فضلنا في هذه المقالة أن نعالج قضية الاختلاف السياسي المغربي معالجة فكرية نعود به إلى أصوله العلمية الصحيحة، بدلا من الدخول في ردود تعتمد السطحية وتركز على الفعل والسلوك، وردود الفعل. ظهرت في الساحة المغربية وفي حواراتنا الفكرية السياسية المعاصرة - منها المباشرة وغير المباشرة - سلوكيات متكررة من بعض الأطراف يمكن اعتبارها خروجا عما نسميه منطق الاختلاف بين المكونات المختلفة، إذ يخرج به إلى دائرة الخطأ الذي تعود نتيجته الكارثية على كل المختلفين، حيث تظهر النزاعات الهامشية والاتهامات الرخيصة دون دلائل وحجج واقعية وعلمية، الأمر الذي يجعل هذه المظاهر السلبية تضر بكل المكونات، وهو ما يشير إلىأن بعض مكونات الاختلاف والحوار في الساحة الفكرية المغربية سياسية أو غيرها تعمل بمنطق مغاير للمضمون التي تعمل فيه، فأي منطق تشتغل به هذه المكونات عند مواجهتها للمكون المخالف؟ فهل تشتغلبمنطق الاقصاء والاستعلاء؟ وإذا صح ذلك فما هو الفرق بين المنطقين المغايرين منطق الاختلاف ومنطق الاقصاء والاستعلاء؟ "منطق الاختلاف"ينطلق من اعتبار المخالف متعاونا ومشاركا في بناء المواقف الصحيحة. ومنطق الاختلاف عبارة نقصد بها الإشارة إلى الاختلاف بوصفه مجموع المبادئ والعمليات التي تحكم سير الاختلاف وتعصمه من الوقوع في دائرة الخطأ. وإذا أردنا استعارة مصطلح أبي حامد الغزالي نقول "ميزان الاختلاف" وهو ميزان يوزن به سلوك المختلفين بميزان مبادئ وقواعد الاختلاف التي تؤدي إلى استقامة سيره ونجاح نتيجته. والمشتغل بهذا المنطق يعمل دائما على جعلالاختلاف أداة إبداع وتعاون ومشاركة في البناء الجماعي الذي يستوعب الآراء المختلفة والمواقف المتباينة. إن المشتغلين بهذا المنطق الاختلافي يؤدون رسالة بناء مجتمع يقوم على الاعتراف بالغير واحتضانهوالتعايش والتعاون معه. إنها رسالة الإنسانية التي تطمح إلى أن يعيش الانسان في جوار أخيه الانسان في سلام دائم، رغم اختلافه معه. أما "منطق الاقصاء والاستعلاء" فهو منطق ينطلق من اعتبار المخالف مهددا لمصالحه ومواقفه الفكرية والسياسية، ومن هذا المنطلق فصاحبه يعمل على استبعاد خصمه ما أمكن بكل الطرق والوسائل، اقتناعا منه بتفوق آرائه وأفكاره، لذا فهو يعتبر موقفه صحيحا وسليما دائما. والاشتغال بمنطقالاستعلاء يقتضي دائما إقصاء المخالف والاستعلاء عليه، لأن الاقصاء والاستعلاء في ميزان هذا المنطق هو رسالة إنسانية تهدف إلى إعلاءوتفوق الفكر الذي يعتبره صاحبه أرقى فكر وصلت إليه عقول البشرية، وما دونه فعليه أن يخضع لحكم الاستتباع للفكر المتفوق. إن قضية الاختلاف هي من المواضيع التي شملت كل المجالات الفكرية والعملية في حياتنا، فما من مجال من مجالات المعرفة إلا وعرف اختلافا وتباينا في مسائله وقضاياه. فمن هذه الاختلافات من توقفت عند حدودها، والتزمت منطق الاختلاف وقيمه وآداب الحوار وشروطه، ومنها التي خرجت عن دائرته، واشتغلت بالإقصاء والاستعلاء وحولت الاختلاف إلى خلاف وعداوة وعنف واقتتال. وإذا نظرنا إلى مجتمعنا المغربي فإننا نجد أغلب حواراتنا الفكرية والسياسية لا تعالج بمنطق الاختلاف، وإنما تشتغل بمنطق الاستعلاء، وتطغى عليها نزعة الاقصاء. فمتى تنضج هذه المكونات المجتمعية وتستبدل السلبي بالإيجابي،وتكتسبالقدرة على تحويل النزاع والتفرق والاصطدام إلى الاختلاف والبناء المشترك. إن هذه القدرة التحويليةتتطلب تجديد العقليات المنغلقة على نفسها وفكرها، التي غطى منطق الاقصاء والاستعلاء جزئيات تفكيرها للتصبح عقليات منفتحة على غيرها متعاونة مع ذات مختلفة معها. إنها القدرة المفقودة في مفكرينا المحدودة جدا، إن لم نبالغ في القول أنها معدومة. إنالاختلاف عن، والاختلاف في، والاختلاف مع، والاختلاف على، لا ينتج عنه بالضرورة إقصاء أحد المختلفين،وعندما تصل مجتمعاتنا إلى إدراككيف يكون الاتفاق مع الاختلاف، سوف ندرك أن وحدة المختلفين على رأي أو موقف فكري هو أفضل من وحدة المتماثلين.