بعد التطورات الأخيرة التي عرفها ملف الصحراء وطلب الإدارة الأمريكية بتوسيع مهام المنورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في المنطقة، آثرت هذه الخطوة قلق السلطات المغربية والمجتمع المدني نظرا لانعكاساتها المستقبلية على الوضع السياسي في الصحراء. يُسبب ضعف التواجد السياسي للأحزاب المركزية في هذه المنطقة، وإمكانية تنامي الخط الصحراوي المُعارض للمغرب بعد محدودية دور النخب الصحراوية المؤيدة لمغربية الصحراء في فرض وجودها كقوة سياسية قادرة على تمثيل جزء من الشعب الصحراوي والدفاع عن الوحدة الترابية كخيار إستراتيجي للتعايش بين مختلف شعوب الأمة المغربية، يسبّب في إضعاف الوضع الداخلي للصحراء. لم تُسهم سياسات ادريس البصري في احتواء النخب الصحراوية العائدة عبر التوظيف المباشر في مختلف الإدارات العمومية وكسفراء متجولين، في ترجمة طموح جديد من أبناء الصحراء ذوي الطموح والتطلعات السياسية والتنموية الجديدة، كما لم تُسهم سياسات العهد الجديد في تأطير الحراك الصحراوي على المستوى الاحتجاجي والسياسي والحقوقي. ويشكل منع تأسيس أحزاب جهوية في مختلف أنحاء المملكة والدفع بمسلسل الحكم الذاتي بشكل أحادي دون انتظار موافقة جبهة تحرير واد الذهب والساقية الحمراء (البوليساريو) المدعومة من طرف الجزائر، يُمكن لهما أن يُساعدا في تغيير الوضع الداخلي في الصحراء وباقي المملكة، بوضع أبناء الجيل الجديد في الصحراء وأيضاً في الريف – شمال المغرب- إزاء حرية تحديد اختياراتهم السياسية مع احترام الدولة المغربية، إن استغلال نقط ضعف الجارة الجزائر في الوضع السياسي الداخلي والتي تستفيد من قوتها البترولية لاستغلال التحولات الإقليمية للعب دور قوة وازنة في شمال إفريقيا بسبب تعدد حلفائها من (القطب الفرنسي الأمريكي والقطب الآخر الروسي الصيني) وفشل المغرب في القيام بدور حارس دول أوروبا من الهجرة السرية والمتاجرة في المخدرات والإرهاب بعد التدخل الفرنسي المباشر في مالي الذي أبان عن غياب أية قوة إقليمية في شمال إفريقيا قادرة على ضبط الانفلاتات الأمنية التي تعيشها بلدان الساحل والصحراء بسبب ضعف الجبهة الداخلية لجميع الدول الإفريقية المتوسطية، وغياب شروط الاستقرار السياسي والاقتصادي مما يجعلها تبحث عن دعم القوى العظمى لاحتواء الوضع الداخلي وعجزها عن القيام بأي دور مؤثر وحاسم في المشهد الإقليمي. كما أن التعاطي مع جبهة تحرير واد الذهب والساقية الحمراء، لازال محدوداً، فهذه الجبهة، لا يجب النّظر إليها على أنها عدوّ إستراتيجي للمغرب، بقدر ما هي جبهة طبيعيّة ومركزية في مستقبل الصحراء، كما أن فتح قنوات الاتّصال المدنيّة والسياسية مع هذه الجبهة التي يجب أن تحظى بالاحترام كطرف استماتَ في الدفاع عن مطالبه، بغض النّظر على الدعم الإقليمي الذي لقيته من الجزائر وبغض النظر أيضاً من الظروف الدولية التي وجدت فيها نفسها، والمتمثلة في تدويل موضوع الصحراء الغربية من طرف إسبانيا، فيمكن لهذا التواصل أن يجعل من المشكلة موضوعاً للتواصل الإيجابي يجب أن يُسهم فيه الجميع، ومنهم أبناء الصحراء المُعتزّين بهويتهم الصحراوية وأيضاً المُتشبثين منهم بالاستمرار في العيش إلى جانب باقي أبناء المغرب من الجماعات والأفراد. إن محاولة المغرب الترويج بكونه حليف إستراتيجي لفرنساوالولاياتالمتحدةالأمريكية هو مجرد شعار للاستهلاك الإعلامي بحكم أن علاقات باريس والرباط لا تزل تخضع لمنطق التبعية الاستعمارية وما ترتَّبَ عن معاهدة اكس ليفان من توافقات بين فرنسا وما يسمى بالحركة الوطنية وما تمخض عنها من تصفية للقوى الوطنية المعارضة كجيش التحرير والمقاومة الريفية التي كانت تؤمن بأهمية الكفاح المسلح كعامل أساس لفرض احترام القوى الاستعمارية كاسبانيا وفرنسا. وهذه الأخطاء تبقى من مسؤوليّة مرتكبيها غير أنها لا يمكن أن تمنع من العيش المشترك داخل بلدٍ عريق أسهم في حضارة غرب إفريقيا بشكلٍ بارز. أما العلاقة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تكن إستراتيجية أبدا، بل كانت ضرورية للولايات المتحدة في فترة الحرب الباردة، والدليل على ذلك عدم انخراط المغرب كعضو في حلف الشمال الأطلسي كتركية مثلا، وتقلص دور المغرب في الوساطة بين إسرائيل والدول الإسلامية السنية بعد حرب الخليج الأولى والثانية والدخول الأمريكي لحماية الأراضي المقدسة وكذا البترولية والتفاوض الإسرائيلي الفلسطيني المباشر. ومع وفاة الحسن الثاني يمكن الحديث عن رحيل الدور المغربي في التأثير في السياسة الأمريكية وخصوصا بعد صعود قطر كفاعل أساسي في العلاقات الإسلامية الأمريكية والتنافس الموجود بين قطر والمملكة السعودية للعب دور الوسيط و الحليف الاستراتيجي في الشرق الأوسط ونجاح قطر في احتواء القوى الإيديولوجية المؤثرة في صراعات المنطقة الإسلامية بعد إطلاق قناة الجزيرة مما جعلها تتحول إلى وسيط بين الولاياتالمتحدة والدول الإسلامية وأحيانا بين الجماعات الإسلامية المسلحة كحركة الطالبان في أفغانستان مما يجعل من المغرب رهين التعاطف الخليجي في ظل استحالة انقلاب ولائها لواشنطن بسبب التأثير الإيراني على القطب الروسي الصيني الذي ينتمى بدوره لآسيا شرقية ومحاولتها لفتح منافذ جديدة لتفادي الانفراد الأمريكي في التحكم في جنوب المتوسط والصحراء. وأمام هذا الوضع الخطير يجب على المغرب إعادة الدور المحوري للصحراويين للمشاركة في صناعة القرار السياسي بعد تراجع تأثيرهم بانتقال مركز الدولة المغربية من الجنوب إلى الشمال وفتح حوار واسع حول كيفية توزيع عادل للسلطة و الثروة بين جميع المغاربة وإلغاء جميع أشكال الوصاية على المؤسسات المنتخبة. وكذا إلغاء المجالس المتجاوزة سياسياً كالمجلس الاستشاري للشؤون الصحراوية وتمكين القضاء من الفصل في القضايا الحقوقية والسياسية وتفعيل دور المحكمة الدستورية وتحديث الموارد البشرية والاستثمار في التكنولوجيا العسكرية والاتصالات المعلوماتية والرقمية وتحريك ملف سبتة ومليلية والجزر، وتحويل الصحراء إلى مركزٍ جديد للمغرب، يُسهم الصحراويون في تحديد أولويات ومصالحه الداخلية والخارجية، وكذا استيعاب التناقضات العالمية ومراقبة الفاعلين الجدد في السياسة الإقليمية كانوا أنظمة أو شعوباً متحركة أو حركات سياسية ناشئة، والتخلص بشكل تدريجي من التأثيرات الخارجية في الحراك السياسي الداخلي للمغرب وتوسيع الحريات وحقوق الإنسان من أجل إبراز قوى سياسية جديدة قادرة على ضبط الوضع الداخلي لمواجهة أي تدخل خارجي محتمل، سيذهب ضحيته أبناء الشمال كما أبناء الصحراء. عضو الحركة من أجل الحكم الذاتي للريف