مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية    رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم: "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    قلق متزايد بشأن مصير بوعلام صنصال    ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    خبراء يكشفون دلالات زيارة الرئيس الصيني للمغرب ويؤكدون اقتراب بكين من الاعتراف بمغربية الصحراء    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط        الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    الصويرة تستضيف اليوم الوطني السادس لفائدة النزيلات    موتسيبي يتوقع نجاح "كان السيدات"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    الرئيس الصيني يضع المغرب على قائمة الشركاء الاستراتيجيين        المحكمة توزع 12 سنة سجنا على المتهمين في قضية التحرش بفتاة في طنجة    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها    مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"        مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    لتعزيز الخدمات الصحية للقرب لفائدة ساكنة المناطق المعرضة لآثار موجات البرد: انطلاق عملية 'رعاية 2024-2025'    مجلس الحكومة يصادق على تعيين إطار ينحدر من الجديدة مديرا للمكتب الوطني المغربي للسياحة    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    خليل حاوي : انتحار بِطَعْمِ الشعر    الخطوط الملكية المغربية وشركة الطيران "GOL Linhas Aéreas" تبرمان اتفاقية لتقاسم الرموز    القانون المالي لا يحل جميع المشاكل المطروحة بالمغرب    مشروع قانون جديد لحماية التراث في المغرب: تعزيز التشريعات وصون الهوية الثقافية    "سيمو بلدي" يطرح عمله الجديد "جايا ندمانة" -فيديو-    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اتحاد كتاب المغرب: المهام الخمس المستعجلة
نشر في لكم يوم 05 - 04 - 2013

قبل أن أكتب هذه المقالة/ العرض، تساءلت: كيف يمكن أن أكتب عن اتحاد كتاب المغرب، وأنا عضو في مكتبه التنفيذي؟ الكتاب من أعضاء الاتحاد ينتظرون تجسيد برنامج المكتب التنفيذي الحالي، وليس الدخول في متاهات النقاش النظري. لكن، سرعان ما تجاوزت حرج التساؤل، لأنه حرج غير حقيقي. فالتامل "النظري" أمر مرغوب فيه، باعتبار ما يمكن أن يعزز به حظوظ نجاح هذه التجربة . إن المطلوب من هذه المقالة، أن تدشن لنقاش مثمر، عبر تداول الرأي، مع الكتاب والمثقفين والصحفيين، في شأن عام مرتبط بمنظمة ثقافية تاريخية، مثل اتحاد كتاب المغرب.
-1-
هذه المقالة مساهمة في تأمل السياسة الثقافية لاتحاد كتاب المغرب. التأمل، هنا، ينصرف إلى المستقبل، وإن بدا مرتكزا على معطيات من الماضي والحاضر. ولعل ما يدعو إلى هذا الارتكاز، حضور الاتحاد باستمراريته على مدى أكثر من خمسين سنة. بالطبع، لم تكن هذه الاستمرارية لتتخذ نسقا واحدا، من حيث الإيقاع والفاعلية الثقافيين. غير أن أصعب مرحلة في تاريخ الاتحاد، كانت تلك المتمثلة في سنوات التيه، التي عاشها ذات الاتحاد ابتداء بما سمي حكومة التوافق. فقد أدى الاتحاد في هذا السياق، جراء ارتباطه ببعض الأحزاب، ثمنا غاليا، بفقدانه جزءا مهما من هويته النقدية. بدلا من هذه الهوية، كان البعض يفضل الحديث عن الاستقلالية.. الاستقلالية عن الدولة تحديدا. لم تكن الاستقلالية عن الأحزاب السياسية موضوعا للنقاش، إلا في ما ندر لدى بعض الأصوات الاستثنائية.
نحن نتأمل، إذاً، السياسة الثقافية لاتحاد الكتاب. ولكن، هل كانت هناك معالم سياسة واضحة؟ يمكن الرد بالإيجاب، بالنظر إلى السياسة العامة لأحزاب الحركة الوطنية. فالثقافة كانت مجالا، لم تدخر فيه تلك الأحزاب جهدا، لمراجعة كثير من التوجهات الرسمية للدولة. فلعقود عدة من مغرب الاستقلال، لم ينفك اتحاد الكتاب عن التغذي على شعارات الحركة الوطنية ومطالبها. ولأنها تميزت بأبعاد وطنية- تقدمية، فقد باتت تلك المطالب والشعارات على لسان معظم مثقفي ما بعد الاستقلال. ها هنا، كان جزء من الإشكال، الذي تم توصيفه من قبل البعض ب: تبعية الثقافي للسياسي. لا نريد الخوض في العلاقة القائمة بين الثقافي والسياسي بتفصيل. ليس، هنا، موضعها وأوانها. غير أنه بدل ذلك، يمكن الاكتفاء بتأكيد العلاقة بالسياسي، ولكن من وجهة غلبة المثقف النقدي لا السياسي البراغماتي.
-2-
انعقد المؤتمر الأخير لاتحاد كتاب المغرب في أجواء جد مركبة. فعلى الصعيد الداخلي، كانت الأزمة التنظيمية في أوجها، بفعل استقالة/ إقالة الرئيس السابق من جهة، ودخول باقي أعضاء المكتب في صراعات شخصية من جهة أخرى. يمكن اعتبار الأزمة نتيجة لمرحلة التيه، التي انطلقت مع بداية الشروع في التأسيس للتناوب لتوافقي. إن غياب الأفق الثقافي لتلك المرحلة، في أبعاده النقدية المدعمة سياسيا، سيؤدي إلى نوع من "الانحلال" الثقافي في المراحل اللاحقة. وبطبيعة الحال، لم يجد ذلك الانحلال تجسده إلا في "التطاحن" التنظيمي داخل المكتب المركزي. وبعبارة صريحة، لم تكن السلطة بعيدة بإغراءاتها، عن كل ما كان يدور في مخيلة مدبري شأن اتحاد الكتاب آنذاك.
في هذا السياق المشحون، بدا المؤتمر الأخير بمثابة محطة تغيير المسار، في محاولة ل"الالتفاف" على تلك الأزمة التنظيمية الطاحنة. لم يكن الكثير يعتقد نجاح المؤتمر، خصوصا بعد ترهل الاتحاد تنظيميا، وخفوت إشعاعه الثقافي التقدمي. لقد أُريدَ للمؤتمر الأخير الجواب عن سؤال واحد: السؤال التنظيمي. ولأن الجواب لم يعدم "إخراجا" ديمقراطيا، فقد انتصرت "ديمقراطية القاعة" في انتخاب الرئيس.. الرئيس طيلة حياة ولايته. لقد انتصر الرئيس، ديمقراطيا، على منافسيه بفارق معقول. من يجرؤ على التشكيك في أهلية كتاب المغرب انتخاب رئيسهم مباشرة؟
هكذا، تأجلت الأسئلة الثقافية جراء طغيان السؤال التنظيمي. حتى البيان الثقافي، أُجِّل إلى أجل غير مسمى.. إلى ما بعد المؤتمر. ولكن، هل كانت الأسئلة الثقافية لتتأجل، فقط، ببروز السؤال التنظيمي؟ أو لم يكن الربيع الديمقراطي ليضغط من جهته، في اتجاه مواكبة أجوائه على المستوى الثقافي؟ يمكن القول بأن ديمقراطية القاعة لم تحمل مضمونا ثقافيا، في أثناء انعقاد أشغال مؤتمر الكتاب. كل الأسئلة عُلقت حتى إشعار آخر.. إلى ما بعد المؤتمر. المهم أن المؤتمر نجح، ومن ثم نجح الاتحاد في الحفاظ على كينونته. بانتخاب المكتب التنفيذي، ومن بعدُ المجلس الإداري، من المفترض أن تنتصب الأسئلة الثقافية المعلقة من جديد.
-3-
بعد نصف عام، أعتقد أن المكتب التنفيذي أخذ وقته الكافي، للانكباب على الأسئلة الثقافية الملحة. ولكن، أين هي هذه الأسئلة.. وفي أي أرض تكون؟ وهل من السهل بلوغها؟ وهل من شأن المكتب التنفيذي واختصاصه وحده بها؟ أوَ ليس المكتب مجرد إطار تنظيمي.. لا أقل ولا أكثر؟ ولماذا المبالغة في حجم الاتحاد، وكأن ليس هناك كتاب/ مثقفون خارجه؟ إضافة إلى ذلك، بأي وجه يتم " تعليق" الأسئلة على أكتاف الكتاب، دون غيرهم من رجال الفن والسياسة والعلم...؟
على مدار تاريخه، لم يكن الاتحاد مجرد جمعية لتنظيم الأنشطة الثقافية. كان أكثر من ذلك، بفعل بروز مضمونه الثقافي المتقدم. إن الحديث عن المضمون، يجعله في طليعة المؤسسات الثقافية والسياسية التغييرية. وقد تعرض جراء ذلك إلى التقتير في مصادر رزقه، في محاولة للحؤول دون اضطلاعه بأدواره الثقافية. بعبارة أخرى، إن المضمون الثقافي هو الذي كان يحدث "الفرق" للاتحاد، في مقابل ما كان يسمى جمعيات "السهول والأنهار". فبالرغم مما كانت ترفل فيه الأخيرة من نعيم مادي، كان الاتحاد بمثابة قلعة الضوء، التي كانت تشرئب نحوها رقاب المثقفين وعيونهم.
إن الأسئلة الثقافية التي يصوغها المثقفون، هي التي تسمح بالحديث عن المضمون الثقافي. ومن ثم، فإن لكل مرحلة من عمر الثقافة المغربية أسئلة، يحلو للبعض التأريخ لها وفق المحطات التي عبرها اتحاد الكتاب. إذاً، هناك أولوية للمضمون الثقافي على حساب البرنامج الثقافي. وبعبارة أوضح، يبدو المضمون هو المتحكم في البرنامج، من حيث طبيعته وفقراته ومواده. إن المضمون يغدو بمثابة المعبئ لعقول المثقفين وخيالاتهم. ولعل من أكبر عناوين هذه التعبئة، أن تغدو الثقافة ذات قيمة بالغة، من حيث الإيمان بدورها التغييري. الالتزام، العضوية.. باتت، في حينها، مختزلة لحماس أجيال عديدة، في نشدانها الحرية والعدالة الاجتماعية والمواطنة الكاملة.
إن مرحلة "التيه" في تجربة الاتحاد، هي المرحلة الأشد فقدانا للمضمون الثقافي. ومنذ ذلك الحين، لم يلبث السؤال أن يتكرر في كل "انعطافة" تاريخية: أين هو المثقف مما يجري اليوم؟ وقد ظلت المبالغة كبيرة في دور المثقف.. إلى درجة تحميله المسؤولية عن الكثير مما كان يقع. ولأن الاتحاد نجح في مؤتمره الأخير، فمن الموضوعي أن يتساءل غير قليل من الكتاب/ المثقفين، عن المضمون الثقافي لهذه المرحلة/ التجربة. ما يدعو إلى هذا السؤال بإلحاح، المتغيرات التي يعرفها المغرب على أكثر من صعيد، بتأثير من عوامل الربيع الديمقراطي وتداعياته العابرة للحدود.
-4-
بموازاة المبالغة في دور المثقف، ألسنا نبالغ في دور الاتحاد من جهتنا أيضا؟ إن اجتراح الأسئلة، ذات المضمون الثقافي، ليست بالأمر السهل في كل الأحوال. غير أن الاتحاد، في سياقه الحالي، ينبغي أن ينصت إلى دبيب المجتمع، في مختلف هواجسه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وبالتأكيد، هواجسه الثقافية بدرجة أولى. ومن الملاحظ أن هناك أكثر من تحد يفرض نفسه على المثقف، بحكم القضايا المطروحة للنظر: تفكك منظومة التعليم، انحسار البعد الثقافي في مظاهر الاستهلاك المادي، توسع اقتصاد الريع والرشوة، ترييف المدن بانتشار العشوائيات، الزحف المدمر نحو المناطق الخضراء، تعثر إصلاح القضاء وفشل مبادرات الحكامة الجيدة، اشتداد مظاهر العنف الاجتماعي، في الطرقات والمدارس والساحات.. الغلو في التطرف، الديني واللغوي والهوياتي...
إن مختلف القضايا السابقة ذات علاقة بالثقافة. ومن هنا، فإن فاعلية المثقف تبدو جديرة بالاعتبار، نظرا لِما يمكن أن يضطلع به، سواء من حيث صوغ الأسئلة أو مقاربتها. من مختلف تلك القضايا وغيرها، يمكن استخلاص المضمون الثقافي لهذه المرحلة. الاتحاد مجرد إطار تعبوي، في سبيل استخلاص ذلك المضمون، برفقة أطر ذاتية ومعنوية أخرى. بدون مضمون ثقافي، يصير الاتحاد مجرد هيكل بدون فاعلية، وإن جهد في تنظيم أنشطة ثقافية بحجم كبير. فالبرنامج الثقافي يتحكم فيه المضمون الثقافي كما قلنا. ومن مسؤولية الاتحاد تعبئة موارده الثقافية، من خلال الانفتاح على الأسماء الثقافية، ذات الإضافة على مستوى الطرح والجرأة والمقاربة. فأشد ما يصد رياح " الجديد" عن الاتحاد، هو الانكفاء على اجترار نفس الأسماء، في صوغ أوراقه وإعداد تصوراته. إن تصفح أي جريدة، يمكن أن يزودنا بطبيعة الأسماء، المراد أن تضخ دماء جديدة في شرايين الاتحاد. ويكفي أن نشير إلى المرحوم إدريس بنعلي على سبيل التمثيل، بالنظر إلى نوعية القضايا والأسئلة التي كانت تستثيرها كتاباته ودراساته. والغريب أن الكثير من الأسماء، المتوجة بجوائز وطنيا وعربيا ودوليا، تظل بمنأى عن أي فعل ضمن دينامية الاتحاد. ولا ينبغي أن نستثني من ذلك الأسماء المهاجرة، ولا الأسماء ذات الأصول المغربية. فمن تلك الأسماء، نجد مفكرين وأدباء وصحفيين وفنانين.
لا يجوز للاتحاد أن يقترب بعمله من عمل " متعهد الحفلات". فمن الجمعيات المحلية والوطنية، ما يمكن أن يغطي هذا الدور ويضطلع به. ولا يجوز أن نغفل، أيضا، أن هناك من الأطر الجمعوية، ما حاز التنويه في تنظيم المهرجانات/ الملتقيات، على الصعيد القاري والدولي. إن الإلحاح على المضمون الثقافي مجددا، يستلزم تدبير شؤون الاتحاد بشراكة ديمقراطية، من قِبَل مختلف أجهزته وفروعه. فلا معنى لأي حدث ثقافي، لا تكون وراءه شراكة ديمقراطية حقيقية. إن تفعيل الشراكة المأمولة، من شأنها تلافي "الأعطاب" التنظيمية، التي ورثها الاتحاد جراء انخراطه القديم ضمن أفق الأحزاب الوطنية. إن "اللاشعور" التنظيمي للأحزاب، ما يزال يلقي بظلاله على السلاسة التنظيمية لاتحاد الكتاب. وبالاستنتاج، يمكن القول إن أزمة الاتحاد هي من قبيل أزمة الأحزاب السياسية.
-5-
يمكن تشخيص مظاهر أزمة الاتحاد، من خلال التركيز الإيجابي على المهام المستعجلة، التي يقتضي الشروع في الاضطلاع بها.
- تفعيل أجهزة الاتحاد ( المكتب التنفيذي، المجلس الإداري، الفروع) بما يسهم في تحقيق المشاركة الجماعية في رسم ملامح السياسة الثقافية للمنظمة، وبالتالي إخراجها في شكل برامج ثقافية تكون موضوع تنفيذ. فغالبا ما تترك المشاركة الفعلية مكانها للمشاركة الشكلية، التي غالبا ما تؤول إلى مجرد مشاركة مجانية . إن المطلوب هو انتظامية الاجتماعات التنفيذية والإدارية، وفق جداول زمنية وعملية واضحة. ويبدو أن من شأن الاجتماعات الدورية المضبوطة، أن تُلافي العلاقة العمودية التي تربط الرئيس بباقي الأعضاء في الأجهزة الأخرى. ولعل من أكبر مساوئ هذه العلاقة، أن سائر الأعضاء يصيرون مجرد " أعوان"، لا يتعدى اهتمامهم الملفات الموكولة لكل واحد منهم. فالرئيس، بحكم هذه العلاقة، يصير أهم المتدخلين في تدبير شؤون الاتحاد، بما يحوزه من معطيات يوفرها له موقعه؛
- تفعيل الشراكة مع مؤسسات المجتمع المدني، باعتبارها المحيط الطبيعي لحيوية الفعل الثقافي المطلوب من الاتحاد. أكثر من ذلك، فإن هذه الشراكة من شانها المساهمة في استعادة المنظمة لأدوارها النقدية، نظير ما كانت توفره الشراكات القديمة مع الأحزاب الوطنية في هذا الباب. إن الإلحاح على هذا النوع من الشراكة، يستهدف القطع مع محاولات التماهي مع برامج الدولة، ممثلة في أجهزتها الحكومية وامتداداتها. ولعل أكثر ما يخشى بهذا الخصوص، أن يفقد الاتحاد جزءا من تاريخه ورمزيته، وبالتالي فاعليته بصفته مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني. إن الدولة، نتيجة لغياب المعارضة السياسية اليوم، في حاجة إلى مؤسسات مدنية (مثل اتحاد الكتاب، الصحافة المستقلة، الجمعيات الحقوقية، الجمعيات الشبابية والنسائية، جمعيات حماية البيئة والمال العام، جمعيات محاربة الرشوة واقتصاد الريع، جمعيات البحث في التاريخ والسينما والفنون التشكيلية، الخ) للوقوف على ما يعتري تدبير الشأن العام من معوقات على أكثر من صعيد. وإذا كان مفهوما توجه الاتحاد إلى بعض الشراكات الرسمية، بهدف تحصيل بعض الموارد المادية، فإنه لا يجوز أن يتحول إلى موضوع استراتيجي في علاقة الاتحاد بالدولة. وباختصار شديد، فإن بعضا من أزمة الاتحاد اليوم، ليست تؤول إلى قلة الموارد المادية.. وإنما إلى الأسئلة الثقافية المراد تحصيلها ومقاربتها في وضعنا المغربي المأزوم؛
- تفعيل الحكامة المالية الجيدة داخل الاتحاد، في إطار ما يستجيب للشفافية المطلوبة من منظمة عريقة مثل الاتحاد. فانتعاشة المكتب المالية المرتقبة، جراء الشراكات مع بعض القطاعات الحكومية، تقتضي توفير الإطار التنظيمي لاستقبال الموارد المالية من جهة، وصرفها في ما يستجيب لحاجات الاتحاد " الثقافية" على الوجه المطلوب من جهة أخرى. وعلى الرغم من تواضع تلك الموارد، مقارنة مع ما بأيدي جمعيات أخرى، فإن تحصيلها لا يغني عن تفعيل صفة" النفع العام" بأي حال من الأحوال. لقد كانت مالية الاتحاد، في العقود السالفة، من اختصاص الرئيس والأمين، في إطار تلك العلاقة " المقدسة" التي لا تنفصم عراها. أما اليوم، فالضرورة تتطلب التفكير في إطار تنظيمي جديد، يخفف عن الرئيس مسؤولية الانهماك في التدبير المالي، في أفق التفرغ لعلاقات الاتحاد وأنشطته الثقافية والتمثيلية. وإذا عهدنا عدم وجود أي نقاش في الموضوع سابقا، فإن حجم الموارد المالية المتوقعة يفترض فتح نقاش، حول الصيغة التنظيمية الملائمة لتدبير مالية الاتحاد. وإن اقتصر التوقيع ، في الأمور المالية، على الرئيس ونائبه، فإن المسؤولية لا تعفي باقي أعضاء المكتب، من ضرورة مواكبة التدبير المالي لميزانية الاتحاد؛
- تفعيل العلاقة الأفقية مع فروع الاتحاد، بما يحقق التناغم المطلوب بين البرامج، سواء على المستوى المحلي أو الوطني. وفي تجارب سابقة، لم تكن علاقة المكتب بالفروع لتتعدى الإشراف على انتخاب المكاتب المحلية. أما كل جهة، فتوفر ميزانيتها بطرقها الخاصة، وتقدر برنامجها بما شاء لها التقدير. وما دمنا قد تحدثنا عن الموارد المالية المحتملة، فإن مسؤولية المكتب التنفيذية تستوجب المساهمة في " حقن" ميزانيات الفروع، بما يجعلها منخرطة في دينامية الاتحاد على الصعيد الوطني. وبهذا الصدد، لا مناص للمكتب التنفيذي من أن يفوت أنشطته المركزية/ الوطنية للفروع، على أساس أن يمولها هو، وتتولى هي إخراجها وتنفيذها. إن من شأن تفعيل الفروع، المساهمة في توزيع أنشطة الاتحاد على امتداد التراب الوطني، انسجاما مع مشروع الجهوية المتقدمة المراد تفعيله. وتحوز الشراكة مع الفروع الأولوية، في مقابل الشراكات الأخرى، خصوصا العربية منها. وإذا كان الاتحاد حريصا على علاقاته العربية/ الخليجية، في إطار ديبلوماسيته الموازية النشيطة، فإن تلك العلاقات لا ينبغي أن تستهلك جهدا كبيرا من عمل الاتحاد. فمن المعروف أن منظمتنا الثقافية متقدمة، بتجربتها وتاريخها ورمزيتها، بالمقارنة مع الاتحادات العربية الأخرى التي ينخر معظمها الاستبداد، وفي طليعتها الأمانة العامة لاتحاد كتاب العرب. إن كان لابد من هذه العلاقات الثقافية العامة، فلا مندوحة عن اكتشاف أراض جديدة لاتحادات مختلفة بتجاربها وتنظيماتها، في أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؛
- مأسسة الاتحاد وفق ما هو معمول به، لدى باقي مؤسسات المجتمع المدني الأخرى. فبالرغم من رسالة الاتحاد الثقافية المتقدمة، لم تشهد المكاتب السابقة توفير جهود لخلق مؤسسة ثقافية، واضحة بهياكلها وعلاقاتها ومواردها. وإن تبد فكرة الاتحاد عظيمة، فإن هذه الفكرة في حاجة إلى تفعيلها داخل المجتمع، باعتماد الحكامة المالية/ التنظيمية المطلوبة. من المؤسف أن يظل الاتحاد متخلفا عن باقي المؤسسات المدنية الأخرى، حتى الصغيرة منها في المداشر والقرى والمدن النائية. فباستثناء الإشعاع التاريخي للاتحاد، لا نجد تطورا على مستوى التدبير المعقول لشؤونه. إن المضمون الثقافي التقدمي، في حاجة إلى إطار تنظيمي محكم، يسوده الانسجام والشفافية ووضوح الرؤيا. وإذا نجح المكتب الحالي في مأسسة الاتحاد، فسيجسب لصالحه نجاح باهر، يشفع له ما قد يتعثر فيه على مستوى تنفيذ بعض البرامج. إن المطلوب من المأسسة في المحصلة، هو تلافي التدبير العشوائي/ المزاجي للمكتب التنفيذي، وفي طليعته رئيسه بطبيعة الحال.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.