قال محمد المرواني، المنسق العام ل "حزب الأمة"، إن المخزن لا يزال يتصرف كما لو كان الشعب المغربي لم يخرج أبدا للاحتجاج والتعبير عن الغضب عن الطريقة التي يتم بها تدبير الشأن العام. مشيرا إلى أنه يرفض تنفيذ الالتزامات التي جاء به دستوره الجديد – القديم، حسب تعبيره. من جهة أخرى قال المرواني في حوار خص به مواقع "لكم. كوم" بنسختيه العربية والفرنسية بالإضافة إلى موقع "دومان أونلاين"، إن "جميع المؤشرات ترجح احتمال قيام موجة ثانية من الانتفاضة"، في المغرب. مضيفا بأن "الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي أعلنها المخزن والنخب الدائرة به لم تتحقق"، و"استمرار في انتهاك الحقوق والحريات"، واحتضار الميدان السياسي.. كلها معطيات تدفعه للاقتناع بأن عناصر الموجة الثانية للانتفاضة أصبحت حاضرة في المغرب. وفيما يلي نص الحوار من انجاز: صلاح الأيوبي وأحمد ابن الصديق القيتم كلمة مؤثرة جدا خلال تأبين الشيخ عبد السلام ياسين. كانت مناسبة لمن لا يعرفكم ليكتشف قدرتكم الخطابية، خاصة حينما هجمتم بقوة على أصحاب التطبيع مع الفساد ومع الاستبداد. هل يمكنكم رسم صورة ملخصة عن شخصكم؟ محمد المرواني مواطن مغربي، متزوج وآب لثلاثة أطفال. حاصل على الإجازة في الاقتصاد – شعبة الاقتصاد القياسي –ودبلوم الدراسات المعمقة في التسيير D.E.S. de Gestion ، باحث في قضايا الفكر السياسي الإسلامي، مشتغل حاليا على إعداد أطروحة الدكتوراه عن "نظرية شرعية السلطة السياسة في الإسلام". متصرف رئيسي و مسؤول عن الدراسات في شركة " اتصالات المغرب " ومدرس سابق في المعهد الوطني للبريد و والاتصالات السلكية واللاسلكية- سلك التسيير. مؤسس ورئيس جمعية " الحركة من أجل الأمة " من عام 1998 إلى 2011، المنسق الوطني الحالي لحزب الأمة. مناضل نقابي ومسؤول نقابي سابق، مؤسس وعضو في العديد من الجمعيات والتنسيقيات المدنية تهتم بالدفاع عن حقوق الإنسان ( نقاش، احتجاج و تضامن مع السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي). معتقل سياسي سابق (محكوم بعقوبة 25 سنة سجنا تم تخفيضها من طرف محكمة الاستئناف إلى 10 سنوات)، بعد أن أمضى مدة ثلاث سنوات وشهرين في السجن من 18 فبراير 2008 إلى 14 أبريل 2011 حيث أطلق سراحه في سياق حركة 20 فبراير. نشر مقالات و مساهمات حول مواضيع مختلفة (الدستور والديمقراطية، والتعليم، والاقتصاد..... إلخ) بما في ذلك كتابا عن السلطة السياسية في الفكر السياسي الإسلامي التاريخي والمعاصر (نشر على حلقات) ما كانت علاقتكم مع المرحوم الشيخ ياسين ومع جماعة العدل والإحسان؟ إن الشيخ ياسين، رحمه الله برحمته الواسعة، أحد القادة القلائل في هذا البلد الذين أظهروا شجاعة لا مثيل لها ومقاومة مستمرة للاستبداد والفساد. إن رسائله الشهيرة تبين حجم هذا الرجل. على الرغم من السجن والإقامة الإجبارية في المنزل و المكوث في مستشفى الأمراض العقلية، فإن صلابته لم تتزعزع. من ناحية أخرى، كان هذا الرجل حاملا لمشروع مجتمعي و له صفات الزعيم مع القدرة لتطوير تنظيم من حجم العدل و الإحسان. أما العلاقات التي نسجناها معه ومع جماعته فإنها بنيت على الاحترام المتبادل والتعاون والتضامن. لقد حوكمتم بالسجن لمدة 25 عاماً قبل أن يصدر عنكم العفو الملكي؟ كيف كانت ظروف إلقاء القبض ثم الإدانة؟ اعتبارا من عام 2006، بدأ المخزن وفريق عمله في تنفيذ خطة سياسية بهاجس أمني لإعادة هيكلة وضبط الساحة السياسية المغربية، معتمدا الخطوط الرئيسية التالية : - التفكيك القسري أو الطوعي للأحزاب الإدارية لدمجها في إطار سياسي جديد يلائم أهواء المخزن، - قمع وسائل الإعلام المستقلة، - إضعاف القوة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية (علما أنه على مستوى الخريطة السياسية لا يمثل هذا الحزب أدنى تهديد للنظام السياسي المخزني)، - استمرار عملية التضييق الأمني ضد جماعة العدل والإحسان لاحتوائها كما ذكر ذلك الكاتب الفرنسي بيير فيرميرين في كتابه "الانتقال الذي لم ينته". لكن تطورت الأحداث بعد ذلك ضد رغبة معسكر الطغيان، مع ظهور حركة 20 فبراير التي عجلت بسقوط ذلك المخطط برمته. في هذا السياق السياسي كان اعتقالنا وإدانتنا. إن السلطة التي دأبت على الموافقة بسرعة على الأحزاب السياسية التي اختارت أن تكون في خدمتها وتحت رحمتها، لا ترغب في الترخيص لحزب سياسي له استقلالية الذاتية ولا ينصاع للطبيعة الاستبدادية للسلطة ولا يمكن ترويضه، ولذلك لجأت إلى المتابعة القضائية لإيقاف زحفه. لقد كانت الأحكام ذات رداءة غير مسبوقة وغابت عنها ضمانات وشروط المحاكمة العادلة التي بما في ذلك المبدأ الكوني القاضي بافتراض البراءة حتى تثبت التهمة، وهو المبدأ الذي انتهكه وزير الداخلية السابق شكيب بن موسى. كيف يمكن أن تكونوا محكوما عليكم بهذه المدة السجنية ثم تحصلوا بعد ذلك على العفو بهذه البساطة؟ أليس هذا دليلا على أن المخزن لا زال يستعمل نفس أساليب التلاعب والردع؟ أليس هذا هو الإقرار ببراءتكم وبراءة معتقلين آخرين؟ طبعًا. لقد ارتأى في المخزن وأعوانه استيفاء أن الشروط السياسية كانت ملائمة لإرساء أسس الهيمنة السياسية الصارمة. وللتذكير فإن الأنظمة الاستبدادية مهووسة بالرؤية على المدى القصير جداً فقط، وتغيب عنها الرؤية على المدى الطويل (وهذا ما وصفه عالم الاقتصاد المعروف كيينز بقوله: على المدى الطويل سنكون جميعا في عداد الأموات). لقد كانوا يسعون لعزل وإجهاض كل مبادرة تناهض الاستبداد والفساد، ولكن والحمد لله فقد اصطدمت هذه الخطة بالمقاومة والضغط من طرف حركة 20 فبراير مما نتج عنه الإفراج عنا. والواقع أن السلطة كانت تروم إبعادنا عن التلاحم والتعاطف من طرف الرأي العام ولم تدخر جهدا لتلطيخ صورتنا وانتهاك حقوقنا ولكن فشل استراتجيتها وأخذت الأحداث منعرجا آخر. هذا المنعرج يبرز اضطراب المخزن وتقلباته حيث ينتهج المقاربات الأمنية بدل أن يتوفر على استراتيجية حقيقية للتنمية. باختصار إن إطلاق سراحنا كان أمرا واقعا فرضه تحرك الشعب المغربي الذي أفرز حركة 20 فبراير 2011. من ناحية أخرى وفي مقابل هذا التنازل الاضطراري فإن المخزن يحتفظ ببقية السجناء السياسيين محاولا إرغامنا على تغيير مواقفنا السياسية ولكنه لن يفلح أبدا. إن كفاحنا السلمي لن يتوقف طالما لم يتم تأسيس دولة الحق والقانون والمؤسسات، وما دام المغاربة، وهم يستحقون ذلك، لا يتمتعون بحياة كريمة، حيث يتم توزيع الثروات والموارد توزيعاً عادلاً. رفضت محكمة الاستئناف الإدارية السماح بتأسيس حزب الأمة. ربما هي إشارة إلى أن السلطة لا زالت تتوجس منكم رغم صدور العفو. هل أعطت تبريرا لهذا الرفض؟ لسوء الحظ، فالسلطة القضائية ليست مستقلة ولا زالت تعاني من مشاكل هيكلية عميقة. لاحظوا مثلا كيف انتفض خلال المحاكمة المفوض الملكي للدفاع عن الحق والقانون، وهو طرف محايد، وأيد بصراحة وجاهة القرار القاضي بالسماح لحزب الأمة بالتأسيس، لكن مع الأسف فإن قضاة المحكمة الإدارية حكموا بالعكس. لقد سمحت لنا قراءة منطوق الحكم بالوقوف على فضيحة كبيرة: لقد اعتمد القضاة ليعللوا رفضهم لشهادات التسجيل في اللوائح الانتخابية فزعموا أنها متجاوزة مستندين على قرار وزاري وذلك في انتهاك صارخ للقانون ولقرار التطبيق، والاستناد على هذا المنطق يترتب عنه رفض جميع الشهادات المقدمة من طرف المرشحين للبرلمان بمناسبة انتخابات 25 نوفمبر 2011، وعليه يصبح البرلمان كله لاغيا. إن قرار عدم السماح لحزب الأمة بالتأسيس قرار سياسي لا يمكن فصله عن السياق العام لقمع المظاهرات وانتهاك حرية التعبير وحرية الصحافة، فضلا عن استمرار اعتقال نشطاء 20 فبراير ووجود سجناء سياسيين في السجون المغربية في ظروف مزرية، وضد كل مبادئ حقوق الإنسان. يبدو أن عددا من نشطاء 20 فبراير مقتنعون بأن اتفاقا غير معلن تم إبرامه بين حزب العدالة والتنمية و جماعة العدل والإحسان والحركات الإسلامية الأخرى، لإعطاء بنكيران وحكومته فرصة لتجربة برنامجه السياسي، بل هناك من يظن وجود اتفاق تحت رعاية أو بتحريض من المخزن، فيما يشبه الخيانة. ما رأيكم؟ لا أستطيع الإجابة في مكانهم ويمكنك أن تسألهم مباشرة. ومع ذلك، فيما يتعلق بحزب الأمة فإن مواقفنا السياسية تبقى نفسها طالما لم يتغير السياق الحالي. سوف نظل مخلصين لخياراتنا السياسة جنبا إلى جنب مع المظلومين ومع الحراك الشعبي ضد الاستبداد والطغيان والفساد. أما جماعة العدل والإحسان التي نشترك معها في مساحة معينة من وجهة النظر السياسية، فإن انسحابها من 20 فبراير موقف سياسي مستقل يجب احترامه، ولكنهم لم يغادروا الساحة تمام زالوا متشبثين بخطهم السياسي. وبالإضافة إلى ذلك، الجماعة لم يكن لها أبدا روابط الود مع السلطة. في تونس ومصر يبدو أن رغبة الإسلاميين الأولى في أعقاب الثورة، هي التحامل على التيارات العلمانية والهيمنة على الدستور مع التلويح بالشريعة الإسلامية كتهديد، دون الإتيان بأي حل ديمقراطي. ما هو مفهوم الديمقراطية في ذهنكم؟ أولاً وقبل كل شيء، لا بد من التريث. إن ما يحدث في تونس ومصر لا علاقة له باعتماد أو عدم اعتماد الديمقراطية. مصر وتونس تشهدان فترة الانتقال إلى الديمقراطية (كمن يجتاز "منطقة اضطراب" جوي)، وفي هذا السياق هناك نوعان من الأحداث: هناك أحداث عادية مرتبطة بالنقاش السياسي داخل المجتمع المدني، وهو نقاش بين مشاريع سياسية ذات مرجعيات مختلفة : قومية، ليبرالية، يسارية وإسلامية. هذه الاختلافات تعكس مناخا صحيا مادامت الكلمة الأخيرة ترجع للشعب من خلال انتخابات شفافة وفي إطار من الحرية. وفي الواقع، هذا هو السبيل العادي الذي سلكته جميع الديمقراطيات في العالم. ثم هناك الأحداث المرتبطة بالاضطرابات الناجمة عن مرتزقة النظام السابق والتي تسعى لزعزعة العملية الديمقراطية. في جميع التجارب المتعلقة بالانتقال السلمي إلى الديمقراطية هناك توترات التي يتم تجاوزها عندما يتم وضع إطار سياسي ودستوري متوافق عليه. هنا أغتنم الفرصة لشرح مفهومنا للديمقراطية. الديمقراطية هي الطريقة الأكثر تقدما والأحسن التي وصلت إليها البشرية لأجل تنظيم التجمع البشري وتدبير القرارات الاستراتيجية. والدولة في الفكر الإسلامي هي دولة مدنية يمكنها أن تتخذ أي شكل ممكن بعد التوافق من طرف مكونات المجتمع، وليست ثابتة ولا جامدة. أما مشروعنا السياسي فينبني على شقين: أولا الشعب هو مصدر السلطة، ثم سيادة القانون. وهنا يجب التمييز بين مصدر السلطة ومصدر القانون، والشريعة يمكنها أن تكون أحد مصادر القانون وقد تكون المصدر الرئيسي للقانون، وهو حال مصر على سبيل المثال، ولا يعترض أحد على كون الشريعة أحد مصادر القانون حتى من بين المسيحيين الأقباط. الخلاصة أن إرادة الشعب هي التي تحسم الأمور وهذا هو جوهر الديمقراطية: احترام إرادة الأغلبية دون تجاهل حقوق الأقليات و حقوق المعارضة. لقد أرسلتم عدة رسائل سياسية إلى السلطة المغربية وإلى حزب العدالة والتنمية... ما هي في نظركم حصيلة سنة واحدة بعد وصول هذه الحكومة؟ أعتبر أن الحكومة هي نتاج للسياق السياسي والدستوري ولا يمكنها أن تتصرف خارج الاختصاصات والإمكانات السياسية والدستورية. ولهذا السبب لم نشهد تغييرات أساسية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالمغرب، والتي يمكنها أن تؤدي بنا إلى تغيير موقفنا السياسي. مثال بسيط: النظام السياسي لا زال يعرقل حقنا في التعبير والتنظيم. وفي الواقع يجب أن تجتمع ثلاثة شروط لكي تبرهن على وكفاءة الأداء الحكومي: أولها الدعم الشعبي الواسع، ثم المناخ السياسي السليم والمفتوح وأخيرا الإطار الدستوري الديمقراطي. من حيث التأييد الشعبي، استطلاعات الرأي لا تتجاوز 27%. المناخ السياسي يطبعه وجود سجناء سياسيين، وقمع الحق في التعبير والتنظيم (حالة حزب الأمة، تعنيف الصحفيين، تعنيف المظاهرات والاحتجاجات السلمية...). الإطار الدستوري يتسم بهيمنة المؤسسة الملكية التي تتحكم حتى في تنفيذ برنامج الحكومة. ساهمت هذه الوضعية في تراجع رتبة المغرب على عدد من المؤشرات: مؤشر للديمقراطية: المغرب تأخر من الصف 116 في 2010 إلى الصف 119 سنة 2011 حيث يقبع المغرب في لائحة الدول الشمولية، بينما تونس انتقلت من الصف 144 إلى 94 في نفس الفترة حيث غادرت لائحة الدول الشمولية إلى لائحة الدول ذات نظام هجين أي في طور بناء الديمقراطية) مؤشر الفساد: المغرب انتقل من الصف 80 سنة 2011 إلى الصف 88 عام 2012 وفقا لتقرير الشفافية الدولي. مؤشر حرية الصحافة سجل تراجعا من رتبة 135 عام 2010 إلى 138 في عام 2011 وفقا للتقرير الشهير للحريات لعام 2012 الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود. الدستور الجديد - القديم، لا يترك لأي تنظيم سياسي له استقلاليته ومناعته، الفرصة لممارسة السلطة وتطبيق برنامجه لأن الحكومة ما هي إلا من خدام السلطة. في النظام الملكي التنفيذي الانتخاب لا تصلح إلا لانتخاب خدام الأعتاب السلطوية وبالتالي تفقد معناها و جدواها. من هذه المنطلق لقد نجحت الحكومة الحالية، كما أراد لها لمخزن، في تلميع وجهه ليعود هذا الأخير إلى إعادة إنتاج سنوات رصاص جديدة مع شيء من المساحيق. الحياة السياسية تحتضر ومعسكر الطغاة استعاد المبادرة السياسية والتحكم في الشأن العام. لقد تناولت وثائق ويكيليكس وكذلك كتاب "الملك المفترس" ممارسة الملك ومحيطه المقرب لاستغلال النفوذ والسلطة لأجل الربح، وتورطهم في قضايا فساد وفي فضائح الافتراس الاقتصادي، ومع ذلك لم يقدِم القصر أبدا على نفي هذه المعلومات الصادرة عن هذين المصدرين. لماذا في رأيك؟ المؤسسة الملكية لها متحدث باسمها وهو الجهة المسؤولة عن الرد على هذه الاتهامات. ومع ذلك، فإن هذا الصمت يمكن فهمه كأنه إقرار ضمني، لأن "السكوت علامة الرضا" كما يقول المثل. كيف تنظرون للحالة السياسية في المغرب ومستقبلها؟ المخزن لا يزال يتصرف كما لو كان الشعب المغربي لم يخرج أبدا للاحتجاج والتعبير عن الغضب عن الطريقة التي يتم بها تدبير الشأن العام. إنه يرفض تنفيذ الالتزامات حول التحول الديمقراطي، وجميع المؤشرات ترجح احتمال قيام موجة ثانية من الانتفاضة. ذلك، أن الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي أعلنها المخزن والنخب الدائرة به لم تتحقق، هناك استمرار في انتهاك الحقوق والحريات، والميدان السياسي يحتضر. هذه المعطيات تدفعني للاقتناع بأن عناصر الموجة الثانية أصبحت حاضرة.