- نظمت اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب الأمة يوم 16 مارس بالرباط، مائدة مستديرة حول "قانون الأحزاب السياسية وسؤال الديمقراطية"، بمشاركة فعاليات حقوقية وسياسية ومدنية وإعلاميةّ، وذلك بهدف فتح نقاش عمومي حول قانون الأحزاب السياسية في المغرب الصادر في 24 أكتوبر2011، تتم من خلاله مساءلة هذا القانون بمعايير الديمقراطية والمواطنة والحقوق والحريات بما يسمح بتكوين خلاصات أساسية حوله من جهة، وبما يرسم معالم للعمل السياسي والحقوقي والقانوني والتشريعي المطلوب من جهة ثانية. المائدة المستديرة التي أشرف على تسيير أشغالها محمد التليدي، استهلت بكلمة محمد المرواني، منسق اللجنة التحضيرية ل "حزب الأمة" قال فيها إن تنظيم هذه المائدة المستديرة أملته حاجة المجتمع المغربي إلى يقظة حقوقية وقانونية في ظل محاولة تسييج العمل السياسي والحقوقي قانونيا، بالإضافة إلى ضرورة مناقشة قانون الأحزاب السياسية في أفق تجويده ليتطابق مع ما التزم به المغرب وطنيا ودوليا خاصة وأن المغرب عضو في لجنة البندقية. أول المتدخلين في الندوة كان هو النقيب عبد الرحمان بن عمرو الذي تطرق لأهمية هذا الموضوع بالنظر إلى أهمية الأحزاب السياسية في التأطير والأدلجة والتربية على حقوق الإنسان وتنظيم المواطنين وتأطيرهم، وفي فضح الفساد وتعبئة الجماهير، كما أنها تهدف إلى جانب ذلك إلى ممارسة السلطة عند وصولها إلى الحكم بعد فوزها في الانتخابات. واعتبر أن البناء الديمقراطي رهين بتأسيس الأحزاب وضمان حرية نشاطها، مشيرا إلى أن الدستور ينص ضمن مقتضياته على حرية تأسيس الأحزاب وضمان حرية نشاطها. غير أن ظروف إصدار قانون الأحزاب لا يتعشم معه النقيب خدمة الديمقراطية وإنما خدمة الطبقة الحاكمة، فمن سماته وضع عراقيل قانونية وعراقيل فعلية. فالنسبة للعراقيل القانونية حددها في هيمنة الداخلية على كافة مراحل تأسيس الأحزاب قبل وأثناء وبعد المؤتمر التأسيسي بالإضافة إلى التعقيدات الواردة في المادة 6 من قانون الأحزاب المرتبطة بطلب كم هائل من الوثائق والإجراءات والمحاضر. وعلى المستوى العملي تخرق الداخلية بعض الضمانات المتواضعة الواردة في النص القانوني عندما يتعلق الأمر بالأحزاب الجادة، بالإضافة إلى غياب استقلال القضاء والذي برز بالخصوص في ملف تأسيس حزب الأمة، فعلى الرغم من أن ملف التأسيس كان كاملا لم تُيسر عملية تأسيس الحزب، فبالأحرى ضمان حرية نشاطه. ليخلص إلى ضرورة خوض القوى الديمقراطية لمعركتين: معركة من أجل أن يصبح القانون يعبر عن الإرادة الشعبية، وبعد صدوره ينبغي أن تحترم مقتضياته، ومعركة من أجل أن يصبح القضاء مستقلا. بعد ذلك تدخل محمد الزهاري من الائتلاف المغربي لهيئات حقوق الإنسان الذي تطرق للموضوع من مقاربة حقوقية، حيث اعتبر أن الحق في التنظيم حق سياسي كفلته المواثيق الدولية وخاصة منها العهد الدولي الخاص بالحقوق السياسية والمدنية الذي صادق عليه المغرب في سنة 1979 ونشره في الجريدة الرسمية سنة 1980، والمغرب بذلك ملزم بتطبيق مقتضياته. وقد أشار الزهاري إلى أن تنظيم الأحزاب السياسية كان قبل 2002 ينتظم ضمن القانون المنظم للجمعيات، فكان الملف يقدم للداخلية وللنيابة العامة، وهذه الأخيرة كانت تعطي التصريح في ظرف 48 ساعة. غير أنه مع قانون الأحزاب لسنة 2006 و2011 برز نوع من الرسم المسبق للخريطة السياسية، عارجا في ذلك على التناقض الجلي بين خطاب 9 مارس 2011 وبين إنشاء آلية متابعة برئاسة مستشار الملك إلى جانب اللجنة الأكاديمية المسند إليها صياغة الدستور، ولجنة المتابعة هذه مثل فيها الأمناء العامون للأحزاب والكتاب العامون للنقابات وكان من المفترض بالتالي أن يتضمن الدستور مقتضي يرفع فيها يد الداخلية في تأسيس الأحزاب، غير أن ذلك لم يحدث. وختم الزهاري مداخلته بالإشارة إلى أنه في القانون الإداري السلطة التي لها حق التصريح هي التي لها حق التأديب، وبما أنه دستوريا حل الأحزاب هو من صلاحية القضاء، فالتصريح ينبغي أن يعود إليها، ليؤكد أن مصادقة المغرب على البرتوكول الاختياري الأول المتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يمكن الحزب من تدويل قضيته، مشيرا إلى أن نظام الوضع المتقدم للمغرب مع الاتحاد الأوروبي يفسح المجال للحزب في التفكير في رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. المعطي منجب هنأ في البداية حزب الأمة بمنعه، معتبرا ذلك فألا حسنا، لأن النظام لو كان يعلم أن هذا الحزب لا مستقبل له لرحب به، معتبرا أن المنع لا يعود إلى محاولة التقليل من الأحزاب لأن الدولة عمدت إلى تأسيس حزبها وبعد بضع أشهر حصل هذا الحزب على المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية. وانطلق منجب في مداخلته من الواقع السياسي المغربي ليجيب عن سؤال حول سبب عدم الاعتراف ببعض الأحزاب كحزب الأمة، وربط ذلك بأسباب داخلية متعلقة من جهة برفض الأحزاب ذات الجماهيرية الواقعية أو المرتقبة، ومن جهة ثانية بثقافة المخزن التي تفرض وجود عراب للحزب أي شخصية مقبولة من طرف المخزن تضمن توجهات الحزب. وأسباب خارجية مرتبطة أولا بمحاولة النظام لفت الانتباه إلى أن المغرب ليس في مأمن من التوجهات المتطرفة التي تهدد علاقة صداقته مع الغرب، أما السبب الخارجي الثاني فله علاقة بقوة بعض الأنظمة العشائرية الخليجية بالمغرب وخاصة السعودية، فهذه الأنظمة لها بعض المطالب الدائمة بتحجيم الأحزاب التي تدافع عن الإسلام الديمقراطي والتي ترفض التخندق المذهبي خصوصا الشيعي السني. محمد مدني ركز في مداخلته على حسن تدبير حزب الأمة للتحالفات السياسية ووعيه بأن عهد الحزب الذي يتصارع لوحده قد ولى، مشيرا إلى دور النخب الحاكمة في المغرب في تشتيت تحالفات معينة وتشجيع أخرى. وأكد مدني أن القانون سلاح تستعمله الدولة للعقاب لأننا في إطار نسق سلطوي يرفض محورية الأحزاب في الحياة السياسية. وأوضح مدني أن دستور 2011 جاء بمجموعة من الإعلانات حول الحقوق، وهي على أهميتها تغيب عنها الضمانات الدستورية مما يفرغها من محتواها، مبرزا أن أهم الضمانات الواجب التأكيد عليها هي فصل السلط واستقلال القضاء وسمو المواثيق الدولية. وفي استقراء لواقع الأحزاب السياسية، ذهب مدني إلى أن هناك أحزاب تعارض وأحزاب سياسية مؤسساتية، مبرزا في هذا الصدد أنه منذ الاستقلال هناك ستة أحزاب تسيطر على 70% من مقاعد البرلمان بالإضافة إلى أحزاب للكراء توكل لها مهمات التصفيق في مناسبات معينة وهي عبارة عن يافطات تعطي لأعيان محليين للمشاركة في الانتخابات، لينتهي إلى أن التعددية في المغرب محدودة، والقانون يتعامل مع الأحزاب بشكل انتقائي، بحيث من يخرج عن التوافقات يستعمل القانون ضده. علي أنوزلا تدخل بصفته الإعلامية وقدم وجهة نظر من خارج المنخرطين في العمل السياسي، واستقرأ تاريخ النظام السياسي المغربي في تعامله مع الأحزاب، ليجد أن النظام يعتبر الأحزاب منافسا له في مشروعيته وليس في شرعيته، فالصراع صراع وجود، مقدما شواهد تاريخية في تعامل القصر مع حزب الاستقلال والاتحاد الوطني للقوات الشعبية وبحثه لحلفاء وخلقه لكيانات حزبية من قبيل الحركة الشعبية والفديك لضبط المشهد السياسي، وحينما كان يشعر بتعثره في ضبط المشهد السياسي يلجأ إلى نسف اللعبة برمتها من خلال الإعلان عن حالة الاستثناء خلال الستينات، وبعد أن اهتز عرش النظام بعد المحاولتين الانقلابيتين ومحاولة منه لخلق التوافق حول قضية الصحراء، لجأ على خطب ود الأحزاب. أما مع الديمقراطية الحسنية فسيتحول الصراع من ساحة العنف والسلاح إلى الساحة السياسية من خلال تفريخ كيانات هلامية مما أدى إلى بلقنة الحياة السياسية ليبدأ عهد جديد من تمييع الحياة السياسية وفقد الثقة في السياسي وتحويل الأحزاب إلى دكاكين يتسارع أصحابها حول الغنائم. وفي قراءته لقانون الأحزاب لسنة 2011، اعتبر أنوزلا أن هذا القانون صيغ بذهنية الاستبداد والتهميش والإقصاء مادام يعطي للسلطة التنفيذية الحق في الترخيص للأحزاب وجعلها خصما وحكما في نفس الوقت . كما أن الهاجس الأمني، حسب أنوزلا، هو الذي جعل أولى مواد هذا القانون يفرض على الأحزاب العمل في إطار احترام ثوابت الدولة، مشيرا في هذا الصدد أن المستهدف الأساسي من ذلك هي الأحزاب السياسية الإسلامية، والأحزاب الأمازيغية والأحزاب الجهوية، وقد أكد أن وجود حزب إسلامي اليوم في السلطة هو مجرد صدفة يصعب تكرارها، مقدما لمحة عن تاريخ حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه إلى تاريخ وصوله إلى الحكم وأعمال الضبط والتحكم الذي رافقت هذه الحقبة السياسية. وأشار أنوزلا إلى أنه طيلة حكم محمد السادس تمت العودة إلى الضبط والتحكم في المشهد السياسي، مشيرا إلى أنه إذا كانت فلسفة وجود الأحزاب السياسية هي الوصول إلى الحكم لتنفيذ برنامجها كممثلة للأغلبية، إلا أن أي حزب في المغرب لم يسبق له أن نفد برنامجه باستثناء حكومة عبد الله ابراهيم التي لم تعمر كثيرا ليخلص إلى أنه في المغرب هناك نظام الحزب الواحد هو حزب المخزن الذي يحتكر المشروعية ويتحكم في منح الشرعية. أحمد بوعشرين، عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر حزب الأمة، استهل مداخلته بسؤال حول ديمقراطية القانون التنظيمي للأحزاب السياسية، ذلك أن معيار دولة الحق والقانون ليس توفر القانون بل هل تتوفر في هذا القانون شروط حماية الحقوق وبسطها، مقدما أربع ملاحظات جوهرية بشأن هذا القانون. 1) إنه لا يمنح الحق في التأسيس لغير المجلسين في اللوائح الانتخابية متسائلا هل كل مواطن ناخب؟ 2) سلطة وزارة الداخلية واسعة من حيث الإشراف على كل مراحل تأسيس الحزب وترك القانون لسلطتها التقديرية مسألة الإحالة على القضاء، فإذا كان الحزب مرغوب فيه لا يدقق في ملفه وحينما يكون غير مرغوب فيه تدقق في كل الشكليات. 3) العمل ضمنيا بمبدأ الترخيص عوض التصريح بالتأسيس، مشيرا إلى أنه إذا كان موضوع التأسيس سيعود إلى القضاء فلماذا لا يعطاه الأمر منذ بداية التأسيس. 4) استحالة تأسيس الأحزاب السياسية مع وجود عائق الآجال القانونية لشواهد التسجيل في اللوائح الانتخابية إذا ما تم اعتماد منطوق الحكم الاستئنافي بشأن الحصر النهائي لهذه اللوائح لأن عملية القيد والتسجيل والحصر عملية متواصلة ومستمرة طيلة السنة، مشيرا في نفس الصدد إلى بطلان انتخابات 2011 باعتبار أن معظم شواهد التسجيل المسلمة للمرشحين في الانتخابات صادرة قبل الحصر النهائي للوائح. وبعد أن بين أحمد بوعشرين أن محنة حزب الأمة مع انتزاع حقه في التنظيم تتمثل في قانون الأحزاب التي تشكل أهم مقتضياته من نواقض المواطنة ونواقض الديمقراطية، طرح سؤالا عريضا حول اجتهاد المجلس الدستوري في قراره رقم 11/818 م.د ملف عدد 11/1172 والذي جاء فيه أن الأحزاب السياسية تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين، فهل الأحزاب السياسية تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين أم المواطنين؟ تعقيبات الحضور ركزت على مجموعة من النقاط نلخصها فيما يلي: إشكالية قانون الأحزاب عبارة عن فرع لإشكالية كبرى تتعلق بإرادة التحكم في المجال السياسي وترتيب مشهده. الحل في دستور ديمقراطي لا يترك المجال لأي سلطة أن تكون فوق القانون. ملاحظة تضخم سلطة وزارة الداخلية على سلطة القضاء وتعقيداتها قبل وأثناء وبعد تأسيس الأحزاب السياسية. دور النظام في خلق الأحزاب والتحالفات السياسية والصراعات للاستمرار في الهيمنة والتسلط. تسجيل غياب الإرادة الشعبية التي كان من شأن وجودها أن تؤسس لدستور ينص حقيقة على فصل السلط واستقلال القضاء وربط المسؤولية بالمحاسبة. وخلصت المائدة الدراسية إلى إصدار التوصيات التالية: ضرورة فتح النقاش العمومي حول قانون الأحزاب واستمرار الندوات حول هذا الموضوع في أفق تجويد مقتضياته. إنشاء مرصد لتحليل الظواهر السياسية ومتابعتها. تشكيل جبهة سياسية ومدنية تعمل من أجل ترجيح موازين القوى لصالح الشعب.