من يا ترى أراد تجفيف مدادك؟ من يا ترى أفسد عليك متعة التعبير عما يخالج كيانك؟ من يا ترى تمتع بساديته المقرفة حين ألجم صدق وجرأة قلمك؟ من يا ترى أرهب عصافيرك المغردة كل صباح؟ من يا ترى أراد أن يشوش على ترانيم منغمة أبدعتها براءة قلم وصدق كلمة؟ ألهذا الدرك نزلت السفالة حين ينزعج صاحبها من الكلام؟ ألهذا الموضع وصلت الدناءة حين يتجرأ صاحبها فيهدد ويرهب مختبئا وراء أسلاك الهاتف وعبر الموجات الصوتية؟ ألهذه الرتبة المتدنية من السادية بلغت بصاحبها أن يفرح بصمت مكره وبخوف أم على عصافيرها المغردة؟ هو يقينا انتصار لمعسكر الكلمة الصادقة أن تحدث تعابيرها رجة في صفوف المفترسين، هو إعلان عن أثر الكلمة التي تجعل من الوحوش تظهر أنيابها وبراثنها مرعوبة منها، من قال أن الكلام الصادق كلام "لا يسمن ولا يغني من جوع" فهو كاذب، ومن قال أن الكتابة المعبرة ترف ومضيعة لوقت فهو واهم، ومن قال أن التحرير لا يبدأ بالتعبير بالكلمة فهو مخطأ، ومن قال أن الكلمة لن تغير شيئا ولن تزعزع حصون الظلم فهو مضلل، الكتابة تحرير، الكتابة سلاح دمار شامل لكل الأفكار المبتذلة، ولكل التضليلات المفتعلة ولكل الهالات المصطنعة، ولكل معتد أثيم، الكتابة شهادة على صاحبها، وشهادة على واقع صاحبها، فإن حرف الحقيقة أدانته كتابته، وإن أخفى الحقيقة فضحته كتابته، وإن عرى الحقيقة زكته كتابته، الكتابة التزام ومن لا حظ له في الكتابة لا حظ له في الفعل ولا في النضال، الكتابة تأريخ وتاريخ تربط أوصال الأجيال وتشهد على حقبتها، فإن كانت صادقة حفظها التاريخ وسطع نجم صاحبها في سماء الأعلام، وإن كانت كاذبة ذهبت جفاء ودفنها التاريخ وأنكرتها الجغرافيا، أعرف أنك قد تتوقفين عن النشر، لكن أنا متيقن أنك لن تتوقفي عن الكتابة، لأن سطورك تعبر عن أنك عدوة الصمت والسلبية والفرجة دون فعل، ستكتبين وحتما ستمر تلك السحابة السوداء التي ترخي بظلامها علينا منذرة بمطر لكنها لا تمطر، حاملة معها ما لا ينفع وتمر، لتشرق شمس الحرية من جديد ونقرأ ما ستكتبين، انتصر القلم على الوعد والوعيد، وهاهي هزيمة الجبناء تفضحهم وحسنا فعلت بكتابتك عن اعتزال كتابتك التي لي يقين أنها لن تحصل لسبب بسيط أنك أعلنت عنها بكتابتك وبمقالك الذي لن يكون هو الأخير... كتب يوم الخميس 28 مارس 2013مساء