أموال بالغة الضخامة، قياسا إلى الثروة الوطنية، تهرب من المغرب كل سنة. هذا ما بات معروفا لدى قطاع عريض من المواطنين بتفاصيل مثيرة في السنوات الأخيرة، بعدما فكت عقدة اللسان وبات الولوج إلى العديد من المعلومات ممكنا بفضل وسائط الاتصال الجديدة، وهو ما تؤكده تقارير ووسائل إعلام دولية تستقي معلوماتها من مصادر تعتمد مناهج وطرق مضبوطة. وقد كان تقرير مركز سلامة النظام المالي المتخصص في تتبع ومراقبة حركة تهريب وتبييض الأموال عبر العالم، الصادر مؤخرا، من بين تلك التقارير التي كشفت المستور المغربي، حيث ورد فيه أن متوسط الأموال المهربة سنويا من المغرب يقدر بقرابة ملياري دولار (1.7مليار)، مع التنبيه إلى أن هذا الرقم لا يتضمن الرشاوى المدفوعة من طرف الشركات الأجنبية لجهات مغربية للحصول على صفقات عمومية أو الأموال الناتجة عن الغش في الفواتير في ميدان المبادلات الخارجية، كما لا يتضمن تحويل أرباح المقاولات الأجنبية العاملة في المغرب، وغير خاف اليوم أنه يترتب عن هذه العمليات الأخيرة تهريب كثيف لأموال إلى الخارج تودع في حسابات بنكية أو تشترى بها شقق و إقامات وفيلات في فرنسا وإسبانيا وكندا وغيرها أوتوظف في مختلف أصناف المضاربات والأعمال دون أن يسائل مكتب الصرف أحدا أو أن تشكل موضوع بحث من طرف الأجهزة الأمنية أو تحرك ساكنا في برلمان بات تحركه رهينا بالأوامر حد تحوله إلى إدارة وليس مؤسسة تشريعية لها أدوار في التشريع وفي تقييم ومراقبة عمل الحكومة وكل المؤسسات العامة . وقدر نفس المركز مجموع ما تم تهريبه من أموال من المغرب في الفترة الممتدة من 2000 إلى 2008 بقرابة 13,6 مليار دولار ، عدا الرشاوى وعمليات التدليس وأعمال المافيا الأخرى ، ولذلك وضع المغرب في صدارة دول القارة الإفريقية من حيث التصدير غير الشرعي للأموال إلى الخارج . وإذا ما أخدنا بعين الاعتبار تقدير البنك العالمي للخسارة التي يتكبدها الاقتصاد المغربي جراء انتشار الرشوة ، التي تبلغ مستويات قياسية لما يتعلق الأمر بصفقات عمومية وبقطاع العقار، وماينتج عنها على مستوى النمو ( ضياع نصف نقطة على الأقل ) ، وماتم نشره هنا وهناك ، بمافي ذلك كابلات وكليكس التي يشير فيها السفير الأمريكي السابق بالرباط إلى المستويات التي وصلتها الرشوة في المغرب، فإنه بالإمكان القول أن تهريب الأموال إلى الخارج يتجاوز ملياري دولار سنويا ، وأن ما تم تهريبه منها بين 2000 و2008 يقارب مجموع الدين الخارجي المغربي الذي يبلغ حاليا قرابة 20 مليار دولار، وذلك دون حساب تهريب الأموال الناتج عن الاتجار الدولي في المخدرات ، الذي كانت جهات أوروبية قد قدرت عائداته بملياري دولار سنويا مند تسعينات القرن الماضي ، والتهريب في الشمال والجنوب وأعمال القوادة والاتجار في اللحم البشري التي تعاظمت وغيرها من الممارسات الإجرامية التي لم تكن لتبلغ ما بلغته لو لم تحظ بالدعم أو التغاضي مقابل رشاوى كبيرة . لقد وضع المغرب قانونا ضد تبييض الأموال مؤخرا بضغط وتمويل من الاتحاد الأوروبي،وذلك بعد تردد وتأخر واضحين ، ووافق على الاتفاقية الأممية المتعلقة بمحاربة الرشوة لسنة 2004 ، التي تنص من بين ما تنص عليه على التعاون الدولي لإرجاع الأموال المهربة من طرف مسؤولين مرتشين، دون أن يفعلها بمراجعة المقتضيات القانونية الداخلية لحد الآن رغم إلحاح جمعية ترانسبارونسي المغرب التي دخلت الدولة في حرب مفتوحة جديدة ضدها مؤخرا ،وبالأخص عبر منعها من تنظيم الحفل الذي كانت تعتزم تنظيمه لتسليم جوائز النزاهة للمعتقل الحقوقي الخياري والمحامي والمناضل برادة . لكن وجود القوانين أو التصديق على الاتفاقيات الدولية في المغرب لا يعني دائما التزاما عمليا بتنفيذها ، وحين تنفذ فإن ذلك التنفيذ إما أن يقود إلى تحريف اتجاهها في كثير من الحالات ، وهذا ماحصل مع قوانين أساسية أفرغت من محتواها واستخدمت استخداما عكسيا كقانون الأحزاب مثلا ، أو إلى انتقائية تتحدد بالنفوذ من عدمه ، بحيث تخضع لنوع من التهريب من طرف إدارة غارقة في الفساد والزبونية والائتمار بأوامر بعض الجهات التي قد لا تكون بارزة في الصورة الحكومية . ولذلك تظل الإرادة السياسية عنصرا حاسما في وقف هذاالنزيف الخطيرالذي يترتب عن تهريب الأموال ، وهو نزيف قابل للاستفحال في ظل الاتجاه إلى تحرير حساب الرساميل وتزايد انفتاح المغرب على الخارج الذي تقويه اتفاقيات التبادل الحر وتيارات العولمة. لكنه يتبين أن هذه الإرادة السياسية غير متوفرة بوضوح ، وهو ما يستدعي تعبئة المجتمع لفرضها وضمان استمرارها وابتعادها عن أي موسمية أوا نتقائية ،لأن للأمر صلة بالانتقال إلى حكامة قائمة على أساس ثقافة تقديم الحساب وبإقامة نظام للنزاهة وببناء دولة المؤسسات وبالتنمية وبتوزيع ثمارها ، وتمثل الحركة التي تنطلق في 20 فبراير من أجل إصلاحات حقيقية لإخراج البلاد من حالة الحجز التي توجد فيها سياسيا ولوضع حد للفساد والسيطرة على مقدرات البلاد بالسلطة والنفوذ والممارسات المتعالية على كل القوانين والمعايير ولضمان توزيع عادل للثروة وتقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية ...وإنهاء مختلف الممارسات المخزنية المهينة للكرامة الإنسانية والمبدرة لإمكانيات البلاد فرصة مناسبة للمطالبة الصريحة بعودة الأموال المهربة ومحاسبة المهربين ، فلا شئ يشجع على تهريب الأموال والممارسات الشبيهة أكثر من الإفلات من العقاب وطغيان الإحساس بأن القانون إنما يوضع للفقراء وفاقدي السلطة والنفوذ ، والمشكل في المغرب أن هذا الإحساس يتنامى لدى بعض من قطر بهم سقف المغرب في السنوات الأخيرة ولدى حرس قديم يعمل بكل مااوتي على تعطيل عجلة البلاد وعرقلة تقدمها وهذا سبب من أسباب انعدام الثقة المتوسع لدى فئات واسعة من المواطنين الذين سيخرجون أو الذين لن يخرجوا .