الأداء الإيجابي يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    سرقة في اللوفر.. نحو 60 محققا يلاحقون اللصوص والمتحف يمدد إغلاق أبوابه    الملك يهنئ أعضاء المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم لأقل من 20 سنة بمناسبة تتويجهم بكأس العالم    الكاف يشيد بالتتويج المستحق للمغرب بكأس العالم تحت 20 سنة    لقجع: "التتويج باللقب العالمي جاء بفضل الرؤية الشاملة للملك محمد السادس والرهان على الكفاءة المغربية"    وزارة الانتقال الطاقي تكشف عن مشاريع لتأهيل وتدبير النفايات المنزلية بإقليم الجديدة    طقس الاثنين.. سحب منخفضة وأمطار خفيفة محليا وارتفاع طفيف في درجات الحرارة شرق البلاد    الرضاعة الطبيعية.. حملة وطنية لتعزيز صحة الأم والطفل    دعم مالي ودون تزكية حزبية.. الشباب مدعوّ لولوج الحياة السياسية    بعد 3 سنوات من القطيعة.. وساطة أميركية لإعادة الدفء للعلاقات المغربية الجزائرية    المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يحقق المجد العالمي.. تصريحات مؤثرة للاعبين بعد التتويج التاريخي بكأس العالم في الشيلي    كأس العالم لكرة القدم لأقل من 20 سنة.. مسار أشبال الأطلس في العرس العالمي    الأطلسي: المغرب يعزز تضامن الشعوب    منتخب أقل من 20 سنة يتوج بالمونديال ويهدي كرة القدم المغربية أول لقب عالمي    المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يتوج بطلا للعالم بعد فوزه على الأرجنتين في نهائي مونديال الشيلي    مونديال الشباب: المغرب يتقدم على الأرجنتين بهدفين نظيفين في الشوط الأول    مشاريع قوانين جديدة لمحاربة الفساد الانتخابي وتحفيز الشباب على المشاركة السياسية بعد احتجاجات "جيل زد"    بعد 20 سنة من النجاح.. دي جي كور يستعيد وهج "راي أند بي فيفر"    حجز كمية كبيرة من الحشيش بمدينة الحسيمة    "حماس": ملتزمون باتفاق غزة بينما إسرائيل تواصل خرقه    سرقة مجوهرات "لا تقدر بثمن" من متحف اللوفر    احتجاجات "لا ملوك" في مدن أمريكا تستقطب حشودا كبيرة للتنديد بترامب    انطلاق الموسم الفلاحي وشبح الجفاف .. المؤشرات المائية تنذر بعام صعب    تسريب مشروع قرار الصحراء يزلزل تندوف وينهي وهم "دولة البوليساريو"    "حالة استعجال قصوى" تدفع الحكومة لمنح ترخيص استثنائي لإصلاح المستشفيات    ندوة « إفريقيا: تحديات التنمية والأجندة الجيوسياسية»: الإرث الاستعماري بإفريقيا عمق أزماتها ورهن مستقبلها للصراعات    سرقة مجوهرات في متحف اللوفر بباريس    إسرائيل تتهم "حماس" بانتهاك الاتفاق    ندوة «فلسطين ما بعد اتفاق السلام» : أحمد مجدلاني: خطة ترامب خطة اعتراضية لإفشال المسار الدولي الذي أعلن عنه مؤتمر نيويورك    المهرجان الوطني للفيلم بطنجة.. التاريخ في مرآة السينما ووجع المجتمع    لا شرقية ولا غربية... وإنما وسطية    سرقة مجوهرات نابوليون بونابرت وزوجته من متحف "اللوفر"    ساعة أمام الشاشة يوميًا تخفض فرص التفوق الدراسي بنسبة 10 بالمائة    تقرير يضع المغرب ضمن أكثر الدول يسود فيها الغضب في العالم    توقعات أحوال الطقس غدا الاثنين    إطلاق خط بحري جديد لنقل البضائع بين طنجة وهويلفا    تأخر التساقطات المطرية يثير مخاوف الفلاحين المغاربة    وفد الاتحاد العام للصحافيين العرب يصل إلى العيون للمشاركة في لقاء حول السيادة الإعلامية    5 سنوات لزعيم شبكة القروض بالجديدة .. أفرادها استغلوا هويات موظفين بالعمالة قبل حصولهم على 72 مليونا    تونس توضح حقيقة منع تصدير التمور إلى المغرب    حسن واكريم.. الفنان المغربي الذي دمج أحواش والجاز في نيويورك    نتانياهو يعلن عزمه الترشح مجددا لرئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة    استدعاء كاتب فرع حزب فدرالية اليسار بتاونات بسبب تدوينة فايسبوكية    ارتفاع مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي ب 64 في المائة عند متم شتنبر في ميناء طانطان    باكستان/أفغانستان: اتفاق على "وقف فوري لاطلاق النار" بعد محادثات في الدوحة    "مرحبا بيك".. إينيز وريم تضعان بصمتهما الفنية في كأس العالم النسوية بالمغرب    انتقادات تطال وزيرة المالية وسط صمت حكومي وتأخر في عرض مشروع قانون المالية على الملك    خريبكة تحتضن الدورة 16 للمهرجان الدولي للفيلم الوثائقي بمشاركة دولية ومحلية واسعة    الفنان فؤاد عبدالواحد يطلق أحدث أعماله الفنية    مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    دراسة: مواقع التواصل الاجتماعي تفسد أدمغة الأطفال وتضر بشكل خاص بذاكرتهم ومفرداتهم اللغوية    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجود الإسلامي في أوروبا: كيف يكون رافدا لحضارتها المتجددة؟
نشر في العلم يوم 23 - 10 - 2009


الوجود الإسلامي
في أوروبا: مشاكل وحلول
يشير المؤلف، في البدء، إلى اعتبار بعض الأوروبيين أن الوجود الإسلامي في بلدانهم يثير مشاكل كثيرة، ولا سيما على الصعيد الاجتماعي والثقافي وما إليه مما يتصل بالهوية. وهو منظور على سلبيته لا يخلو لأسباب موضوعية، مما يحتاج إلى مراجعة بعض الأوضاع وإعادة النظر فيها حتى تستقيم.
لكن المؤلف يؤكد أنّ لهذا الوجود جانبا إيجابيا قلما يثار أو يلتفت إليه، وهو إضافة إلى كل ما قدمه ويقدمه المسلمون لأوروبا من خدمات في مجالات كثيرة قابل لأن ينظر إليه، باعتباره رافداً لإغناء حضارتها المتطورة والمتجددة باستمرار، وهو ما تسعى هذه الدراسة الموجزة إلى تناوله.
وقد سبق نشرها في مجلة «الإسلام اليوم» التي تصدرها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو).
للوجود الإسلامي في أوروبا أهمية تتعلق بواقع الإسلام والمسلمين فيها، من خلال مختلف المشكلات التي يبرزها هذا الواقع بإيجابياته ومزاياه، وبسلبياته ومساوئه، ومن بينها ما يمثله السؤال الذي طرحه المؤلف عن الكيفية التي يمكن لذلك الوجود أن يكون رافداً للحضارة الأوروبية المتجددة.
ولا شك أن الجواب عن هذا السؤال وما قد يتفرع عنه، يفضي إلى تناول قضية الوجود الإسلامي في أوروبا من حيث هو، وما يمكن أن يكون له من تأثير في ما تنتجه أقطارها من حضارة متطورة ومتجددة.
لتناول هذا الموضوع راعى د. عباس الجراري جملة عناصر أساسية ومؤثرة، في طليعتها أن عدد المسلمين الذي يمثلون اليوم هذا الوجود تناهز ملايينه العشرين. وهم موزعون على مختلف أقطارها، ولا سيما فرنسا حيث يشكلون نسبة تقدر بسبعة في المائة من مجموع السكان؛ منهم نحو مليون ونصف المليون من المغاربة الذين يوجد منهم عدد مماثل لهذا في بقية الأقطار الأوروبية.
وقد عرف الحضور الإسلامي أوجه في السنوات الأخيرة، وكان في القرن الماضي قد تمثل في الجنود الذين ساهموا بنصيب وافر في مختلف معارك التحرير الفرنسية، كما تمثل في العمال الذين قامت على سواعدهم المصانع وغيرها من مجالات الخدمة الشاقة التي كان يأنف منها الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين.
ثم لم يلبث هذا الحضور على العموم أن تطور بفضل الكفاءات الفكرية والإبداعية والطبية والتقنية المتخصصة التي التحقت للعمل بالجامعات والمعاهد والمستشفيات وغيرها، والتي أعطت صورة جديدة ومتميزة عن المسلمين، أفضت في الفترة الأخيرة إلى تولّيهم مناصب إدارية وسياسية سامية في الدولة.
وتذكر إحصاءات الأمم المتحدة وجهات معنية أخرى عربية وأجنبية أنّ نسبة المؤهلين أصبحت تعادل ثلث مجموع المهاجرين.
ومع ذلك، ينبه المؤلف إلى أنّ التطلع إلى الهجرة بقصد الإقامة هناك للعمل، أصبح يثير مشاكل كبيرة وكثيرة، أمنية واجتماعية، أبرزها ما يلجأ إليه الراغبون في بلوغ هذا الهدف، أو من يطلق عليهم «المهاجرون السريون» أو «غير الشرعيين» وعددهم يزيد على خمسة ملايين حسب تقرير لمجلس أوروبا من وسائل تصل إلى المغامرة والمخاطرة بالنفس، إضافة إلى تعرض بعضهم لتهمة القيام بأعمال عنف إجرامية تثير القلق والاضطراب.
ويضيف المؤلف أن العالم كله، سواء منه المتقدم أو المتخلف، يعاني اليوم هذا القلق والاضطراب، من جراء واقع العصر بأحداثه المتلاحقة وأزماته المختلفة، وخاصة ما يتصل منها بظاهرة الإرهاب التي يبدو أنها أفقدت المسؤولين زمام الفهم والتحكم، فغدا بعضهم إن لم يكن معظمهم يلقون التهمة بها جزافاً على المسلمين الذين يصورونهم وكأنهم يعيشون خارج عصرهم، غير راغبين في الاندماج فيه ولا قادرين عليه. والحق أن المسلمين، انطلاقا من واقعهم، ومايمليه عليهم دينهم وتاريخهم وقيمهم ومنظورهم للحياة، متطلعون إلى الانخراط الإيجابي في بناء العالم، والمساهمة الفعالة في تشييد حضارته المتجددة.
من هنا، فإنهم يرون ضرورة التحالف مع غيرهم، ولاسيما الأوروبيين، للقيام بهذا الدور؛ وقبل ذلك وبعد، لحماية حضارتهم المشتركة التي ازدهرت على ضفاف البحر المتوسط، هذه الضفاف التي هي مهد أصيل للحضارة الإنسانية، وجزء هام ومكون أساسي لهذه الحضارة التي تكاملت خلال التاريخ، بدءاًمن الإغريقية ثم الرومانية، إلى الغربية الإسلامية، فالأوروبية اليوم. وهم في ذلك مقتنعون بحاجة البلدان المتوسطية إلى العمل الجاد على تقريب الهوة الفاصلة بينها، وتخفيف ما يقسمها ويفرق بينها من تفاوت واختلاف، في اعتراف كل طرف بالآخر، ومساعدة من هو معوز أن تمد له يد العون؛ للنهوض واكتساب القدرة على مواكبة الركب ومواصلة المسير بتسامح.
ويؤكد د.عباس الجراري أنّ التسامح في مفهومه الصحيح الذي أصَّله الإسلام منذ القديم وأكدته المواثيق الجديدة، لايعني من الجانب الضعيف أن يتنازل أو يخضع أو يستسلم لمن هو أقوى منه، أو يتخلى بذل وخنوع عن خصوصياته وما هو مختلف فيه مع الآخر، ولكن يعني إيجاد عناصر الإئتلاف في مواطن الاختلاف، لإمكان التعايش في ظل هذا الاختلاف والثقافي منه على الخصوص؛مع ضرورة الإشارة إلى أن الاختلاف في حد ذاته يُعدُّ قيمة أبرزها الإسلام، باعتبارها إحدى سنن الله في الكون والحياة.
ويرى المؤلف أنه إذا كان للاختلاف الثقافي تأثير في بقية مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يدعو إلى مراعاة مفعول هذا التأثير في التعامل مع المعطيات العالمية، وخاصة مع العولمة وما تتطلب معايشتها من توازن هو وحده الكفيلُ بتحقيق المصالح المشتركة، وإدراك آفاق المستقبل المنشود.
ومما يجدر التنبيه إليه، أنّ العولمة لاتعني ولاينبغي أن تعني - مفهوماً جديداً للمواطنة يعطيها بعداً عالمياً تلغى به الأوطان، ليخلفها وطن واحد هو العالم الذي كثيراً ما يوصف بأنه أصبح مجرد قرية صغيرة. وهو ما يرفضه أصحابُ جميع الهُويات، بدءاً من الأوروبيين الذين نادوا - ومازالوا ينادون - بالاستثناء الثقافي، إلى المسلمين الذين يتمسكون بذاتيتهم النابعة من مقوّمات كثيرة، أبرزُها الدّين، وإن كان الأوروبيون في ظاهر الأمر لايعتبرون هذا المكون، مع أنه في الحقيقة حاضر بقوة في فكرهم، وربما بشيء غير قليل من التعصب عند البعض. على أن تمسك المسلمين بدينهم خاصة، وبهويتهم عامة وما تمنحهم من خصوصيات، لايعني أن يتخلوا أو يتخلفوا عن ركب العالم المتطور، بكل منتجاته ومستلزماته وإكراهاته.
الحوار أفقا للتعايش
يذكر المؤلف الأشكال الكثيرة للحوار في مفهومه الحق، كالمناقشة والمناظرة والمذاكرة والمجالسة والمحاسبة والمقارعة، ومنها الجدال الذي كثر استعماله في القرآن الكريم على أن يكون بالتي هي أحسن مع أهل الكتاب. ويرتبط بالدفاع عن الحق والردّ على من يرفضونه أو يعادونه.
ومن ثم ينبغي التزام الجانب الإيجابي في هذه الأشكال دون الوقوع فيما هو صراع أو خصام، وهو الجانب الذي يهدف إلى تبادل الرأي بحرية حول حقائق معينة، وإلى التقريب بين الأطراف المختلفة حولها دون تنازع أو تعصب.
ويقرر المؤلف أنه إذا كان يوجد بين المسلمين في كل عصر أفراد منازعون ومتعصبون، أو جماعات متشددة غالية مخالفة لجمهورهم، فذلكم لايطعن فيهم.
فضلا عن أن يكون طعناً في الإسلام نفسه، مع العلم أنّ المسيحية عرفت ومازالت تعرف انقسامات ومظاهر متطرفة، على نحو ماهو موجود بين الكاثوليك والبروتستانت والأؤرثوذوكس. وهي اليوم تأخذ صيغاً أكثر خطراً، أبرزها الإنجيلية التي تحاول فئات منها بطغيان وجبروت وعنف، وبتحالف غريب مع الصهيونية،أن تنشر الرعب والإرهاب على الصعيد العالمي، مما تكشفه الأحداث والوقائع التي يعانيها المسلمون، وحتى غيرهم في بقاع كثيرة.
وعندما يتحدث المؤلف عن أوربا لايتحدث عنها بوصفها نمطا حضاريا وثقافيا واحداً لايشوبه أي اختلاف بين أقطارها، بل العكس هو الصحيح، لما بينها من اختلافات كثيرة ينبغي مراعاتها عند إثارة موضوع الحوار الإسلامي المسيحي. وربما يقال مثل ذلك بالنسبة للمجتمعات الإسلامية التي لم تطبع بطابع واحد. وهو وضع يتجلى في الجانب التمثيلي لهذا الطرف أو ذاك، أو من له الحق في الحديث باسم الجميع.
لذا، فإنه ينبغي التفريق بين جمهور المسلمين المسالمين والسائرين في دينهم باعتدال وتوسط وتسامح، وبين فئة من الذين اندفعوا في طريق التشدد الذي أفضى عند بعضهم إلى العنف. وتلكم ظاهرة لم يعد يخفى أنها أصبحت عالمية، تغذيها أو تحث عليها أسباب موضوعية، كالفقر والأمية والجهل والإقصاء والتهميش وتعارض الرؤى والمواقف وغيرها، مما لايتسع المجال للحديث عنه، وكانت قد بدت أولى بوادر هذه الظاهرة عند المسلمين في العصر الإسلامي الأول، على يد الخوارج الذين كان لهم موقف من الدولة يومئذ.
وهي غير مقتصرة على المسلمين، إذ نجدها في ديانات كثيرة ومذاهب متعددة. ومن ثم فإن الاعتراف بوجود الغلو عند بعض المسلمين، لا ينبغي أن يؤدي إلى التعميم بإلصاق العنف بجميعهم، فضلا عن إلصاقه بالإسلام نفسه وبكتابه العزيز.
يذكر المؤلف بأن التاريخ الإسلامي في يبرز، منذ العهد النبوي، كثيرا من المواقف الحوارية التي كانت بين المسلمين وغيرهم، مما كان يدور في المجالس الرسمية والحلقات العلمية، وحتى ماكان ينعقد منها في المساجد. وهوما لايحتاج إلى التمثيل له لكثرته وشيوع المعرفة به وامتداد تواصله الذي لم يتوقف، وإن شابته مرحلة الإستعمار، وكذا الواقع اليوم بكل تحدياته. ومع ذلك فإنه لمن المستغرب كما قال المؤلف أن يستمر الحديث عن ضرورة التواصل والحاجة إلى المعرفة المتبادلة، في وقت لم تعد في زمن العولمة أي حواجز إعلامية أو معرفية.
وعلى الرغم من بعض العوائق والعراقيل، فقد اتخذ الحوار على امتداد القرن الماضي، صورا عديدة وصيغا كثيرة، أهمها الندوات والمؤتمرات التي عقدت بقصد التقريب معتنقي الديانات السماوية الثلاث، وخاصة بين الإسلام والمسيحية. ويؤكد المؤلف في هذا السياق أن عدم الاعتماد الصحيح والإيجابي على القيم، ليعد من أسباب فشل كثير من اللقاءات وإن ذلك بفضي إلى عدم تناول مشكلات العصر، وما تعانيه الإنسانية من فقر وجهل ومرض وغيرها من مظاهر التخلف المتعددة، وما ينتج جراءها من ظلم وتسلط وعدوان، ومن غلو وعنف كذلك. بل يجب العمل على نشر التكافل والتكامل والعدل، وكذا على جمع الكلمة حول قضايا العصر وتحدياته، وتجنب الفتن ومواجهة التطرف والإرهاب، وإشاعة الأمن والإستقرار والطمأنينة والسلام في العالم، بدلا من السعي إلى الاستبداد به والهيمنة عليه وتنميطه، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وإن هذه الحقيقة لتكشف بجلاء أن الصراع القائم ضد الإسلام والمسلمين، لا يهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على هذا الدين، لقوته وسعة انتشاره واستحالة تخلي معتنقيه عنه، ولكن يهدف أساسا إلى التحكم فيهم، مع فرض التوجه إلى ما يضعفهم، ويبقيهم أتباعا
متخلفين، ويحقق مصالح خصومهم. ومع ذلك، فإن أي آمال جميلة منشودة لا يمكن أن تتحقق مالم يتحقق للمسلمين وجود إيجابي، يكون رافدا للحضارة العالمية الجديدة ومغنيا لها. وهو ما يتطلب شروطا ملزمة للطرفين، يكون في طليعتها العمل على تحسين أوضاع المجتمعات الإسلامية. بما يساعد على استقرارها وأمنها وطمأنينتها، مما يقتضي إحداث تنمية حقيقية فيها، بشرية ومادية. وهو هدف لا يمكن بلوغه بدون العمل الجاد على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها معظم هذه المجتمعات، بإزالة كل أسباب الصراع الذي يقاسيه المسلمون، مع التركيز على القضية الفلسطينية، التي هي كالدمل في الجسم العربي الإسلامي، لاعلاج له إلا برجوع الحق لأصحابه، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وكذا عودة اللاجئين إلى ديارهم فيها.
مد جسور التواصل بين التواصل بين أوروبا والعالم الإسلامي
ويرى المؤلف أن من شأن هذا العمل إذا ما اقترن بمصارحة تفضي إلى المصالحة، لأن يوجد جوا ملائما للتعاون المنشود، بتصحيح التاريخ وتنقيته من الأحداث التي عاناها المسلمون، سواء في الحروب الصليبية، أو محاكم التفتيش ، أو في عهد الاستعمار، وتقديم الاعتذار عنها لمحو آثارها، ولإزالة عوامل البغض والكراهية؛ فضلا عما لايزال يمارس من مظاهر عدائية، كتدنيس المصحف الشريف، والدعوة إلى التعديل فيه، وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم مما هو حادث حتى الآن. تضاف إلى ذلك تصريحات بعض المسؤولين الذين يزعمون أن القيم الإسلامية لاترقى إلى القيم الغربية. وقد بلغت هذه التصريحات مداها من خلال مافاه به البابا بينديكت من كلام استفزازي مثير ضد الإسلام والمسلمين وما أنشأوا من حضارة وثقافة.
ولعل تصفية الجو من هذه الشوائب أن يساعد على استرجاع الثقة بين المسلمين وغيرهم، على أساس من الاعتراف المتبادل، والقبول بالآخر رغم الاختلاف معه في خصوصياته ومقومات هويته وشخصيته الدينية والتاريخية والثقافية، في غير استعلاء ولا رغبة في هيمنة طرف على آخر، ولكن بتسامح وتعايش، وبالاعتماد على ما يقرب ويلحم، والتخلي عما يبعد ويفرق.
ويلح المؤلف على ضرورة التركيز على القيم الإنسانية التي تلتقي مع القيم السماوية التي دعا إليها الإسلام وبقية الديانات والتي هي القادرة على التقريب المأمول بينها، مع ضرورة التشبع بما تلح عليه هذه القيم من توجهات عقلية وعلمية زاد الفكر المعاصر في الحث عليها، لبعدها العالمي، ولما ينتج عنها من تطور فكري وتقدم صناعي وتجاري وغيره، مع الإشارة إلى أن هذه التوجهات لم تكن غائبة عن المسلمين، حين كانوا يقيمون صرح الحضارة والثقافة أيام ازدهار وجودهم.
كما أنه لا مناص من النظر في كل هذا برؤية بعيدة للعلاقات بين المسلمين وغيرهم، حرصا على هذه العلاقات كي تكون سوية، وحرصا كذلك على حماية مستقبل الإنسانية من الدمار، بنشر مشاعر المحبة والتعايش، ونبذ أحاسيس الكره والبغض، وما تؤدي إليه من إثم وعدوان.
ولا إمكان لهذه الرؤية بدون إلغاء الحواجز التي تمنع المسلمين من الدخول إلى مجالات الإنتاج المفضي إلى التقدم ومواكبة التطورات الحديثة، في غير اقتصار على استهلاك هذا الإنتاج الذي يراد أن تبقى مفاتيحه بيد الغرب، على الرغم من الثروات التي تختزنها أقطارهم، والمواقع الاستراتيجية التي لهذه الأقطار.
إضافة إلى الطاقات البشرية التي تضطر إلى العمل في بلدان المهجر بأوروبا، مساهمة بفعالية فيما تدركه هذه البلدان من رقي وتقدم.
وهو ما يستدعي فتح المزيد من المجالات لهذه الطاقات، وكذا تشجيع التوجه المعتدل الذي ظهر به كثير من علماء المسلمين ومفكريهم، والذي يهدف إلى إظهار الوجه الحقيقي للإسلام، وإتاحة الفرصة له كي يسمع صوته في العالم الإسلامي، وحتى في بلدان الغرب التي هي في أمس الحاجة إلى المعرفة الصحيحة بالإسلام.
وإذا كانت الحضارة تنشأ وتتطور بفعل مكوناتها المختلفة، مهما تكن صغيرة، فإن الحضارة الأوروبية الجديدة التي أدركت آفاقا بعيدة من التقدم والتفوق في جميع الميادين، لايمكنها أن تستمر في نموها وازدهارها، وهي تتنكر للدور الذي كان من قبل للحضارة الإسلامية في إغنائها، أو تتجاهل ما يقدمه لها المسلمون اليوم، في محاولة لإعطاء صورة نمطية عنهم تزيد في الإلحاح على هذا التجاهل وذاك التنكر.
ويؤمن المؤلف بأن الأساس الذي تقوم عليه الحضارة هو التواصل المتجلي في التفتح والتفاعل والتحالف والتكامل، بتعايش وتسامح، بعيدا عن أي تصارع أو تصادم. ومن ثم فإن الحضارة بطبيعتها إنسانية.
هذه بعض الأفكار النيرة التي لخصها د. عباس الجراري في هذا العرض. وهي كفيلة إذا ما أخذت بعين الاعتبار أن تمد جسور التواصل الإنساني بين أوروبا والعالم الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.