أكد عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب "الأصالة والمعاصرة"، أن البلقنة" لا تضر بالديمقراطية، بالقدر الذي يضر بها اختزال مكوناتها السياسية في طرف أو طرفين، فالقوى السياسية التي توصف بالأقلية اليوم، إن سمح لها بالحضور البرلماني فإنها ستتقوى مستقبلا، كما يحصل في تجربة كل الأحزاب التي موقعها البرلماني يسمح لها بتشكيل قوة سياسية، بل سيساهم في خلق تعبيرات صغيرة الحجم لكنها ذات حضور بشكل أو بآخر داخل المشهد السياسي. وأضاف وهبي في مقال مطول حول "القاسم الانتخابي"، أن الاكتفاء بقوة حزبين فقط أمر خطير، والأخطر منه هو أنه إذا تعثر أحدهما، فسنصبح أمام مخاطر التحول إلى ديكتاتورية حزبية تقترب من نظام الحزب الوحيد.
وأكد أن قبول الحزب بهذا القاسم "الجديد" رغم فقدانه لعدد لا يستهان به من النواب، سيكون في صالح الديمقراطية والتعددية السياسية، وسيكون الحزب ماض فعلا في خدمة الديمقراطية، وليس السعي للهيمنة الانتخابية. وأبرز وهبي أن الحزبين الأولين بما يشكلانه من حجم عددي هام من النواب، لن يتأثر موقعهما التراتبي مطلقا بفقدانهما لعدد محدود من النواب داخل المؤسسة التشريعية، بل العكس الذي قد يحصل هو تقريب الهوة بين الفرقاء السياسيين، وضمان تمثيلية واسعة للمكونات السياسية، مما سيسمح بتنوع الممارسة الديمقراطية، وتعدد مصادر القوة الاقتراحية، والقدرة النقدية عند رقابة وتقييم عمل الحكومة؛ وهذه مسألة إيجابية، ذلك أننا سنهتدي إلى تعددية سياسية وديمقراطية تسمح بحضور الأقليات السياسية، مرحليا، داخل المؤسسة التشريعية، بدل إقصائها كما حصل سابقا بسبب شرط العتبة وتغيير طريقة احتساب القاسم الانتخابي المعمول به حاليا. وتابع بالقول "أعتقد أن احتمال فقدان بعض المقاعد هي الكلفة التي تعبر عن مدى قناعتنا بالديمقراطية، وبالتعددية السياسية، التي يحملها كشعار كلا الحزبين". وأشار أن إحصائيات انتخابات 2016 تؤكد بأن حجم الأصوات غير المحتسبة نتيجة عدم بلوغ أصحابها سقف العتبة، قد بلغ حوالي 512 ألف و125 صوتا، أي بنسبة 8.82 بالمائة من حجم المسجلين، إضافة إلى الأصوات البيضاء والملغاة والمشطب عليها، وهي كلها ناتجة عن حضور ذاتي للناخب وتصويته رغم الخلل الذي يمس صحة تصويته، وقد حرمت هذه النسبة العديد من الأحزاب من تمثيلية إضافية، وتم تغييب حضورها لفائدة تقوية حضور الأحزاب الكبرى. ولفت أن هذا يطرح إشكالية مفهوم العدالة الانتخابية الذي يسمح بوجود رأي مخالف داخل السلطة التشريعية، ويعطي حضورا شاملا لجميع الأفكار السائدة وطنيا، سواء كانت من أحزاب صغيرة أو كبيرة. وأوضح وهبي أن القاسم الانتخابي مجال يدخل ضمن اختصاص السلطة التشريعية؛ ومن ثم يمكن لهذه الأخيرة أن تختار الطريقة الفضلى لتنظيم وإجراء الانتخابات داخل التراب الوطني، انطلاقا من مبدأ "الانفراد التشريعي"، غير المقيد بأي نص دستوري صريح. وأبرز أن القضاء الدستوري يراقب مدى دستورية القوانين الانتخابية، من زاوية الإنصاف والعدالة، ومدى تمثيلية عدد معين السكان من قبل عدد محدد من النواب، مستبعدا من مجاله مراقبة آلية وطريقة الانتخابات، لأن ذلك من صميم عمل الملائمة، تاركا هذا الموضوع للسلطة التشريعية باعتباره مندرجا في مجال اختصاصها. وشدد وهبي على أن الذهاب أبعد للقول، بأن مقتضى تغيير القاسم الانتخابي هو خرق للدستور، فيه رفع للموضوع إلى مستوى معين، يدخل ضمن مجال السلطة الملكية، لكون جلالة الملك هو الساهر على احترام الدستور وصيانة الاختيار الديمقراطي (الفصل 42 من الدستور). وأوضح أن الموضوع يدخل في الاختصاص التشريعي للحكومة، ويبقى رئيس الحكومة مسؤولا سياسيا وتنظيميا اتجاه هذا الخيار، ولا يمكنه مطلقا أن يدعي بأن الموضوع يخرج عن مجال اختصاصه، لأنه قبل أن يحال الموضوع على المؤسسة التشريعية، يكون القبول به أو رفضه مسؤولية حكومية بصفتها سلطة مبادرة، سواء كان ذلك صادرا عن وزير الداخلية أو رئيس الحكومة، فهما يمثلان جهازا حكوميا واحدا لا يقبل التجزيء (التضامن الحكومي الذي يشير إليه الفصل 93 من الدستور)، وبالتالي فالحكومة مسؤولة بشكل جماعي وتضامني -لتجسيدها الأغلبية- في اختياراتها الانتخابية أمام البرلمان بصفته التشريعية. وأضاف " لا يمكن المجازفة والقول بأن هذا الاختيار فيه خرق للدستور، فالأغلبية التي تتمتع بها الحكومة هي التي بين أيديها اختيار النمط والشكل الانتخابي، وإذا كان الأمر غير ذلك، فما هي الشرعية الدستورية التي تستند عليها عملية "التمثيل النسبي"؟ وما هي شرعية "الأحادية"؟ وما هي شرعية "اللائحة"؟ علما أن الدستور لم يحسم في هذه الاختيارات، بل كانت اختيارات بمبادرات حكومية صرفة، حازت في النهاية "شهادة الدستورية". وأكمل "إقحام نظرية الاختلاف مع الدستور فيما يخص هذا الموضوع، هو نوع من الإقحام المرفوض وتجاوز في وصفه للحدود الدستورية اتجاه العلمية الانتخابية كعملية تشريعية وتنظيمية". وأكد أنه لا يمكن لأي خلاف حول الوسيلة التي تخضع للربح والخسارة أن تكون موضوع خلاف دستوري، لكون المبدأ هو إجراء الانتخابات بالإنصاف في التقطيع الانتخابي، وبضمان الحق في التصويت والمشاركة، وغير ذلك لا يهم المساءلة الدستورية في شيء. وختم وهبي مقاله بالتأكيد الدور الحقيقي للأحزاب ليس هو إلغاء كل شيء من أجل نتائج انتخابية معينة، بل دورها هو الحفاظ على الديمقراطية والسماح لمكوناتها بالمساهمة فيها وبالحضور في أمزجتها، وهذه الأحزاب هي التي يكون لها إلمام عميق بمفهوم الدولة الديمقراطية، وهذه الأخيرة هي قضية دولة ورجالات دولة، أما النتائج الانتخابية فهي قضية سياسية مرحلية محدودة في الزمن.