إن مشروع القانون رقم 113.12 بشأن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يشير إلى الفصل 159 من الدستور للتأكيد على أهمية استقلالية هذه الهيأة. لكن وعلى الرغم من هذا الادعاء، فإن المرء ليتساءل إذا كان المشروع الذي أعدته "الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة " قد حرص حقا على تعزيز وسائل هذه الاستقلالية مع توفير الضمانات لكي تشكل الهيأة قدوة في مجال المساءلة. دراسة أنجزها :عز الدين أقصبي / الترجمة من الفرنسية : أحمد ابن الصديق إن مشروع القانون رقم 113.12 بشأن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها يشير إلى الفصل 159 من الدستور للتأكيد على أهمية استقلالية هذه الهيأة. لكن وعلى الرغم من هذا الادعاء، فإن المرء ليتساءل إذا كان المشروع الذي أعدته "الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة " قد حرص حقا على تعزيز وسائل هذه الاستقلالية مع توفير الضمانات لكي تشكل الهيأة قدوة في مجال المساءلة. ففي ديباجته، يبرز المشروع عشرة مرتكزات تم اعتمادها لإعداد الوثيقة، منها الارتقاء بالهيئة المركزية للوقاية من الرشوة إلى هيئة وطنية مستقلة ومتخصصة تتمتع بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي. بينما تشمل صلاحياتها الوقاية والتشخيص والتقييم والاستشارة والاقتراح والتواصل والتعاون والشراكة، كما أنها مكلفة باقتراح استراتيجية وطنية للوقاية من الرشوة ومحاربتها، ثم متابعة وتقييم إنجازات هذه الاستراتيجية. ومع ذلك، وخلافا لما هو مسطر، فإن التمحيص في نص المشروع يكشف قضايا بعضها بالغ الخطورة، مما قد يفضي إلى مؤسسة غير مستقلة وغير فعالة: لقد برهنت التجربة أن تصديق المغرب على اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، وإنشاء الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، وقانون حماية الشهود، وقانون التصريح بالممتلكات،... كلها قرارات وقوانين ومشاريع ملأت الفضاء ضجيجا ثم أثبت الواقع فشلها ولم تنفع في إيقاف دوامة الفساد المؤسساتي، وبينما يتطلع المواطنين المغاربة إلى نتائج ملموسة، من المحتمل أننا نشهد اليوم إقامة مؤسسة فارغة تزين الديكور الموجود فقط. 1- المشروع يسعى لتقزيم دور المجتمع المدني وتوظيفه والمساس باستقلاليته. في هذا المشروع، لا يُتوخى من مشاركة المجتمع المدني المساهمة في "إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها" المنصوص عليها في الفصل 12 من الدستور، وخاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد، بل لقد تم تقزيم دوره، عندما اكتفى المشروع في المادة 8 بذكرالشراكة مع هيئات المجتمع المدني في مجال النهوض بالنزاهة والوقاية من الفساد ومكافحته، كما أنه تجاهل أحكام المادة 13 من اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد التي صادق عليها المغرب في عام 2007. إن قراءة النص تظهر الرغبة في منح الهيأة نوعا من الاحتكار لمختلف المجالات بما في ذلك في التكوين والتوعية، وهذا من صميم مجال اشتغال المجتمع المدني. فإذا كان من الطبيعي والعادي أن تطور الهيأة استراتيجيتها في هذا المجال، فإنه من الصعب أن يتقبل المرء مشروعا يكاد يفرض هذه الاستراتيجية على جميع الفاعلين في الميدان بما فيها المجتمع المدني، لأن هذا المنحى يروم إنكارَ دور المجتمع المدني أصلا، والمساسَ باستقلاليته. 2 - مؤسسة بدون وسائل للمعاقبة : تكلم كما يحلو لك ! إذا كانت جميع الأطراف المعنية ملزمةً بتقديم معلومات عن مشاريعها، وتدابيرها المتعلقة بالفساد، والإخبار بمصير التوصيات الصادرة عن الهيأة، فإن المشروع لم يضع أية وسيلة، بما في ذلك الوسائل الزجرية، لفرض احترام هذا الالتزام وفرض الوصول إلى المعلومات. الأدهى من ذلك أن غياب هذه الوسائل ينسحب على جميع الصلاحيات التي سوف تتمتع بها الهيأة. على سبيل المثال، سيكون باستطاعة الهيأة حسب المادة 11" القيام بعمليات التحري والتدقيق والاستطلاع اللازمة للولوج إلى المعطيات". ولكنها لا تمتلك أية وسيلة لإجبار المؤسسات المعنية لإمدادها بالمعطيات. أما المادة 16 فإنها " تؤهل الهيئة الوطنية للقيام بإجراء عمليات الرصد أو البحث أو التحري اللازمة لدى الأشخاص الذاتيين أو المعنويين أو المؤسسات المعنية من أجل التأكد من حقيقة الوقائع والأفعال التي تصل إلى علمها"، وهنا يمكنها أيضا أن تحدد موعدا زمنيا لتلقي المعلومات والمستندات المطلوبة، ولكن إذا تأخر الطرف الآخر في الرد أو امتنع عن الرد والتزم الصمت فإنها تقف عاجزة ولا تملك وسيلة لإرغامه على الجواب. 3 - ارتباك وتضارب محتمل في المصالح: تقديم الاستشارة والتقييم وظيفتان لا تتعايشان بالإضافة إلى غياب الوسائل الكفيلة بتفعيل صلاحيات الهيأة الواسعة (والمتناقضة) إذا رفضت الإدارات التجاوب أو التعاون، هناك الارتباك وتضارب المصالح. ذلك أن وظيفة صياغة استراتيجية مكافحة الفساد وتقديم المشورة للإدارة وللمؤسسات في هذا المضمار لا ينسجم مع وظيفتيْ التقييم والتتبع. مبدئيا وبصفة عامة،فإن عملية تقييم أي عمل تفترض الحياد وعدم المشاركة في تصميم العمل أو صياغة التوجيهات الخاضعة للتقييم. من هو المسؤول إذا كانت صعوبات التنفيذ نابعة من توجهات سيئة أو تصورات خاطئة ؟ هل يكون مَن أدلى بمشورة ونصائح غير سليمة مؤهلا للقيام بتقييم موضوعي؟ هذا التناقض العميق يتجاوز هذه الحالة بل يطرح نفسه على مستوى التحكيم وجدواه عندما يكون الحكم طرفا له مصالحه، وهذا ما تتخبط فيه مؤسساتنا ولا يسلم منه الدستور. 4 - تهميش دور البرلمان وضعف الالتزام بنشر المعلومة من الغريب أن لا تكون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة لا تخضع للمحاسبة الكافية من طرف الجمهور والمؤسسات على السواء. فالمادة 13 من مشروع القانون تعتمد صياغة غير دقيقة حيث تعتبر أن الهيئة الوطنية مؤهلة "لإعداد وإصدار ونشر الآراء والتوصيات والاقتراحات والتقارير والدوريات المرتبطة بصلاحياتها"، ولكن المشروع، وهذا أمر هام جداً، لا يلزمها بنشر التقارير ونتائج التحقيقات، بل إن النص يكتفي فقط بالإشارة إلى إنجاز تقرير سنوي وعرضه على البرلمان. ولقد كان من باب المنطق أن يمتثل المشروع إلى الفصل 27 من الدستور المتعلق بالحق في الوصول إلى المعلومات فيتضمن إجراءات ملزمة في هذا الباب تضمن المساءلة الإعلامية. على نفس المنوال فإن البرلمان بقي مهمشا وبعيدا عن مجالات مراقبة المالية العمومية، في حين أن مسؤولياته الدستورية تسمح له بتقييم السياسات العامة. ففي التجارب الناجحة تكون البرلمانات على صلة بالمؤسسة المكلفة بمحاربة الرشوة - دون المساس باستقلاليتها – وذلك عبر إنشاء لجان متخصصة مكلفة بالتتبع. 5- تأويل محتشم للمادة 27 من الدستور والرضوخ للتعتيم إن استباق تطبيق الفصل 27 من الدستور المتعلق بحق الوصول إلى المعلومة قد تم تأويله مبكرا بطريقة ضيقة جدا ومجحفة فيما يتعلق بمكافحة الفساد. فالمادة 18 تنص على أنه فيما يتعلق بالوقائع التي لها "علاقة بالدفاع الوطني أو الأمن الداخلي أو الخارجي للدولة، أخبر رئيس الهيئة الوطنية بذلك رئيس الحكومة الذي يجوز له الإبقاء على كتمان السر أو رفعه." وهذه الصياغة غامضة لدرجة أنها تسمح بإدراج صفقات عادية جدا ضمن الدفاع الوطني مثل صفقات الأعمال الاجتماعية و برامج بناء السكن العسكري أو التزويد بالمشتريات العادية. ليس الحديث هنا عن حالات افتراضية بل عن الواقع، فقد ثبت بالأمس القريب أن برنامجا ضخما لبناء السكن العسكري تم إبرام صفقته خارج القانون ودون احترام مساطر الصفقات العامة. فإذا استمرت هذه الصياغة المقترحة للمادة 18 من مشروع القانون، فإنها سوف تفرض الصمت وستكتفي الهيأة بدور المتفرج أمام صفقات ضخمة وغامضة، بينما الحفاظ على مصالح الفئات المختلفة من العسكريين وعموم المواطنين وحماية الأموال العامة تقتضي احترام القانون واعتماد إجراءات شفافة. 6 – غياب مبدأ المساءلة و تقديم الحساب من المدهش أن تشير المادة 53 من مشروع القانون إلى أن الهيئة الوطنية مستقلة ومتخصصة، ومتمتعة بكامل الأهلية القانونية والاستقلال المالي، ثم يأتي الفصل 54 لينص على مواردها المالية تشمل الإعانات المالية المخصصة لها من ميزانية الدولة، والإعانات المالية المقدمة من أي هيئة وطنية أو دولية خاصة كانت أو عامة، والمداخيل المختلفة وأخيرا الهبات والوصايا، دون أن يضع المشروع قيودا على تلك الإعانات سوى أنه "تسجل الإعانات المخصصة للهيئة الوطنية باقتراح من الرئيس في الميزانية العامة للدولة. وتُدقَّق ضوابط تحصيل وصرف الإعانات المقدمة للهيئة الوطنية في إطار أنشطة التعاون الدولي في تنظيمها المالي والمحاسبي." وهذا معناه أن المشروع تهرب من قضية جوهرية وتركها للتنظيم الداخلي. كما أن المادة 55 قذفت بإجراءات وضوابط صرف الميزانية في مرمى التنظيم الداخلي الذي يصادق عليه الجمع العام. أليس من الغريب ألا يشير المشروع إلى قواعد المساءلة والمحاسبة فيما يتعلق بالمالية العامة. بالإضافة إلى ذلك فإن الصيغة الحالية للمادة 56 تدعو للقلق لأنها تنص على أن " لا تطبق أحكام النصوص التشريعية المتعلقة بالمراقبة المالية للدولة على الهيئة الوطنية التي تخضع لمراقبة المجلس الأعلى للحسابات وحده " علما أن شروط استقلالية المجلس الأعلى للحسابات بدوره غير متوفرة بما يكفي، كما أشار إليها تقرير التقييم الدولي " Open budget initiative 2010 ". إذا كان القصد من ذلك هو تجنب أنواع المراقبة التي قد تأثر على استقلالية الهيأة، فمن الضروري أن يحدد المشروع لائحتها بدقة ويخصص لها إجراءات مرنة بدل تجميد الرقابة المالية العامة بشكل شامل. ومما يدعو أيضا للأسف ما تضمنه المشروع من تهميش لدور البرلمان رغم صلاحياته الواسعة في مجال المالية العامة وتقييم السياسات العامة، فهل يكون الحرص على احترام استقلالية الهيأة على حساب مبدأ المساءلة ؟ أما المادة 57 من المشروع فإنها مخصصة لمراجعة حسابات الهيئة الوطنية كل سنة من طرف "لجنة خارجية للتدقيق والافتحاص يتم تعيينها من طرف اللجنة التنفيذية. وتتألف من خبير محاسب مقيد بجدول الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين، و خبير في مجال التدبير المالي، و خبير في المجال المحاسبي" إلا أن المشروع ضرب صفحا عن ضرورة التصديق على تلك الحسابات و نشرها. كما أن طريقة التعيين هذه تعتبر وحدها تجسيدا لتضارب المصالح: تعيين الحَكم من طرف الجهة التي سيبدي هذا الحَكم رأيا في نوعية تدبيرها. 7 - نظام التعيين مركز أساسا بين يدي رئيس الدولة، وهو رئيس السلطة التنفيذية الغير خاضع للمساءلة. حسب المادة 32، يترأس الهيئةَ الوطنية شخصية مشهود لها بالكفاءة والحنكة والاستقامة والخبرة في مجال الحكامة الجيدة يتم تعيينها من طرف الملك لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، وحسب المادة 49 يتولى الكتابة العامة للهيئة الوطنية كاتب عام يعين من قبل الملك لمدة ست سنوات غير قابلة للتجديد، إلا أن معايير وإجراءات التعيين غير مذكورة. لكن، بما أن هذه الهيأة ليست على لائحة المؤسسات الاستراتيجية، لماذا لا يخضع هذا المنصب للإجراءات العامة القانونية المتعلقة بالتعيينات من المفروض أن تنطبق على غيرها من المؤسسات الوطنية "الاستشارية". يتمتع الرئيس المعين بسلطات تقديرية كبيرة وله مسؤوليات واسعة جداً حسب المادة 34 من المشروع، ولا يخضع للمساءلة إلا قليلا. ومع ذلك فإن بعض صلاحياته تمر عبر مداولات الجمع العام. وفي مقابل هذا النمط الذي يُمركز السلطة التقديرية، على غرار الهيكل الهرمي للدولة، تبرهن التجارب العالمية أن الممارسات الناجحة لوكالات مكافحة الفساد تعتمد على لجان مستقلة لا ضغط عليها لا من رئيس ولا من أية سلطة أخرى، حيث تقوم بالبحث والتحري دون تدخل من أيٍّ كان. وتجدر الإشارة إلى أن الأدبيات المتخصصة تعتبر وجود سلطة تقديرية احتكارية نقطة ضعف في مجال محاربة الفساد، بينما نحن أمام نموذج يكون فيه الرئيس معينا من طرف الملك وله سلطة تراتبية وفردية معتبرة تلعب دورا حاسما في اتخاذ القرار، وهذا الوضع وحده يمثل خطرا معروفا في مجال مكافحة الفساد. 8 – المراقبة على حساب النجاعة ؟ والفئوية على حساب المهنية؟ تتألف الهيئة الوطنية من رئاسة وكتابة عامة ولجنة تنفيذية وجمع عام يتألف من 31 عضوا. هذه الهيكلة يطغى عليها بشدة منطق التعيين خاصة وأن قسما مهما يتم تعينه مباشرة من طرف رئيس الدولة، الذي يستأثر باثني عشر عضوا بالإضافة للرئيس والكاتب العام، منهم عشرة أعضاء يقترحون بصفتهم الشخصية من طرف المنظمات غير الحكومية الأكثر تمثيلا والمعروفة بمساهمتها الفعلية في مجال الحكامة ومحاربة الفساد، وعضوان يختاران من بين الشخصيات المشهود لها بالمشاركة والعمل الجاد في مجال الحكامة ومكافحة الفساد. من جهة أخرى، هناك تسعة أعضاء يقترحون، بصفتهم الشخصية، من طرف السلطات الحكومية المكلفة بما يلي: الشؤون الخارجية والتعاون؛ الداخلية؛ العدل؛ الاقتصاد والمالية؛ التجارة والصناعة والتكنولوجيات الحديثة، التربية الوطنية؛ الاتصال؛ الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة؛ الشؤون الاقتصادية والعامة. ثم يضاف لهم عشرة أعضاء يقترحون بصفتهم الشخصية من طرف الهيئات المهنية التالية: جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛ غرفة التوثيق؛ الهيئة الوطنية للخبراء المحاسبين؛ الاتحاد العام لمقاولات المغرب؛ النقابة الوطنية للصحافة المغربية و خمسة أعضاء عن النقابات الأكثر تمثيلا للأجراء بالقطاعين العام والخاص. غير أن النص لا يفصح عن هوية من سيقترح هؤلاء الأعضاء ولا عن معايير انتقائهم. في الصيغة الحالية سيتم اختيار أعضاء المجتمع المدني من طرف رئيس الدولة، بينما تقدم المنظمات المهنية والنقابية تكتفي باقتراح مرشحيها. هنا نتساءل عن الدوافع والجدوى من تعيين "أعضاء" ("من الصعب الحديث عن ممثلين") للمجتمع المدني من طرف رئيس الدولة، أي أعلى هرم السلطة التنفيذية. وفي حقيقة الأمر فإن الجمع العام والهيأة برمتها ما هي إلا مؤسسة غير مهنية أعضاؤها معينون أو مختارون للدفاع عن مصالح إدارات أو قطاعات خاصة أو قئوية. وقد تمت هندستها لتكون تحت التحكم (عن بعد) ولكي يغلب عليها منطق الإجماع والتوافقات والتسويات على حساب النجاعة. إن الدور المهيمن الممنوح لرآسة تنفيذية غير خاضعة للمساءلة يقلل كثيرا من استقلالية ومردودية المؤسسة. وأمام هذا الاحتمال الراجح، من الأفضل أن تتكون من مهنيين لديهم الوسائل اللازمة للقيام بعملهم وتخضع إنجازاتهم للتقييم. أما في ظل هذه الظروف، ستتولى الرآسة الغير خاضعة للمحاسبة سيتحمل المسؤولية السياسية عن هيأة أريد لها أن تكون إطارا فارغا دون قيمة مضافة. 9 - الالتزام بتحقيق النتائج أولا إن واجب المجتمع المدني في هذه الحالة هو الخروج من منطق الولاءات الوزارية ومنطق التعيينات الفوقية الذي لا يعرف مساءلة ولا محاسبة، ويطالب بهيأة تستند أساسا على كفاءة ومهنية الموارد البشرية. ذلك أن دور المجتمع المدني ليس هو تعقب الفساد أو القيام بالتحقيق والتحري، بل النضال والضغط من أجل إيجاد سياسة حقيقية لمكافحة الفساد ثم تقييم فعاليتها ونتائجها، وذلك انسجاما مع رسالته، ولهذا وجب تمييز الأدوار والمسؤوليات، و يبقى البديل الوحيد ذو المصداقية أمام المجتمع المدني هو أن يرفض استغلاله وتوظيفه لتلميع مؤسسة إضافية تدعي محاربة الفساد وهي باهتة الملامح. الخاتمة من خلال هذه القراءة في مشروع القانون المنتوخى منه التأطير الجديد للهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، تتجلى خلاصة أساسية: هذه المؤسسة لا يمكنها أن تشكل نموذجا للمساءلة والمحاسبة. إنها عبارة عن هيكل يطغى عليه منطق التعيين والقرار الفردي، ويتجنب بشكل منهجي البرلمان والهيئات التمثيلية، ولا يسلك سبيل المساءلة إلا على استحياء ولا يفصح من بعض مكنوناته للمواطنين إلا على مضض. حيث لا يلتزم بنشر تقريره السنوي ولا نتائج تحقيقاته. ثم إن تراكم الصلاحيات من التحري إلى إبداء المشورة ومن صياغة الاستراتيجية الوطنية إلى التقييم، من شأنه تأجيج التناقضات وتعارض المصالح. ومن المرجح أن تصطدم الصلاحيات (سواء منها القديمة كالوصول إلى المعلومات أو الجديدة كمباشرة التحري) مع رفض الإدارة أو مؤسسات أخرى، وفي هذه الحالة سوف تجد الهيأة نفسها عاجزة عن التصرف لأن هذا المشروع لا يعطيها الآليات التي تفرض على الآخرين التعاون معها ولا يسمح لها بأكثر من الحسرة والأسى!