على بعد أسابيع قليلة من انطلاق الاستحقاقات الانتخابية المقرر تنظيمها في الثامن شتنبر 2021، بدأت تلوح في الأفق تباشير الهزيمة الكبرى التي تنتظر حزب العدالة والتنمية، قائد الائتلاف الحكومي على مدى عشر سنوات بالتمام والكمال. حيث أنه بمجرد إعلان وزارة التربية الوطنية عن النتائج النهائية لانتخاب ممثلي الموظفين في اللجان الإدارية متساوية الأعضاء، التي جرت أطوارها بجميع جهات المملكة يوم الأربعاء 16 يونيو 2021، حتى عجت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات التشفي والاستهزاء بذراعه النقابية "الجامعة الوطنية لموظفي التعليم" المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل، التي فقدت 73 مقعدا مقارنة مع انتخابات عام 2015، مما جعلها تتقهقر إلى أسفل الترتيب. إذ من أصل 498 مقعدا المتبارى عليها، لم تحصل الجامعة الوطنية لموظفي التعليم (UNTM) سوى على 27 مقعدا، لتأتي خلف كل من الجامعة الوطنية للتعليم (UMT) التي فازت ب"121″ مقعدا، تليها النقابة الوطنية للتعليم (CDT) ب"120″ مقعدا، ثم الجامعة الحرة للتعليم (UGTM) ب"97″ مقعدا، فالجامعة الوطنية للتعليم (FNE) ب"58″، والنقابة الوطنية للتعليم (FDT) ب"53″ مقعدا. فأي اندحار أسوأ من هذا؟ وهي الصفعة الموجعة التي تلقاها نيابة عن البيجيديين كاتبها العام عبد الإله دحمان، وأثارت الكثير من التساؤلات حول مستقبل النقابة "الإسلامية" التي ظل "كوادرها" يصولون ويجولون، ومدى تأثير تلك النتائج الكارثية على توجهات الناخبات والناخبين في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة سواء تعلق الأمر بالانتخابات الجماعية أو التشريعية، وأدت في ذات الوقت إلى تعالي الأصوات المنادية بضرورة عقد لقاءات عاجلة لتدارس الأسباب الكامنة خلف هذا التراجع المثير والخطير، ومحاولة تدارك الأخطاء "القاتلة" قبل فوات الأوان. إذ لا أحد من أعضاء الحزب ولا نقابته كان يتوقع أن تأتي حصيلة الاقتراع بهذه القسوة الشديدة، لاسيما أن قطاع التربية الوطنية يعد من بين أقوى معاقلهم، ويشكل رافدا أساسيا للحزب في تزويده بالأصوات المطلوبة خلال المعارك الانتخابية. فالكثير من الملاحظين وصفوا الحصيلة الهزيلة بمثابة هزة قوية ذات أبعاد سياسية عميقة، ستكون لها لا محالة انعكاسات سلبية على الحزب، ويؤكدون على أنهم كانوا يتوقعون أن الأذرع النقابية للحزب الأغلبي لن تحصد من الثمار في سائر القطاعات إلا ما ظلت تزرعه من بذور الحنظل والأشواك الدامية، ولا يرون من مبرر لتأسي وتحسر مسؤوليها ممن جعلوا آلاف الموظفين والأجراء يتجرعون المرارة. وليس هناك من مثل ينطبق عليها أكثر من القول الشهير: "من يزرع الريح يحصد العاصفة". إذ كيف لا تتآكل شعبية الحزب وتتراجع مصداقية نقابته وتنخفض أسهمه الانتخابية، وقد بات الجميع متذمرا ومستاءا مما لحقهم من حيف وإجهاز على أهم الحقوق والمكتسبات من تقاعد وإضراب ووظيفة عمومية وغيرها كثير، فيما تفرغ "حملة المصباح" من وزرائه وبرلمانييه وعمداء المدن ورؤساء الجماعات للتمتع بالامتيازات وتعدد الأجور والتعويضات والمعاشات الاستثنائية الريعية؟ أليس من الواجب على الحزب "الحاكم" أن يتحمل اليوم فاتورة عشر سنوات من سوء التدبير والتقدير، وأن تتحمل معه نقابته عبء الهزيمة النكراء، بعد أن ظلت تبارك لرئيس الحكومة سواء الحالي أو السابق جميع القرارات المجحفة وعدم تسوية الملفات المطلبية المشروعة وعلى رأسها ملف التعاقد الحارق؟ من هنا يظهر جليا أن تدني نتائج نقابة "الإسلاميين" في اقتراع السادس عشر من يونيو 2021، يعود بالدرجة الأولى إلى مواقفها السلبية تجاه عديد الملفات المتراكمة، وتقاعسها في الدفاع الجاد عن أهم القضايا التي تشغل بال نساء ورجال التعليم بمختلف فئاتهم. فلا غرابة إذن من أن يعتبر البعض اندحارها شكلا من أشكال الغضب والتصويت العقابي، الذي يحمل في طياته إشارات واضحة ورسائل سياسية قوية، تستدعي التقاطها سريعا وحسن قراءتها بما يكفي من التمعن والنقد الذاتي، لكونها صادرة عن جهة لها مكانتها المتميزة في المجتمع، وتشكل ركيزة أساسية لقلعة الحزب النضالية. ولا يمكن بأي حال الاعتقاد بأن "الخسارة" مجرد حادث عرضي، بل هي "ناقوس خطر" ينذر بالأسوأ خلال الانتخابات المقبلة، لأن قطاع التربية الوطنية خزان انتخابي هام، سواء ككتلة ناخبة أو مرشحين في الجماعات الترابية أو على مستوى البرلمان بغرفتيه… فعلى عكس ما ادعاه عبد الإله الحلوطي الأمين العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب في أول كلمة له بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات المهنية، من حصول "الاتحاد" على نتائج متقدمة مقارنة مع الاستحقاقات السابقة وتؤهله للحفاظ على مكانته الريادية، تشير النتائج الرسمية إلى أنه عرف انتكاسة كبيرة ليس فقط باحتلاله مراتب متأخرة في قطاع التربية الوطنية، بل كذلك في قطاعي الاقتصادي والمالية ووزارة الصحة وغيرهما، حيث تم تسجيل انخفاض صارخ في عدد الأصوات المحصل عليها، مما أفقده التمثيلية في أغلب المهن. إن السقوط المدوي لنقابة البيجيدي في 16 يونيو 2021 الذي جاء في سياق الحملة الكبيرة التي أطلقها عدد من النشطاء على منصات التواصل الاجتماعي، وفي مقدمتهم بعض المنتمين للفئات الأكثر تضررا من أطباء وممرضين وأساتذة متعاقدين، الراغبين في رد الصاع صاعين والانتقام لأنفسهم وكل الضحايا على ما اعتبروه إخلالا بالوعود وخذلانا من قبل الحزب "الحاكم" ونقابته الفاشلة. وما أثاره من ارتياح لدى عامة المغاربة، يعكس بوضوح تراجع صورة حزب المصباح في المشهد السياسي وفقدان المواطنات والمواطنين الثقة فيه، وما ستكون عليه نتائج انتخابات 8 شتنبر 2021 من تطابق.