العدد الإجمالي من الكتب التي نشرت خلال سنة 2018 بالمغرب لم تتعد 4000 كتاب، وهو اعتبرته رقما قليلا جدا بالمقارنة مع عدد الساكنة. وأشارت إلى أن رقم المبيعات هو الآخر ضعيف، حيث تتراوح مبيعات الكتاب الواحد بين ألف و 5 آلاف كتاب، باستثناء بعض المؤلفات التي تتجاوز 10 آلاف نظرا للمواضيع التي تعالجها، وكذا وزن كاتبها في الساحة الثقافية. ووفق نزهة بلخياط فالكتاب غير متواجد بصفة دائمة، بمعنى، مرتبط فقط بالمناسبات، مثل المعرض الدولي للكتاب، أو المعارض الجهوية، وكذا اليوم العالمي للكتاب، موضحة بأن الاهتمام بالكتاب على المستوى الإقليمي ضعيف جدا، ذلك، أن العالم العربي ينفق 4 ملايير دولار على الكتاب، في الوقت الذي تنفق فيه الاتحاد الأوروبي 12 مليار دولار !. وعزت بلخياط التراجع عن الكتاب إلى سلسلة من الأسباب، منها السياسي، الاجتماعي، الاقتصادي وكذا الثقافي، وهي أسباب تزيد من عقدة غياب القراءة، التي كانت في عصر الورقي ولا زالت مرتبطة، بالزمان والمكان، عكس العصر الحالي المتميز بالإلكتروني الذي يسمح بالانتشار والقراءة بدون قيود زمكانية. وأشارت الباحثة في مجال المعلوميات، إلى أن الإنسانية أنتجت ما بين سنة 2014 و2016 أكثر من ما أنتجته البشرية منذ الخليقة، ويرجع هذا الكم الهائل من المنتجات إلى التقدم التكنولوجي، والعولمة التي ساهمت في تسهيل تنقل المعلومات، وتدفق المعطيات عبر نطاق واسع. ودحضت المتدخلة فكرة أن المغاربة لا يقرؤون، مؤكدة بأن الجميع يقرأ، وذلك، عبر أوعية ووسائط متعددة، أي على شاشات الحاسوب، والهاتف المحمول.. «يقرؤون النثر، الشعر، القصة، الرواية والمقالات النقدية.. من هنا يجب أن يراجع تعريف مفهوم القراءة»، تقول المتحدثة. ودعت نزهة بلخياط في الأخير، إلى ضرورة اللحاق بالركب عوض التشبث بكل ما هو ورقي، والبكاء على العصر الإلكتروني والرقمي الجديد، هذا، مع ترويج بعض المعطيات والمعلومات والأرقام الخاطئة التي لا تزيد إلا من تأزيم الوضع ليس إلا، توضح الباحثة في مجال المعلوميات. من جهته، علق سعيد يقطين على الموضوع بالقول: «إن الموضوع متشعب وزواياه متعددة»، مشيرا إلى أن عنوان الندوة لا يتلاءم مع ما يود أن يتحدث عنه، قبل أن ينتقل إلى تفنيد فكرة، أن المكتوب سائر نحو الزوال، وذلك من خلال تأكيده على أن الشفوي ظل ملازما للمطبوع، وهو ما يحدث اليوم، حيث المطبوع مساير للعصر الرقمي. وأكد الناقد الأدبي يقطين، بأن الورقي جاء ليكمل الورقي وباقي وسائط التواصل الأخرى، وليس ليزيحها، واضعا يديه على جرح مشكل القراءة، المرتبط بالأمية وغياب ثقافة الكتاب والقراءة التي من المفترض أن تساهم في الارتقاء بالوعي الجماعي والفردي على سواء. وأوضح يقطين، في مداخلته بعنوان «إكراهات القراءة الرقمية»، بأن الوسيط الجديد له مجموعة من الإيجابيات، من قبيل؛ تعزيزه للقراءة والتعلم في صفوف المكفوفين، نظرا لتعدد وسائل التلقي عبر العالم الرقمي؛ الصورة، الفيديو، الصوت ثم أيضا الكتابة. وطالب الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، بضرورة بناء جسور تواصل بين ما أنتجته البشرية على مر العصور، هذا بالإضافة، إلى ما سيمكن أن تنتجه خلال القادم من السنوات (المستقبل)، مبرزا، بأن الوسيط الرقمي صار في خدمة النص المكتوب. وما نحتاجه اليوم، بحسب سعيد يقطين، هو التوفر على ملكة التلقي في تحليل المعطيات، وطرق التعامل مع المعلومات، وكيفية التعامل مع المراجع التي أصبحت متاحة للجميع بدون شروط مسبقة، مادام التلميذ، أو الطالب، أو الباحث يتوفر على الإنترنيت. ويرى يقطين، بأن المشكل أيضا، يكمن في كيفية استيعاب المضمون عبر الإنترنيت، وما هي الطريقة التي يجب أن نقرأ بها النصوص، مذكرا بأنواع القراءة التي تنقسم إلى؛ القراءة الاستكشافية، والقراءة السريعة، والقراءة المتأنية.. وختم الباحث في المجال الرقمي، مداخلته، بالوقوف عند مشكل التمييز بين النصوص الإلكترونية، والنصوص الرقمية، موضحا بأن النصوص الإلكترونية هي التي تتم قراءتها في PDF (مصورة)، أما النصوص الرقمية، فهي التي تنتج بداخل الحاسوب وتستعمل فيها صور وفيديوهات ومقاطع صوتية..، مبينا بأننا لم ندخل إلى زمن الأدب الرقمي بعد. وكانت المداخلة الأخيرة، مع عبده حقي، الذي حاول من خلال ورقته، أن يفرق بين الأدب الرقمي والإلكتروني، بالإضافة إلى الحديث عن إيجابياتهما وسلبياتهما معا، متسائلا، عن أين يمضي القارئ مع هذه الحوامل الإلكترونية ؟ هل نمضي نحو القارئ المترفه ؟.. وكشف حقي بأن النص المتشعب نجد فيه صورا وفيديوهات ووسائطا أخرى، لها تأثيرات سلبية على التعلم، الحفظ والاستيعاب، نظرا للأدمغة التي تكون مشتتة مع هذه الوسائط، بالإضافة إلى الذهن الذي يفقد تركيزه على المادة التي يقرأها، ويبدأ في النقر على روابط أخرى، لا علاقة لها مع النص الأدبي. وبالنسبة للأستاذ الباحث في الأدب الرقمي، فإن الأدب المتشعب يتميز بالترفيه والتغرير، حيث انتقل الفرد من القراءة النفعية إلى القراءة العرضية والثانوية، التي سوف لن تكون لها تأثيرا في المستقبل، مادام الفرد فقد سلطته على القراءة. وسجل عبده حقي، بأن النصوص القصيرة أو الطارئة بدأت تتكاثر بالمقارنة مع النصوص الطويلة، الأمر الذي يؤثر على تصور وفكر القارئ، بل والكاتب أيضا، الذي أصبح في حاجة إلى أن يلبي حاجة المتلقي بنصوص أدبية قصيرة، لاسيما، وأن الوقت لم يعد كافيا لتقديم نفس للنصوص الطويلة. ووصف حقي إقبال المتلقي على الوسيط الالكتروني اليوم، بالانحراف نحو أشياء أخرى حيث البحث عن الجاهز والقصير والسريع، من خلال كلمات المفاتيح الجاهزة، التي تسهل الإبحار بطريقة جديدة في العالم الرقمي. وفي الأخير، لم يذكر المتحدث إيجابيات الوسيط الرقمي، إذ ختم مداخلته بالتساؤل، حول دور هذه الأسانيد الإلكترونية في تنمية الوعي ومحاربة الأمية، خصوصا في طرق التدريس التربوية والبيداغوجية بالمؤسسات التعليمية. يوسف الخيدر