عرفت الامازيغية في السنوات الاخيرة، خاصة بعد ترسيمها الدستوري،هجوما غير مسبوق من طرف بعض الكتاب العروبيين والذين تترجم كتاباتهم مواقف عدائية غير مبررة اتجاهها. فهناك نوع من الكتاب يتعمدون الرجوع بهذه القضية العادلة الى الوراء لتعطيل مسيرتها، وهناك نوع آخرلبس قناع الدفاع عنها ليظهر عكس مايضمر، وهناك نوع ثالث استيقظ متأخرا وأخذ يلوك نقاشات متجاوزة تحررت منها الامازيغية بفضل المعارك الفكرية التي خاضها مناضلوها ومثقفوها. فاذا كان النوع الاول يسعى الى العودة بالنقاش حول الامازيغية الى نقطة الصفر لكي يتمكن من اعادة ترتيب الاوراق حسب توجهاته واهدافه الاديولوجية ومواقفه النكوصية رغبة منه في إلغاء أو تحجيم المكتسبات التي تحققت في غفلة منه، فإن النوع الثاني يختفي وراء جبة الدفاع عنها والغيرة عليها ليسهل عليه اختراقها وتمييع النقاش حولها استعدادا لتفجيرها من الداخل. في حين استسلم النوع الثالث لسبات عميق في كهف العروبة ممنيا نفسه بأحلامه الوردية حول الوحدة المعلومة من المحيط الى الخليج ليستيقظ بعد ذلك ويجد نفسة امام كابوس تمازيغت المزعج ويأخذ بندقيته المهترئة ويصوبها مذعورا في كل الاتجاهات قبل ان يعود الى اجترارنفس الافكاروتكريس نفس الصورالنمطية القديمة حولها معتقدا،كما وقع لأهل الكهف، بان الشعب هو نفسه الشعب الذي تركه قبل أن يغرق في أحلامه القومية العنصرية. واذا كنا نتفهم المغالطات والهرطقات التي يطلقها بعض السياسيين الشعبويين الذين يسعون الى تهييج عواطف الجماهيرخدمة لأجندتهم السياسية، فاننا لانفهم كيف لبعض الكتاب الذين يقدمون انفسهم كمثقفين ومتخصصين وأكاديميين وباحثين ومترجمين ان يعودوا الى اجترارنفس المغالطات، في الوقت الذي يفترض فيهم مخاطبة عقل المتلقي بدل استهداف عواطفه وما يستوجب ذلك من التحري الموضوعي عن الحقيقة ومتابعة أشواط المعارك الفكرية التي خاضتها الامازيغية ومعرفة مسار النقاش حولها قبل ان يدلوا بدلوهم في الموضوع. فالبحث عن الحقيقة يبدأ بطرح الاسئلة والتشكيك في بعض المسلمات والبحث في الميدان والعودة الى المراجع المتخصصة وقراءة النصوص المؤسسة والتبرير بالحجج العلمية والموضوعية والتحلي بالشجاعة الفكرية. في هذا المقال سنتوقف عند بعض هذه المغالطات والاساطيرالتي يمررها بعض ضحايا سنوات التعريب الطويلة. 1- نظرية المؤامرة: هناك من لا يمل من تكرارأسطوانة الاستقواء بالخارج ونظرية المؤامرة دون ان يعطي دليلا واحدا على ما يدعيه، متناسيا أن الامازيغ هم الذين تعرضوا لمؤامرات الداخل عندما كانوا يحاولون صدّ مؤامرة الاستعمار الخارجي. فالذين طلبوا حماية فرنسا- حماية من ممن؟- ليضربوا الكفاربالفجارويخرجوا سالمين غانمين هم أنفسهم الذين انتظروا ازيد من عشرين سنة حتى تنكسر شوكة الامازيغ من طرف الاستعمارليبدؤوا في نسج مسلسل من المؤامرات ضدهم. أين كان هؤلاء عندما كانت المقاومة الامازيغية المسلحة في الجبال والسهول والصحاري على أشدها مند بداية القرن العشرين؟ ولماذا انتظروا حتى بداية الثلاثينيات ليختلقوا اسطورة "الظهير البربري" ويبدؤوا في "مقاومة" فرنسا واسبانيا بالشفوي والخطب والاشعار؟. فلم يعد يخفى على احد حجم مؤامراتهم الدنيئة وتواطئهم المكشوف مع الاستعمارخاصة في "مفاوضات" إكس ليبان التي نتج عنها استقلال جزئي ومغشوش للمغرب، ليهرولوا بعد ذلك الى تقسيم الغنيمة/الوطن فيما بينهم والامساك بزمام السلطة والاقتصاد والمال قبل ان يلعق "البربر" جراحهم المتخنة ويطالبوا بإعمال الشرعية والانصاف. فمحميو فرنسا هم الذين كان لديهم الوقت الكافي للدراسة في المدارس الكولونيالية وكتابة وثائق المطالبة بالاصلاحات والاستقلال وهم الذين قام الاستعمار بتوظيفهم لمقاومة المقاومة المسلحة الامازيغية والتآمرعلى قياديي جيش التحرير. فالمعروف أن الاستقلال ينتزع ولا تتم المطالبة به إلا من طرف الخونة والجبناء وعملاء الاستعمار. فإذا كان الاستقلال يأتي بالوثائق والقصائد الشعرية، فليحرروا بها فلسطين. كما ان العروبيين في المغرب يستقوون بالدولة نفسها لانها تتبنى افكارالقومية العربية و تمررها يوميا، بشكل مباشرأو غير مباشر، في اجهزتها ومؤسساتها وتعليمها وإعلامها. فسياسة التعريب التي جعلتها الدولة من مبادها العامة بعد الاستقلال خلقت نوعا من الحماية العروبية لأبناء وأحفاد المحميين لكي "يفترسوا" الامازيغية دون الخوف من العقاب . ولعشرات السنين، فعل المحميون الجدد كل ما في وسعهم لوأد الامازيغية في عقر دارها بلا حسيب ولا رقيب. ولولا يقظة وكفاح الحركة الامازيغية، لقضي على ثقافة عريقة حاربت أعتى الامبراطوريات في التاريخ وصمدت حية لآلاف السنين. 2- الظهير" البربري": هناك من يبحث في ارشيفات الثلاثينيات عن أسطورة "الظهير البربري" لتجريم الامازيغية مكتفيا بتكراربعض"مسلمات" مايسمى بالحركة الوطنية والتاريخ الرسمي دون أن يكلف نفسه عناء الاطلاع على نص هذا الظهيرودراسة بنوده. فقد جعل "الوطنيون" من هذا الظهيرالاستعماري نوعا من "الخطيئة" التي فرض على الامازيغ التكفير عليها بالسكوت على كل الجرائم والمؤامرات التي تحاك ضد ارضهم ولغتهم ووثقافتهم وتاريخهم. فالاستغلال المغرض لهذه الوثيقة جعل من تجريم الامازيغية نوعا من الوطنية والكفاح البطولي، مما سهل على القوميين والعملاء والانتهازيين إقصاءها من المؤسسات ومحاولة القضاء عليها. فالخيط الاول لمعرفة حقيقة هذه الوثيقة الاستعمارية، التي تحولت الى فيتو يشهر في وجه الامازيغية، هو طرح الاسئلة حول تسميتها ومضمونها والجهة التي أصدرتها. فكيف للأمازيغ أن يتحملوا وزر ظهير لم يصدروه ولم يوقعوا عليه ولم يكونوا يعلمون حتى بوجوده آنذاك لأنهم كانوا في ساحة الحرب ضد الفرنسيين والاسبان الذين نكلوا بهم وشردوا أبناءهم واغتصبوا بناتهم وانتزعوا اراضيهم بظهائراستعمارية مجحفة وخطيرة لا زالت سارية المفعول الى اليوم. كما نتحدى بالمناسبة وطنيي اللطيف ان يدلونا على واحد منهم قاد معركة مسلحة ضد الاستعمارين الفرنسي أوالاسباني. فيكفي الرجوع الى نص ظهير 16 ماي 1930 الذي اصدرته السلطات الاستعمارية ووقع عليه سلطان المغرب انذاك، ليكتشف الباحث عن الحقيقة بأن هذا الظهيرلاعلاقة له بالامازيغ وان من نعته بالبربري هم من نصبوا انفسهم أوصياء على الشعب والوطنية وان مضمونه كان يتعلق بتنظيم سير المحاكم العرفية في المغرب ولا علاقة له بالتفرقة بين "العرب" والامازيغ إلا في عقلية من في قلوبهم مرض. وفي استغلال مجحف للورقة الدينية، ادعى اشباه الوطنيين بان نفس الظهيركان يسعى الى تنصير "البربر" وعزلهم عن محاكم "الشريعة الاسلامية". فهل طبق "الوطنيون" الشريعة الاسلامية بعد الاستقلال حينما بسطوا سيطرتهم على الدولة؟. فالكل كان ضحية نصب وافتراء نخبة من أصحاب اللطيف الذين عملوا على تاويل وإسقاط نواياهم الخبيثة على هذه الوثيقة ليستعملوها بشكل "اجرامي" لتشكل بعد ذلك شهادة ميلادهم بعد عقود طويلة من الصمت والتواطؤ تحت حماية الاستعمار الفرنسي. 3- أصل الامازيغ: هناك من أضناه البحث عن أصل الأمازيغ ومن أين جاؤوا إلى موطنهم بشمال افريقيا. ولم يطرح على ذاته نفس الاسئلة عن اصل العرب ومن اين جاؤوا الى شبه حزيرتهم، بل من اين جاءت كل شعوب الدنيا الى مواطنها الاصلية. ولماذا البحث عن اصل الامازيغ بالذات؟. ففي تاريخ المغرب هناك حقيقتان مؤكدتان يتفق عليها كل المؤرخون وعلماء الإناسة والآثار، فالأولى هي أن الامازيغ كانوا يسكنون في المغرب منذ فجر التاريخ وعلى من يدعي العكس أن يثبت ذلك بالأدلة العلمية أو يدلنا عن الشعب الذي سكن شمال افريقيا قبل الامازيغ وماهي لغته وثقافته، آنذاك سندله نحن كذلك عن الشعب الذي سكن صحراء نجد قبل مجيء العرب إليها. والحقيقة التاريخية الثانية هي أن بعض قبائل العربان هي التي جاءت من صحراء شبه الجزيرة الى شمال افريقيا، كما وفد قبلها الفينيقيون والرومان. ومع ذلك لم يقل أحد ان المغرب فينيقي أو روماني بل قيل إنه "عربي". وللتوضيح، فحكاية الاصل والعرق والشرف لم تكن أبدا عند الامازيغ معيارا للهوية والانتماء والوطنية. ولم يثبت تاريخيا ان الامازيغ كانوا يخطون شجرات الانساب لإثبات اصلهم او نقاء عرقهم. لذلك كانت ارضهم مفتوحة امام كل الوافدين عكس العرب الذين كانوا ولازالوا متعصبين لعرقهم واصلهم كما تشهد على ذلك عشرات الالاف من شجرات الانساب التي يحتفظ بها "الشرفاء" ويقدسونها. بل اكثر من هذا، كان بعضهم، بما فيهم "مثقفوهم"، يستفيدون من بعض الامتيازات والبطاقات البيضاء- كارط بلانش- باعتبارهم "عرقا شريفا"- كذا- يستوجب الاحترام والمهابة. وكان إشهارهذه البطاقات الشريفة في وجه أي مواطن-"غير شريف"- كافيا ليجعل الرعب يدب في اوصاله . فهل هناك عنصرية بعد هذه؟. الحقيقة أن هناك جانب نفسي يؤرق العروبيين في اسطورة الاصل وهي الرغبة الجامحة في التخفيف عن ذلك الاغتراب الوجودي والهوياتي الذي يعانونه عندما يصرون على ان "اصلهم" البعيد او القريب هو من القارة الاسيوية، لذلك يحاولون ان يجعلوا من كل سكان المغرب شعوبا وافدة حتى يرتاحوا و يخففوا من وطأة هذا الانفصام التراجيدي. فاذا عمت هانت كما يقول المثل. نعود لنؤكد أن هذه الكتابات تهدف كلها الى عرقلة ترسيم الامازيغية واحتوائها وشدها الى الوراء عبر نقاشات عقيمة تجاوزتها الحركة الامازيغية وردت عليها في حينها. ويظهر أن أغلب "المثقفين" الذين اكتشفوا الامازيغية بعد فوات الاوان لم يكلفوا انفسهم عناء البحث عن الحقيقة والرجوع الى المصادرمن اجل استقرائها، بل اكتفوا بترديد الافكارالجاهزة والنمطية حولها كما روجها القوميون والدعويون ومررتها الدولة عبرسياسة التعريب.