بدأت إسبانيا تحصي خسائرها جراء تدفق المهاجرين نحو جزر الكناري الذين بلغ عددهم أزيد من 15 ألف مهاجر في أقل من شهرين، وترى في انشغالات الرباط مع قضية الصحراء المغربية وأزمة وباء كورونا أحد العوامل الرئيسية التي تركت الرباط تغض الطرف عن ثغرات الهجرة السرية انطلاقا من سواحل جنوب المغرب ووسطه، بينما تخيم "تصريحات" رسمية من نواب عن حزب "بوديموس" الإسباني حول قضية الصحراء المغربية على التعاون الثنائي بين البلدين. وذكرت الصحيفة الليبرالية الإسبانية Vozpópuli، أنَّ حكومة بيدرو سانشيز مترددة قليلا تجاه القصر الملكي في الرباط، مشيرة إلى أنَّ العادة، جرت، في هكذا أزمات، أن يلجأ الرؤساء الإسبان مباشرة للملك محمد السادس للاتصال به ودعوته إلى تقديم الحلول ومعالجة الأزمة، وأشار المصدر في هذا الصدد، إلى أن الحكومات التي قادها خوان كارلوس الأول وفليب السادس، كانت على وفاق مع كلا من الملك الحسن الثاني، والملك محمد السادس. ووفقًا للصحيفة نقلا عن مصادرحكومية في إسبانيا، فإنه حتى الأن، لم يطلب زعيم الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز من الملك محمد السادس التدخل حتى اللحظة، ومع ذلك، أرسل أمس الجمعة وزير داخليته للرباط الذي التقى بدوره وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت، وفي مقابل ذلك، إزاء الأزمة التي لم تشهدها مدريد من قبل، يستعين بديرو سانشيز بوزير الخارجية والداخلية. وأفاد المصدر ذاته، أنه نتيجة للأزمة الغير المسبوقة، بدأ زعيم الحكومة الإسبانية عن الحزب الاشتراكي العمالي يُخطط للسفر للمغرب منتصف ديسمبر لعقد أول قمة ثنائية منذ تشكيل الحكومة الائتلافية بين الحزب الاشتراكي العمالي وبوديموس قبل عام، وفقًا لما أعلنته صحيفة الإندبندنتي أمس الجمعة، وذكر التقرير أنها ستكون لحظة حساسة لأنه لا يمكن استبعاد وجود وزير من حزب "بوديموس" في الوفد الإسباني، على الرغم من أنه من الطبيعي أن يرافق سانشيز وزراء اشتراكيون فقط. الهجرة أم الصحراء؟ وإلى حدود 16 نوفمبر الماضي، وصل تحديدًا 16800 مهاجر سري إلى جزر الكناري، خصوصا في جزر فويرتيفنتورا وغران كناريا وتينيريفي، إلا أنَّ معظمها كان في الأسبوعين الماضيين، وترى جهات في إسبانيا أن التدفق يعود بالأساس إلى الرباط، التي تركت ثغرات، وغضت الطرف عن خروج القوارب، بهدف التخفيف من المشاكل الداخلية الناجمة عن فيروس كورونا، وانشغالها بملف الصحراء نتيجة خرق جبهة البوليساريو لإتفاق وقف إطلاق النار. وفي عز أزمة مدريد مع الهجرة، دعا النائب الثاني لرئيس الحكومة الاسبانية، "بابلو اغليسياس"، إلى تنظيم استفتاء تقرير المصير في الصحراء المغربية, غداة تحرير القوات المسلحة الملكية المغربية لمعبر الكركرات وإنفاذ القانون لعودة حركة السير ونقل البضائع، وتعتبر قضية الصحراء هي إحدى نقاط السياسة الخارجية التي يختلف فيها الحزب عن حزب العمال الاشتراكي. الوضع ليسَ كمَا كان العلاقة بين الملكين فيليبي السادس ومحمد السادس ليست هي نفسها علاقة والديهما خوان كارلوس الأول والحسن الثاني، الذين أطلقا على بعضهم بعضًا اسم "الإخوة" حيث سارت العلاقات الثنائية بسلاسة مع كلاهما، ومع وصول الملك محمد السادس إلى العرش عام 1999، تغير الوضع، كما تروي الصحيفة الإسبانية في هذا الصدد. ولم يقم ملك المغرب محمد السادس بزيارة رسمية لإسبانيا في السنوات الأخيرة، وكانت آخر زيارة له لمدريد في عام 2004 بعد هجمات 11 سبتمبر، بينما يقضي إجازته المتكررة وإجراء فحوصاته طبية في فرنسا، وعندما تظهر مشكلة خطيرة، كان رد فعل الملك محمد السادس أحيانًا هو عدم الرد على المكالمات الهاتفية من الجانب الإسباني، وفي عام 2010 كشف القصر الملكي الإسباني أن الملك خوان كارلوس اتصل بالعاهل المغربي الملك محمد السادس لإزالة التوتر الذي شاب العلاقات بين البلدين على خلفية اتهامات مغربية لمدريد ب "إساءة معاملة مهاجرين مغاربة وأفارقة" في مليلية. علاقة فيسفسائية كانت العلاقة بين فيليبي السادس ومحمد السادس تنعم بروح شخصيتان شبه معاصرتين، المسافة بين الاثنين هي أربع سنوات، ولكن مع القليل من النقاش، أعطى الملك محمد السادس ساعة دفع ثمنها من جيبه عندما زاره للمرة الأولى في عام 2014 بصفته ملكًا، ولكن الصحافة الإسبانية وصفت ذلك بهدية لإدابة الجليد بين البلدين. وأهم حدث سيعرفه البلدين، كان في عام 2014، بين الملك محمد السادس وفيلبي السادس، إزاء حادثة اعتراض طريق للملك محمد السادس من لدن عناصر في الحرس المدني الإسباني، وهو على متنٍ زورقٍ سريع، في مياه مدينة سبتةالمحتلة، بعدها سيتصل الملك محمد السادس مباشرة بفليبي السادس ليخبره بالواقعة ويبلغ احتجاجه له. وأفاد الصحافي الإسباني المتخصص في الشؤون المغاربية، إغناسيو سمبريرو، في كتاب جديد بعنوان «مخبر الظل»، وهو عبارة عن مذكرات عميل استخباراتي إسباني أنه بعد الحادثة و«التشنج الدبلوماسي» بين البلدين، والاعتذار الإسباني إلى المغرب، أصر المغاربة على أنهم أبلغوا السلطات الإسبانية بأن القارب الحقيقي للملك سيذهب إلى طنجة بعد جولة في المنطقة، فيما يؤكد «المخبر الإسباني» للصحافي سمبريرو قائلا: «بحثنا ولم نعثر على أيّ اتصال مغربي»، وذكر المؤلف أن السلطات الإسبانية نقّلت قائد الحرس المدني في سبتة، الكولونيل أندريس لوبيز غارسيا، إلى إشبيلية عقابا له بعد حادثة اعتراض الملك. وقبل ذلك بأربع سنوات أدى اعتصام "ناشطة صحراوية" بجزر الكناري الإسبانية في عرض المحيط الأطلسي قبالة السواحل المغربية،احتجاجا على منعها من العودة إلى المناطق الصحراوية إلى تأزيم العلاقات بين الرباطومدريد.فلم تستسغ الرباط أن تحظى قضية تلك الناشطة بمساندة الإعلام وجزء كبير من المجتمع الأهلي الإسباني. وعندما أرادت الرباط أن ترد الصاع إلى الإسبان اختارت منشقا عن جبهة البوليساريو التي تطالب بإستقلال الصحراء الغربية عن المغرب، ليمثل مصالحها في مدريد كسفير مغربي معتمد لدى الحكومة الإسبانية. وهو ما أدى إلى تأخر الرد الإسباني على قبول السفير الجديد، وعندما جاء الرد متأخرا، رأت الرباط أن أحسن رد على "المؤاخذات"الإسبانية على السفير المغربي الجديد بإسبانيا هو تأخير إرساله إلى مقر عمله، مما أدى إلى أن يظل منصب السفير المغربي بمدريد شاغرا لوقت طويل. أنداك نشر موقع "دوتشي فيله" الألماني، تحليلا إخباريا يقول فيه، باختصار، وبعد توالي أزمات مدريدوالرباط، إن الأمر سيظل كما هو عليه لأن مصادر الخلاف المغربي الإسباني متعددة ومتداخلة، يتقاطع فيها ما هو تاريخي بما هو استراتيجي وتتعارض داخلها المصالح الإقتصادية في نفس الوقت الذي تلتقي عندها التحديات الأمنية.أي أن كل ما يمكن أن يشكل أسباب الأزمة اليوم يمكن أن يتحول غدا إلى سبيل للتعاون والتفاهم الذي يحتمه التاريخ المشترك ويفرضه القرب الجغرافي وتمليه المصالح المتداخلة."