السياسة في بلاد العرب منفية على طول الخريطة وعرضها ، ليس لأنها مشاغبة او مشاكسة بل لأنها تمارس كلعبة لتلهية االأقوام وكآلية لبقاء الحال على الحال ، رتابة في العقل ونسيان التاريخ ومحو الذاكرة ، واستقبال الزمن السياسي بنوع من الهبل كاننا في مرستان الحمقى نقلب أيدينا ونمشي عليها لنسابق الريح التي لا تأتي بقطرات المطر وندخل في صراع ممزوج بالصرع مع الجيران وونشدد المعارضة ونسلحها بكلام السباب والقذف والشتائم التي كانت والتي لم تكن يوما في الذكر على أي لسان .كل ذلك تحت اذن الرقيب وعينه التي لاتنام ، ترسل الإشارات عبر لاسكي أدمي ، وتقلب كل الأركان حتى صندوق القمامة وجب معرفة دقيقة لفضلات الأكل هل لها قيمة قد تعني ارتفاع في الدخل غير معهود كأكل البسطيلة والفاكهة الطاجزة والجافة وقنينات النبيذ الرفيع كالوسكي والشامبانيا لترفع التقارير بالشفرة ولأعالي درجات الإدارة لتسلم بالعاجل والسري للإتخاذ القرار والتقرير بالتنفيذ . ذلك من ابسط اعمال المخابرتية وهنا السياسة تساند بالعمل الدائم بمتابعة من لهم قلب على الحقوق وكتابة السطور التي تبث القلاقل في الوطن وترسم له صورا غير حقيقية عن أوضاع اجتماعية واقتصادية لا تساير حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها في العالم ، هنا تتحرك كل الفصائل المكلفة بالأمن العام والخاص من أجل تكثيف المراقبة والإتيان بالفاعل في اقرب وقت مكبلا ومسلسلا ليطرح على محراب الحرية ويسلم للإعتراف بالتهم التي قام بها والتي لم ينو القيام بها والتي ابدا لن يستطيع القيام ولا تلصق به أي تهمة تجعله من مدافعين عن حقوق الإنسان ولا عن مبادئ سياسية حتى لا يدخل في خانة معتقلي الرأي أو السياسيين المعارضين ويصنع به بطلا ، بل نحط من كل شأن قد يكون بدأ يستجمع في أذهان الجيران والمعارف ويتم تمريغه في وحل العار وتلصق به بالدلائل والحجج تهما ثقيلة لا يستطيع حملها من سخر حياته لخدمة الوطن ويقال عنه على كل الأفواه وعلى صفحات كل الجرائد أنه يبيع ويشتري في البشر والجنس ، وهو ذاك الذي يمشي على البيض ولا يكسرها ،وتخرج منه كل تلك الأفعال ؟ نمارس السياسة كما نمارس طقوس الجنس على كل من يساعد على القذف ولو كان حيوانا ، لأننا لم ندخل يوما مدرسة العشق وهل لنا قلبا ليحب؟ أليست كل حيواتنا عبارة عن سلسلة من المحرمات بدين أو بتلقيد او بلا أي مبرر سوى ليتعمق الحرمان لهذا الكائن الذي يلج الحياة في بلد العرب ولا يعرف هل هو من الأحياء أم من الأموات ، لأنه لا يقرر مصيره منذ ولادته الى أن يحمل في المحمل لآخر أيامه . لم تكن السياسة يوما في بلاد العرب منتوجا فكريا ولا علما له قواعده بل ممارسة تكاد تكون بهلوانية سهلة التطبيق والتنزيل ، بعض الكلام المستحيل التنفيذ على الواقع وهراوة غليظة يراها الجميع في يد قوية تعرف القيام بالبطش والقمع ولها تاريخ في التنكيل بالأفراد والجماعات وبعض الإشارات غير مفهومة بالتمكن من القبضة داخليا وخارجيا والوعود التي تفرش الورود بلا أشواك وتملأ البطون الفارغة في ليالي القر والأغطية الرطبة لأطفال البوادي والمدن بلا مناسبة لأن القلب الحنون فيه كثير من الحب والحنان ، ولا نعرف بالضبط لمن؟ هل للناس الضعفاء مثلي ومثلك ولا نرى ذلك ولا نلمسه في ارض الواقع ؟أم للكرسي الوتير وما يغدقه من رفاه وجاه ؟ من تمارس عليه السياسة في بلاد العرب كنعجة جرباء يعدي القطيع بالصمت وعدم القدرة على التعبير لأنه يعرف أنه معلق في أبواب الأسواق كعنوان من سولت له نفسه أن يدخل دائرة الفهم السياسي ويعي بلعبتها وينخرط في تشكيلة سياسية معارضة لواقع سياسي له تاريخ واقدمية تطويع كل رأس ساخنة او تريد فك لغز السياسة القائمة وفهم خيوطها المتشابكة كنسيج تختلط فيه الألوان والأحزان بدماء أصابع حفرت الأرض ولم تنل سوى صفير الأذنين وطنينها وتجاعيد تسكن في طياتها ومنعرجاتها جميع أصناف الأسى والألم. ولكي تنجو من ممارسة السياسة عليك أيها المواطن أن تسكن في عقر دارك قبل أن يحل مغيب الشمس وتنزل بردا وسلاما على أهلك لا توقظ ساكنا ولا تحرك جامدا ، فالسياسة تستنطقك من بعيد وتسمعك سرائرك وانت في غفواتك الدائمة وفي نسيج احلامك البعيدة عن كيانات الزمن المرهق لكل من يتصارع بلا قفازاة مع خيوط اخطبوطية لمخططات سياسية واقتصادية وثقافية لا يمكن لقراء الطلاسيم فكها ولا حتى قراءتها لأنها تفوق مستوى العلم المعروف وأبجديات العلوم السياسية. فالمشاركة في السياسة في وطن بلا ملامح ولا قسمات من فرط الإستغلال والحفر في عمق كيانه لإستخراج كل جواهره وترحيلها لبلاد بعيدة لتأكله الذئاب، تستدعي قوة فوق القوة ٌو تستجمع من حرقة الدموع التي تنزل على الدوام من أطفال مشردين وفي قر الشتاء وحر الصيف يستنشقون الهواء الملوث بدخان المحركات في طرقات مدن تحوي كل أنواع الأحزان وتراكمها ، كما لو كانت مدنا من الأحزان ومن المآسي،وتوزعها بالتساوي على كل من له قلب ينبض بقرب وطن وحده يحمل كل هذا وأكثر ، وطن جعلته السياسة كما تمارس علينا وعليه كساحة حرب كل ما فيها لا يعرف الأفق ولا يحتمي بسماء بل كل مافيه وبه مع التراب يجد مكانه بل لن تقبله الأرض ولن يحلم يوما بان يكون بذرة لنبتة ولو غير مثمرة وحتى مساهمة في تلقيح ما وتطعيم لعقر دائم لنسوة يندبن حظهن في خلفة لن تأتي أبدا… هكذا تحمل السياسة جنونها لتبث الرعب بغير ما تفزع الجيران ولا حتى ان توقظ النوام ، هي لها هيبتها الفريدة تنظر بحصافة للمكر وترديه خاليا من الأفكار تلمس الطفل في لحظة تراه يشيخ بلا زمن ولا مكان بحيث لن يلعب كطفل بل يشتغل ليلتحق بقافلة عبيد الرأسمال ويسلم شموعه الطفولية الناعمة لخشونة الفعل السياسي الذي تسلل لعقلع البريئ ويصنع منه جنديا لا يحلم إلا بالحرب القادمة ولا يفكر في غزوات وهمية لمساحات من الفراغ ولأكوان غير مأهولة. إن جنون السياسة تحمل الوطن لأن يتعقل في غيبوبة أصحابه ويعلمنا أن ما يمارس عليه وعلينا ليس من مظاهر البناء ولا من مظاهر البقاء فالزوال والنهاية لكل من بدأ بداية ينطوي على مكر الذئاب وتحمل في أحشائها جرثومة الفتك بلا اتقاء لروح الوجود والحياة ، فالقتل والخنق والإعدام مصطلحات لها رواج في قاموس جنون السياسة بل تفعل كلما كانت الرؤوس قد أينعت لقطافها فلا ماكيافيل ولا جون هوبز ضروري أن يحضرا مأدبة نصح ماسك العصا لقصم ظهر البعير زمن جنون السياسة . فلتتركوا ياساسة سياستكم تمارس علينا جنونها بكل رصانة وحصافة العقل ربما غدا تصحون وتصبحون على وطن عاقل فتلقى كل سياستكم المجنونة في مزبلة التاريخ ، إذاك ستودون التخلص منها بكل وسائل الإثبات المتوفرة ولكن محكمة التاريخ لا استيناف فيها درجات قضائها .