لم تكن قبيلة سدوم في حاجة إلى المخرج حكيم بلعباس لكي تنزل عليها اللعنة، ولا كانت في حاجة الممثلة موزيان لكي يلعنها الرب في كل الكتب السماوية. وحسب علمي، والبعض منه استقيته من جدي الإمام وخالي الإمام، رحمهما الله، فإن قوم عاد لم يكونوا من أهل هوليوود، ولا هم من قبيلة الفنانين. وإذا لم تخني الذاكرة، فإن الفنان محمد الشوبي لم يسبق له أن كان من أسباب اللعنة التي حلت بثمود، ولا كان محمد خيي من قوم نوح الذين نزلت عليهم الأمطار الطوفانية فأغرقتهم. ولحد الساعة لم يثبت، في علمي المتواضع الفقير، أن نبيل عيوش كان من الذين تربصوا بضيوف نبي الله لوط ونزلت فيه الآية، لكن مع ذلك يصر المقريء أبو زيد أن السينما المغربية تؤدي إلى الانحلال، و تستحق المراقبة. وإلا فإننا سنكون عرضة للتسونامي، كما سبق لفقهاء الزملاء أبو زيد أن نبأونا عندما حلت الكارثة ببعض البشر، وتم حرق لحمهم في مياه الطوفان.. المقريء أبو زيد يتنبأ كثيرا للمغاربة بالويل والثبور وعظائم الأمور، وله في ذلك تاريخ حافل. وللتذكير، منذ سنة تقريبا، في يناير 2012، على الأرجح، أقنعنا المتكلم بأن للشعوب كلها قارئة الفنجان، ولنا وحدنا مقريء الفنجان. فقد أنذرنا المقرئ أبو زيد، القيادي في حزب العدالة والتنمية، بأن الثورة قادمة في المغرب. وقد بنى تحليله، في الحوار الذي أجرته معه مجلة «رهانات» ونقلت مقتطفاته يومية «أخبار اليوم» من بعد، بأن الحكومة الحالية حكومة هجينة، وأن النظام السياسي المغربي، طبعا، التف على الحراك الشعبي الذي انطلق مع 20 فبراير، وذلك، طبعا، كله لأجل إفشال الثورة. لكن هذه الثورة لابد من أن تقع إذا ما «النظام أفشل التجربة الحكومية التي بدأت». يا سلام، شدني واللا انطيح! يريد المقريء أبو زيد أن يعمل النظام على إنجاح الحكومة إذا ما هو أراد ألا تنجح الثورة. وبمعنى آخر، النجاح مقابل الثورة!! لقد ذكرني ذلك بمنطق آخر كان الأخ الرميد، قبل أن يتحول إلى وزير في حكومة المقريء أبو زيد الهجينة، يربط بين نجاح العدالة والتنمية وبين.. نزاهة الانتخابات. إذا نحن لم ننجح في الانتخابات، فهي إذن مزورة. وبعد أن نجح لم يكن هناك حديث لا عن التزوير ولا عن المال ولا عن الفساد الانتخابي.. اللهم إنك مالك الملك تؤتي الحكمة من تشاء. ونفس المنطق جاء هذه المرة على لسان المقريء أبو زيد، يقول بأن الذين شاركوا في الانتخابات ما هم إلا جزء قليل، وأن الذين شاركوا، شاركوا في محاولة أخيرة «تجنبا للثورة». والغريب أن السيد المقريء لا يريد نجاحا نسبيا، كما قد يكون في كل تجربة حكومية، بل يريد من النظام أن تنجح التجربة وإلا .. سقط! وقتها يرى أنه إذا فشل بنكيران كرئيس حكومة، ولو فشل نسبيا، فعلى الملكية السلام، وليس أمامكم سوى الثورة. وذهب إلى القول بأن المغرب اليوم يشبه الوضع الذي كانت عليه إيران قبل مجيء الخميني. وأن ألف مصدق، الزعيم الوطني الإيراني، لن ينقذ المغرب من الثورة . من خلال هذه النبوءة، يبدو أنه ارتقى من النبوءة إلى الرقابة، فأصبح يدعو وزير الأوقاف أحمد توفيق أن يتحول إلى أحمد التَّوقيف! لكل السينما المنحلة .. كما لو أن شرائط البورنو توزع مع النعناع! كما لو أن هذه البلاد السعيدة لا سينما فيها إلا سينما لاري فلينيت الشهير! يبدو أننا لسنا متخلفين فقط عن الطيور وأسرابها، وهي تخرج من أغنية فيروز، نحن متخلفون حتى عن الضباع، لأننا نسعى إلى أن نأكل لحم بعضنا البعض ونحن أحياء، ولا نكرهه كما توصي الآية.. ولسنا مختلفين عن الوعول، فنحن أقصينا منذ زمن طويل في السباق معها، نحن متخلفين حتى عن الذئاب، إذ سعى أن يدعي أنه صوت الحق وصوت الضمير الأخلاقي.. هناك إصرار على أن يتحول المغرب إلى بلاد مهووسة بالجنس وضده الكبت، ومهووسة بالقبلات الطائرة (لو كتبها شاعر لقيل أنه يبالغ!) ومهووس بإبط المصورة في البرلمان ومهووس بالمعصية في مراكش، بلد يحكمه النصف الأسفل من جسده، وليس من مجتمعه حتى! سنفهم إذا كان ذلك يستعمل أحيانا لتبرير تعدد الزوجات عند البعض، لكن ليتركون المغاربة يعيشون عصرهم، لا عصر مدين ولا عصر موسى، فلن تحدث على أياديهم المعجزات. ولله الأمر من قبل ومن بعد!