حبيبتي؛ أي لقاء هذا حبيبتي،غير كل اللقاءات التي عهدتها؟بين الحلم والحلم،تكمن الحياة حقا في بعدها المحض؛غير القابل للمساومة أو التنازل.هنا اكتشفت بالذات؛وتحديدا،طبيعة احتمالات الاتصال أو الانفصال، التماهي أو التنافر،التلاؤم أو التباين، بين الواقع والخيال. أحاول مع لقائنا هذا،المتفرد؛غير المكترث بما قبله،الهائم حد الجنون،تبعا لآثار ومضات مابعده،الذي يشكل بالنسبة إلي،نقلة عمودية غير رتيبة،تأخذ وجهتها بعيدة جدا جدا،صوب كنه الوجود؛نحو ماوراء مايجريحيث بذخ عوالم الإنسان بما هو إنسان،وحيث يلزمه أن يكون إنسانا؛وليس مجرد تسمية وصفات ونعوت و مواضعات،ألصقت على جبينه اعتباطا، كيفما حدث. نعم أريد ذلك،ومضة لها ذاكرة وعقل وقلب؛وليس تمضية،شذرات للجسد والروح، ليس على غرار الأنماط الجاثمة،بريق حاد،يخترق كي يجتث القابع فينا؛الصدئ دواخلنا. يدوي بين طيات الساكن؛المنحدر من سياقات عهود، لاأقول عنها غابرة،مادامت نفوس من قبيلتنا لاتعرف للظلام أثرا،بل تسكننا الحياة كناية عنا ونكاية بنا،لأننا نحب الحياة التي نريدها لنا،بكل شموخ وزخم وبساطة،تأبى على نفسها أن لاتكون عميقة بشكل هائل. حبيبتي؛ تعلمين جيدا،مثلما أخبرتكِ ذات ليلة من ليالينا غير المألوفة،دون أن تبدي اهتماما بما يكفي،أني أحببتكِ قبل أن ألتقيكِ يقينا أمام وجهي.غير مامرة،حلمت بكِ على امتداد تدلّل جموح رغباتي.نعم،مثلما أنت كما أنت في الواقع.هكذا يتماهى الواقع بالحلم،ويصبح الأول حلما قد تقرر سلفا،بينما الثاني،هو واقع في طور التشكل وتُستحضر خطاه حتما. إنها رؤيتي للوجود.الوجود حلم لانهائي.أنتِ حلمي اللانهائي،فلم أتصور لأحلامي قواما ملموسا،دون جدوى حضوركِ.أخيرا،وجدت معك معنى للإرساء. لقد أخبرتكِ،غير مامرة بحقيقة اكتشافي بعد هذا العمر؛أني لم أكن شغوفا بأي شيء.ياللحسرة !لقد توسدت الفراغ،وأنا غير مدرك. هكذا، استيقظت كل يوم باكرا ثم لاأعود للسرير؛سوى في ساعة متأخرة،دؤوبا على تكرار محاولات كي أعثر على مايجعلني متمسكا وربما متماسكا. تلك الليلة غادرتُ منزلكِ،نهضتُ بلا تردد على وجه العجلة؛كأن صحنا وقع فوق جمجمتي،بخلاف عادتي وما دأبنا عليه في المعتاد طيلة جلساتنا السابقة،حينما رميتِ في وجهي تلك الإشارة الصفعة؛المماثل وقعها لكمة من الوزن الثقيل.قلتِ : كيف تأتى لك أن تعشقني؟لماذا أنا تحديدا وليس امرأة أخرى؟ لم أكن حقا على استعداد لتقبل سؤالك.ربما لو هيأه مسار سياق حديثنا،على وقع الرنين الشاعري للنخب،وجنائزية الصوت الأوبرالي للفنانة الخارقة؛ذات التمكن فوق العادي ،لم أكن لأبالي،أو حولته قصدا وبكامل وعيي؛إلى مجرد مزحة ثقيلة سرعان ماتلاشت بين طيات الكلام.حقيقة،غاية اللحظة،لم أستوعب على وجه اليقين،حيثيات التساؤل؛وكذا محدداته المقامية والدلالية. حينئذ،تواترت بسرعة إلى ذهني متواليات عدة،مقومها الجوهري،لماذا ورد إلى ذهنك استفسار من هذا القبيل؟والذي إن دل على شيء؛فإنما يدل بشكل من الأشكال حسب حدسي الشفاف،بأنه يساورك شك معين !أو بصراحة،ترفضين حبي؛بطريقة مؤدبة. لاأستطيع بدقة تحديد مقدار ترددك،إن توخيت استحضار لغة الكم؛لكنه يبقى ارتيابا على أية حال؟ حبيبتي؛ تعلمين، أن العشق يتحدى بامتياز مختلف الهويات،إنه الذات والآخر، الموت والحياة، العقل و الجنون، اللغة والصمت، التقوقع والامتداد، النهائي واللانهائي،التآلف والتعدد...لذلك، شعرت بالعجز ولازلت غاية الآن،عن تقديم جواب؛يضمر تفسيرا معينا.صمتتُ وغادرتُ.انشغل عقلي على وقع ألف مؤاخذة، بينما حافظ فؤادي على صمته. لقد أدركتُ لحظتها بأن قلبك تأكله نار فوق نار هادئة،لأني غادرتُ دون البث في ترياق جواب ما،وإن جاء على الهواء كيفما اتفق.المهم يفصح؛ولايترك كلامك معلقا. قيل ويقال،بأن الرجل يعشق بعقله أو فقط تخلصا من ضغط البيولوجية.حقيقة لاأدري،وحتى إن تبينت ملمحا واحدا بهذا الخصوص،فلن أعلن عنه لغويا،لأن في ذلك إقرار جازم،بكيفية ما. مثلما يتداول باستمرار،على سبيل النمط،أن المرأة تعشق كلية بكيانها في تفاصيله الكبرى والصغرى،وتكون حينها محلقة نحو الأعالي؛على أجنحة ريح أخف من هسيس الهواء. على أية حال،تبقى مجرد ادعاءات ثقافة النمط،وكل مدائن العشق المنهارة،انتهت إلى ذات المصير؛لأنها ربطت حياة العشق بلا حياة النمط.والأمر كذلك،بالنسبة إلينا أو على الأقل أتكلم على نفسي،أحببتكِ دون وثيقة متفق عليها،بغير انتماء،أبعد من أي تأويل،بلا مقدمات ولا حدوس ولا أسانيد ولا مسوغات ولاتعقل للذاكرة ولاذاكرة للعقل،حيث أنا أفق ممتد في اللانهائي.عشقكِ،جعل مني قصيدة وقِّعت على بياض؛يتغنى بها الدهر على امتداد أبعاده المنتهية،عند بعد؛معنى الإنسان. ماالذي يفسد أكثر حيوات العشق؟السؤال أم الامتثال؟التماثل أم التباين؟وحدة الائتلاف أم تعدد الوحدة؟الحب في رأيي،كل ذاك وتفاصيل عدة؛يطويها الممكن. إنه حياة السؤال،كي يحافظ الوجود على ماهيته الحقة؛باعتباره سؤالا للحياة.