لا يزال الاعتقال الاحتياطي في المغرب يثير كثيرا من الانتقادات والنقاش، فبعد أيام من تأكيد المندوب العام لإدارة السجون على أن الاعتقال الاحتياطي يسبب الاكتظاظ في السجون، ويعيق جهود إصلاح نظام السجون بالمغرب، عاد رئيس النيابة العامة الحسن الداكي، ليدعو من جديد، يومه الأربعاء، إلى ترشيد الاعتقال الاحتياطي. وأكد رئيس النيابة العامة في كلمة خلال ندوة بالدار البيضاء حول ترشيد الاعتقال الاحتياطي، أن هذا الأخير يعد إشكالية، ينبغي العمل على إيجاد الآليات المناسبة لتدبيرها. وأبرز المتحدث أنه ورغم المكانة التي حضي بها موضوع الاعتقال الاحتياطي ضمن أولويات السياسة الجنائية، إلا أن أداء الفاعلين في حقل العدالة الجنائية لا زال يثير الكثير من الانتقاد، خاصة وأن نسبته ما فتئت ترتفع بشكل مضطرد ليصل في نهاية شهر شتنبر 2021 إلى حوالي 45 ⁒. ولفت رئيس النيابة العامة إلى تأثير الجائحة على ارتفاع الاعتقال الاحتياطي، داعيا إلى مضاعفة الجهود سواء عبر ترشيد اللجوء إلى الاعتقال عند تحريك المتابعات، أو من خلال الرفع من نجاعة الأداء عند البت في قضايا المعتقلين. وأبرز الداكي أن حوالي 2000 معتقل تنتهي قضاياهم بالبراءة أو عدم المتابعة، ما يطرح تساؤلات عن جدوى الاعتقال في مثل هذه الحالات. ونبه الداكي في الكلمة التي ألقيت نيابة عنه، كلا من الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك، و رؤساء الغرف، وقضاة التحقيق وقضاة النيابة العامة، إلى مسؤوليتهم في تدبير الاعتقال الاحتياطي، وأهمية دورهم في ترشيده، باعتبارهم الحماة الأساسيين لحرية الافراد بنص الدستور. وأشار رئيس النيابة العامة إلى أن ترشيد الاعتقال الاحتياطي يعتبر محوراً مركزياً في تنفيذ السياسة الجنائية، على اعتبار أنه يمس الفرد في أحد حقوقه الأساسية التي كرستها المواثيق الدولية والكتب السماوية؛ وهو الحق في الحرية. كما أبرز أن الاعتقال الاحتياطي يشكل مرآة حقيقية لمدى احترام قواعد وشروط المحاكمة العادلة وتفعيل قرينة البراءة التي تعتبر حجر الزاوية في الأنظمة القضائية الحالية، فأي إفراط أو سوء تقدير في الاعتقال الاحتياطي، معناه انتهاك لحرية الإنسان وهدم لقرينة البراءة. وجدد الداكي التأكيد على أن تحريك الدعوى العمومية في حالة اعتقال يجب إعماله في الأحوال الاستثنائية التي تكون فيها حقوق أخرى قد تم المساس بها بشكل صارخ من طرف المشتبه فيه، إذ لابد من توفر المبررات القانونية المحددة في المواد 47 و73 و74 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تتمثل في حالة التلبس وخطورة الفعل الجرمي وانعدام ضمانات الحضور، وتوفر دلائل قوية على ارتكاب المشتبه به للجريمة، ومدى تأثير هذه الأخيرة على حقوق الغير أو على النظام والأمن العام. كما دعا إلى المناقشة الهادئة والعميقة لجميع الإشكاليات التي يطرحها موضوع الاعتقال الاحتياطي والتمحيص حول الشروط الأساسية والمعايير الواجب احترامها قبل اتخاذ قرار الاعتقال خاصة في الجنح الضبطية.