يسكن لساني من زمان عفريت بيزنطي، من عصر " أفلاطون " يتحفز كل يوم لمهاجمة ما يطلق عليه " الأيام الدولية لكذا .. وكذا.." حتى لا يكاد يخلو منها شهر من شهور السنة، ولم تتبدل أحوال الإنسان بفعل أهازيج تلك الأيام، وما أذاعت من التوصيات وطلب الغوث المادي والتربوي.. على الأقل في المغرب وفي كل بلاد العُرب والعربان، ولم تصل الإنسان العربي المشنوق قسمات مبادئها ولو كانت دميمة ، وهو مطلب دونه المزيد .. المزيد، من سنوات القهر والعسف.. وبقي إنساننا المحنط، بعيدا جدا عن مواثيق الأممالمتحدة، والأمم المتقيدة برحمة الحيوان والإنسان .. وإن تغلبت رحمة الحيوان لديها على رحمة الإنسان. ففي أروبا "اللأورو وشينغن" مثلا، لا تهتم الشرطة بكلب شارد أو قط هارب، بقدر ما تهتم بهوية إنسان ملون مشدوه بين المارة، قبل أن تخفره للتحقيق معه.. والمغرب هو البلد الوحيد الذي روجوا فيه مقولة " الحرية لمن يستحقها " نقلا عن أفكار الملك السابق" الحسن الثاني " الذي كان يسوق الحرية للشعب بالقطرات مقابل دمائه.. وتبقى الحرية ، في كل الدنيا، هي المطلب الدموي الذي يغيض المستبدين بالناس والثروات. والحرية سواء بالفطرة أو الغريزة أو بالأشكال الفلسفية التي تستند إليها، أو بالتربية أو التقليد، وهو طريقة من طرق التربية هي حاجة راسخة عند جميع الناس.. بغض النظر عن استعدادهم أو عدم استعدادهم لها، غير أن هذه الحاجة إلى الحرية، لا تترجم عمليا إلا بإبداء الرغبة في الحصول عليها أو ممارستها أو العيش بها كغذاء لحاجة لا تترجم بالكلمات، وكسند يقيّم الإنسان بجانب الإنسان ..وهذه الرغبة، لن يكون لها صدى في الإصرار، ما لم تصبح الحرية مطلبا دونه الحياة أو الموت.. وهذه هي الدرجة السامية لنزوع الإنسان نحو الحرية. وهذه هي الدرجة التي لم يبلغها الشعب المغربي ومجتمعه، ما دام مطلب الحرية لا تتوفر إرادته لدى غالبية أفراده.. بغض النظر عن مكابد صفوته ونخبته وطلابه، الذين تحطبهم نيران أعداء الحرية منذ وفاة الملك محمد الخامس وتولي الحسن الثاني مكانه، وما زالت تحطبهم.. ويتبلور المطلب كرسالة أرضية تاريخية ، حين تصبح التضحية بكل نفيس في كل بيت..وحين تصبح الحرية في ذلك المكان، هناك وهنالك، هدفا معينا.. ولو كانت واقفة وراء الدبابة والرصاصة والزنزانة.. الحرية هي بمثابة الماء والهواء والعلم . الحياة من غيرها ، لا تعدو أن تكون حياة موت سريري أو حياة بهائم.. أريد من الجميع في وطني، ألا يغتاظوا أو يفقدوا صوابهم، إذا هم افتقدوا إلى مقوّم من مقومات الحرية أو الحياة الكريمة في المغرب، فالحكومات المتعاقبة في البلاد تتشابه في أنها لا تقوم ببناء اي شيء يغير الواقع العام للوطن، ويبلور الحرية الشاملة حركة المواطن اليومية.. ديمقراطية سليمة..صناعة ثقيلة.. اقتصاد وطني حر من حسام الديون..معالم للعلوم التجريبية.. حماية المغاربة العاملين في الخارج ، ممن يمنعون الميزان التجاري المغربي من الاختناق..عدالة خالية من الخرق.. سكان لا يقطنون الصفيح والخشاش والكارطون والأخشاب والبلاستيك، موت على سرير استشفائي، وليس في مساكن المزابل.. الخ أما الحرية .. وإذا قلنا الحرية. قلنا الديمقراطية وغيرها من قطاف الحرية، فتلك أمنية مروجة في كل بلاد الدنيا التي تنعم بالاستبداد الذي يتلون بكل ألألوان التي يحرم ممارسة الحرية.. أما أصحاب مقولة: إذا حضرت الحرية حضر كل شيء .. وإذا غابت الحرية عن الإنسان، غابت الفوارق بينه وبين الدواب، فهم لم يعيشوا في المغرب المتحرر من قيود الحرية، والمتلاعب بالقوانين.. الحرية حاجة، والقوانين حاجة ثانية، فالأولى تنظم الهلاقة بين الشعب وحكامه، وهي كون ثابت لا يلحقه التغيير، والثانية متحولة ومنسابة، تنظم الناس في حياتهم الخاصة والعامة، ويمكن أن تغيَّر بين عشية وضحاها.. الحرية لها سمو الحياة كما رسمتها الأكوان لنفسها خالية من القيد والعصا، والقوانين لها سمو الدساتير، وتعلو حتى على المقدسات، باعتبار أن الأديان والمذاهب الفكرية الحادة، خلط بها الطغاة ما هو أدنى لهم لتوظيف حتميته على الشعوب طواعية أو إكراها.. أما الديمقراطية فهي احترام حقوق الإنسان، شريطة بلورتها على الواقع بآليات فيها الفعالية والمساواة. من خلط بين القوانينوالحرية والديمقراطية. وأروع ما سمعت من تعاريف مبسطة للحرية، سمعته منذ أيام، على لسان العالم المصري الكبير أحمد زويل.. صديق الإسرائليين الحميم.. الحائز منذ سنوات قريبة على جائزة نوبل للعلوم : "الحرية والديمقراطية الحقيقيتان، هما أن يشعر الفرد بملكيته للبلد ولموارده ولمصيره." لا أتصور أنه يوجد مغربي مثقف، ولا يكون حزينا أو محبطا وهو يرى موارد بلده توزع على الحكام والمحظوظين من الطبقات النافدة، ويرى أن وطنه مكتظ بالأميين وغير العارفين والجهلة، ورغم ذلك يتحدث فيه الحاكمون بزهو القياصرة عن الديمقراطية وحقوق الناس. ولن أكون الوحيد الذي يجزم على أنه ما لم تكن غالبية الشعب حاصلة على مستوى تعليمي فوق المتوسط، فمن العبث الحديث عن الحرية والديمقراطية وتوابعهما.. ونحن نرى أن الفرق بيننا وبين الآخرين في أروبا المتعلمة من زمان، هو لمصلحتهم اليوم، وهو نفس الفرق الذي كان بيننا وبينها قبل 500 سنة لمصلحتنا في ميادين العلم.. حين اكتشف العالم المسلم ، حسن بن هيثم الضوء المنعكس على العين من الأشياء، وأثبت بذلك أن العين لولاه ما رأت شيئا. وحين كانت الخادمات تجيز أشعار مسلم بن الوليد وإبن زيدون وابن خفاجة ولسان الدين ابن الخطيب.. ومن غير العلم، لا يمكن لفرد أن يعرف ما معنى الإنسان، وأن يعرف ا ما لنفسه ولغيره من الحريات والحقوق الإنسانية الأساسية. ومن غير تعليم أو علم، فإن الأوضاع الديمقراطية.. مثلها مثل الأوضاع الاقتصادية، تكون أسوأ لغير المتعلمين. هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.