سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حمروش: المطلوب من المناظرة الوطنية حول الثقافة المغربية أن تجسر التواصل بين كافة الفاعلين الثقافيين الشاعر المغربي وعضو المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب يرسم ملامح المشهد الثقافي وينتقد طبيعة تدبير «الاتحاد»
أكد الشاعر المغربي عبدالدين حمروش أن المناظرة الوطنية حول الثقافة المغربية تشكل منطلقا للخروج بخارطة طريق جامعة، تكون سبيلا لتحديد تصور عام يرسم ملامح السياسة الثقافية بالمغرب، واستبعد وجود تجسيد حقيقي لأهمية الثقافة على مستوى الاستراتيجية العامة لتدبير الشأن العام بالبلاد. وأنحى حمروش، من جهة أخرى، باللائمة على طريقة تدبير القرار في اتحاد كتاب المغرب، داعيا إلى نهجٍ أكثر شفافية يعيد إلى هذه المؤسسة بريقها، وقال: "لا يعقل أن يظل التدبير المالي من شأن رئيس وأمين مال اتحاد كتاب المغرب وحدهما". - بدءا، كيف تُقيِّم الوضع الثقافي الراهن في المغرب؟ من المؤكد أن مقاربة الوضع الثقافي في المغرب في غاية الصعوبة. الأمر يحتاج إلى ندوة كبرى تضم عدة موائد مستديرة. وكما تعلم، فإن الوضع جد مركب باعتبار ما يضمه من تنوع في الممارسة الثقافية، من جهة، وباعتبار ما يطرحه هذا التنوع من أسئلة خاصة بكل مجال ثقافي- فني، من جهة ثانية. غير أنه لابد من تسجيل مفارقة عجيبة بهذا الصدد. ففي الوقت الذي لا يمكن أن ننكر أهمية الثقافة في بعدها التنموي، إضافة إلى ما تحتله من مكانة في قلب الدبلوماسية الموازية، لا نجد تجسيدا حقيقيا لهذه الأهمية على مستوى الاستراتيجية العامة لتدبير الشأن العام بالبلاد. فلا يعقل أن ننتظر قدوم معرض الكتاب بالدار البيضاء لنحس بأن هناك مغربا ثقافيا ما يتحرك، ولو ببطء شديد. المطلوب أن يتحول هذا الموعد إلى مواعيد عديدة، يتم تدبير أزمنتها الثقافية على امتداد السنة، وعلى أكثر من منطقة جغرافية بالمغرب. وفي هذا الإطار، نحب أن نقول إن الثقافة تقع في أرض مشتركة بين أكثر من قطاع/ فاعل ثقافي: التعليم، الشؤون الدينية، الصناعة التقليدية، السياحة، الخارجية،... ولذلك، فإن من مؤشرات وجود هذه الإستراتيجية وضع سياسة ثقافية عامة تنظم مختلف الجهود المبذولة في المجال الثقافي، حيث يتم توجيهها لتنمية شخصيتنا الثقافية، عبر الانفتاح على ثقافات العالم، من جهة، وتحقيق الإشعاع لها بما يُمكِّن من خدمة قضايانا الوطنية، من جهة أخرى. إن الثقافة المغربية لا تؤدي أدوارها على هذا الصعيد، أي في إطار الإستراتيجية السياسة العامة للبلاد. والغريب أن الثقافة كثيرا ما تؤول إلى نوع من الترفيه. ألسنا نربط الثقافة ب»النشاط» في المحصلة؟ - هل تقدر أن هناك إشعاعا ثقافيا مغربيا حقيقيا حاليا؟. لا أحد بإمكانه أن ينكر الإشعاع الذي غدت الثقافة المغربية تضطلع به في أكثر من مجال. فالانفتاح على الإنتاج الثقافي المغربي، في الفكر والأدب والسينما وغير ذلك، حقيقة يؤكدها أكثر من معطى واقعي. وما تتويج المثقفين المغاربة، أدباء ومفكرين وفنانين، إلا مؤشر على نوعية المكانة التي بات يحتلها هذا الإنتاج. المفارقة، الآن، أن هذا الإنتاج لا يتسم بطابع مؤسسي تكون الصناعة الثقافية المزدهرة أحد عناوينه البارزة. ومادام الأمر كذلك، فإن الإشعاع المذكور هو مجرد تحصيل لجهود فردية في الغالب. وبطبيعة الحال، الجهود الفردية، وما تحققه من نتائج، لا تكون منتظمة ولا تسير وفق خط بياني تصاعدي. إننا نتحدث، هنا، عن السياسة الثقافية ذات البعد المؤسسي وذات الأهداف الواضحة، التي يمكن أن تجمع مختلف المتدخلين في المجال الثقافي، سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص. - ما هي أهم المحطات التي قطعتها المناظرة الوطنية حتى الآن؟ بعد مرور أكثر من عقد على آخر مناظرة، يبدو أن بلادنا مؤهلة لتنظيم مناظرة وطنية كبرى حول الثقافة المغربية، تضم مختلف المجالات الثقافية المعروفة، وتستقطب معظم الفاعلين الثقافيين، ذاتيين ومعنويين، خصوصيين وعموميين. وللإشارة، فإن المغرب شهد عدة متغيرات، على أكثر من صعيد، يمكن أن نؤطرها تحت ما يسمى: الربيع الديمقراطي. فمما لا شك فيه أن هذا الربيع يطرح على الكتاب والمثقفين أسئلة قوية، لا بد من مقاربتها بما يواكب «زلزال» الأحداث الأخير عبر التأمل والتحليل والتقييم. فانطلاقا من مركزية البعد الثقافي، من وجهة نظرنا، يبدو أن للمقاربة الثقافية أكثر من فائدة بهذا الصدد. وحتى الموضوع الدستوري، بوصفه سؤالا ثقافيا في أصله، ما هو إلا جواب معين عن إشكالية التحول الديمقراطي في بلادنا. هذا هو السياق العام، الذي يغدو بحسبه البعد الثقافي أهم الأبعاد المُحصِّلة للتنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. أما إذا تحدثنا بلغة ثقافية خاصة، فإن المغرب لابد من أن يعرف طريقه إلى الصناعة الثقافية بكل ما تحمله العبارة من معنى. إذن، المناظرة تعتبر فرصة لطرح الأسئلة حول السبل الكفيلة لتحقيق التنمية الثقافية، التي هي أصل التنمية البشرية للوطن والمواطنين. والملاحظ أن هذه الأسئلة متعددة بطبيعتها، بحكم تعدد مقارباتها بتأثير من خصوصية المجال الثقافي(مسرح، سينما، تشكيل، موسيقى، أدب...) من جهة، وبتأثير من طبيعة المتدخلين فيه (مثقفون/ أفراد، جمعيات، نقابات، مؤسسات اقتصادية...) من جهة ثانية. وقد عقد لأجل ذلك لقاءان إعداديان، ضما نخبة من المثقفين والفاعلين الثقافيين المغاربة. وقد أنجزنا عدة أوراق، ستكون موضوع المناظرة بمدينة إفران، خلال نهاية شهر ماي من هذه السنة، حسب أقرب تقدير. - ألا تتخوف من أن تقع المناظرة في التكرار والاجترار من خلال نوعية الأسئلة المطروحة في أكثر من مجال؟ حقيقة أن المسرحيين يطرحون أسئلتهم الخاصة، مثلما أن السينمائيين يطرحون أسئلتهم أيضا... وهكذا. لكن، ما نريده في المناظرة أن يجتمع جميع هؤلاء في فضاء واحد، ويتداولوا الأسئلة التي تجمع بينهم أكثر مما تفرقهم. ففي النهاية، الأسئلة الثقافية هي ذاتها، ولابد للجميع أن يقاربها في إطار شمولي متكامل. إن الملفات الثقافية/ الفنية الخاصة ينبغي لها أن تجتمع للخروج بخريطة طريق جامعة، تكون سبيلا لتحديد تصور عام يرسم ملامح السياسة الثقافية بالمغرب. إن الأمر يتعلق، هنا، بمقاربة تؤول إلى صيغ اقتراحية محددة. أعتقد أن هذه هي حدود المناظرة، بمعنى أن يتم تمكين الفاعلين التنفيذيين، خصوصيين وعموميين، من الملفات الثقافية ذات الأولوية، للاشتغال عليها في شكل برامج ثقافية محددة. هناك من المثقفين من كان يدعو إلى تكوين قوة ضغط لتنفيذ ما يتم الخلوص إليه في نهاية المناظرة. الأمر مطلوب.. ولكن، كيف؟ يمكن التفكير في ذلك عبر تعبئة المثقفين. غير أنه، في نظري، ينبغي أن تشكل المناظرة حدثا ثقافيا بامتياز، أهميته أكبر من أهمية معرض البيضاء للكتاب. في حدودها الدنيا، المطلوب من هذه المناظرة أن تكون لقاء ثقافيا يتواصل فيه مختلف الفاعلين الثقافيين، بغض النظر عما يمكن أن تخرج به من نتائج. إذن، فالمسألة ليست مجانية يحكمها التقليد، بالنظر إلى ما نلاحظه من تأفف البعض من كثرة تنظيم المناظرات في أكثر من مجال ثقافي واجتماعي واقتصادي ورياضي. المناظرة سلوك تؤطره فلسفة ديمقراطية تتخذ الحوار أسلوبا للإنصات والتفاهم والتوافق. إنها تقع في قلب السلوك المدني. - بالنظر إلى حجم المناظرة، هل لديكم، في اتحاد كتاب المغرب، الإمكانات المادية والبشرية لعقدها؟ في البداية، أحب أن أقول إن المناظرة ستنعقد بدعم من وزارة الثقافة دعما رئيسا. وقد استبدلنا شراكة الوزارة، في اللقاء الإعدادي الأخير بإفران، من صيغة التنسيق إلى صيغة الدعم، بهدف تمكين مختلف الفاعلين الثقافيين المشاركين من مساحة الحرية والجرأة في طرح الأسئلة والقضايا والملفات. لقد اتفقنا على أن يكون تدخل الوزارة تدخلا لوجستيكيا/ ماديا، على أساس أن يحتفظ اتحاد الكتاب بكامل حريته في الإعداد «الأدبي» للمناظرة، من حيث اقتراح المشاركين، وهيكلة اللجن، وصياغة الأوراق، الخ. أعتقد أن اتحاد الكتاب فكرة جميلة، ولذلك لا نعدم من يقدم لنا الدعم في إخراج برامجنا الثقافية إلى حيز الوجود.. وضمنها المناظرة الوطنية للثقافة المغربية بالطبع. وحتى بالنسبة إلى موعد الانعقاد، في أواخر ماي، يبدو أن هناك متسعا من الوقت للإعداد الجيد لهذه المناظرة.. ويبدأ ذلك، منذ الآن، بتكثيف التواصل الإعلامي في نفس الشأن، حيث يصير الموعد موعدا مركزيا في أجندة الأحداث الثقافية الكبرى خلال هذه السنة. - ألا تعتقد أن هناك «تذبذبا» تنظيميا داخل المكتب تبعا لمقالك الذي نشر بعنوان «المهام المستعجلة لاتحاد كتاب المغرب»، خصوصا عندما قام مصطفى لغتيري بتجميد عضويته منذ عدة أشهر؟ منذ تأسيس المكتب الحالي، تكلفت بالسياسة الثقافية للاتحاد، بحكم صلتي القوية بالموضوع الثقافي، سواء من حيث إعداد الأوراق/ الأرضيات، أو من حيث المشاركة في الندوات التي تتناول السياسة الثقافية بالمغرب. ويظهر أن التأمل في الموضوع الثقافي، وحتى التنظير فيه، يندرج ضمن انشغالاتي المعرفية. فالمشاركة في النقاشات داخل المكتب التنفيذي لا تعفيني من الكتابة بجرأة في القضايا ذات الأهمية «الكبيرة». فما دام الأمر يتعلق بمستوى معين من النقاش، فإن ذلك يعد من حسنات هذه التجربة. فالتفكير في الاتحاد، في سياسته وتاريخه ومستقبله، لم يكن واردا ضمن أجندة أعضاء الاتحاد، خصوصا داخل المكتب التنفيذي. زيادة على ذلك، فإن شأن الاتحاد هو شأن عام، ومن حقوق الكتاب علينا أن نشاركهم في ما نفكر فيه من قضايا، وما نعده من برامج ثقافية، وما نعقده من شراكات. في جمعية مدنية، ينبغي أن تكون الشفافية مطلوبة بالمطلق. وما يزيد من أهمية ذلك أن الجمعية ذات طبيعة ثقافية، في إطار ما تقتضيه من طليعية في انتهاج سياسة الديمقراطية والشفافية والوضوح. فبعد ثورات الشباب العربي، لا ينبغي أن نظل متخلفين عما تطرحه تلك الثورات من أسئلة، وما تقتضيه من مبادرات حرة، وما تستوجبه من شراكات مدنية مواطِنة. في هذا الإطار، جاءت كتابتي ل»المهام الخمس المستعجلة».. وفي طليعتها مهمتان رئيستان، يمكن الحكم بحسبهما على نجاح تجربة المكتب الحالي: الشفافية المالية إلى جانب تفعيل أجهزة الاتحاد. فلا يعقل أن يظل التدبير المالي من شأن الرئيس والأمين وحدهما، بدون اطلاع من قبل أعضاء المكتب عبر نوع من التقارير الدورية. كما لا يعقل أن تظل الشراكات خارج التداول في اجتماعات المكتب، بدعوى تمكين الرئيس من هامش الحرية والمبادرة. وهنا أؤكد أن الوضع الاعتباري للرئيس سيظل قائما في ما يقترحه، لكن على أساس أن يكون ذلك منبثقا من داخل المكتب لا من خارجه. فلا أحد يتقبل عقد الرئيس شراكة، باسم اتحاد كتاب المغرب، مع كتاب الإمارات، مثلا، بدون صدورها من قلب المكتب التنفيذي نفسه. كما أن لا أحد من المكتب يستسيغ أن يطلع على أهم مبادرات الرئيس عبر الصحافة، مثل باقي الكتاب والمثقفين والمتتبعين. ومع ذلك، نتوقع اعتدال «حال» الاتحاد أكثر، بالنظر إلى مرونة شخص الأخ العلام و»أريحيته» الإنسانية والديمقراطية. فالبرنامج الثقافي الغني للاتحاد يستوجب إخراجه انتهاج صيغ شراكة حقيقية، تقطع مع أساليب «الريع» السابقة، مثلما تقطع مع العشوائية والاعتباطية. لقد خرج الاتحاد قويا من نفق المؤتمر الأخير، ولذلك يحذونا أمل كبير في انتهاج سياسة ثقافية ديمقراطية حقيقية. الأمل ما يزال قائما، وهناك مؤشرات تبعث على التفاؤل.. ونحن مستنفرون لذلك، أيما استنفار، بجوارحنا وعقولنا وأقلامنا.
نحتاج إلى جرد حساب الاتحاد لمعرفة نتيجة الاتصالات الأخيرة
- ماهي حصيلة الزيارات المتعددة التي قام بها المكتب الجديد لبعض الوزراء ومدراء المؤسسات العامة والخاصة؟ أعترف بأنني لا أتوفر على القدر الكافي من المعلومات بهذا الصدد، فسبعة أشهر من الزيارات، مع ما عرفته من ضغط على مستوى أجندة المكتب التنفيذي، تنتظر تقييما شاملا للحصيلة العامة في الأسابيع المقبلة. ومع ذلك، فإن المتتبع يلاحظ أن الشراكة التي بدأت تخرج إلى الوجود، هي تلك التي تم عقدها مع اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير. وإن أخذت هذه الشراكة بعدا رمزيا، باعتبار الحرب المفتوحة في طرقاتنا، من خلال إنجاز قصص للأطفال في موضوع الوقاية، فإن ذلك لا ينبغي أن يأخذ حجما أكبر من اهتمام الاتحاد وبرنامجه. فجمعية الكتاب ذات بعد ثقافي بحكم طبيعتها، بما يعني أنها معنية بالأسئلة الثقافية، اقتراحا ومقاربة وإخراجا وتنظيما. عدا ذلك، سننتقل من إشكالية علاقة الثقافي بالسياسي إلى علاقة الثقافي بالاجتماعي، وهو أمر أتوجس من هيمنته شخصيا، في حال ما تحرك قطار القراءة في الأسابيع المقبلة.. أتوجس الانتقال من استراتيجية إلى أخرى. هل هي مقاربة جديدة لعمل اتحاد الكتاب؟.