أزمة الرياضة في المغرب سياسية قبل أن تكون قطاعية. عندما نعترف بهذه الحقيقة يمكن أن نتلمس مداخل الإصلاح الحقيقي للقطاع الذي تستغله السلطة للدعاية لنفسها ويستغله رؤساء الجامعات الرياضية لتكريس سياسة الريع الرياضي. لا يكفي هذه المرة أن نلقي باللوم على المدرب الذي لم يتولى قيادة الأسود إلا شهرين قبل انطلاق المنافسات الافريقية، ورغم أنه لم ينجح في العبور بالمنتخب إلى دور ربع النهاية إلا أنه، هو وفريقه من المحليين والمحترفين لم يتكبدوا أية خسارة مهينة في كل المباريات التي خاضوها، وحتى إقصاؤهم أمام منتخب جنوب إفريقيا صاحب الأرض والجمهور تم بشرف وبروح قتالية استمرت حتى الدقائق الأخيرة من المباراة. ما حدث في جنوب إفريقيا كان منتظرا، ليس لأن اللاعبين لم يبلوا البلاء الحسن في الدفاع عن القميص المغربي، أو لكون الخطة التي انتهجها المدرب لم تكن منتجة، وإنما لأن السياسة المنتهجة في تدبير كرة القدم من طرف جامعتها الملكية هي التي قادت النخبة المغربية إلى مثل هذا الفشل الحتمي. الأمر لا يتطلب الكثير من الذكاء وإنما يستوجب التحلى بذاكرة قوية. فلا يجب أن ينسينا تعيين مدرب مغربي لقيادة الأسود أسباب الداء. فما تغير هو المدرب فقط. أما سياسة الجامعة الفاشلة فظلت كما هي. بل أكثر من ذلك لم يعد أحد ينتقدها لأن مسؤولي الجامعة عرفوا كيف يخفوا دائما فشل سياساتهم وراء المدربين. فمن يختار هؤلاء المدربين؟ طيلة ثلاث سنوات كانت الانتقادات تطال تدبير كرة القدم المغربية من طرف الجامعة، ورغم الانتكاسات التي عرفتها الكرة المغربية طيلة السنوات الماضية مع الناخب البلجيكي إريك غيريتس، بقيت الجامعة ورئيسها، علي الفاسي الفهري، متشبثين بمدرب أثبت فشله في تدريب الأسود. وفي احتقار سافر لمشاعر جمهور الكرة المغربية أبقى الفاسي على ذلك المدرب طيلة ثلاث سنوات راكم فيها المنتخب المغربي هزائم متكررة: لم يتأهل إلى مونديال عام 2010، ولم يصل إلى نهائيات كأس إفريقيا في نفس السنة. وأقصي من الدور الأول من نهائيات كأس افريقيا عام 2012.. ونفس السيناريو تكرر في نهائيات الكأس الإفريقية التي غادر دورتها الحالية مبكرا.. ورغم كل هذه الانتكاسات والهزائم التي كلفت ميزانية الدولية ملايين الدراهم لم تقدم الجامعة على إقالة الناخب الأجنبي السابق إلا بعد أن كاد أن يقصي النخبة المغربية من التأهل إلى النهائيات الإفريقية الحاليو، وبدلا من أن يحاسب رئيس الجامعة الذي اعترف هو نفسه أمام البرلمان بأنه أخطأ عندما تعاقد مع ناخب أجنبي بشروط لا يعرفها إلا هو، بما أنه لم يكشف عنها حتى اليوم، تمت ترقيته عندما تم تعيينه على رأس قطاعين استراتيجيين كمدير عام ل "المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب". رحل الناخب الأجنبي، بعد أن كلف الكرة المغربية والخزينة المغربية ما كلفه، وبقي رئيس الجامعة المسؤول الأول عن السياسة الفاشلة في تدبير قطاع "استرايجي" مثل كرة القدم التي يتداخل فيها السياسي والأمني والمالي، واستمرار هذه السياسة هي التي قادت اليوم إلى الإقصاء المبكر من الكأس الإفريقية بجنوب افريقيا. لذلك فمن يجب أن يتحمل مسؤولية هذا الفشل هي الجامعة ورئيسها. مشكل كرة القدم، والرياضة المغربية عموما بنيوي، ناتج أولا وأخيرا عن غياب الديمقراطية في تدبير الشأن الرياضي في المغرب. فطيلة سنوات ظل جنرال عسكري يتربع على عرش جامعة كرة القدم يديرها مثل ثكنة عسكرية، ويعاد انتخابه كل مرة بالتصفيق والتهليل، وعندما اشترطت "الفيفا" على جامعات كرة القدم في العالم دمقرطة هياكلها، جيء بعلي الفاسي الفهري، الذي تقدم كمرشح وحيد وانتخب هو الآخر بالتصفيق والتهليل، ومنذ انتخابه إلى اليوم لم يعقد أي جمع عام للجامعة التي يسيرها بالتعليمات والأوامر. وقبل إقصاء الأسود من جنوب افريقيا، خرجت ألعاب القوى المغربية من أولمبياد لندن 2012، بفضائح مهينة بسبب العدد القياسي للاعبين الذين اكتشفوا وهم يتعاطون للمنشطات. وبدلا من يتقدم رئيس جامعة ألعاب القوى عبد السلام أحيزون باستقالته، أو يقال الجنرال حسني بنسليمان رئيس اللجنة الأولمبية، الذي خطف الأنظار في لندن ليس بفضل تألق اللاعبين المغاربة وإنما بسبب مطاردته من طرف قاضي فرنسي يطالب بالتحقيق معه في جريمة اختطاف واغتيال المعارض اليساري المغربي المهدي بنبركة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي. في كلمة واحدة: أزمة الرياضة المغربية هي أزمة ديمقراطية، وهذه أزمة بلد بكامله. والمفارقة هي أن الأنظمة الديكتاتورية التي نجحت في استغلال كرة القدم لتخذير شعوبها عرفت كيف تصنع لبلدانها أمجادا رياضة، أما النظام المغربي الذي مازال بعيدا عن الديمقراطية، فقد فشل حتى في استغلال كرة القدم والرياضة عامة، كمنشط لدورات وعوده المهدئة التي تعرف كيف تراوغ لكنها تخطئ كل مرة في إصابة الهدف...