مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    المكتب المديري للرجاء يتخذ قرارات جديدة لتصحيح المسار    كيوسك الأربعاء | نسبة الأسر التي ترأسها النساء بالمغرب ارتفعت إلى 19.2 % سنة 2024    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    المغرب يتجه نحو الريادة في الطاقة المتجددة... استثمارات ضخمة    هل تساهم كميات اللحوم المستوردة في خفض الأسعار بالسوق الوطنية؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي        مسجد سوريا بطنجة.. معلم تاريخي يربط المغرب بدمشق صومعته تشكل الاستثناء وصممت على النمط الأموي    ضحايا في حادث مروع بالدار البيضاء إثر اصطدام شاحنة بمحطة ترامواي    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    والي بنك المغرب يعلن الانتهاء من إعداد مشروع قانون "العملات الرقمية"    "هيئة تحرير الشام" تخطط للمستقبل    8 قتلى في حادثتين بالحوز ومراكش    27 قتيلا و2502 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    قطاع الطيران... انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ    بنك المغرب يخفض سعر فائدته الرئيسي إلى 2,5 في المائة    فينيسيوس أفضل لاعب في العالم وأنشيلوتي أحسن مدرب    جوائز "الأفضل" للفيفا.. البرازيلي فينيسيوس يتوج بلقب عام 2024    تشييع رسمي لجثمان شهيد الواجب بمسقط رأسه في أبي الجعد    المغرب والسعودية يوقعان بالرياض مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون في مجالات التحول الرقمي الحكومي    القنيطرة.. افتتاح معرض لإشاعة ثقافة التهادي بمنتوجات الصناعة التقليدية    إحصاء 2024: الدارجة تستعمل أكثر من الريفية في الناظور    صحيفة 'لوفيغارو': المغرب يتموقع كوجهة رئيسية للسياحة العالمية    رسمياً.. المغرب يصوت لأول مرة بالأمم المتحدة على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    فيفا ينظم بيع تذاكر كأس العالم للأندية‬    العام الثقافي 'قطر-المغرب 2024': الأميرة للا حسناء وسعادة الشيخة سارة تترأسان بالدوحة عرضا لفن التبوريدة    مجلس الشيوخ الشيلي يدعم مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية (سيناتور شيلي)    المغرب "شريك أساسي وموثوق" للاتحاد الأوروبي (مفوضة أوروبية)    كلمة الأستاذ إدريس لشكر، الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، خلال اجتماع اللجنة الإفريقية للأممية الاشتراكية    ردود فعل غاضبة من نشطاء الحركة الأمازيغية تُشكك في نتائج بنموسى حول نسبة الناطقين بالأمازيغية    لماذا لا تريد موريتانيا تصفية نزاع الصحراء المفتعل؟    الأميرة للا حسناء تترأس عرض التبوريدة    النظام الأساسي لموظفي إدارة السجون على طاولة مجلس الحكومة    دفاع الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال يؤكد أن وضعه الصحي في خطر    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"        السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    سرطان المرارة .. مرض نادر يُشخّص في المراحل المتقدمة    ماكرون سيعلن الحداد الوطني بعد إعصار شيدو المدمر في أرخبيل مايوت    زلزال عنيف يضرب أرخبيل فانواتو بالمحيط الهادي    الصين تعارض زيادة الرسوم الجمركية الأمريكية على المنتجات الصينية    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    لماذا لا يستطيع التابع أن يتحرر؟    عن العُرس الرّيفي والتطريّة والفارس المغوار    علماء يكتشفون فصيلة "خارقة" من البشر لا يحتاجون للنوم لساعات طويلة    بريطاني أدمن "المراهنات الرياضية" بسبب تناول دواء    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"البٌووم" الأمريكي اللاّتيني الأدبيّ والواقعيّة السحريّة
نشر في لكم يوم 29 - 09 - 2020

كيف يرى الكُتَّابُ والنُقّاد المعاصرون اليوم ما يطلق عليه ب "البّووم الأدبي الأميركي اللاّتيني المعاصر" El boom latinoamericano الذي رفع الإبداعَ الأدبي إلى أعلى مراتبه على إمتداد ما ينيف على نصف قرن والذي إرتبط إرتباطاً وثيقاً بظاهرة الواقعيّة السحريّة في آداب أميركا اللاّتينية في هذا الشقّ النائي من العالم..؟ ومعروف عن هذه الحركة أنّ أسماء لامعة قد إشتهرت، وتألّقت فيها في مختلف أغراض الخَلْق، والعَطاء من الإبداع الرّفيع في الشّعر، والرّواية، والقصّة، وسواها من أشكال التعبير الأدبي، والفنيّ، والسّردي على إختلاف مجالاته، وذاعت أعمالهم وانتشرت في مختلف البلدان الناطقة باللغة الإسبانية، وفي سائر أنحاء العالم أمثال: غابرييل غارسّيا ماركيز، والفارُو موتيس، في كولومبيا، وأليخو كاربنتيير في كوبا، وخوان رولفو، وأكتافيو باث، وكارلوس فوينتيس في المكسيك، ونيكانور بارّا، وبابلو نيرودا، وإيزابيل أيّيندي في شيلي، وخورخي لويس بورخيس، وخوليو كورتاثار، وبيُّو كاساريس في الأرجنتين، وماريو بارغاس يُوسَا في البيرو، وميغيل أنخيل أستورياس في غواتيمالا وسواهم .هذه الحركة الإبداعية الكبرى التي إنطلقت في الستّينيّات من القرن المنصرم، والتي شكّلت حدثاً أدبيّاً هامّاً، ونقلةً نوعية فريدة في بابها خاصّة في عالم الخَلْق، والإبداع في الأدب المكتوب في فضاء اللغة الإسبانية، وعلى وجه الخصوص في بلدان أميركا اللاّتينية.. كيف تراها اليوم ثلّة من الكتّاب، ومن النقّاد المعاصرين المعروفين على تباين جنسياتهم، ومشاربهم في مختلف أنحاء العالم ..؟
الطاهر بن جلّون والخيالات المُجنّحة
كان الكاتب المغربي باللغة الفرنسية المتألّق الطاهر بن جلّون، قد أدلى ضمن إستطلاعٍ كانت قد أجرته جريدة البّايس الإسبانية الواسعة الإنتشار حول هذا الموضوع إلى جانب نخبة من الكتّاب والنقّاد الآخرين، حيث كان الكاتب العربي الوحيد المشارك في هذا التقييم النقدي لهذه الحركة الأدبية، يقول في هذا القبيل: عندما كنت ما زلت أتابع دراستي في المعهد الفرنسي بطنجة، كنت أستمع، وأتابع بشغف كبير الكاتب الكوبي أليخُو كاربنتيير وهو يحدّثنا عن الزّخرفة في الأدب، كان رجلاً أنيقاً، وطيّباً، وقد تركتْ الزيارة التي قام بها للمعهد في ذلك الإبّان أثراً عميقا في نفسي، ثم بعد ذلك أهداني الكاتب الإسباني إميليو سانث – الذي كان يقضي وقتاً طويلاً في طنجة – كتاب مئة سنة من العزلة للكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز مترجَماً إلى اللغة الفرنسية فانغمستُ بسرعة في قراءة هذا الكتاب، إلاّ انّه لم يشدّني أو يجذبني إليه في البداية بما فيه الكفاية، كان هناك شئ مّا في هذا العالم يمنعني من الدخول بكلّ مجامعي في هذه الرّواية التي لم تكن تشبه في شئ ما كنت مُعتاداً على قراءته من قبل، ولكنّني عدتُ إلى قراءة هذه الرّواية من جديد في ما بعد، بخاصّة بعدما إكتشفتُ العمل الأدبي الإستثنائي والفريد للكاتب المكسيكي خوان رولفو، وبفضل عمله الإبداعي الرّائع بيدرُو بارامُو دلفتُ في غابة الأدب الأميركي اللاّتيني المثيرة . وإكتشفتُ أنّ خوان رولفو كان له تأثيّر كبير على غابرييل غارسيا ماركيز، كما كان له تأثير في بعض الكتّاب الآخرين من مختلف بلدان أميركا اللاتينية من جيله، وألفيتُ بعضَ الأواصر الأسرية الوثقى بين عوالم هؤلاء الكتّاب، وبين بعض المُبدعين في العالم العربي، حيث كنت أقرأ لكارلوس فوينتيس، وماريو بارغاس يُوسا وكأنّهما كاتبان من بلدي .
وأضاف بنىجلّون في السّياق نفسه: إنّ الأوج الذي أدركته هذه الحركة الإبداعية ممثّلة للأدب الأميركي اللاّتيني شكّلت حظّاً سعيداً، وكانت طالعاً حسناً للأدب بشكلٍ عام في النصف الثاني للقرن العشرين، لقد شاء الحظ أن تهيّأ للعديد من الكتّاب فرصة إنتمائهم لنفس الجيل، كما هيّأت لهم فرصة تمتّعهم بالموهبة والخيال في الوقت نفسه. لقد شكّل هؤلاء الكتّاب كوكبة من المبدعين في جميع أنحاء قارّة أميركا اللاّتينية، حتى وإن كانت أساليبهم الأدبية متباينة، كما كانت المواضيع التي عالجها هؤلاء الكتّاب موجودة ومتقاربة في إبداعاتهم الأدبية على وجه العموم، ولقد إتّسمت هذه الإبداعات بنوعٍ من الجرأة، وبضربٍ من الزخرفة والتنميق، كانت تظهر في إبداعاتهم بقايا آثار سوريالية، وبصمها نوعٌ من الجنون، والتحليق اللذين يتناقضان مع الواقعية الأوروبية، وعدم التكيّف مع واقع النمط الأميركي، لقد أطلقت هذه الحركة الأدبية العنانَ لحريّة الخيال، وفتحت عالما طليقاً بدون قيود . وعن تجربته الشخصية في الكتابة والإبداع – يقول بن جلون- بنوعٍ من الوثوق في النفس: أنّه بعد قراءته لأونيتّي، وبورخيس، وغارسّيا ماركيز، ونيرودا وكذلك لكتّاب آخرين من القارة الأميركية، فإنّ كتاباته حصلت على ترخيص للحُلم والإبتكار، وهو يؤكّد أنه مَدين في هذه الحرية، وهذا التطوّر لذلك الخيال المُجنّح الذي ليس له حدود الذي طبع هذه الحركة الأدبية على إمتداد ما ينيف على الخمسين سنة الماضية.
مأساة يُندىَ لها الجبين
وقال بن جلّون – من جانبٍ آخر- إنّه ينتمي لبلدٍ أربعون في المئة من سكانه لا يقرأون ولا يكتبون، وهذه مأساة وعار يُندى لهما الجبين حقّاً، وقال إنه يعرف أنّ بعض بلدان أميركا اللاتينية تعاني كذلك من هذه المأساة ، وقال في السياق نفسه: إنّ أحد هؤلاء الكتّاب المنتمين لهذا البوم الأدبي الشهير، وهو الكاتب المكسيكي الراحل كارلوس فوينتيس، طرح عليه ذات مرّة السؤال الآتي: لماذا تكتب لقارّة أميّة لا تقرأ ولا تكتب.. ؟!. ويقول بن جلون إنه ما زال يتذكّر جيّداً جوابَه حتى اليوم وهو ما سيقوله لنا من الذاكرة، وهو ما يلي: قال فوينتيس إنني أكتب حتى وإن كنتُ على علمٍ أنّ بلديّاتي لا يقرأون لي، وذلك لأنهم حالوا بينهم وبين تعلّم القراءة إنني سأكتب جيّداً، بل جيّداً جدّاً لأنني أريد أن أقدّم لهم ما هو أحسن، لأنه لابدّ أن يأتي يوم سوف يقرأ فيه هذا الشعب، وإذا لم يتسنّ له القراءة فسوف يقرأ أبناؤه، وعليه فإنّ نصوصي ينبغي أن تكون خالية من النقائص وبعيدة عن العيوب، هذا ما أقوله عندما أُسْأل هذا السّؤال . بعد ذلك قال بن جلون: إنّ البعض يعتب عليه أن لماذا لا يكتب باللغة العربية؟، فهو يكتب بلغة غير لغة بلاده، بل إنّها لغة المُستعمِر …! إلاّ أنه يردف قائلاً: إنّ الذين يعتبون عليّ أن لماذا أكتب بالفرنسية بدلاً من اللغة العربية، إنّما هم يطلبون منّي بشكلٍ أو بآخر أن أتخلّى عن الكتابة، لانّهم يعرفون أنّني لا أجيد، ولا أتقن بما فيه الكفاية لغة القرآن لأعبّر بها بطلاقة وسلاسة كما أفعل ذلك في اللغة الفرنسية، ثمّ أضاف: إنّ جوابي عن هذا السّؤال المتعلق بالآداب الأميركية اللاتينية يشجّعني ويدعمني للمضيّ قدماً في طريقي ككاتب، ويَعتبر بن جلون نفسَه شاهداً على عصره، ومشاركاً فيه، وهو لا يرى نفسه كاتباً متخفياً، أوهادئاً، بل إّنه يتدخل ويدلي بدلوه بدون إنقطاع كمواطن، ولكنّه يرى من جهة أخرى أنه لن يصل في تدخّلاته إلى حدّ مزاولة السياسة مثلما فعل ذات يوم الرّوائي البيروفي ماريُو بارغاس يُوسا.
ظاهرة الواقعيّة السّحريّة
ويرى الكاتب الأميركي غاي تايليسي من جهته في هذا الموضوع : أنه يشعر بدَيْن نحو هؤلاء الكتّاب المنتمين لجيل البّووم الأدبي الأميركي اللاّتيني، الذين أخرجوه، وأخرجوا العديدَ من زملائه من الجهل الذي كانوا يتخبّطون فيه حول المنجزات، والإنتصارات التي طبعت تاريخ أميركا اللاّتينية منذ عهود الإكتشاف، كما يرى أنّ: هؤلاء الكتّاب كانوا روائيّين كباراً أنارُوا بفكرهم الثاقب، وبخيالهم الواسع عقولنا، بل وكانوا مصدرَ إلهامٍ لنا بما ألّفوه، وأبدعوه، وقدّموه لنا من قصصٍ، وحكاياتٍ لأناسٍ عاديّين، وعن معاناتهم، وطموحاتهم، وتطلعاتهم وجعلوا من هؤلاء وكأنهم أصبحوا جيراناً أدبيين لنا.وترى الكاتبة الأرجنتينية أنَا ماريا سُووَا أن هذه الطفرة الإبداعية: جعلت الأدبَ يقف ثابتاً على قدمْين، أو بالأحرى يدبُّ على قدمْين وأنزلته من عليائه إلى الناس، كان أصحابه كتّاباً ومبدعين من طراز رفيع دون الخضوع أو الخنوع لأيّ أيديولوجيا سياسية، لقد شكّلت هذه الحركة الأدبية في تاريخ الإبداع الأدبي ثورة حقيقية كان لها تأثير بليغ في الأدب العالمي المعاصر. وأمّا الكاتب الإرلندي جون بانفيل، فعلى الرّغم من أنّه يجعل من أوروبّا موطناً لإنطلاق هذه الحركة، إذ يعزُو للكاتب الألماني الراحل غونتر غراس أنه صاحب أوّل كتاب حول الواقعيّة السحريّة، فإنه يرى أنّ أصحابَ هذه الحركة الأدبية سلّطوا مزيداً من الضّوء على الواقعية السحرية، إنهم شكّلوا بإبداعاتهم ثورة ملموسة في عالم الإبداع، ويضيف بانفيل مازحاً أنه ليس متأكّداً من وجود هذه الثورة، ومع ذلك يظلّ بورخيس فى نظره أحسنهم جميعا.
ويشير الكاتب الأميركي إليوت وينبيرغر في هذا الشأن: أنّ الناس دأبوا على القول بأنّ هذا البّووم هو من إنتاج سوق الأدب الأميركية الذي إنتشر منها إلى مختلف أنحاء العالم، وإن الثوب الذي قدّمت به نفسها هذه المجموعة من الكتّاب الذين لا يجمعهم رابط مشترك سوى أنهم كانوا برمّتهم من أميركا اللاتينية، لم يكن في الواقع حركة جمالية، بقدر ما كان حركة أدبية حظيت بترجمات متوالية في الولايات المتحدة الأميركية التي كانت الترجمات فيها من قبل قليلة جدّاً لكتّاب ينتمون كلّهم إلى لغة واحدة ومنطقة واحدة من العالم، بخاصّة وأنّ هؤلاء الكتّاب قد أبدعوا في الفنّ الرّوائي بشكلٍ خاص،والذين مهّد لهم من قبل مبدعون آخرون كبار مثل الأرجنتيني بورخيس، والتشيلي نيرودا، والمكسيكي باث، والتشيلي نيكانور بارّا وسواهم .
مئة سنة من العُزلة الأكثر تأثيراً
لقد كان لهذا البّوم ميل كبير للخيال، ولهذا إعتُبرت مئة سنة من العُزلة للراحل غابرييل غارسيا ماركيز في هذا السّياق من أكثر الرّوايات تأثيراً في العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، إلاَّ أنّ هذا الكاتب الأميركي يرى أنّ الشّعر كان له تأثير أكبر وأوسع في الولايات المتحدة الأميركية. ولم يتوانَ كبار الشّعراء في هذا البلد في ترجمة الشّعر الأميركي اللاّتيني المعاصر. وقد صادف هذا البّوم الأدبي ظروفاً تاريخية خاصّة حرب الفييتنام، وظهور حركات الحقوق المدنية إلخ ونجح هذا البّوم لأنّ الناس كانوا متعطّشين لآفاق ثقافية أخرى أسيوية، وهندية، وإلى تقاليع كانت في بعض الأحيان محظورة، وقد وجدوا ضالتَهم في المخدّرات، أيّ كان الناس عطشى لثقافة مُضادّة للثقافة الأميركية التي كانت سائدة، ولم يتمثّل ذلك البديل في الواقعية السحرية وحسب، بل في أميركا اللاتينية بأسرها التي كانت تشكّل عالماً جذّاباً جديداً للأمريكيّين، وعليه فالّبوم الأدبي الأميركي اللاّتيني كان أكثرَ أهميّةً في الشّمال أكثر ممّا هو كان عليه في الجنوب .
وأما الكاتب الأميركي جون لي أندِرسَن فيرى أنّ أقربَ الكتّاب والرّوائيين إليه في هذه الحركة الأدبية هو الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز، إذ منذ أن قرأ روايته مائة سنة من العزلة عالم 1977 فتحت هذه الرواية أمامه آفاقاً جديدة لرؤية العالم، وفهمه بطريقة تختلف عن السّابق، ثم كان لقاؤه بعد ذلك مع كورتاثار، والبرازيلي خورخي أمادو ثم مع ماريو بارغاس يوسا وآخرين، وحسب منظوره فقد تالّق وإنتشر هذا الأدب لأنه عُني في المقام الاوّل بالنّاس العاديّين مثل السكّان الأصلييّن، والمُولّدين، والسُّود، وسكان البوادي الذين كانوا مُهمَّشين تماماً، ومن ثمّ أكتسب أهميتَه، وقيمتَه وبُعْدَه الأدبي والإنساني العميق، لقد حققت هذه الحركة الأدبية طفرة نوعية في بابها ليس في أميركا اللاّتينية وحسب، بل وخارجها كذلك، وأفسحت المجال لعالمٍ أكثرَ شموليةً، وعالميةً، وديمقراطيةً، أكثر مِمَّا كان عليه الأمر من قبل.
طفرة من المحليّة إلى العالميّة
وترى الكاتبة الإسبانية كريستينا فرنانديز كوباس أنّ أوّلَ مَنْ إسترعى إنتباهها، وشدّها إلى هذه الحركة وروّادها هوالكاتب المكسيكي خوان رولفو برائعته بيدرو بارامو، ثم جاء في ما بعد الكتاّب الآخرون المنضوون تحت فضاء هذه الحركة الذين أعطوا نفساً قويّاً، وضخّوا دماً جديداً في الرّواية المعاصرة في أميركا اللاتينية على وجه الخصوص.ويعترف لنا الكاتب التشيلي لويسْ هاسْ أنّ الرّوائي الاوّل الذي سيطر على مجامعه ضمن هذه الكوكبة من الكتّاب كان هو خوليو كورتاثار. وقد عملت هذه الحركة، أو الطفرة في نظره، على نقل الأدب الأميركي اللاّتيني من المحليّة إلى العالمية، وعمّمت، وعمّقت المفهومَ البورخياني في عملية الإبداع، وهو أنّ الكاتب الجيّد في العُمق هو كلّ الكتّاب، إذ بواسطة هذا الأدب لم تعد الأسطورة، والمعجزة مجازاً أو إستعاراتٍ أو أوهاماً بل أصبحتا حقائقَ كلّ أيامنا المعاشة. ويؤكّد هذا الكاتب أنه لا ينبغي أن يعزبَ عن بالنا الدّورالمِحوري الذي لعبته مدينة برشلونة بالذات في نشر، وذيوع هذه الحركة الأدبية، كما لا ينبغي أن ننسى أنّ المترجم الإنكليزي غْريغُورِي رُوبَاسّا الذي عُني بهذه الحركة عناية فائقة وهو إبن مواطن كاتالاني، كما أنّ الناشر الذي عُني بهذا البّووم في الأرجنتين هوبَاكُو بُورْوَا ويرجع أصله إلى منطقة غاليسيا جلّيقة بإسبانيا . وفى رأي الكاتب الإسباني خوان كروز، فإنّ هذه الحركة الأدبية شكّلت نوعاً من الإنتشار والتنوّع للإبداع الأدبي ليس لهما نظير، فالبّوم يعني الإنفجار الذي قلب موازين الإبداع الأدبي بتلك الهالة الخلاّقة التي تمثّلت في الواقعية السحرية التي إنصهرت داخل هذا الحركة نفسها . ويرى الكاتب الأميركي شَارلزْ باكستر أنّ أوّلَ ما وصل إليه من الأدب الأميركي اللاّتيني المعاصر العائد لهذه الحركة كانت قصص بورخيس، وكورتاثار، ثمّ إكتشفَ فيما بعد الكولومبي ماركيز، إلاّ أنه ما لبث أن مال فيما بعد إلى الأديب التشيلي خُوسِّيه دُونُوسُو خاصّة كتابه طائر الليل الفاحش الذي لم يتمكّن من التخلّص من آثاره، وتأثيره إلى اليوم. ويشير هذا الكاتب أنّ هذه الحركة الأدبية تقتنص اللحظات اليومية المعاشة وتصفها بحماس كبير، وترصد حتى الأوهام، وتلتقط الشّطحات، وتشخِّص الأطيافَ، والكوابيسَ، والشخصيات. هنا تكمن قوّة، وزخم هذه القصص، ويعترف هذا الكاتب صراحة – حسب رأيه – أنّ هذا النّوع من الأدب يبقى ضعيفاً إلى حدّ مّا في الولايات المتحدة الأميركية.
الخيال الأميركي اللاّتيني الجديد
وترى الكاتبة الأميركية مَارِي أَرَانَا التي ينحدر أصلها من البيرُو، أنّ هذه الحركة الأدبية لم تكن ظاهرة أميركا اللاّتينية وحسب، بل كانت ظاهرة أميركيّة بكل المقاييس نظراً لِمَا كان يحدث حولها من مخاض بين قرّاء لم يكونوا على علم أو دراية، بل إنهم لم يعيروا أدنى إهتمام لما كان يجرى في أميركا اللاّتينية من ثراءٍ أدبيٍّ راقٍ، وإبداعٍ رفيع، وخيالٍ مُجنّح، كما أنهم لم يكونوا على علمٍ بَعْد بالتراث العظيم للأدب الإسباني، وكان هذا البُوم نوعاً من المُوضة، أو ضرباً من البدعة، التي لا يمكن مناقشتها. وطفق الأميركيون ينظرون من خلال عيون أخرى مختلفة غير عيونهم، ودخلوا في جلد آخر.. وقالت الكاتبة : إنّ هذا البّووم لا يمكن إعتباره حركة موحّدة، مثل حركة الرّومانسيين الفرنسيّين، أو مثل حركة الطلائعيّين الرّوس، كما أنّ هذا البّووم الأدبي لم يكن حركة كتّاب، بقدر ما كان حركة قرّاء، فقد أفضت هذه الحركة إلى زيادة عدد القرّاء بشكل لم يسبق له نظير، وذلك ترحيباً بالخيال الأميركي اللاّتيني الجديد . وتؤكّد الكاتبة من جانب آخر أنّ أحد الصحافييّن الأميركيين الكبار، وهو جيمس ريستون، كان مُخطئاً عندما قال إنّ أميركا بمقدورها أن تفعل أيَّ شئٍ من أجل أميركا اللاّتينية، ولكنّها لا يمكنها أن تقرأ شيئاً لها أوعنها!.ويؤكّد الكاتب الهولاندي سيس نوتيبوم في خضمّ هذه الآراء المُتعدّدة أنّ هذه الطفرة الإبداعية، قد أقنعته أنّ الرّوائي الكولومبي الرّاحل ماركيز قد إكتشف قارّة، ولقّننا كيف نحكي الحكايات، ونقصّ القصص، هذا البّوم الأدبي عرّفنا كذلك بسوداوية، وعمق الكاتب الأوروغواني أونيتّي، كما أطلعنا على عالم بورخيس المسحور، ووضعَ نصب أعيننا ألمعيةَ، ولمعانَ، وبريقَ بِييُّو كاسَارِيسْ.
وفى معرض هذه التقييمات، والتحليلات لهذه الحركة، نختم بما أشار إليه الكاتب الإسباني خوسّيه ماريا إيفانكُوسْ، حيث يؤكّد أنّ هذه الحركة أسهمت بقسطٍ وافر في عولمة اللغة الإسبانية، وثقافتها، وعرّفت بالأدب المكتوب في هذه اللغة على أوسع نطاق، كما أنّها نقلتْ هذا الأدب وترجمتْه إلى مختلف اللغات العالميّة الحيّة، وكانت أولى قراءاته لهذا البّوم الأدبي رواية المدينة والكلاب ليُوسَا، ومائة سنة من العزلة لماركيز، ورَاجْوِيلاَ لكُورتاثار. فبواسطة رُولفُو أدخِل إلى الأدب العالمي السّرد الهيكلي، مروراً بفولكنر، وقدّم يُوسا السّرد الذي يَرْصُدُ الواقعَ بواسطة الخيال، وتقريب الرّواية من التاريخ الجماعي، واستعاد كاربينتييرأجملَ التقاليد الباروكيّة السّردية في اللغة.
كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية – الأميركية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.