جلالة الملك يترأس جلسة عمل بشأن مراجعة مدونة الأسرة    المغرب يستعد لإطلاق خدمة الجيل الخامس من الانترنت    حملة اعتقال نشطاء "مانيش راضي" تؤكد رعب الكابرانات من التغيير    دياز يثني على مبابي.. أوفى بالوعد الذي قطعه لي    إسبانيا.. الإطاحة بشبكة متخصصة في تهريب الهواتف المسروقة إلى المغرب    بقيادة جلالة الملك.. تجديد المدونة لحماية الأسرة المغربية وتعزيز تماسك المجتمع    فرنسا تحتفظ بوزيري الخارجية والجيوش    العراق يجدد دعم مغربية الصحراء .. وبوريطة: "قمة بغداد" مرحلة مهمة    إدانة رئيس مجلس عمالة طنجة بالحبس    إرجاء محاكمة البرلماني السيمو ومن معه    "بوحمرون" يستنفر المدارس بتطوان    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الثلاثاء            الأزمي: لشكر "بغا يدخل للحكومة على ظهرنا" بدعوته لملتمس رقابة في مجلس النواب    الدار البيضاء.. توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط    أجماع يعرض جديد حروفياته بمدينة خنيفرة    أخبار الساحة    أطباء القطاع العام يخوضون إضرابا وطنيا لثلاثة أيام مع أسبوع غضب    في الحاجة إلى تفكيك المفاهيم المؤسسة لأطروحة انفصال الصحراء -الجزء الثاني-    تقديم العروض لصفقات بنك المغرب.. الصيغة الإلكترونية إلزامية ابتداء من فاتح يناير 2025        بمناسبة رأس السنة الأمازيغية.. جمهور العاصمة على موعد مع ليلة إيقاعات الأطلس المتوسط    بووانو: حضور وفد "اسرائيلي" ل"الأممية الاشتراكية" بالمغرب "قلة حياء" واستفزاز غير مقبول    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا        مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوجود الإسلامي في أوروبا: كيف يكون رافدا لحضارتها المتجددة؟
نشر في العلم يوم 23 - 10 - 2009


الوجود الإسلامي
في أوروبا: مشاكل وحلول
يشير المؤلف، في البدء، إلى اعتبار بعض الأوروبيين أن الوجود الإسلامي في بلدانهم يثير مشاكل كثيرة، ولا سيما على الصعيد الاجتماعي والثقافي وما إليه مما يتصل بالهوية. وهو منظور على سلبيته لا يخلو لأسباب موضوعية، مما يحتاج إلى مراجعة بعض الأوضاع وإعادة النظر فيها حتى تستقيم.
لكن المؤلف يؤكد أنّ لهذا الوجود جانبا إيجابيا قلما يثار أو يلتفت إليه، وهو إضافة إلى كل ما قدمه ويقدمه المسلمون لأوروبا من خدمات في مجالات كثيرة قابل لأن ينظر إليه، باعتباره رافداً لإغناء حضارتها المتطورة والمتجددة باستمرار، وهو ما تسعى هذه الدراسة الموجزة إلى تناوله.
وقد سبق نشرها في مجلة «الإسلام اليوم» التي تصدرها المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو).
للوجود الإسلامي في أوروبا أهمية تتعلق بواقع الإسلام والمسلمين فيها، من خلال مختلف المشكلات التي يبرزها هذا الواقع بإيجابياته ومزاياه، وبسلبياته ومساوئه، ومن بينها ما يمثله السؤال الذي طرحه المؤلف عن الكيفية التي يمكن لذلك الوجود أن يكون رافداً للحضارة الأوروبية المتجددة.
ولا شك أن الجواب عن هذا السؤال وما قد يتفرع عنه، يفضي إلى تناول قضية الوجود الإسلامي في أوروبا من حيث هو، وما يمكن أن يكون له من تأثير في ما تنتجه أقطارها من حضارة متطورة ومتجددة.
لتناول هذا الموضوع راعى د. عباس الجراري جملة عناصر أساسية ومؤثرة، في طليعتها أن عدد المسلمين الذي يمثلون اليوم هذا الوجود تناهز ملايينه العشرين. وهم موزعون على مختلف أقطارها، ولا سيما فرنسا حيث يشكلون نسبة تقدر بسبعة في المائة من مجموع السكان؛ منهم نحو مليون ونصف المليون من المغاربة الذين يوجد منهم عدد مماثل لهذا في بقية الأقطار الأوروبية.
وقد عرف الحضور الإسلامي أوجه في السنوات الأخيرة، وكان في القرن الماضي قد تمثل في الجنود الذين ساهموا بنصيب وافر في مختلف معارك التحرير الفرنسية، كما تمثل في العمال الذين قامت على سواعدهم المصانع وغيرها من مجالات الخدمة الشاقة التي كان يأنف منها الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين.
ثم لم يلبث هذا الحضور على العموم أن تطور بفضل الكفاءات الفكرية والإبداعية والطبية والتقنية المتخصصة التي التحقت للعمل بالجامعات والمعاهد والمستشفيات وغيرها، والتي أعطت صورة جديدة ومتميزة عن المسلمين، أفضت في الفترة الأخيرة إلى تولّيهم مناصب إدارية وسياسية سامية في الدولة.
وتذكر إحصاءات الأمم المتحدة وجهات معنية أخرى عربية وأجنبية أنّ نسبة المؤهلين أصبحت تعادل ثلث مجموع المهاجرين.
ومع ذلك، ينبه المؤلف إلى أنّ التطلع إلى الهجرة بقصد الإقامة هناك للعمل، أصبح يثير مشاكل كبيرة وكثيرة، أمنية واجتماعية، أبرزها ما يلجأ إليه الراغبون في بلوغ هذا الهدف، أو من يطلق عليهم «المهاجرون السريون» أو «غير الشرعيين» وعددهم يزيد على خمسة ملايين حسب تقرير لمجلس أوروبا من وسائل تصل إلى المغامرة والمخاطرة بالنفس، إضافة إلى تعرض بعضهم لتهمة القيام بأعمال عنف إجرامية تثير القلق والاضطراب.
ويضيف المؤلف أن العالم كله، سواء منه المتقدم أو المتخلف، يعاني اليوم هذا القلق والاضطراب، من جراء واقع العصر بأحداثه المتلاحقة وأزماته المختلفة، وخاصة ما يتصل منها بظاهرة الإرهاب التي يبدو أنها أفقدت المسؤولين زمام الفهم والتحكم، فغدا بعضهم إن لم يكن معظمهم يلقون التهمة بها جزافاً على المسلمين الذين يصورونهم وكأنهم يعيشون خارج عصرهم، غير راغبين في الاندماج فيه ولا قادرين عليه. والحق أن المسلمين، انطلاقا من واقعهم، ومايمليه عليهم دينهم وتاريخهم وقيمهم ومنظورهم للحياة، متطلعون إلى الانخراط الإيجابي في بناء العالم، والمساهمة الفعالة في تشييد حضارته المتجددة.
من هنا، فإنهم يرون ضرورة التحالف مع غيرهم، ولاسيما الأوروبيين، للقيام بهذا الدور؛ وقبل ذلك وبعد، لحماية حضارتهم المشتركة التي ازدهرت على ضفاف البحر المتوسط، هذه الضفاف التي هي مهد أصيل للحضارة الإنسانية، وجزء هام ومكون أساسي لهذه الحضارة التي تكاملت خلال التاريخ، بدءاًمن الإغريقية ثم الرومانية، إلى الغربية الإسلامية، فالأوروبية اليوم. وهم في ذلك مقتنعون بحاجة البلدان المتوسطية إلى العمل الجاد على تقريب الهوة الفاصلة بينها، وتخفيف ما يقسمها ويفرق بينها من تفاوت واختلاف، في اعتراف كل طرف بالآخر، ومساعدة من هو معوز أن تمد له يد العون؛ للنهوض واكتساب القدرة على مواكبة الركب ومواصلة المسير بتسامح.
ويؤكد د.عباس الجراري أنّ التسامح في مفهومه الصحيح الذي أصَّله الإسلام منذ القديم وأكدته المواثيق الجديدة، لايعني من الجانب الضعيف أن يتنازل أو يخضع أو يستسلم لمن هو أقوى منه، أو يتخلى بذل وخنوع عن خصوصياته وما هو مختلف فيه مع الآخر، ولكن يعني إيجاد عناصر الإئتلاف في مواطن الاختلاف، لإمكان التعايش في ظل هذا الاختلاف والثقافي منه على الخصوص؛مع ضرورة الإشارة إلى أن الاختلاف في حد ذاته يُعدُّ قيمة أبرزها الإسلام، باعتبارها إحدى سنن الله في الكون والحياة.
ويرى المؤلف أنه إذا كان للاختلاف الثقافي تأثير في بقية مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن ذلك يدعو إلى مراعاة مفعول هذا التأثير في التعامل مع المعطيات العالمية، وخاصة مع العولمة وما تتطلب معايشتها من توازن هو وحده الكفيلُ بتحقيق المصالح المشتركة، وإدراك آفاق المستقبل المنشود.
ومما يجدر التنبيه إليه، أنّ العولمة لاتعني ولاينبغي أن تعني - مفهوماً جديداً للمواطنة يعطيها بعداً عالمياً تلغى به الأوطان، ليخلفها وطن واحد هو العالم الذي كثيراً ما يوصف بأنه أصبح مجرد قرية صغيرة. وهو ما يرفضه أصحابُ جميع الهُويات، بدءاً من الأوروبيين الذين نادوا - ومازالوا ينادون - بالاستثناء الثقافي، إلى المسلمين الذين يتمسكون بذاتيتهم النابعة من مقوّمات كثيرة، أبرزُها الدّين، وإن كان الأوروبيون في ظاهر الأمر لايعتبرون هذا المكون، مع أنه في الحقيقة حاضر بقوة في فكرهم، وربما بشيء غير قليل من التعصب عند البعض. على أن تمسك المسلمين بدينهم خاصة، وبهويتهم عامة وما تمنحهم من خصوصيات، لايعني أن يتخلوا أو يتخلفوا عن ركب العالم المتطور، بكل منتجاته ومستلزماته وإكراهاته.
الحوار أفقا للتعايش
يذكر المؤلف الأشكال الكثيرة للحوار في مفهومه الحق، كالمناقشة والمناظرة والمذاكرة والمجالسة والمحاسبة والمقارعة، ومنها الجدال الذي كثر استعماله في القرآن الكريم على أن يكون بالتي هي أحسن مع أهل الكتاب. ويرتبط بالدفاع عن الحق والردّ على من يرفضونه أو يعادونه.
ومن ثم ينبغي التزام الجانب الإيجابي في هذه الأشكال دون الوقوع فيما هو صراع أو خصام، وهو الجانب الذي يهدف إلى تبادل الرأي بحرية حول حقائق معينة، وإلى التقريب بين الأطراف المختلفة حولها دون تنازع أو تعصب.
ويقرر المؤلف أنه إذا كان يوجد بين المسلمين في كل عصر أفراد منازعون ومتعصبون، أو جماعات متشددة غالية مخالفة لجمهورهم، فذلكم لايطعن فيهم.
فضلا عن أن يكون طعناً في الإسلام نفسه، مع العلم أنّ المسيحية عرفت ومازالت تعرف انقسامات ومظاهر متطرفة، على نحو ماهو موجود بين الكاثوليك والبروتستانت والأؤرثوذوكس. وهي اليوم تأخذ صيغاً أكثر خطراً، أبرزها الإنجيلية التي تحاول فئات منها بطغيان وجبروت وعنف، وبتحالف غريب مع الصهيونية،أن تنشر الرعب والإرهاب على الصعيد العالمي، مما تكشفه الأحداث والوقائع التي يعانيها المسلمون، وحتى غيرهم في بقاع كثيرة.
وعندما يتحدث المؤلف عن أوربا لايتحدث عنها بوصفها نمطا حضاريا وثقافيا واحداً لايشوبه أي اختلاف بين أقطارها، بل العكس هو الصحيح، لما بينها من اختلافات كثيرة ينبغي مراعاتها عند إثارة موضوع الحوار الإسلامي المسيحي. وربما يقال مثل ذلك بالنسبة للمجتمعات الإسلامية التي لم تطبع بطابع واحد. وهو وضع يتجلى في الجانب التمثيلي لهذا الطرف أو ذاك، أو من له الحق في الحديث باسم الجميع.
لذا، فإنه ينبغي التفريق بين جمهور المسلمين المسالمين والسائرين في دينهم باعتدال وتوسط وتسامح، وبين فئة من الذين اندفعوا في طريق التشدد الذي أفضى عند بعضهم إلى العنف. وتلكم ظاهرة لم يعد يخفى أنها أصبحت عالمية، تغذيها أو تحث عليها أسباب موضوعية، كالفقر والأمية والجهل والإقصاء والتهميش وتعارض الرؤى والمواقف وغيرها، مما لايتسع المجال للحديث عنه، وكانت قد بدت أولى بوادر هذه الظاهرة عند المسلمين في العصر الإسلامي الأول، على يد الخوارج الذين كان لهم موقف من الدولة يومئذ.
وهي غير مقتصرة على المسلمين، إذ نجدها في ديانات كثيرة ومذاهب متعددة. ومن ثم فإن الاعتراف بوجود الغلو عند بعض المسلمين، لا ينبغي أن يؤدي إلى التعميم بإلصاق العنف بجميعهم، فضلا عن إلصاقه بالإسلام نفسه وبكتابه العزيز.
يذكر المؤلف بأن التاريخ الإسلامي في يبرز، منذ العهد النبوي، كثيرا من المواقف الحوارية التي كانت بين المسلمين وغيرهم، مما كان يدور في المجالس الرسمية والحلقات العلمية، وحتى ماكان ينعقد منها في المساجد. وهوما لايحتاج إلى التمثيل له لكثرته وشيوع المعرفة به وامتداد تواصله الذي لم يتوقف، وإن شابته مرحلة الإستعمار، وكذا الواقع اليوم بكل تحدياته. ومع ذلك فإنه لمن المستغرب كما قال المؤلف أن يستمر الحديث عن ضرورة التواصل والحاجة إلى المعرفة المتبادلة، في وقت لم تعد في زمن العولمة أي حواجز إعلامية أو معرفية.
وعلى الرغم من بعض العوائق والعراقيل، فقد اتخذ الحوار على امتداد القرن الماضي، صورا عديدة وصيغا كثيرة، أهمها الندوات والمؤتمرات التي عقدت بقصد التقريب معتنقي الديانات السماوية الثلاث، وخاصة بين الإسلام والمسيحية. ويؤكد المؤلف في هذا السياق أن عدم الاعتماد الصحيح والإيجابي على القيم، ليعد من أسباب فشل كثير من اللقاءات وإن ذلك بفضي إلى عدم تناول مشكلات العصر، وما تعانيه الإنسانية من فقر وجهل ومرض وغيرها من مظاهر التخلف المتعددة، وما ينتج جراءها من ظلم وتسلط وعدوان، ومن غلو وعنف كذلك. بل يجب العمل على نشر التكافل والتكامل والعدل، وكذا على جمع الكلمة حول قضايا العصر وتحدياته، وتجنب الفتن ومواجهة التطرف والإرهاب، وإشاعة الأمن والإستقرار والطمأنينة والسلام في العالم، بدلا من السعي إلى الاستبداد به والهيمنة عليه وتنميطه، سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وإن هذه الحقيقة لتكشف بجلاء أن الصراع القائم ضد الإسلام والمسلمين، لا يهدف بالدرجة الأولى إلى القضاء على هذا الدين، لقوته وسعة انتشاره واستحالة تخلي معتنقيه عنه، ولكن يهدف أساسا إلى التحكم فيهم، مع فرض التوجه إلى ما يضعفهم، ويبقيهم أتباعا
متخلفين، ويحقق مصالح خصومهم. ومع ذلك، فإن أي آمال جميلة منشودة لا يمكن أن تتحقق مالم يتحقق للمسلمين وجود إيجابي، يكون رافدا للحضارة العالمية الجديدة ومغنيا لها. وهو ما يتطلب شروطا ملزمة للطرفين، يكون في طليعتها العمل على تحسين أوضاع المجتمعات الإسلامية. بما يساعد على استقرارها وأمنها وطمأنينتها، مما يقتضي إحداث تنمية حقيقية فيها، بشرية ومادية. وهو هدف لا يمكن بلوغه بدون العمل الجاد على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تعانيها معظم هذه المجتمعات، بإزالة كل أسباب الصراع الذي يقاسيه المسلمون، مع التركيز على القضية الفلسطينية، التي هي كالدمل في الجسم العربي الإسلامي، لاعلاج له إلا برجوع الحق لأصحابه، والاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، وكذا عودة اللاجئين إلى ديارهم فيها.
مد جسور التواصل بين التواصل بين أوروبا والعالم الإسلامي
ويرى المؤلف أن من شأن هذا العمل إذا ما اقترن بمصارحة تفضي إلى المصالحة، لأن يوجد جوا ملائما للتعاون المنشود، بتصحيح التاريخ وتنقيته من الأحداث التي عاناها المسلمون، سواء في الحروب الصليبية، أو محاكم التفتيش ، أو في عهد الاستعمار، وتقديم الاعتذار عنها لمحو آثارها، ولإزالة عوامل البغض والكراهية؛ فضلا عما لايزال يمارس من مظاهر عدائية، كتدنيس المصحف الشريف، والدعوة إلى التعديل فيه، وتشويه صورة النبي صلى الله عليه وسلم مما هو حادث حتى الآن. تضاف إلى ذلك تصريحات بعض المسؤولين الذين يزعمون أن القيم الإسلامية لاترقى إلى القيم الغربية. وقد بلغت هذه التصريحات مداها من خلال مافاه به البابا بينديكت من كلام استفزازي مثير ضد الإسلام والمسلمين وما أنشأوا من حضارة وثقافة.
ولعل تصفية الجو من هذه الشوائب أن يساعد على استرجاع الثقة بين المسلمين وغيرهم، على أساس من الاعتراف المتبادل، والقبول بالآخر رغم الاختلاف معه في خصوصياته ومقومات هويته وشخصيته الدينية والتاريخية والثقافية، في غير استعلاء ولا رغبة في هيمنة طرف على آخر، ولكن بتسامح وتعايش، وبالاعتماد على ما يقرب ويلحم، والتخلي عما يبعد ويفرق.
ويلح المؤلف على ضرورة التركيز على القيم الإنسانية التي تلتقي مع القيم السماوية التي دعا إليها الإسلام وبقية الديانات والتي هي القادرة على التقريب المأمول بينها، مع ضرورة التشبع بما تلح عليه هذه القيم من توجهات عقلية وعلمية زاد الفكر المعاصر في الحث عليها، لبعدها العالمي، ولما ينتج عنها من تطور فكري وتقدم صناعي وتجاري وغيره، مع الإشارة إلى أن هذه التوجهات لم تكن غائبة عن المسلمين، حين كانوا يقيمون صرح الحضارة والثقافة أيام ازدهار وجودهم.
كما أنه لا مناص من النظر في كل هذا برؤية بعيدة للعلاقات بين المسلمين وغيرهم، حرصا على هذه العلاقات كي تكون سوية، وحرصا كذلك على حماية مستقبل الإنسانية من الدمار، بنشر مشاعر المحبة والتعايش، ونبذ أحاسيس الكره والبغض، وما تؤدي إليه من إثم وعدوان.
ولا إمكان لهذه الرؤية بدون إلغاء الحواجز التي تمنع المسلمين من الدخول إلى مجالات الإنتاج المفضي إلى التقدم ومواكبة التطورات الحديثة، في غير اقتصار على استهلاك هذا الإنتاج الذي يراد أن تبقى مفاتيحه بيد الغرب، على الرغم من الثروات التي تختزنها أقطارهم، والمواقع الاستراتيجية التي لهذه الأقطار.
إضافة إلى الطاقات البشرية التي تضطر إلى العمل في بلدان المهجر بأوروبا، مساهمة بفعالية فيما تدركه هذه البلدان من رقي وتقدم.
وهو ما يستدعي فتح المزيد من المجالات لهذه الطاقات، وكذا تشجيع التوجه المعتدل الذي ظهر به كثير من علماء المسلمين ومفكريهم، والذي يهدف إلى إظهار الوجه الحقيقي للإسلام، وإتاحة الفرصة له كي يسمع صوته في العالم الإسلامي، وحتى في بلدان الغرب التي هي في أمس الحاجة إلى المعرفة الصحيحة بالإسلام.
وإذا كانت الحضارة تنشأ وتتطور بفعل مكوناتها المختلفة، مهما تكن صغيرة، فإن الحضارة الأوروبية الجديدة التي أدركت آفاقا بعيدة من التقدم والتفوق في جميع الميادين، لايمكنها أن تستمر في نموها وازدهارها، وهي تتنكر للدور الذي كان من قبل للحضارة الإسلامية في إغنائها، أو تتجاهل ما يقدمه لها المسلمون اليوم، في محاولة لإعطاء صورة نمطية عنهم تزيد في الإلحاح على هذا التجاهل وذاك التنكر.
ويؤمن المؤلف بأن الأساس الذي تقوم عليه الحضارة هو التواصل المتجلي في التفتح والتفاعل والتحالف والتكامل، بتعايش وتسامح، بعيدا عن أي تصارع أو تصادم. ومن ثم فإن الحضارة بطبيعتها إنسانية.
هذه بعض الأفكار النيرة التي لخصها د. عباس الجراري في هذا العرض. وهي كفيلة إذا ما أخذت بعين الاعتبار أن تمد جسور التواصل الإنساني بين أوروبا والعالم الإسلامي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.