محمد نوفل عامر يوسم وسام الاستحقاق الكشفي    البون شاسع والحق لغير ذكر الحق مانع    أوبك بلس تؤكد عدم إجراء أي تغيير على سياسة إنتاج النفط    الرباط تصدح بصوت الشعب: لا للتطبيع..نعم لفلسطين    المدير العام لONMT: هدفنا مضاعفة عدد السياح الإيطاليين أربع مرات    صابر بعد إقصاء الوداد: "الجميع مسؤول على هذا الإقصاء والفريق لا يدار بالعشوائية "    آسفي.. شخصان في قبضة الأمن بسبب حيازة السلاح الأبيض وتهديدات خطيرة    اعتقال المعتدي بالسلاح الأبيض على سيدة بالجديدة    السفارة الأمريكية توجه تحذيرا لرعاياها بالمغرب    تظاهرة لليمين المتطرف دعما لمارين لوبن وسط توترات تشهدها فرنسا    جمال بن صديق ينتصر في بطولة الوزن الثقيل ويقترب من اللقب العالمي    روسيا تكشف تفاصيل عن إقامة بشار الأسد في موسكو    من التفاؤل إلى الإحباط .. كيف خذل حزب الأحرار تطلعات الشعب المغربي؟    لسعد الشابي: الثقة الزائدة وراء إقصاء الرجاء من كأس العرش    أمن طنجة يوقف أربعينيا روج لعمليات اختطاف فتيات وهمية    أمن تيكيوين يوقف متهماً بإحداث فوضى والاعتداء على طاقم صحفي    القافلة الطبية الخامسة لطب الأعصاب تحل بالقصر الكبير    توضيحات تنفي ادعاءات فرنسا وبلجيكا الموجهة للمغرب..    مدريد تحتضن حوار الإعلاميين المغاربة والإسبان من أجل مستقبل مشترك    كأس إفريقيا لأقل من 17 سنة بالمغرب تتحول إلى قبلة لكشافين أوروبيين.. وعبد الله وزان يثير اهتمام ريال مدريد    أساتذة "الزنزانة "10 يرفضون الحلول الترقيعية ويخوضون إضرابا وطنيا ليومين    وزارة الزراعة الأمريكية تلغي منحة مخصصة للمتحولين جنسيا    توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    آلاف المغاربة في مسيرة ضخمة دعماً لغزة ورفضاً للتطبيع    وزير الخارجية الفرنسي يزور الجزائر بعد أشهر من التوتر بين البلدين    الرجاء يفتقد خدمات بولكسوت في "الديربي" أمام الوداد    ترامب يدعو لخفض أسعار الفائدة: الفرصة المثالية لإثبات الجدارة    المغرب يتوعد بالرد الحازم عقب إحباط محاولة إرهابية في المنطقة العازلة    وسط موجة من الغضب.. عودة الساعة الإضافية من جديد    إصابة أربعة أشخاص في حادث اصطدام سيارة بنخلة بكورنيش طنجة (صور)    المغرب التطواني ينتصر على الوداد الرياضي برسم ثمن نهائي كأس العرش    منتدى يدعو إلى إقرار نموذج رياضي مستدام لتكريس الريادة المغربية    اعتصام ليلي بطنجة يطالب بوقف الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    بلاغ جديد للمنظمة الديمقراطية للصحة – المكتب المحلي للمركز الاستشفائي الجامعي ابن سينا – الرباط    يوم غضب أمريكي تحت شعار "ارفعوا أيديكم".. آلاف الأميركيين يتظاهرون ضد ترامب في أنحاء الولايات المتحدة    "لن أذهب إلى كانوسا" .. بنطلحة يفضح تناقضات الخطاب الرسمي الجزائري    طنجة .. وفد شبابي إماراتي يطلع على تجربة المغرب في تدبير قطاعي الثقافة والشباب    تحالف استراتيجي بين الموريتانية للطيران والخطوط الملكية المغربية يعزز الربط الجوي ويفتح آفاقًا جديدة للتعاون الإفريقي    الفكر والعقل… حين يغيب السؤال عن العقل المغربي في الغربة قراءة فلسفية في واقع الجالية المغربية بإسبانيا    دعم الدورة 30 لمهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط ب 130 مليون سنتيم    انطلاق الدورة الربيعية لموسم أصيلة الثقافي الدولي بمشاركة فنانين من سبع دول    أداء أسبوعي خاسر ببورصة البيضاء    الفئران قادرة على استخدام مبادئ الإسعافات الأولية للإنعاش    في قلب باريس.. ساحة سان ميشيل الشهيرة تعيش على إيقاع فعاليات "الأيام الثقافية المغربية"    "نفس الله" عمل روائي لعبد السلام بوطيب، رحلة عميقة في متاهات الذاكرة والنسيان    شركة "رايان إير" تُسلّط الضوء على جوهرة الصحراء المغربية: الداخلة تتألق في خريطة السياحة العالمية    وكالة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية: النظام التجاري العالمي يدخل مرحلة حرجة مع فرض الولايات المتحدة رسوما جمركية جديدة    بحضور عائلتها.. دنيا بطمة تعانق جمهورها في سهرة "العودة" بالدار البيضاء    الوزيرة السغروشني تسلط الضوء على أهمية الذكاء الاصطناعي في تعزيز مكانة إفريقيا في العالم الرقمي (صور)    الوديع يقدم "ميموزا سيرة ناج من القرن العشرين".. الوطن ليس فندقا    تكريم المغرب في المؤتمر الأوروبي لطب الأشعة.. فخر لأفريقيا والعالم العربي    دراسة: الفن الجماعي يعالج الاكتئاب والقلق لدى كبار السن    دراسة: استخدام المضادات الحيوية في تربية المواشي قد يزيد بنسبة 3% خلال 20 عاما (دراسة)    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من تونس الى القاهرة: صور للذكرى
نشر في لكم يوم 15 - 02 - 2011

تمتح الثورة نسغها من نزيف الواقع المر، تختمر على النار التي يكتوي بها المقهورون والحزانى والمهزومون في يوميات السلب والطغيان. لكن هذه السليلة الشرعية للواقع المختل لا تتنازل عن حلمها بسكن في الأسطورة ودوام في الذاكرة، سبيلها في ذلك مزيج من العناصر الصانعة للاستثناء التاريخي: غيابات دراماتيكية، فجائع بدم ودمع، هدير الجموع، عزلة العدو، مباغتة الانتفاض...وسقوط الرياضيات التقليدية لحساب القوة والتوازن في شارع يتنفس هتافات السائرين الى المجد وزقاق يهز جذوع أشجاره لحجيج الحرية الموعودة وبلاد تسد أبوابها في وجه الهاربين من مشانق الشعب الى لعنة التاريخ الأبدية.
شباب تونس ومصر صنعوا ثورة سخية بالصور الخالدة التي حفرت عميقا في الوعي الجماعي لشعوب العالم بأسره، وكأنهم حريصون على توريطنا في كتابة أسطورة جماعية جديدة على أنقاض التعاسة والبؤس المعيشي الذي غدا في خارطة العجز العربي بؤسا وجوديا.
وربما كانت فضائيات القرب من المكان والعين الالكترونية المفتوحة على اللحظة معاملا محفزا للثوار على شحذ عبقريتهم النضالية كي يتركوا لنا، نحن الشهود على المرحلة، ارثا بصريا حيا لحركة شعوب تعمدت بذاكرتها القديمة لكي تطيح بذاكرة طارئة صنعتها أنظمة تفننت في صنوف القمع والاضطهاد.
الثوار كانوا دائما أسياد الرومانسية بما هي تفجير لأعماق النفس الانسانية وتجفيف للأدران والشرور العالقة بالكائن وقد مسخته نزوعات الانتهازية والخنوع، واستدعاء لكوامن النقاء والبذل والتضحية والتضامن. وقد حرصوا في شوارع تونس على أن يجسدوا هذه القيم عنوانا لثورة منقولة على الهواء مباشرة، فكانت تلك الصور التي نفرت دموعا عصية من عيون مفتوحة على البلاهة والقبح، صور باقية تسكننا وتجدد صلتنا بزمن عربي لا وفاق معه، نقمنا عليه ونقم علينا.
ستسكننا صورة البوعزيزي على سرير الاحتضار، يعد لحظاته الأخيرة في الدنيا، ويتوعد، ملتحفا ضمادات الحريق، زائره المتأنق في بذلة الرئاسة المغصوبة بنهاية حانت، فلا يرحل إلا ولعنته تحطم صنما ضللته سكرة القوة البوليسية وحالت بينه وبين دروس التاريخ المنسية.
ستسكننا صورة شاب في طريق المظاهرة المظفرة، ينحرف جانبا قريبا من الشرطي، يصرخ في وجهه بنشيد الغضب،،، ثم يستعيده مجردا من بذلة ليست بالضرورة استعارة للقمع فيصافحه بحرارة، ثم يرتمي في حضنه، فيصبح الشرطي انسانا...ثم شريكا في حب وطن ساعة الفجر.
ستسكننا صورة جندي يرفع التحية العسكرية في وجه السائرين الى الفجر المجلل بالندى، بينما تباركه الجموع بابتسامة رضا ومشاطرة. ربما تذكر الجندي شقيقا له يملك عربة بيع خضار، مثل البوعزيزي، تذكر مصائر اخوان له داستهم آلة البطش والاستغلال فعن له أن يستعيد في وقفة نبل شرف الجيوش القامعة...أو المستقيلة.
ستسكننا صورة الرجل.. وحيدا في ليل تونس الممنوع، المفتوح على الاحتمالات،، كان يصيح للحرية ويهتف باسم شعبه ويحتفل بسقوط الدكتاتور، خلف النافذة المغلقة، ترتعد اليد التي تزفه الى الفضائيات من خلال هاتف محمول،،ثم يسمع نحيب خافت في ظلام الغرفة، ثم تعلو أصوات نساء الحي بالزغاريد،،،بينما هو يواصل::عاشت الحرية،،عاشت تونس الحرة، المجد للشهداء...
لماذا بكى الشرطي في مصر الجديدة؟ كيف انكشف الرجل الصلب الخشن على مرأى العالمين كطفل صغير لا يقاوم دموعا تنهمر بغزارة على وجهه الشاحب ككل أبناء الطبقة المسحوقة في مصر المحروسة؟ في الصباح الباكر كان قد نهض مستنفرا بصيحات ضابط يصيح في عناصر تشكيله الأمني كمن يحرض سرب كلاب مسعورة أن كونوا جاهزين في غضون دقائق لمهاجمة شرذمة من الضالين الجاحدين وقد خرجت الى شوارع المدينة خارجين عن طاعة الأب الأكبر لضرب استقرار البلد، مضللين بأوهام عملاء في الداخل يأتمرون بقوى شريرة في الخارج.
يصطف الى جانب زملائه في سيارات مسيجة النوافذ، يجد الفرصة لتدخين سيجارته الرخيصة، يتبادل الجميع بضع كلمات فيها تصميم على دحر الخارجين عن السلطة الحامية. ينزلون من العربة المكروهة الى قارعة الطريق، في مواجهة الحشود المتراصة. يسوي وقفته، يمتشق عصاه، يرفع درعه الزجاجي غير القابل للكسر، ويتوعد في نفسه: ويل لمن وقع في قبضتي.
قد يتعرف صاحبنا الشرطي هناك على وجه يعرفه، يجاوره في الحارة أو يصادفه في المكروباس. تقترب جماعة من المتظاهرين، لا يبدو على افرادها قصد عدواني، أحدهم يعرض على صاحب البذلة الشريفة في الأصل مشاطرته سندويتش الفول، الوجبة القومية للكادحين، كهل رزين يدعو للجميع بالهداية وبالصلاح للبلد الذي عاشوا فيه أذلة محرومين، وشاب جامعي يذكر حراس النظام المتداعي بأخوة في الوطن... والفقر والظلم، فيجهش ابن الشعب الذي أريد له أن يقصم ظهر مواطنيه بالبكاء في واحدة من اللحظات الأنطولوجية التي تنتزع فيها الدموع سدة البلاغة في التعبير عن مشاعر مبهمة في امتزاجها متدفقة بعنفوان الانسانية المقهورة والمستعادة في نفس الآن.
دموع شرطي القاهرة كدموع شرطي تونس تجفف مرحلة وتؤبن عصرا كريها في العلاقة بين السلطة والمواطن. وسينسب التاريخ للثورات العربية الحديثة التي انفجرت في قطرين استبعدتهما التحليلات السياسية والاستراتيجية من مناطق الانفجار مرتفع الحدة أنها كانت رائدة في أنسنة أعوان القمع والعزل الايجابي للهدف الحقيقي للفعل الاحتجاجي عن اية اهداف هامشية كثيرا ما أجهضت ثورات وحركات شعبية في مهدها.
الدموع التي انهمرت في شوارع تونس ومصر تحدثت بلغات كثيرة. كانت تحكي فصول القهر والحرمان التي سامتها فئة قليلة لفئة كثيرة زمنا طويلا، كانت دموع ندم: كان لنا أن نفعل ذلك منذ زمن طويل، كيف صبرنا كل هذا الوقت على سلب ماضينا ومستقبلنا من قبل أجهزة غبية تبطش لتخفي هشاشتها، كانت دموع الفرحة بالاقتراب من دخول عصر جديد عنوانه كرامة مسترجعة وعدالة مضمونة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.