شيئا فشيئا تغرق سوريا في بركة من دم قاني... أما السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبناني، فيجد ما يكفي من الوقت ليعد أتباعه ومريديه بالنصر... على من ستنتصر يا من نصب نفسه مدافعا عن الكرامة والعزة العربيين؟ ستنتصر على الشيوخ والأيتام والأرامل والثكالى والمفجوعين بعد أن تصفي الأبناء والأزواج والآباء؟ أم ستنتصر على أنقاض بلد بعد أن تدمر البنى التحتية والمصانع والمنشآت العامة والخاصة؟ أم على أحلام شعب تواق إلى الحرية والانعتاق بعد أن تحيلها كابوسا في واضحة النهار؟ غداة خروج أولى المظاهرات في سوريا مطالبة بالحرية والكرامة، كنا نعرف أن الشعب السوري سيدفع الثمن غاليا، أكثر من باقي بلدان الربيع العربي، وستشكل بالتالي قمة التوتر في الصراع بين الشعوب العربية والأنظمة القمعية الاستبدادية، لأن النظام في سوريا هو الأكثر عنفا ودموية من بين جميع الأنظمة العربي، ولا يضاهيه في عنفه وساديته إلا النظام البائد لصدام حسين. وكذلك كان. أما الأسباب، فيمكن إرجاعها من جهة، لأن النظام يستند إلى إيديولوجية مغلقة، لم تفلح كل التطورات التي حدثت على مستوى المنطقة والعالم، أن تزحزحه قيد أنملة عن عقيدته المتوارثة. ومن جهة ثانية، لأن سوريا تعتبر خط تماس بين معسكرين: معسكر الممانعة والمقاومة، الذي يضم بالإضافة إلى سوريا حزب الله اللبناني حماس الفلسطينية ومن ورائهم إيران وبعدها روسيا والصين؛ ومعسكر المصالحة والمهادنة الذي يظم محور الخليج وبعض الدول العربية ومن ورائهم تركيا وأمريكا والاتحاد الأوربي؛ ولا أحد من المعسكرين يريد أن يخسر الحرب الدائرة في سوريا. أما بالنسبة لحزب الله الذي دفعنا أمينه العام لكتابة هذه السطور، بعد التصريح أعلاه، فيعتبر سوريا امتداده الاستراتيجي وعمقه الجيوسياسي، لذلك فانخراطه في الحرب الدائرة في سوريا هي بالنسبة له معركة حياة أو موت، وإن ضحى بشعبيته في العالم العربي وخسر المظلة الدبلوماسية للدول العربية. في البداية، ابتهج الحزب بالثورات العربية، وربطها بالطابع المهادن للأنظمة المتهاوية، وانتفض دفاعا عن الثورة في البحرين وساندها بقوة، وبقي يردد طوال الوقت أن سوريا بعيدة عن هذا الزلزال، لأن نظامها "نظام مقاوم". لكن، حين وصلت شعارات الربيع العربي إلى دمشق، أحس بالمأزق الذي يوجد فيه. فكيف تفاعل مع مجريات الأحداث؟ لعب في الأول ورقة ضبط النفس، داعيا جميع الأطراف إلى الحوار، مع تقديم دعم غير مباشر للنظام، حتى مال توازن القوى بشكل دراماتيكي لصالح الثوار، لينخرط الحزب في الحرب الدائرة على الساحة بشكل مباشر، ويتحول بذلك من مساند لحق الشعوب في التحرر والكرامة إلى قامع لها. قد يبدوا هذا التناقض غريبا، إلا أن تحليلا بسيطا سيرفع هذه الغرابة، ويبين عن سبب تذبذب الحزب وتأرجحه بين تأييد ثورة هناك وقمعها هنا. يتبنى الحزب فكرة المقاومة، إلا أن الفكرة مع توالي السنين والانتصارات المدوخة على دولة إسرائيل، حولتها إلى عقيدة تحرك سلوك المؤمنين بها وتصنع هويتهم الفكرية، فتحولت بذلك إلى إيديولوجيا مغلقة، لا تسمح بمعتنقيها بالتفكير خارج السياج الدوغمائي المكثف حولهم، وبالتالي تجاوز التناقضات عند ظهورها، ومن هنا يمكن فهم تحالفه مع النظام السوري، رغم أنهما مبدئيا يوجدان على طرفي النقيض؛ فحزب البعث العربي السوري الحاكم في سوريا حزب تقدمي اشتراكي قومي، أما حزب الله اللبناني فذو مرجعية إسلامية. فما الذي يجمع بينهما؟ الذي يجمع بينها هي المقاومة، لكن ليس كفعل أخلاقي للتحرر والكرامة، ولكن كإيديولوجيا مغامرة ترغب في تحويل العالم إلى ساحة حرب شاملة، دافعها في ذلك، عداؤها للحياة كتجل للوجود الإنساني. إذا كنا مع الحرية والكرامة فإننا معها، نطالب بها للجميع، سواء في المشرق أو المغرب، في أمريكا أو في آسيا، في أوربا أو في أفريقيا، أما أن نربطها بالنظام الحاكم، فهذا غير مقبول تحت أي ذريعة وإن كانت "المقاومة"، لأن الأصل هو الإنسان أما الأنظمة والإيديولوجيات فهي إلى زوال. كاتب