التجريب الفاشي من لا يعرف المقرئ أبي زيد فاتته قافلة المعرفة ،فالعالم العلامة الذي يفقه فيما لم يفقه فيه أحد غرف من قاع الصحاح وعمق المتون ، اللذان لا يبلغهما إلا من اصطفاه الله لهذه الأمة ليصلح لها أمور دينها وينقدها من الردة إلى الجاهلية، وهذا ما أكسبه باعا وذكرا لم صل إليهما إلا من وهب العلم والفهم في أمور الدنيا والآخرة مثله وتمرس في السياسة كما تمرس وتبوأ موقع الإمامة والصدارة في الحزب العتيد الذي يوجد على رأسه رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران وفاز باستمرار بغزوة الانتخابات فوزا مبينا وعاد إلى البرلمان في كل مرة منتصرا انتصار المؤمنين البررة الذين لا يشغلهم شئ ، مهما علا شأنه ، عن آخرتهم ومنصورا على الأعداء الذين تحرفهم مفاسد هذه الدنيا الفانية عن أن يحدوا حدوه ويتبعوا سبيله لعنة الله عليهم أجمعين إلى يوم الدين . ومن لا يعرف الرجل ومن لم يسمع عن درره النفيسة من قبل فقد أعطاه فرصة جديدة ليعرف مالم يعرفه ويكتشف مالم يدر بخلده قط ، ذلك أن دعوته إلى فرض رقابة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، وليس وزارة الاتصال التي يتولاها أخوه في الدعوة إلى سواء السبيل والقيم البدوية مصطفى الخلفي ، على الأعمال الفنية مناسبة مستجدة لمعرفة ما يعرفه الرجل وما يختزنه وما يريده لهذا البلد ، ومعه من يكشفون عن وجوههم الحقيقية أحيانا أو يلجؤون لتقية الشيعة الرافضة عندما تقتضي المصلحة ذلك أو تنعدم الشجاعة ويتغلب الخوف والارتجاف من ضياع "همزة" لم تخطر على بال أحد من الآحاد ممن باتوا يخشون العين والحسد. هذه الدعوة الصريحة من طرف قيادي بارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم وعضو أهل الحل والعقد في جماعة التوحيد والإصلاح، الوصية على هذا الحزب ومن فيه وما فيه، لا يمكن المرور عليها مرور الكرام أو الاستهانة بما تشي به وتحمله من دلالات وتشير إليه من أبعاد أو إدراجها في خانة تصريحات رئيس الحكومة ومن معه وفي صفه التي تصبح في خبر كان بعد التفوه بها ، كما كان عليه الأمر بالنسبة لإصلاح صندوق المقاصة أو إعلان الغزوة المباركة لتحرير البلاد من اقتصاد الريع أو الإنذار بإنهاء الرشوة والفساد وهلم جرا ، فهي دعوة بالغة الخطورة و تكشف ، بما يكفي من الصراحة، عن المشروع الوحيد لإسلاميي العدالة والتنمية ، ومعهم التنويعات الأخرى على متن السلفية الوهابية التي تستعير العنوان المقاصدي لتجد لها موطأ قدم في تربة الفقه المغربي ، لأن هؤلاء الإسلاميين الذين وجدوا أنفسهم في الحكومة بالصدفة بلا مشروع حقيقي للنهوض باقتصاد البلاد وبمستوى معيشة ساكنتها وبلا كفاءات لإعداد هذا المشروع الضروري اليوم قبل الغد لتجاوز نموذج مستنفذ وتجنيب البلاد الأخطار التي باتت محدقة بها. ومنها خطر تخلي زعيم العدالة والتنمية عن التباهي بمليون صوت ونيف التي حصل عليها حزبه وبكتلته البرلمانية، وإعلانه عن الإفلاس ودعوة صندوق النقد الدولي الذي يوجه اليوم إلى تولي الأمر مباشرة و تدبير ما لا قدرة لحكومته على تدبيره حسب ما يتبدى يوما عن يوم للعين التي بها حول . ماذا لو نجحت دعوة العالم العلامة المقرئ أبي زيد إلى إخضاع الأفلام السينمائية للرقابة الدينية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؟ الجواب الأول هو أننا سنرى الفقهاء ، المقربين من حركة التوحيد والإصلاح وحلفائهم من السلفيين ومن يقتاتون من بقايا موائد البتر ودولار ويتنسمون برائحة النفط، يعملون " فراكاتهم" لغسل وتنظيف هذه الأفلام من كل ما يعتبرونه قاذورات منافية لما يعتقدون أنه الإسلام الحقيقي الصافي لتخرج نظيفة مطهرة بحيث لا ترى منها العين إلا ما تراه عيونهم صالحا لأن يرى ويشاهد ،وبدل أن ينصب نقاش الفقهاء على القيمة الفنية والجمالية والجودة والتقنيات البصرية والصوتية والتمثيلية وغيرها مما يجعل فيلما جديرا بحمل هذا الاسم ، لأن فاقد الشئ لا يعطيه ولا يطلبه منه إلا فاقد عقل ، فإنه سينصب على مؤخرات الممثلات وفتنة عيونهن ولباسهن وطرق زينتهن وحركاتهن ... وعلى القبلات والمداعبات ولغة الحوار ... وستحل محل أدوات التقييم السينمائي العنعنة ومرجعية الفتاوي المكتوبة بالنفط الوهابي المتعلقة بجواز هذا الأمر من عدمه أو إباحة هذا الأمر من عدمه وبدل لغة الفن كما هو متعارف عليها عالميا ستسود لغة الحلال والحرام في مجال إن دخلته أهلكته وأحالته إلى صحراء شبيهة بالربع الخالي لا يؤمها طير ولا يقربها إنسان ولا تسكنها غير الأفاعي والعقارب السامة. وبذلك يكسب المقرئ أبي زيد أجرين ، في الدنيا والآخرة، حيث سيكون رد الفعل ، والحالة هذه، من طرف من يلهتون وراء الدعم أو وراء صفقات تلفزيون رمضان ومن يرغب في أن يخرج فيلمه من هذه المصبنة نظيفا هو " التكيف"واتباع نهج المرجئة ، أو كما يقال بالدارجة " اسلاك" ، هكذا سيمارس كل سينمائي يرغب في الاستمرار في صنع الأفلام أو في البقاء في هذه الأرض ، بعد غزوة الإسلاميين المظفرة، الرقابة الذاتية في اختيار مواضيعه ويقصرها على أشباه المقرئ أبي زيد من كبار العلماء الذين كرسوا حياتهم لمحاربة الكفر والكفار والدعوة إلى العودة إلى قيم البداوة كما كانت في قرون مضت، وستصبح كل أفلامنا شبيهة بفيلم الرسالة ، الذي كرم الإسلاميون الفنان محمد بن الحسن الجندي لدوره فيه في إطار رسالة أراد أخ أبي زيد وزير الاتصال الناطق باسم بنكيران بعثها لكل من يعنيهم الأمر، وسيطيل الممثلون اللحى ويصبغونها بالحناء إن ابيضت ويستعملون عود الأرك بدل فرشاة ومعجون الأسنان وسيلبسون لباسا أفغانيا يستر العورات ويبعد عيون اللوطيين وسيبرهنون لأبي زيد عن تدينهم بوقف تصوير الأفلام أو تركيبها أو مشاهدتها أو غير ذلك لأداء الصلوات في وقتها وستبتعد الممثلات المتبرجات والجميلات عن التمثيل وتلبس بقيتهن ممن لاتثرن غرائز المؤمنين الحجاب وحتى النقاب والنظارات الشمسية لتجنب إثارة العيون وربما تختار كل الممثلات الخروج من الميدان لننتج أفلاما رجالية لامجال فيها للعورات والقبلات .. وستختفي اللهجات الدارجة وتحل محلها لغة قريش بصرامتها البدوية ( ويحك يا أبا جهل ) ويصبح إسم كل ممثل دالا على أبوة ، وسيمكن القضاء على المهرجانات السينمائية وغير السينمائية . وإذا ماتأتى لدعوة المقرئ أي زيد أن تحقق الغرض منها ، فإننا سنشهد هجوما كاسحا على كل الفنون المرئية والمسموعة بلا استثناء لإخضاعها لرقابة فقهاء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ، وبالتالي لحركة التوحيد والإصلاح ومن ينهج نهجها ، وستمنع فنون من قبيل النحث باعتباره تشخيص وتجسيم وحث على عبادة الأصنام، وسيحل المديح والسماع والآدان محل الغناء وسيتم ثني النساء عن الغناء ، لأن صوتهن الناعم عورة وفتنة ونقض للوضوء ، وستصبح أغنية الفنان عبد الهادي بلخياط الأخيرة النموذج الذي يحتدى به ، وسيشمل هذا الهجوم التلفزيون والإذاعة ، حيث سيصبح مفروضا على المواطنين الاستماع طوال اليوم للفقهاء لمحاربة الشياطين التي تحرفهم عن واجبهم الأول في الحياة الذي هو العبادة ، وسيشاهدون المسلسلات الدينية بالتناوب مع بنكيران وباقي أعضاء الحكومة . والجواب الثاني هو أنه لو حصل ووجدت دعوة المقرئ أبي زيد تجاوبا من الحكومة التي يتولى رئاستها أخوه في الحزب ، فإننا سنكون قد دخلنا إلى فاشية متدثرة بالإسلام من الباب الواسع ، وسنكتشف بعد لأي أن كل حرياتنا ، بلا استثناء تحت رقابة الفقهاء ، وسيتبع هذه الرقابة بالضرورة خلق شرطة القيم من قبيل تلك التي تراقب سلوك الناس في السعودية والسودان وأفغانستان في عهد طالبان وباكستان في عهد ضياء الحق ، وسيخرج بعد ذلك من يطالب بجلد الزاني والزانية أمام الملأ وإقامة الحدود وقطع يد السارق وعودة العمل بالإعدام وغير ذلك مما يمارسه حكم البشير في السودان ،والبشير صديق حميم لأهل الحل والعقد في جماعة التوحيد والإصلاح ومرجع لهم باعتباره من جسد حكم الإسلاميين قبل غيره ، ومن استمر في الحكم منهم زمنا طويلا حتى لما قسم البلاد وفرض على السودانيين حالة من التخلف يجب أن ترى بالعين ، وأتكلم عما رأيت بأم عيني ، لكي يصاب المرء بالدهول . وحيث أن الإسلاميين يؤمنون بالشورى ، التي تعني تحكم الفقهاء في القرار بعيدا عن الانتخاب ، ولا يقبلون بمظاهر الديمقراطية ذات الارتباط بالعلمانية إلا لكي يصلوا إلى السلطة ، كما ورد بصراحة في رسالة صوتية للفقيه السلفي الجويني للرئيس المصري محمد مرسي ، فإن يتبنون منطق المقرئ أبي زيد لن يترددوا ، متى توفرت لهم الشروط ، في الدعوة إلى اعتماد الشورى وتمكين أهل الحل والعقد بالاجتماع في سقيفة لاتخاد القرارات نيابة عن الرعاع الجاهل بالحلال والحرام وإنهاء كل مظهر من مظاهر الديمقراطية العلمانية الكافرة. يجب أن نمضي بمنطق المقرئ أبي زيد إلى نهايته ، أو إلى أقصاه، لكي نستوعب جيدا مايريده لنا وبنا من وراء دعوته إخضاع الأفلام السنيمائية لرقابة فقهاء وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لإجازتها أو حجبها ، ولكي نفهم دعاوي الفن النظيف ، ولكي ندقق النظر إلى ما أقحمه وزير الاتصال الناطق باسم بنكيران في دفاتر تحملات الشركات العمومية للإعلام السمعي البصري ، وخرجات بعض الوزراء من قبيل خرجات الحبيب الشوباني ، واحتجاج أفتاتي على قبلة في فيلم في طائرة غير مغربية... ويجب أن نتساءل مع أنفسنا : هل نرغب في النمودج المجتمعي الذي ينذرنا به المقرئ أبوزيد وأمثاله؟ هل نرغب في العيش من أجل الموت ؟ سؤال موجه للمثقفين الذين يخلفون الموعد مع دورهم في التنوير ولعموم المغاربة الذين يعجبهم التفرج على الجدل العقيم بين بنكيران وخصومه في البرلمان كل شهر ويرفعون نسبة مشاهدة تلفزة مغربية هجروها إلى فضائيات تقوت بالريع التفطي وجعلت العالم العربي تابعا لبلد صغير تحرسه القوات الأمريكية مند حرب العراق الأولى .