- يشهد نزاع الصحراء الغربية منعطفا جديدا، كما يرى خبراء ونشطاء في ضوء التطورات الأخيرة التي شهدها الملف. على الأرض شهدت مدينة العيون مظاهرة "غير مسبوقة" رُفعت فيها شعارات مطالبة بالاستقلال، ودوليا متغيرات متسارعة. خروج مئات أو آلاف (تقديرات متضاربة للعدد) الصحراويين في نهاية الأسبوع الأول من شهر مايو أيار 2013، في مظاهرة في شوارع مدينة العيون، كبرى حواضر الصحراء الغربية، يرفعون شعارات مؤيدة لاستقلال المستعمرة الاسبانية السابقة التابعة للمغرب منذ سنة 1975، يشكل بمقاييس عديدة حدثا "غير مسبوق". وتتباين قراءات خبراء ونشطاء حاورهم موقع DW، لتداعياته على مستقبل ملف الصحراء الذي يشهد جمودا ملحوظا، رغم تعاقب المبعوثين الدوليين وخطط الأممالمتحدة والمبادرات لتسويته. علي سالم التامك النائب الأول لرئيسة "تجمع الصحراويين المدافعين عن حقوق الإنسان" (مقره في مدينة العيون وترأسه الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر)، يقول إن خروج مثل هذه المظاهرة "ليس جديدا، بل يشكل استمرارا للنضال الوطني من أجل استقلال الصحراء"، وما تغير هو تسليط الضوء على ما يجري في الإقليم. بينما يرى مصطفى ناعمي أستاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس – السويسي في الرباط، والخبير في الشؤون الصحراوية، مؤشرات على تحولات في المجتمع الصحراوي المحلي وظهور نخب جديدة "قد تتجاوز الطرفين(المغرب وجبهة البوليساريو) الذين استقطبا نزاع الصحراء الغربية منذ عقود". وبرأي خديجة محسن فينان الخبيرة الفرنسية في معهد الأبحاث الدولية والإستراتيجية في باريس، فإن ما يجري في الصحراء الغربية مرده إلى تطورات تجري على الأرض في الإقليم من ناحية، وهو"أيضا ليس بمعزل عن تداعيات الأزمة في مالي والتحولات في الرؤية الإستراتيجية لإدارة الرئيس باراك أوباما للأوضاع في المنطقة في ظل الربيع العربي". نخب صحراوية جديدة الناشط سالم التامك، وهو معتقل رأي صحراوي سابق، يرى أن خروج متظاهرين في مدينة العيون يطالبون باستقلال الصحراء الغربية يعتبر"استمرارا لنضال أجيال الصحراويين" بدءا من مؤسس جبهة البوليساريو الراحل مصطفى والي. وأضاف بأن تظاهرات الشباب تؤكد بأن القضية الصحراوية "ليست مقتصرة على جيل وسياق مرحلي في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، بل قضية تهم شعبا ومجتمعا برمته". ويعتقد الناشط الصحراوي أن تضييق السلطات المغربية على أقاليم الصحراء، كان يحجب في الماضي تعبير ونشاط الصحراويين. مصطفى ناعمي الأستاذ بمعهد البحث العلمي في جامعة محمد الخامس - السويسي في الرباط، خبير في الشؤون الصحراوية، يرسم ملامح الفئة التي تظهر على سطح الأحداث في مدن الصحراء، قائلا: "هم نساء وشباب وضمنهم يافعون يجمعهم التهميش والشعور بالمعاناة وعدم القدرة على التعبير عن الذات". ويرى ناعمي أن ظهور هذه الفئة "ليس عفويا، وبأن خروج نساء ويافعين تتراوح أعمارهم ما بين 12 إلى 18 سنة، هي محاولة من جبهة البوليساريو للدفع بهذه الفئة لإضفاء طابع إنساني مأساوي على الأحداث عبر ظهورها في شكل مواجهة بين قوات الأمن المغربية ونساء وأطفال". وكانت مدينة العيون قد شهدت سنتي 2005 و2009 أحداثا واعتصامات لنشطاء صحراويين تدرجوا في مطالبهم من قضايا اجتماعية محلية إلى رفع شعارات استقلال الصحراء وصولا إلى حرق العلم المغربي، وقد تم فض تلك التظاهرات من قبل السلطات المغربية بالقوة، لكنها لم تخرج عن نطاق نخبوي لنشطاء صحراويين وحقوقيين، من أبرزهم الناشطة أمينتو حيدر، كما يقول محللون، بينما يرون في التظاهرات الأخيرة مؤشرا على تطورات "نوعية" في طبيعة نشاط ودور الصحراويين المطالبين بالاستقلال من داخل الأقاليم، بعد عقود من اقتصار هذا الشعار على اللاجئين الموجودين في مخيمات تيندوف جنوب غرب الجزائر، التي تسيطر عليها جبهة البوليساريو. وبقدر ما ينطوي ظهور هذه الجماعات الشبابية الصحراوية على انتقادات لسياسة الحكومة المغربية، فهي تتزامن مع تعالي أصوات نشطاء حقوقيين وصحراويين منتقدة لجبهة البوليساريو وزعيمها محمد العزيز الذي يتولى زعامتها منذ ثلاثة عقود ونيف. وتجد الأممالمتحدة والمنظمات الحقوقية، صعوبة في الاطلاع عن حقيقة ما يجري داخل المخيمات أو حتى إحصاء اللاجئين، وقد نشرت تقارير لمنظمات غير حكومية أوروبية تنتقد مظاهر استبداد بالرأي وسوء إدارة للمساعدات الإنسانية التي توجه للاجئين، ومنع اللاجئين من السفر أو العودة للأقاليم الصحراوية. انفتاح مغربي أو خضوع للضغوط؟ المراقبون توقفوا عند طريقة تعاطي السلطات المغربية مع خروج متظاهرين صحراويين إلى شوارع مدينة العيون ورفع رايات ترمز لاستقلال الصحراء. فقد سجلت منظمات حقوقية محلية ودولية وقوع "ممارسات قمعية من قبل قوات الأمن على المتظاهرين". ويقول سالم التامك إن"المظاهرة غير مسبوقة ولكنها تعرضت للقمع واعتقل 6 شبان وصرح أحدهم ..بأنه عُذب"، وأضاف "حصار قوات الأمن والجيش للمدن الصحراوية مستمر". رواية تنفيها السلطات المغربية وقد أوضح خليل الدخيل، والي مدينة العيون لوكالة فرانس برس أن الشبان الستة الذي اعتقلوا الاثنين ومن بينهم قاصر "صوروا وهم يقومون بالاعتداء على رجال الشرطة". ويقول متابعون إن السلطات المغربية تدخلت ضد أعمال شغب ارتكبها بعض الشبان المتظاهرين، وبأنها(السلطات) تعاملت ب"تسامح مع المظاهرة والشعارات التي رفعت فيها"، وتعد هذه سابقة، وإذا أُضيفت إليها "الأريحية" التي تعاملت بها صحف مغربية محلية مع الموضوع، فإن ذلك يؤشر، برأي محللين، إلى بوادر نهج جديد من قبل الرباط إزاء هذا الملف الذي يعد تاريخيا موضوع "وحدة وطنية" ومن المحرمات التي لا يمكن تجاوزها سواء من قبل الصحافة أو الأحزاب السياسية. وهو ما يقلل منه الناشط علي سالم التامك الذي لا يشاطر القائلين بوجود"انفتاح في تعامل السلطات إزاء هذا الموضوع". ومن جانبها اتهمت الحكومة المغربية ما أسمتها بجهات خارجية بالتخطيط لأحداث شغب في عدد من المدن في الصحراء الغربية. في تصريحات أمام البرلمان المغربي قال امحند العنصر وزير الداخلية المغربي معلقا على أحداث العيون: "هذا مخطط وليس بسري.. ممول تمويلا قويا وكبيرا من الجهات الأجنبية عن طريق البوليساريو." اتهامات المسؤول المغربي تأتي في سياق ما دأب عليه المغرب من تحميل جارته الجزائر مسئولية التآمر على الوحدة الترابية للمملكة بسبب دعمها الكبير لجبهة البوليساريو. العنصر تحدث عن محاولة خلق حالة من التمرد والاحتجاج على النظام المغربي على غرار احتجاجات الربيع العربي. ويعتقد محللون أن تطورات الوضع في الصحراء لا يمكن اختزالها في "العامل الجزائري" رغم ثقله في دعم جبهة البوليساريو. فرغم أن الجزائر بدورها تشهد وضعا صعبا ودعوات استقلالية داخلها في الجنوب وفي منطقة القبائل الامازيغية، فإن موضوع الصحراء ما يزال يشكل عنصر توافق رئيسي بين المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية الحاكمة في الجزائر. ويرى الباحث الأكاديمي ناعمي، أن "السلطات المغربية تعاملت بتسامح مع مظاهرة العيون تحت وطأة الضغوط الدولية وخصوصا الأميركية". ويعتقد محللون أن ما حدث في العيون ليس بمعزل عن الجدل الساخن الذي شهدته أروقة مجلس الأمن الدولي بشأن مشروع أميركي يدعو لتكليف بعثة الأممالمتحدة في الصحراء الغربية (مينورسو) بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان. مشروع التوصية اعترض عليه المغرب بشدة واعتبره "مساً بسيادته في الصحراء"، وقد سحب في وقت لاحق إثر مساعي مغربية وأوروبية في مجلس الأمن الذي أصدر توصية تؤكد على"ضرورة إيجاد حل سياسي نهائي مبني على الواقعية وروح التوافق"، مع التشديد على"احترام حقوق الإنسان" في أقاليم الصحراء وفي مخيمات اللاجئين في تيندوف. حكم ذاتي موسع هل يبقى الحل الأرجح؟ اقتراح إقامة حكم ذاتي موسع في الصحراء الغربية، الذي قدمه المغرب في وقت سابق وحظي بتأييد عدد من العواصمالغربية منها باريس وواشنطن، ما يزال مطروحا على طاولة أي مفاوضات قد يدعو لها في المستقبل المنظور المبعوث الدولي، الدبلوماسي الأميركي المخضرم كريستوفر روس. لكن متغيرات عديدة شهدتها المنطقة والعالم في الآونة الأخيرة، "تحتم إعادة ترتيب الأوراق" كما تقول الباحثة الفرنسية (من أصل تونسي) خديجة محسن فينان، موضحة أن ثورات الربيع العربي وأزمة مالي أظهرت هشاشة الوضع الأمني في المنطقة ومخاطر تسرب تأثير الجماعات الإرهابية إلى داخل مخيمات تيندوف. بالنسبة للخبيرة الفرنسية فإن واشنطن رغم تراجعها النسبي في مناقشات مجلس الأمن الأخيرة، فقد أصبحت تميل إلى حل لقضية الصحراء وفق وجهة النظر التي صرح بها المبعوث روس، القريب من جون كيري وزير الخارجية، وتقوم على فكرة كونفدرالية، دون إحداث انقسام بين الصحراويين والمغاربة ولكن دون الاكتفاء بالحكم الذاتي الذي اقترحه المغرب وأيدته باريس والإدارة الاميركية في عهد وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي كانت ترى - مثل باريس - في المغرب قاعدة استقرار في منطقة مضطربة ونموذجا لانتقال ديمقراطي هادئ. وحول علاقة النشطاء المتظاهرين في العيون بجبهة البوليساريو يؤكد سالم التامك أن"الجميع يعترفون بأن جبهة البوليساريو هي الممثل الوحيد للشعب الصحراوي، وهم يرفعون شعارات تنادي بها جبهة البوليساريو؛ أي تقرير مصير الشعب الصحراوي عبر استفتاء". لكن مصطفى ناعمي، الباحث الأكاديمي الصحراوي المعروف بمواقف نقدية إزاء طريقة إدارة الحكومة المغربية لملف الصحراء، يرصد "ثلاث فئات من النخب، دعاة الانفصال(الاستقلال) وتقودهم جبهة البوليساريو، ومؤيدون لوجهة نظر سائدة في المغرب لدى الحكم والأحزاب السياسية وتقوم على فكرة الضم التعسفي لأقاليم الصحراء بدون مراعاة خصوصيات المنطقة، وفئة ثالثة، لها موقف وحدوي وسطي معتدل يدعو إلى قيام كيان يتمتع بحكم ذاتي موسع". مشيرا بأن التيار الثالث يتعرض للتهميش من التيارين "المتطرفين" الأول والثاني. ويتفق الباحث الأكاديمي مصطفى ناعمي مع الخبيرة الفرنسية على أن موجة التذمر والاحتجاج في أقاليم الصحراء تغذيها "أخطاء الحكم في المغرب في التعامل مع ملف الصحراء وأنشطة الصحراويين". كما يتفقان حول ضرورة إسراع المغرب ببدء تطبيق الحكم الذاتي ونظام الجهات الموسعة الصلاحيات، لكنهما يختلفان في الاستنتاجات، فبينما يرى ناعمي أن تطبيق الحكم الذاتي سيستقطب النخب الجديدة في الصحراء بمن فيها المطالبون بالاستقلال، ترجح الخبيرة الفرنسية عدم وقوف الملف عند هذا السقف، لكنها تعتقد أن قيام دولة مستقلة في الصحراء "ليس واقعيا". ينشر باتفاق تعاون وشراكة مع موقع: DW (عربية)