دخلت العلاقات الجزائرية الإسبانية منطقة اعصار قوي، بعدما قررت الجزائر، يوم الأربعاء، تعليق كل الاتفاقات المبرمة بين البلدين، واتخذت يوم الخميس قرارا بتجميد كل تبادل تجاري بينهما، وهو ما قد ينعكس على واردات اسبانيا من الغاز الجزائري، لذلك سارعت مدريد إلى الدعوة إلى الحوار وفي نفس الوقت التلويح باللجوء إلى المحاكم الدولية في حال أخلت الجزائر بإلتزاماتها القانونية تجاه اسبانيا. قالت وزيرة الطاقة الإسبانية تيريزا ريبيرا يوم الخميس، إنها واثقة من أن شركة الغاز الجزائرية المملوكة للدولة "سوناطراك" ستحترم عقودها التجارية لتوريد الغاز الطبيعي إلى المرافق الإسبانية على الرغم من الخلاف الدبلوماسي. وقالت في مقابلة مع محطة الإذاعة الإسبانية أوندا سيرو: "لا نعتقد أنه يمكن مخالفة (العقود) بشكل أحادي بقرار من الحكومة الجزائرية". وأقرت ريبيرا بأن الخلاف يأتي في توقيت دقيق، إذ تخضع عقود إمدادات الغاز حاليا لعملية مراجعة الأسعار. التلويح باللجوء إلى المحاكم الدولية ونقلت وكالة إيفي الرسمية، تصريحات وزير الخارجية خوسي مانويل ألباريس هذا الخميس بأن "الحكومة تدرس تداعيات قرار الجزائر بتجميد التجارة الخارجية وسنرد بطريقة بناءة وحازمة للدفاع عن مصالح إسبانيا". وفي تصريح لإذاعة أوندا سيرو، قالت نائبة رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الطاقوي إن "العلاقة بين شركة سوناطراك المسوقة للغاز والشركات الإسبانية تخضع لاتفاقيات، وأتمنى استمرار العمل بها، وفي حالة العكس، ستكون مشكلة شائكة سيتعين حلها ليس عبر العلاقات الدبلوماسية، وإنما عبر التحكيم والمحاكم الدولية". واعترفت بوجود "مراجعة معقدة للأسعار بين سوناطراك والشركات الإسبانية منذ شهور، لكن لا مؤشر يدل على خرق الاتفاقيات من جانب واحد من طرف الحكومة الجزائري"، في إشارة إلى احترام الاتفاقيات الموقعة بين الطرفين. ولا يستبعد، وفق ما سبق لمدير شركة سوناطراك الجزائرية التصريح به، بأن يتم رفع سعر الغاز المصدر نحو إسبانيا دوناً عن باقي زبائن الجزائر. معاهدة عمرها 20 عاما وعلقت الجزائر الأربعاء معاهدة صداقة عمرها 20 عاما مع إسبانيا، وقامت بتجميد عمليات التصدير والاستيراد مع إسبانيا ابتداء من يوم الخميس. وحسب قرار أرسلته جمعية البنوك الحكومية في الجزائر لمسؤولي المؤسسات المالية في البلاد، فإنه "تقرر تجميد عمليات التصدير والاستيراد من وإلى إسبانيا.. ووقف أي عملية توطين بنكي لإجراء عمليات تجارية مع إسبانيا". وحسب نفس المصدر، فإن القرار سيكون ساري المفعول ابتداء من الخميس 9 يونيو. واللافت في هذا القرار أنه يشمل استيراد وتصدير السلع والخدمات، في حين لا يشير إلى موضوع الطاقة الحساس، ولا يوجد لحد الآن ما يوحي أن الجزائر ستوقف تصدير الغاز لإسبانيا. وكان الرئيس عبد المجيد تبون قد أكد، في حوار له قبل أسابيع، أن الجزائر في خلاف مع الحكومة الإسبانية، مطمئنا بأن الشعب الإسباني لن يمس، وستبقى الجزائر وفية لالتزاماتها التعاقدية فيما يخص تصدير الغاز. اسبانيا المتضرر الأكبر وحسب إحصاءات رسمية لعام 2021، بلغت صادرات إسبانيا إلى الجزائر 2.107 مليار دولار، والواردات 2.762 مليار دولار. ويبدو أن المتضرر الأكبر من قرار وقف التصدير والاستيراد بين الدولتين هي إسبانيا، فالجزائر تعد من أكبر المستوردين للسلع والخدمات من هذا البلد بنحو 2.5 مليار دولار سنويا في الفترات العادية التي سبقت الوباء. وبالمقابل، تتشكل الصادرات الجزائرية أساسا لإسبانيا من المواد الطاقية بنحو 3 مليار دولار سنويا، في حين لا تستطيع مدريد الرد بوقف الاستيراد من الجزائر، لأن الغاز، خاصة في الظرف الدولي الراهن، أصبح سلعة استراتيجية نادرة، ناهيك عن كون الحصة الجزائرية في واردات إسبانيا من الغاز تقترب من 30 بالمائة، وهي نسبة يستحيل تعويضها في ظرف وجيز. قضية الصحراء والأربعاء، أعلنت الجزائر تعليق معاهدة صداقة مع إسبانيا، في ثاني خطوة دبلوماسية بعد سحب السفير احتجاجا على تغيير مدريد موقفها من النزاع في الصحراء. وأعلنت الرئاسة الجزائرية في بيان، "التعليق الفوري لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون مع إسبانيا، الموقعة في 8 أكتوبر 2002" . وجاءت الخطوة، بعد ساعات من تصريحات لرئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز أمام أعضاء البرلمان، جدد فيها التمسك بقرار له في مارس الماضي، بدعم مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب حلا لقضية الصحراء، معتبرا أنها بمثابة "الحل الأكثر جدية وواقعية لنزاع الصحراء"، وهو تطور في الموقف الاسباني مقارنة مع ما جاء الرسالة التي كان قد وجهها إلى الملك محمد السادس في مارس الماضي واعتبر فيها نفس المقترح بأنه "أحد الحلول الواقعية والجدية". رد الفعل الجزائري لم يتأخر، حيث وصف بيان رئاسي جزائري، الموقف الإسباني في نزاع الصحراء بأنه "ضد القانون الدولي"، وكإجراء عقابي، قررت تعليق العمل باتفاقية الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين البلدين. وحسب مراقبين، فإن القرار الجزائري يهدف إلى الضغط على رئيس الحكومة الاسباني، خاصة أمام رفض كل الأحزاب الممثلة في البرلمان الإسباني، باستثناء الحزب الإشتراكي، موقف رئيس الحكومة الإشتراكي الذي قام يتغيير موقف بلاده الرسمي من النزاع في الصحراء. لكن الحكومة الإسبانية تبدو، حتى الآن، مصممة على التمسك بموقفها، رغم معارضة الا؛زاب الاسبانية لها، والضغط الجزائري عليها، وفي المقابل تدرس الانعكاسات السلبية للقرار الجزائر.ي وما قد تحمله انعكاساته مستقبلا من مفاجئات غير سارة لمدريد.