مشاركة مغاربة الخارج في الانتخابات لم تكن وليدة اليوم حيث تم تخصيص خمسة مقاعد في الانتخابات البرلمانية للولاية التشريعية 1984-1992 للمغاربة القاطنين بالخارج، أجريت في خمسة دوائر كما حددها المرسوم رقم 2-54-515 المؤرخ في 17 ذي القعدة 1404 الموافق ل 16 غشت 1984، المتعلق بإحداث دوائر انتخابية خارج أرض الوطن، غير أنه سرعان ما تم التخلي عن هذه التجربة. يظل ملف مغاربة العالم سحابة صيف مناسباتي، لا يأخذ حظه من النقاش الوطني الحقيقي لمعالجة المشاكل القائمة والمزمنة، والتي تزداد تعقيدا مع تعثر وجود سياسة عمومية مندمجة وموحدة بين مختلف المتدخلين في هذا الملف (الوزارة المكلفة بالجالية المقيمة في الخارج، مجلس للجالية المغربية بالخارج، ومؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج، ومؤسسة محمد الخامس للتضامن، اللجنة الوزارية المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج). مع الأسف الملف بقي حبر على ورق رغم الوعود ورغم الخطب الملكية لأنه لا توجد الجرأة في التعاطي مع الملف وفشلت إجرائيا وتواصليا في تدبير الملف. رئيس الحكومة لم يتطرق نهائيا إلى انتظاراتنا فيما يتعلق بتفعيل مواد الدستور بعد 9 سنوات من الجمود يظهر أن مصير مجلس الجالية المغربية سيكون مثل مصير المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية (الكوركاس). إن مغاربة العالم أدلوا برأيهم في دستور 2011، ولا يمكن أن يستمر حرمانهم من حقوقهم في التصويت وفي تولي بعض المناصب داخل مؤسسات الدولة كما ينص على ذلك الدستور. فالفصل 18 من الدستور يؤكد على ضرورة أن "تعمل السلطات العمومية على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون". يظهر أن الحكومة الحالية والحكومات السابقة لا تعي حقيقة وضع مغاربة العالم، رغم أنهم تكفلوا بإيصالها للجميع عبر منصات التواصل الاجتماعي وعبر مجموعة من الندوات والمبادرات ولا ننسى مبادرة دابا 2012 التي عقدت سلسلة من اللقاءات بالبرلمان ومع الأحزاب السياسية ومع الوزير الأول آنذاك عباس الفاسي والوزير المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج محمد عمر الذي لم يستطع أن يدرج في جدول أعمال الحكومة نقطة المشاركة السياسية وأجرأة الخطاب الملكي لنونبر 2005. اليوم نسمع عن حوار موسع صرح به رئيس الحكومة وأقول له عن أي حوار يتحدث السيد العثماني إذا شاهدنا عدد من أحزاب الأغلبية يقومون بتأسيس فروع لأحزابهم ببلدان الإقامة رغم أنها تخالف قانون الأحزاب المغربي وهناك من يريد إستعمال مغاربة العالم للضغط وتوجيه أسرهم بالمغرب للتصويت على الحزب الذي منتمي له. فما تقوم به الحكومة هو نهج سياسة النعامة وليس لها الشجاعة أن تتخذ موقفا يستند إلى دستور 2011. الفصل 17 من الدستور واضح حيث توجد به ثغرة وفخ القانون التنظيمي الانتخابي الخاص بمغاربة العالم وهذا أعتبره إقصاء وتمييز في حق مغاربة الخارج لانهم سواسية مع مغاربة الداخل فليس من الضرورة وضع قانون انتخابي خاص بهم. وينص الفصل 17 من دستور 2011 على أن المغاربة المقيمين بالخارج يتمتعون "بحقوق المواطنة كاملة، بما فيها حق التصويت والترشيح في الانتخابات. ويمكنهم تقديم ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى اللوائح والدوائر الانتخابية، المحلية والجهوية والوطنية. ويحدد القانون المعايير الخاصة بالأهلية للانتخاب وحالات التنافي". كما قلت سابقا فالحكومة وحتى أحزاب الأغلبية والمعارضة تعرف أن هناك عوائق كثيرة تجعل مهمة تنظيم الانتخابات في بلدان إقامة مغاربة العالم عملية صعبة، منها وجود هؤلاء في أكثر من 100 بلد، ما يعني أن الحكومة مطالبة بتنظيم الانتخابات في كل هذه البلدان. لكن التحدي الأكبر هو أن المغرب غير ممثل ديبلوماسيا في بعض البلدان التي يتواجد بها المغاربة في أفريقيا وأميركا الجنوبية. وهناك مشاكل أخرى منها ضرورة الحسم في طريقة التصويت وتقسيم الدوائر الانتخابية ومصير الطعون الانتخابية مستقبلا. إن القانون يجب أن يحدد بالضبط هل سيكون التصويت إلكترونيا أو عبر البريد بالنسبة للدول التي لا يتوفر فيها المغرب على تمثيليات دبلوماسية. وبخصوص الطعون الانتخابية، فيُطرح سؤال الجهة المخولة في البت في هذه الطعون. أما تقسيم الدوائر الانتخابية، فيجب الحسم في طبيعتها هل ستكون حسب الدول أو الجهات وغيرها. العثماني وكل أحزاب الأغلبية الحكومية في وضع لا يحسدون عليه، خاصة وأنهم مطالبون بالإجابة عن إشكاليات بسيطة على سبيل المثال: هل سيشارك مغاربة إسرائيل في الانتخابات، وهل يجب تخصيص لائحة وطنية لمغاربة العالم؟ مع الأسف مرت 9 سنوات ولم يتم الحسم في مسألة المشاركة وحتى بعض ناشطي المجتمع المدني والمنتمون للأحزاب السياسية التي لها فروع خارج المغرب عجزوا عن وضع تصور وملف تقني حول هذه المشاركة لأنه من ينتظر حتى موعد قرب الإنتخابات ويطالب بالمشاركة فهو إلا من المتزايدن أو الطامعين في الحصول على ريع بالوطن بعد فشله خارجه. لهذا آن الأوان لتفعيل النصوص الدستورية التي تجعل مغاربة العالم جزءا من النسيج الوطني. وهناك إرادة ملكية عبر عنها رئيس الدولة في ضرورة تمثيل مغاربة العالم في البرلمان، ترسيخا لثقافة المواطنة، وفق ما جاء في الخطاب الملكي ليوم 6 نونبر 2005. الأساس الدستوري موجود لكن الإرادة السياسية غير متوفرة وتتزايد علينا الأحزاب السياسية من خلال مذكراتها بدون تصور عملي. ضرورة الاخذ بعين الاعنبار الرأي الاستشاري للمؤسسات الدستورية التي تعنى بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج ونذكر على سبيل المثال مجلس الجالية المغربية بالخارج حيث قدم دراسة في هذا الصد وكذلك تصريحات أمينه العام. على المشرع المغربي أن يسن تشريعات تلزم الأحزاب السياسية بترشيح نسبة معينة من مغاربة الخارج في اللوائح الانتخابية الوطنية والمحلية، فعلى سبيل المثال نجد المادة 22 من القانون التنظيمي 27.11 المتعلق بانتخاب أعضاء مجلس النواب تجيز إمكانية تقديم مغاربة الخارج ترشيحاتهم للانتخابات على مستوى الدوائر المحلية وكذا الوطنية وفق الشروط المنصوص عليها في ذلك القانون التنظيمي، لكنها لم تلزم الأحزاب السياسية بضرورة تطبيق بنودها. فتح حوار موسع مع جمعيات المجتمع المدني لمغاربة العالم وطرح الحلول والمقترحات كحل للمشاركة السياسية لهم لكن الهروب إلى الأمام بدعوى مشاكل تقنية فهي مبررات لا يقبلها العقل وكأننا لا نتوفر على أساتذة القانون الدستوري. الأحزاب السياسية منشغلة بالقاسم الإنتخابي أكثر مما هي منشغلة بتفعيل فصول الدستور المتعلقة بالمشاركة السياسية.