اعتقلت السلطات السودانية الأحد مدير مكتب قناة الجزيرة، مشددة الضغوط على الصحافة غداة واحد من أكثر الأيام دموية منذ الانقلاب العسكري شهد سقوط ستة قتلى من المتظاهرين المعارضين لسيطرة العسكريين على السلطة. وأعلنت شبكة الجزيرة في تغريدة صباح الأحد أن "قوة أمنية دهمت منزل المسلمي الكباشي" مدير مكتبها في السودان و"اعتقلته". وجاء توقيف مدير مكتب الجزيرة بعد ساعات من تظاهرات شارك فيها عشرات آلاف السودانيين احتجاجا على الانقلاب الذي قادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان على شركائه المدنيين في السلطة الانتقالية التي تشكلت عقب اطاحة عمر البشير في 2019 اثر انتفاضة شعبية استمرت خمسة أشهر. وتغطي الجزيرة الاحتجاجات في السودان على نطاق واسع وتنقل التظاهرات مباشرة من العاصمة السودانية. كما أنها أجرت قبل أقل من أسبوع مقابلة مع الفريق أول البرهان الذي لم يعط الا مقابلتين صحافيتين منذ الانقلاب. وقالت شبكة قنوات الجزيرة في بيان "داهمت السلطات السودانية، الأحد، منزل المسلمي الكباشي، مدير مكتب الجزيرة بالخرطوم، واعتقلته". وأضافت "وإذ تندد الجزيرة بهذا التصرف بأقوى عبارات الشجب، فإنها تطالب السلطات العسكرية بالإفراج الفوري عن الزميل والسماح لكل صحافييها بالعمل دون عوائق، وتمكينهم من أداء مهامهم دون خوف أو ترهيب". وتحمّل الجزيرة السلطات السودانية "المسؤولية الكاملة عن سلامة جميع موظفيها العاملين في السودان". وقبل اعتقال الكباشي، الذي لم تحدد أسبابه، مُنع العديد من الصحافيين العاملين في وكالة الأنباء الرسمية (سونا) وفي الاذاعة والتلفزيون الرسميين من ممارسة عملهم وتم استبدالهم. والسبت نجح المعارضون للحكم العسكري في حشد عشرات آلاف المتظاهرين في الشوارع رغم انتشار عسكري كثيف وقطع الانترنت الذي ارغمهم على التواصل وتنظيم تحركاتهم من خلال الرسائل النصية القصيرة أو الكتابة على الجدران في الشوارع. تظاهرات الأربعاء وبعد اعتقال مئات الناشطين والمعارضين والمتظاهرين والسياسيين منذ الانقلاب في 25 اكتوبر، استخدمت قوات الأمن القوة في مواجهة المتظاهرين السبت ما أدى إلى سقوط ستة قتلى من بينهم فتى في الخامسة عشر من عمره، وفق لجنة الأطباء المركزية السودانية التي أوضحت أن خمسة قتلوا بالرصاص بينما قضى السادس اختناقا بالغاز المسيل للدموع. ومن بين ضحايا السبت، الشيخ ياسر علي الشاب السوداني البالغ من العمر 18 عاما والذي كان يتظاهر في مدينة أم درمان للمطالبة بحكم مدني. وقال عمه لوكالة فرانس برس "حضرت تشريح الجثة وقد أظهر أنه أصيب برصاصة في الكتف أصابت القلب والرئتين". وأضاف "كان كل شيء مؤلمًا للغاية. كدت أنهار في المشرحة". بذلك ترتفع حصيلة قمع الاحتجاجات المعارضة للانقلاب الى 21 قتيلا منذ أعلن البرهان في 25 اكتوبر حل مؤسسات الحكم الانتقالي بالتزامن مع اعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وعدد من اعضاء حكومته والعديد من السياسيين. وأعيد حمدوك الى منزله في اليوم التالي حيث لا يزال منذ ذلك الحين قيد الاقامة الجبرية. وقالت الشرطة من جهتها أن 39 من أفرادها أصيبوا "بجروح خطيرة" اثر مهاجمة متظاهرين مراكز شرطة. ونفت الشرطة استخدام "الرصاص الحي" ضد المتظاهرين. ونددت السفارة الاميركية في الخرطوم باستخدام القوة من جانب قوات الامن، وقالت في بيان إنها "تأسف بشدة لمقتل واصابة عشرات المواطنين السودانيين الذين تظاهروا اليوم من أجل الحرية والديموقراطية". من جهتها قالت وزيرة الشؤون الافريقية في وزارة الخارجية البريطانية فيكي فورد إنها "قلقة للغاية بشأن التقارير التي تفيد بمقتل متظاهرين في السودان". وأضافت على حسابها على موقع تويتر "يجب أن يكون الشعب السوداني قادرًا على التعبير عن آرائه بعيدًا عن الخوف من العنف. وعلى الجيش السوداني أن يستمع إلى الأعداد الهائلة التي تدعو إلى استعادة الانتقال الديموقراطي". ولم يضعف العنف ضد المتظاهرين عزيمة المناهضين للانقلاب من أنصار الحكم المدني. ودعت قوى الحرية والتغيير، وهو تكتل سياسي انبثق من الانتفاضة ضد البشير، الى تظاهرة جديدة الأربعاء. وقال التكتل، الذي اعتقل العديد من قادته منذ الانقلاب، في بيان "إن طريقنا نحو دولة مدنية ديموقراطية لا يتوقف هنا". وشارك في تظاهرات السبت أحد وزراء قوى الحرية والتغيير، وهو وزير الاعلام المقال حمزة بلول الذي اعتقل ثم أطلق سراحه. وأعلن أثناء وجوده وسط المتظاهرين "لا تفاوض مع الانقلابيين، الشعب هو الذي يقرر". كما تظاهر سودانيون في الخارج ضد الانقلاب وخصوصا في بعض العواصم الأوروبية. وعد بانتخابات شكّل البرهان الخميس مجلس سيادة انتقاليا جديدا استبعد منه اربعة ممثلين لقوى الحرية والتغيير. واحتفظ البرهان بمنصبه رئيسا للمجلس كما احتفظ الفريق أول محمّد حمدان دقلو، قائد قوة الدعم السريع المتهم بارتكاب تجاوزات إبان الحرب في دارفور وأثناء الانتفاضة ضد البشير، بموقعه نائبا لرئيس المجلس. وتعهّدا أن يُجريا "انتخابات حرةّ وشفافة" في صيف العام 2023. ولم تُرضِ الوعود المعارضة التي هزتها مئات الاعتقالات التي استمرت السبت، بحسب ما أكّدت النقابات ومنظمات مؤيدة للديمقراطية. وقال الباحث في مجموعة الأزمات الدولية جوناس هورنر "الآن بعد وقوع الانقلاب، يريد الجيش تعزيز الهيمنة على السلطة". وفي مواجهة الدعوات الدولية إلى عودة حكومة حمدوك، أكد البرهان قبل أيام أن تشكيل حكومة جديدة بات "وشيكا"، وهو ما لم يتحقق بعد.