منذ انتخاب الأمين العام الجديد لحزب الإستقلال، تواصل القيل والقال بخصوص تعديل حكومي مرتقب يرى "شباط" أنه بات ضرورة ملحة، بينما يصر رئيس الحكومة على التقليل من شأن تصريحات الزعيم الإستقلالي، ويؤكد أن مثل هذا التعديل ليس واردا في المرحلة الحالية على الأقل. وفي خضم التجاذب السياسي بين المكونين الرئيسين للفريق الحكومي الممثلين في حزب العدالة والتنمية وحزب الإستقلال، يعود سؤال الإنسجام الحكومي إلى الواجهة من جديد، ومعه يحضر سؤال آخر أكثر أهمية يتعلق بضوابط ومنطق الممارسة السياسية بالمغرب ودور الأحزاب في صناعة القرار السياسي واستقلاليته. لو أن الكلام عن التعديل صدر عن رئيس الحكومة لكان مقبولا من الناحية الدستورية على الأقل استنادا إلى الفصل 47 من الدستور الذي يسمح في جزء منه لرئيس الحكومة " أن يطلب من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة"، لذلك فإن تصريحات الأمين العام لحزب الإستقلال تعد تطاولا على مؤسسة رئاسة الحكومة، وهي أيضا تعبر عن أزمة الممارسة السياسية ببلادنا. وإذا كان من حق حزب الإستقلال وغيره من مكونات التحالف الحكومي أن يبدي ملاحظاته واقتراحاته بخصوص أداء الحكومة وأساليب اشتغالها، فإن أدبيات الفعل السياسي تقتضي أن يحدث مثل هذا النقاش داخل أسوار التحالف. أما أن يصبح قضية إعلامية ومادة للمزايدات المتبادلة يمارس فيها حزب مشارك في تسيير الشأن العام دور المعارضة ب"العلالي"، فإن ذلك يكرس لإفلاس السياسة في بلادنا، ويعني أن عقدة شعرة معاوية التي يتمسك بها التحالف الحكومي تكاد أن تنفرط، وكل ذلك طبعا ينضاف إلى الكم الهائل من المشاكل والتحديات التي تواجه هذه الحكومة التي خيبت الآمال حتى الآن. إن التعديلات الحكومية إجراء طبيعي يتم العمل به في الدول الديموقراطية وفق تقاليد وأخلاقيات محددة تضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار، وسيكون أمرا محمودا لو امتلك وزير مغربي الشجاعة اللازمة لتقديم استقالته لأسباب تتعلق بأخطاء تدبيرية في تسيير القطاع الذي يتحمل مسؤوليته، وسيكون موقفا أخلاقيا مميزا أيضا لو بادر رئيس الحكومة استنادا إلى صلاحياته الدستورية إلى المطالبة بإعفاء أي وزير يخفق في إدارة شؤون القطاع الذي يشرف عليه، لأن ذلك يعبر عن ثقافة ربط المسؤولية بالمحاسبة التي لا يمكن بدونها أن نتقدم نحو أسباب الممارسة الديموقراطية الحقة. أما "الجعجعة" التي أحدثتها مذكرة " شباط " إلى " بنكيران" بشأن التعديل الحكومي وما رافقها من حروب كلامية باردة، فلا تعدو أن تكون ضحكا على الذقون، لأنه من الواضح أن مفاتيح قرار التعديل من عدمه ليست في متناول الطرفين معا. وإذا كانت القيادة الجديدة لحزب الإستقلال غير راضية عن الأداء الحكومي، فينبغي عليها "أخلاقيا" أن تنسحب من هذه الحكومة. لكن لعبة " قدم في الحكومة وأخرى في المعارضة" هذه ليست إلا ابتزازا سياسيا مرتبطا بطموحات شخصية أكثر من أن تكون تعبيرا عن قرار حزبي حر ومستقل يتحرك بوازع الحرص على مصلحة الشعب. الأمين العام لحزب الميزان يشن هجوما "بلا هوادة" على الحكومة ورئيسها، بالرغم من أن حزبه طرف رئيسي في هذه الحكومة، والشعب ينتظر إجراءات وتدابير اجتماعية واقتصادية ملموسة من شأنها أن تفتح الباب أمام بارقة أمل في مستقبل أفضل. الشعب ينتظر إجراءات فعالة لإصلاح صندوقي المقاصة والتقاعد المهددين بالسكتة القلبية. الشعب ينتظر من الحكومة الوفاء بالتزاماتها في كل ما له علاقة بالشأن العام... لكل شاغله وهمه... لكنهم يريدون منا أن ننشغل بخلافات الميزان والمصباح، وحديث "المصرنة"، وخرجات بنكيران المثيرة، ومشاغبات المعارضة البرلمانية، والنقاش حول إنصاف المرأة... حتى نضبط أحلامنا على أوتار تعديل حكومي قد يأتي أو لا يأتي. وإذا أتى فلن يتغير في واقعنا شيء طبعا.