نشب صراع قوي في الأيام الأخيرة بين الحكومة المغربية التي يترأسها حزب العدالة والتنمية الإسلامي ولوبي رجال الأعمال في المغرب الذي يتحرك في إطار نقابة تسمى "الاتحاد العام لمقاولات المغرب". وكانت الشرارة الأولى التي أدت إلى اندلاع هذه الحرب هي انتقاد لوبي الأعمال لمشروع موازنة 2013، الذي صادق عليه أخيرا مجلس النواب (الغرفة الأولى)، وينتظر أن يوافق عليه مجلس المستشارين (الغرفة الثانية) بالبرلمان في الأيام القليلة المقبلة. هذا القانون رأت فيه نقابة رجال الأعمال -التي أسسها الفرنسيون إبان الحماية الفرنسية سنة 1947 وأصبحت مغربية منذ سنة 1969- أنه أحدث ضرائب جديدة تؤثر سلبا على عوامل الإنتاج، وأنه لا يبعث على تحسين القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. الحكومة نزعت مؤقتا فتيل الحرب باستجابتها لبعض التعديلات التي فرضها رجال الأعمال على موازنة 2013 مثل تخفيض نسبة مساهمات الشركات في صندوق التضامن (صندوق لدعم الفقراء)، ورفع سقف الأجور التي ستساهم في هذا الصندوق إلى ثلاثين ألف درهم (3750 دولارا) بدل 25 ألف درهم (3125 دولارا). غير أن المتتبعين لاحظوا أن هذه أول مرة تعلن فيها نقابة الميسورين معارضتها العلنية للحكومة، عكس مساندتها طيلة العقود الماضية للحكومات السابقة بما فيها حكومة التناوب التي ترأسها حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 1998. خلفيات الصراع هذا التوجه الجديد جعل البعض يتهم النقابة بأنها تمارس ضغوطا سلبية على صانعي القرار، وأن جهة ما تحركها من أجل أداء أدوار سياسية للتأثير على الحكومة التي يتزعمها الإسلاميون. المختص في الاقتصاد حسن الزواوي في حديثه للجزيرة نت يرجع هذا التصعيد المفاجئ لرجال الأعمال إلى كون الإجراءات التي جاءت بها الحكومة لمحاربة الريع الاقتصادي ربما هددت مصالح هذه الفئة، ودفعتهم إلى الدفاع عن أنفسهم. وأضاف أن هناك اختلافا في وجهات النظر بشأن مسألة الإصلاح الاقتصادي بالمغرب. فالحكومة الجديدة تبحث عن ديناميكية اقتصادية منسجمة مع توجهاتها تنطلق من التركيز على الطلب ودعم الفقراء، ورجال الأعمال من جهتهم يدافعون عن دعم العرض، أي تحسين أداء المقاولات وتراكم الثروة. ومما يدعم هذا الطرح طبيعة الاقتراحات التي تقدمت بها نقابة رجال الأعمال لتعديل موازنة 2013 والتي استهدفت في عمقها الاعتراض على الضرائب التي تمس الطبقة الوسطى، أو تلك التي فرضت على بعض الشركات ذات الأرباح المحددة. وبالرغم من أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب خفف من قائمة مطالبه، والحكومة استجابت من جهتها لبعض تلك المطالب من أجل نزع فتيل حرب تهدد استقرار المغرب، فإن هذه المواجهة أثارت مسألة تسييس النقابة واستقلاليتها. هذه التهمة ينفيها بقوة رجل الأعمال وعضو الاتحاد العام لمقاولات المغرب بوشعيب الرامي في حديث للجزيرة نت، عندما أكد أن نقابته لا تمارس السياسة ولا تحركها أي جهة كانت، وأن مثل هذه الاتهامات مجرد "ادعاءات مغرضة". وأضاف الرامي الذي يشغل منصب رئيس نادي المستثمرين المغاربة بالخارج -الذي يضم حوالي ثلاثة آلاف مستثمر- أن رجال الأعمال يسيرون وفق إستراتيجية النقابة التي تترأسها حاليا مريم بنصالح شقرون، التي تدير مقاولات ذات رساميل هامة بالمغرب. وهذه الإستراتيجية انبثقت عن الانتخابات الأخيرة التي أجراها رجال الأعمال في يوليو/تموز الماضي لاختيار قيادة جديدة تعهدت بجعل النقابة فاعلا حقيقيا في بلورة سياسات التنمية الاقتصادية للبلاد، وليس حزبا للممارسة السياسية. مباشرة بعد هذه الانتخابات، بادر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران -مثل سابقيه- إلى عقد لقاء موسع مع القيادة الجديدة لرجال الأعمال، حضره كثير من الوزراء وأرباب المال، من أجل كسب دعم هذه الفئة المؤثرة في صنع القرار بالمغرب، والاتفاق بشأن آليات للحوار بين الطرفين. دعوة إلى حوار ويلح بوشعيب الرامي على جعل قنوات هذا الحوار موصولة دائما بين أرباب المقاولات ورجال الحكم، وأنه بصفته ممثلا لنادي المستثمرين بالخارج يعلن أنه لم تتم الاستجابة لحوار سبق أن طلبه من رئيس الحكومة. وأعلن أن النادي لديه مشاريع هامة تخص طرق الاستثمار في جهات مختلفة من المملكة، ويتوفر على بعض الحلول لمسألة التشغيل والتكوين وخلق المقاولات ودعم المستثمرين الشباب. ويتساءل الرامي "كيف يعقل أن نعمل على جلب الأموال من بلاد أجنبية إلى المغرب وهناك من يقوم بتهريبها إلى الخارج؟" الأمر الذي يهدد استقرار الاستثمار بالمغرب. من جهته، يرى أستاذ الاقتصاد حسن الزواوي أنه ليس من مصلحة أحد زعزعة استقرار البلاد في الوقت الراهن، وأن السبيل الأمثل للخروج من الأزمة هو اعتماد "مقاربة تشاركية تقتضي إشراك جميع الفاعلين في اتخاذ القرار". المصدر : الجزيرة