احتدم النقاش بين الفاعلين الحكوميين وهيآت المجتمع المدني والهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، حول مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك خلال يوم دراسي نظمته الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة أمس بالرباط، وبينما قال الحبيب الشوباني أن «سقف الحكومة هو الدستور»، رد عليه أبودرار رئيس الهيئة، «نحن أيضا السيد الوزير سقفنا هو الدستور»، وقالت مصادر مطلعة أن هناك خلافا حول تخويل الهيئة صفة «تقييم السياسات الحكومية المتبعة»، وهي الصفة التي يخولها الدستور حصرا للبرلمان، وينص على مراقبة البرلمان لسياسات الحكومة وتقييم السياسات العامة، بالمقابل ينص الدستور على إحداث الهيئة ويخول لها مهام «المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد». من جهة أخرى، طالبت جمعية ترانسبرانسي المغرب، ب»ربط المسؤولية بالمحاسبة»، واعتبرت أنه «إن كان من الواجب تمتيع الهيئة بالاستقلالية عن أي تأثير أو تبعية، فهذا لا يعني تحصينها من واجب دستوري أسمى وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة»، وهو ما يقتضي، تضيف تراسبرانسي، «أن تقدم الهيئة الحساب عن كيفية تصريف مهامها من جهة، وعن كيفية التصرف في الأموال العامة المعهود لها باستعمالها من جهة أخرى»، واعتبر رشيد الفيلالي، عن تراسبارانسي المغرب، أن «استقلالية الهيئة تتطلب المحاسبة وليس هناك محاسبة دون مراقبة»، وأضاف قائلا خلال اليوم الدراسي، «كما أننا لا نقبل بمراقبة تتدخل في سيادة الهيئة، ولا نقبل بهيئة تعتبر نفسها محصنة من الأخطاء»، ويرى المتحدث أن «استثناء الهيئة من المراقبة يطرح مشكل عدم استثناء الهيئات الدستورية الأخرى». ورفضت الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، مقترح تقدمت به «ترانسبرنسي المغرب» حول إحداث لجنة تدقيق حسابات الهيئة وتتبع تقاريرها من طرف الجمع العام، وقالت الهيئة المركزية، أن «من شأن ذلك أن يؤثر على الفعالية والنجاعة المنشودة في هذا المجال، لذلك، يستحسن منح صلاحية تعيين هذه اللجنة وتتبع تقاريرها للجنة التنفيذية المنبثقة عن الجمع العام». واعتبر الحبيب الشوباني، الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، أن ليس هناك سقف لكل التدابير والإجراءات الحكومية المرتبطة بمكافحة الفساد، وقال صبيحة أمس في افتتاح لقاء دراسي حول مشروع قانون الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، «سقف الحكومة هو الدستور، أما الإبداع والتطوير يظل مفتوحا لكل الفاعلين، وعلى قدر العزم تأتي العزائم». واعتبر الشوباني أن الفساد نوع من «الإرهاب الممارس ضد المجتمع»، يضيف الوزير، «لابد من منظومة لردع الفساد في مستوى الخطورة التي تهدد الكيان بأكمله، ويجب تضافر جهود الفاعلين والإعلاميين والسياسيين لإخضاع الفساد لمنطق القانون ومنطق سيادة الدولة»، ويرى الشوباني أن «المغرب في حاجة إلى جيل جديد من الإصلاحات تخدم الأمن الشامل للمواطن البسيط وتشعره بالحماية من شتى أصناف الفساد»، وشدد على أن «المجتمع لا يحظى بالحماية الكافية والضرورية اتجاه ممارسات الفساد المستشرية في شتى المجالات ومنها، السياسية والاقتصادية والثقافية. وذكر الشوباني بحراك الشارع المغربي الذي طالب بإسقاط الفساد والاستبداد، معتبرا أن «كل فشل في مناهضة الفساد له مآلات خطيرة جدا»، ودعا المتحدث بمناسبة مدارسة القانون، إلى «تحرر الجميع من كل الحسابات، إلا من حساب واحد هو مدى قدرة هذه الهيئة وغيرها من المؤسسات على أن تكون في مستوى تطلعات المواطن». من جهة أخرى، تطرق عبد السلام أبودرار، رئيس الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، إلى الإشكالات الأساسية التي أثيرت لدى الهيئة أثناء إعداد مشروع القانون المذكور، منها ما هو متعلق بتصريف مفهوم الاستقلالية، و قال أبودرار»تَرَسَّخَ الاقتناع لدى الهيئة بضرورة توضيح هذا المفهوم ورسم حدوده واستحضار الآثار المترتبة عنه، الأمر الذي وضعنا أمام حتمية إرساء مقتضيات تتعلق بالتوصيف القانوني للهيئة الوطنية المستقلة»، واستحضر المتحدث أيضا إشكال «تحديد نطاق تدخل الهيئة الوطنية والمهام المنتظرة منها»، يضيف «الأمر الذي دفعنا من جهة، إلى اعتماد مفهوم شمولي لأفعال الفساد المشمولة بتدخل الهيئة، ومن جهة ثانية، إلى تكريس مجموعة من الصلاحيات التي تترجم منطوق ومفهوم الدستور»، ومن بين الإشكالات المرصودة أيضا، ما يتعلق بتأليف الهيئة، وبآليات تفعيل مقتضيات الفصل 171 من الدستور التي تنص على أن تأليفَ وصلاحياتِ وتنظيمَ وسَيْرَ عملِ مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة تُحدَّد بمقتضى قوانين، يقول أبودرار، «وهو ما حدا بنا إلى التساؤل حول مدى اعتبار هذا الفصل إجابة ضمنية حاسمة من الدستور مفادها أن المجال الحصري لتأطير مقتضيات الهيئة الوطنية هو القانون، وبالتالي سد الطريق أمام اللجوء إلى أي قنوات تنظيمية خارجية قد يؤثر اعتمادها على الاستقلالية المنشودة للهيئة»، واستقر الرأي حسب المتحدث، على «ضرورة الاستجابة لمنطوق ومقصود المقتضيات الدستورية في اعتبار النص القانوني للهيئة الوطنية الإطارَ الوحيد الذي يستوعب المقتضيات المتعلقة بالصلاحيات والتأليف والتنظيم وسير الأعمال، إلا أنه من منظور الفعالية التشريعية، ارتأينا ترحيلَ المقتضيات التفصيلية ذات الطبيعة التنظيمية إلى النظام الداخلي والأنظمة الأخرى المتعلقة بالتنظيم المالي وبالهيكلة الإدارية وبنظام الموظفين»، أما الإشكال الأخير فيتعلق بالضمانات القانونية التي تخول للهيئة الوطنية الانتقال باقتراحاتها وتقييمها واستشارتها وتحرياتها من مستوى الطرح والاقتراح إلى مستوى الفاعلية والتطبيق. وفي سياق متصل، اعتبر «لويس دو سوزا»، مدير الشبكة الدولية للبحوث المتعلقة بهيئات مكافحة الفساد، أن محاربة الفساد تقتضي «القيام بإصلاح هيكلي والتأسيس للحكامة الجيدة وحماية محاربي الفساد من المتابعات القضائية»، ويرى المتحدث أن الإجراءات التي اعتمدها المغرب «تظل غير كافية، لمواجهة التحديات المطروحة»، مشيرا إلى ما اعتبره تدابير مهمة اتخذها المغرب في هذا المجال، منها ما يرتبط بتعديل القانون الجنائي وإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة.