طنجة .. مناظرة تناقش التدبير الحكماتي للممتلكات الجماعية كمدخل للتنمية    جمعية المحامين ترحب بالوساطة للحوار‬    حموشي يخاطب مجتمع "أنتربول" بالعربية    قد يستخدم في سرقة الأموال!.. تحذير مقلق يخص "شات جي بي تي"    النصيري يزور شباك ألكمار الهولندي    المدير العام لإدارة السجون يلوح بالاستقالة بعد "إهانته" في اجتماع بالبرلمان    "المعجم التاريخي للغة العربية" .. مشروع حضاري يثمرُ 127 مجلّدا بالشارقة    الموقف العقلاني والعدمي لطلبة الطب    المغرب يمنح الضوء الأخضر للبرازيل لتصدير زيت الزيتون في ظل أزمة إنتاج محلية    المنصوري تكشف عن برنامج خماسي جديد للقضاء على السكن الصفيحي وتحسين ظروف آلاف الأسر    مجلس الجالية يشيد بقرار الملك إحداث تحول جديد في تدبير شؤون الجالية    حموشي يترأس وفد المغرب في الجمعية العامة للأنتربول بغلاسكو    إحصاء سكان إقليم الجديدة حسب كل جماعة.. اليكم اللائحة الكاملة ل27 جماعة    الأمازيغية تبصم في مهرجان السينما والهجرة ب"إيقاعات تمازغا" و"بوقساس بوتفوناست"        هذه حقيقة الربط الجوي للداخلة بمدريد    المغرب يعتمد إصلاحات شاملة في أنظمة التأمين الصحي الإجباري    1000 صيدلية تفتح أبوابها للكشف المبكر والمجاني عن مرض السكري    الأسباب الحقيقية وراء إبعاد حكيم زياش المنتخب المغربي … !    الرباط تستضيف أول ورشة إقليمية حول الرعاية التلطيفية للأطفال    اعتقال رئيس الاتحاد البيروفي لكرة القدم للاشتباه في ارتباطه بمنظمة إجرامية    توقيف 08 منظمين مغاربة للهجرة السرية و175 مرشحا من جنسيات مختلفة بطانطان وسيدي إفني    بايدن يتعهد بانتقال "سلمي" مع ترامب    ‬‮«‬بسيكوجغرافيا‮»‬ ‬المنفذ ‬إلى ‬الأطلسي‮:‬ ‬بين ‬الجغرافيا ‬السياسية ‬والتحليل ‬النفسي‮!‬    الخطاب الملكي: خارطة طريق لتعزيز دور الجالية في التنمية الاقتصادية    2024 يتفوق على 2023 ليصبح العام الأكثر سخونة في التاريخ    الجماهير تتساءل عن سبب غياب زياش    "أجيال" يحتفي بالعام المغربي القطري    ياسين بونو يجاور كبار متحف أساطير كرة القدم في مدريد    المنصوري تكشف حصيلة برنامج "دعم السكن" ومحاربة دور الصفيح بالمغرب    مجلس جهة كلميم واد نون يطلق مشاريع تنموية كبرى بالجهة    ليلى كيلاني رئيسة للجنة تحكيم مهرجان تطوان الدولي لمعاهد السينما في تطوان    انطلاق الدورة الرابعة من أيام الفنيدق المسرحية    وزارة الصحة المغربية تطلق الحملة الوطنية للتلقيح ضد الأنفلونزا الموسمية    صَخرَة سيزيف الجَاثِمَة على كوَاهِلَنا !    ما هي انعكاسات عودة ترامب للبيت الأبيض على قضية الصحراء؟    انتخاب السيدة نزهة بدوان بالإجماع نائبة أولى لرئيسة الكونفدرالية الإفريقية للرياضة للجميع …    ندوة وطنية بمدينة الصويرة حول الصحراء المغربية    مورو يدشن مشاريع تنموية ويتفقد أوراشا أخرى بإقليم العرائش    بنسعيد يزور مواقع ثقافية بإقليمي العيون وطرفاية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    ضبط عملية احتيال بنكي بقيمة تتجاوز 131 مليون دولار بالسعودية    سفير أستراليا في واشنطن يحذف منشورات منتقدة لترامب    قانون إسرائيلي يتيح طرد فلسطينيين        خبراء أمراض الدم المناعية يبرزون أعراض نقص الحديد    أولمبيك مارسيليا يحدد سعر بيع أمين حارث في الميركاتو الشتوي    محكمة تونسية تقضي بالسجن أربع سنوات ونصف على صانعة محتوى بتهمة "التجاهر بالفاحشة"    بعد رفعه لدعوى قضائية.. القضاء يمنح ميندي معظم مستحقاته لدى مانشستر سيتي    مزور: المغرب منصة اقتصادية موثوقة وتنافسية ومبتكرة لألمانيا    إعطاء انطلاقة خدمات مركز جديد لتصفية الدم بالدار البيضاء    إحصاء 2024 يكشف عن عدد السكان الحقيقي ويعكس الديناميكيات الديموغرافية في المملكة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بالسيدا يعلن تعيين الفنانة "أوم" سفيرة وطنية للنوايا الحسنة    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الطّاهر بنجلّون..وآخرون.. وأدب أمريكا اللاّتينيّة
نشر في هسبريس يوم 28 - 05 - 2013

الطّفرة الأدبية الشهيرة التي أطلق عليها "البّووم" رفعت الإبداع الأدبي فى أمريكا اللاتينية إلى أعلى مراتبه خلال الخمسين سنة الماضية ،تألّقت خلالها أسماء لامعة فى العالم الناطق باللغة الإسبانية أمثال غابرييل غارسيا ماركيز فى كولومبيا،وأليخو كاربنتييرفى كوبا، وخوان رولفو،وأكتافيو باث،وكارلوس فوينتيس فى المكسيك، و خورخي لويس بورخيس، وخوليو كورتاثار، وبيّو كاساريس فى الأرجنتين،وماريو بارغاس يوسا فى البيرو،وسواهم. إنطلقت هذه الحركة أو الطّفرة الأدبية الكبرى فى الستينيّات من القرن المنصرم،وشكّلت حدثا أدبيّا هامّا،ونقلة نوعية خاصّة فى عالم الخلق والإبداع الأدبي، فى مختلف بلدان أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص . كيف يراها اليوم مجموعة من الكتّاب والنقّاد المعاصرين المعروفين من مختلف أنحاء العالم .. ؟ **
بنجلّون يكتب لشعب لا يقرأ.. !
يقول الكاتب المغربي (باللغة الفرنسيّة) الطّاهر بنجلّون،عن هذه الحركة الأدبية : "عندما كنت ما زلت أتابع دراستي فى المعهد الفرنسي بطنجة ، كنت أستمع وأنصت بشغف كبير للكاتب الكوبي أليخو كاربنتيير وهو يحدّثنا عن الزخرفة فى الأدب ،كان رجلا أنيقا وطيّبا ، وبعد هذه الزيارة التي تركت أثرا عميقا فى نفسي،أهداني صديقي الكاتب والمورّخ السينمائي الإسباني "إميليو سانث"الذي كان يقضي وقتا طويلا فى طنجة كتاب "مائة سنة من العزلة" لغابرييل غارسيا ماركيز مترجما إلى اللغة الفرنسية، فانغمست بسرعة فى هذا الكتاب ، إلاّ انّه لم يشدّني أو يجذبني إليه فى البداية بما فيه الكفاية ، كان هناك شئ مّا فى هذا العالم يمنعني من الدخول فى هذه الرّواية التي لم تكن تشبه فى شئ ما كنت معتادا على قراءته من قبل، ولكنّني عدت إلى قراءة هذه الرّواية فيما بعد خاصّة بعد أن إكتشفت العمل الأدبي الإستثنائي للكاتب المكسيكي خوان رولفو، وبفضل "بيدرو بارامو" دلفت فى غابة الأدب الأمريكي اللاتيني الرائعة. وإكتشفت أنّ رولفو كان قد أثّر فى غارسيا ماركيز، كما كان له تأثير فى بعض الكتّاب الآخرين من جيله، وألفيت بعض الأواصر الأسرية بين عوالم هؤلاء الكتّاب ومبدعين من العالم العربي، حيث كنت أقرأ لكارلوس فوينتيس ، وماريو بارغاس يوسا وكأنّهما كاتبان من بلدي.
ويضيف بنجلّون :" إنّ الأوج الذي أدركته هذه الحركة ممثّلة للأدب الأمريكي اللّاتيني شكّلت حظّا سعيدا، وطالعا حسنا للأدب فى النصف الثاني للقرن العشرين ،لقد شاء الحظّ أن تهيّأ للعديد من الكتاب فرصة إنتمائهم لنفس الجيل، كما هيّأ لهم فرصة تمتّعهم بالموهبة والخيال في نفس الوقت. لقد شكّل هؤلاء الكتّاب كوكبة من المبدعين في جميع أنحاء قارة أمريكا اللاتينية حتى وأن كانت أساليبهم الأدبية متباينة ،كما كانت المواضيع التي عالجها هؤلاء الكتّاب موجودة فى آدابهم على وجه التقريب ولقد إتّسمت إبداعاتهم بالجرأة، والزخرفة، والتنميق، وطبعت بقلق رائع،كانت إبداعاتهم بقايا سوريالية، ونوعا من الجنون الذي يتناقض مع الواقعية الأوروبية، وعدم التكيّف مع واقع النمط الأمريكي، لقد أطلقت هذه الحركة الأدبية العنان لحريّة الخيال" . وقال الطّاهر" ففيما يتعلّق بتجربتي الشخصّية، وأنا واثق من ذلك،بعد قراءتي للكتّاب : أونيتّي، وبورخيس، وغارسيا ماركيز، ونيرودا ولآخرين فإنّ كتاباتي حصلت على ترخيص للحلم والإبتكار، فأنا مدين بهذه الحرية وبهذا التطوّر لذلك الخيال المجنّح الذي ليس له حدود".
وقال بنجلّون:" إنّه ينتمي لبلد أربعون فى المائة من سكّانه أميّون، لا يقرأون ولا يكتبون، وهذه مأساة وعار يندى له الجبين، إنني أعرف أنّ بعض بلدان أمريكا اللاتينية تعاني كذلك من هذه المأساة "، وقال:" إنّ أحد هؤلاء الكتّاب وأخاله كارلوس فوينتيس سئل ذات مرّة السّؤال التالي: ( لماذا تكتب لقارّة من الأمييّن لا يقرأون ولا يكتبون.. ؟ ) إنّني أتذكّر جيّدا جوابه وهو ما سأقوله الآن من الذاكرة :" إنني أكتب حتى وإن كنت على علم أنّ بلديّاتي، وأبناء جلدتي لا يقرأون لي..! ولأنّهم حالوا بينهم وبين تعلّم القراءة، فإنني سأكتب جيّدا، بل جيّد جدّا لأنني أريد أن أقدّم لهم ما هو أحسن، لأنّه سيأتي يوم سوف يقرأ فيه هذا الشعب وإذا لم يتسنّ له القراءة فسوف يقرأ أبناؤه ،وعليه فإنّ نصوصي ينبغي أن تكون خالية من النقائص، و بعيدة عن العيوب هذا ما أقوله عندما أسأل هذا السؤال". كما أنّه يقول: " أنّ البعض يعتب عليه أن لماذا لا يكتب باللغة العربية ..؟ فهو يكتب بلغة غير لغة بلاده بل إنّها لغة المستعمر ...! . ويردف قائلا :" إنّ الذين يعتبون عليّ أن لماذا أكتب بالفرنسية بدلا من اللغة العربية إنما هم يطلبون منّي بشكل أو بآخر أن أتخلّى عن الكتابة، لانّهم يعرفون أنّني لا أجيد أو أتقن بما فيه الكفاية لغة القرآن لأعبّر بها بطلاقة وسلاسة كما أفعل ذلك فى اللغة الفرنسية"، ثمّ أضاف:" إنّ جوابي عن هذا السؤال المتعلق بالآداب الأمريكية اللاتينية يشجّعني ويدعمني للمضيّ قدما فى طريقي ككاتب، إنّني أعتبر نفسي شاهدا على عصري، وشاهدا متتبّعا وفى بعض الأحيان مشاركا، أنا لست كاتبا متخفيّا ولا هادئا ،بل إّني أتدخّل وأدلي بدلوي كمواطن، ولكنّني لن أصل إلى حدّ مزاولة السياسة مثل ماريو بارغاس يوسا ". (مداخلة الطّاهر بنجلّون كانت مدرجة فى ذيل هذا الإستطلاع،إلاّ أنّني آثرت أن أبوّئها الصّدارة فى هذا المقال، ولا عجب إذ ..لا يسألون أخاهم حين يندبهم.....فى النّائبات إذا قال برهانا..! ).
الواقعيّة السّحريّة
ويرى الكاتب الأمريكي " غاي تايليسي " أنه يشعر بدين نحو هؤلاء الكتّاب المنتمين لجيل البّوم الأدبي الأمريكي اللاتيني الذين أخرجوه وأخرجوا العديد من زملائه من الجهل الذي كانوا يتخبّطون فيه حول المنجزات والإنتصارات التي طبعت تاريخ أمريكا اللاتينية منذ عهود الإكتشاف" ، كما يرى هذا الكاتب :"أنّ هؤلاء الكتّاب كانوا روائييّن كبارأناروا بخيالهم الواسع عقولنا، بل وكانوا مصدر إلهام لنا بما قدّموه من قصص وحكايات لأناس عاديّين ومعاناتهم وطموحاتهم وتطلعاتهم وجعلوا من هؤلاء وكأنهم أصبحوا جيرانا " أدبيين" لنا".
وترى الكاتبة الأرجنتينية " أنا ماريا سووا" أنّ هذه الحركة جعلت الأدب يقف على قدمين ، وأنزلته من برجه العاجي وعليائه إلى الناس، كان أصحابه سياسيّين من طراز رفيع دون الخضوع أو الخنوع لأيّ أيديولوجية سياسية ، لقد شكّلت هذه الحركة الأدبية فى تاريخ الإبداع الأدبي ثورة حقيقية".
وأمّا الكاتب والرّوائي الإيرلاندي "جون بانفيل" فعلى الرّغم من أنّه يجعل من أوربا موطنا لإنطلاق هذه الحركة إذ يعزو للكاتب الألماني" غونتر غراس" أنه صاحب أوّل كتاب حول الواقعية السّحرية ،فإنه يرى أنّ أصحاب هذه الحركة الأدبية سلّطوا مزيدا من الضوء على الواقعية السحرية ،إنهم شكّلوا بإبداعاته ثورة فى عالم الإبداع ، كما يقال ولكنّني لست متأكّدا من وجود هذه الثورة،ومع ذلك يظل "بورخيس" أحسنهم جميعا".
الكاتب الأمريكي " إليوت وينبيرغر". يشير فى هذا الشأن" أنّ الناس دأبوا على القول بأنّ هذا " البّووم" هو من إنتاج السوق الأمريكية الذي إنتشر فى مختلف أنحاء العالم ، وإن الثوب الذي قدّمت به نفسها هذه المجموعة من الكتّاب الذين لا يجمعهم رابط مشترك سوى أنهم كانوا برمّتهم من أمريكا اللاتينية، لم يكن فى الواقع حركة جمالية بقدر ما كان حركة أدبية حظيت بترجمات متوالية فى الولايات المتحدة الأمريكية،التي كانت الترجمات فيها قليلة جدّأ لكتّاب يمنتون كلهم إلى لغة واحدة ومنطقة واحدة من العالم ، خاصّة وأنّ هؤلاء الكتّاب قد أبدعوا فى الفنّ الروائي بشكل خاص والذين مهّد لهم من قبل مبدعون آخرون كبار مثل بورخيس، ونيرودا ،وباث ،وبارّا وسواهم . لقد كان لهذا البّوم ميل كبير للخيال وفى هذا السّياق إعتبرت "مائة سنة من العزلة " لماركيز من أكثر الروايات تاثيرا فى العالم فى النصف الثاني من القرن العشرين إلاّ أنّ هذا الكاتب يرى أنّ الشّعر كان له تأثير أكبر وأوسع فى الولايات المتحدة الامريكية. و لم يتوان كبار الشعراء فى هذا البلد فى ترجمة الشعر الامريكي اللاتيني. وقد صادف هذا البّوم الادبي ظروفا تاريخية خاصة (حرب الفييتنام ، وظهور حركات الحقوق المدنية إلخ) ونجحت هذه الحركة لأنّ الناس كانوا متعطّشين لآفاق ثقافية أخرى أسيوية وهندية وإلى تقاليع كانت فى بعض الأحيان محظورة وقد وجدوا ضالتهم فى المخدّرات ،أي كان الناس عطشى لثقافة مضادّة للثقافة الأمريكية التي كانت سائدة ولم يتمثّل ذلك البديل فى "الواقعية السحرية" وحسب بل فى أمريكا اللاتينية بأسرها التي كانت تشكّل عالما جذّابا جديدا للأمريكيين، وعليه الّبوم الادبي الأمريكي اللاتيني كان أكثر أهميّة فى الشمال أكثر ممّا هو كان عليه فى الجنوب ".
ويرى الشاعر الرّوماني "ميرسي كارتاريسكو" أنّ الكاتب المأثورعنده من كتّاب هذه الحركة هو الأرجنتيني" إيرنيستو ساباتو" إلا أنّ بورخيس وكورتاثار كانا فى نظره من أكثرالكتّاب تاثيرا من الآخرين، حتى وإن كانت بعض روايات ماركيز من الصعوبة تجاوزها أو التفوّق عليها .
وأماّ الكاتب الأمريكي" جون لي أندرسن" فيرى أنّ أقرب الكتّاب إليه من هذه الحركة هو الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز منذ أن قرأ روايته " مائة سنة من العزلة" عالم 1977 لقد فتحت هذه الرّواية أمامه آفاقا جديدة لرؤية العالم وفهمه بطريقة تختلف عن السّابق، ثم كان لقاؤه فيما بعد مع كورتاثار، والبرازيلي خورخي أمادو ثم مع ماريو بارغاس يوسا وآخرين ، لقد تالّق وإنتشر هذا الأدب لأنه عني فى المقام الاوّل بالناس العاديين مثل السكان الاصليين، والمولّدين، والسّود، وسكان البوادي الذين كانوا مهمّشين تماما، ومن ثمّ أكتسب أهميته وقيمته وبعده الأدبي والإنساني العميق ، لقد حققت هذه الحركة الأدبية طفرة ليس فى أمريكا اللاتينية وحسب، بل وخارجها كذلك وأفسحت المجال لعالم أكثر شمولية وعالمية وديمقراطية، أكثر ممّا كان عليه من قبل".
الخصوبة والإبتكار
وترى الكاتبة الإسبانية "كريستينا فرنانديث كوباس" أنّ اوّل من إسترعى إنتباهها وشدّها إليه هو خوان رولفو برائعته "بيدرو بارامو" ، ثم جاء الكتاّب الآخرون المنضوون تحت هذه الحركة الذين أعطوا نفسا قويّا للرّواية المعاصرة فى أمريكا اللاتينية على وجه الخصوص.
وفى نظر الكاتب التشيلي "لويس هاس" فإنّ الرّوائي الأوّل الذي سيطر على مجامعه ضمن هذه الكوكبة من الكتّاب كان "خوليو كورتاثار". هذه الحركة عملت فى نظره على نقل الأدب الامريكي اللاتيني من المحليّة إلى العالمية ، وعمّمت وعمّقت المفهوم البورخياني وهو أنّ الكاتب الجيّد هو كلّ الكتّاب، وبواسطة هذا الادب لم تعد الأسطورة والمعجزة مجازا أو إستعارات أو أوهاما بل أصبحتا حقائق كلّ أيامنا المعاشة. ويؤكّد هذا الكاتب أنّه لا ينبغي أن يعزب عن بالنا الدور الذي لعبته مدينة برشلونة بالذات فى نشر وذيوع هذه الحركة الادبية ، كما لا ينبغي ان ننسى أن المترجم الإنجليزي "غريغوري روباسّا" الذي عني بهذه الحركة عناية فائقة هو إبن مواطن كاطالاني ، كما أنّ الناشر الذي عني بهذا "البوم" فى الأرجنتين هو"باكو بوروا" وهو من غاليسيا بإسبانيا .
وفى رأي الصّحافي الإسباني البارز "خوان كروث" فإنّ هذه الحركة الادبية شكّلت نوعا من الإنتشار والتنوّع للإبداع الأدبي ليس لهما نظير ، فالبّووم يعني الإنفجار الذي قلب موازين الإبداع الادبي بتلك الهالة الخلاّقة التي تمثّلت فى الواقعية السحرية التي إنصهرت داخل هذا الحركة نفسها .
ويرى الكاتب الأمريكي " شارلز باكستر" أن أوّل ما وصل إليه من الأدب الامريكي اللاتيني المعاصر كانت قصص خورخي لويس بورخيس، وخوليو كورتاثار، ثمّ إكتشف فيما بعد الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز إلاّ أنّه ما لبث أن مال فيما بعد إلى الأديب التشيلي " خوسّيه دونوسو" خاصّة كتابه" طائر الليل الفاحش " الذي لم يتمكّن من التخلّص من آثاره إلى اليوم. هذه الحركة الأدبية تقتنص اللحظات اليومية المعاشة وتصفها بحماس كبير، ترصد حتى الأوهام، والشطحات والأطياف، والكوابيس، والشخصيّات. هنا تكمن قوّة وزخم هذه القصص ، ولقد ظل هذاالنّوع من الأدب ضعيفا إلى حدّ مّا فى الولايات المتحدة الامريكية".
عولمة اللغة الإسبانية
الكاتبة البيروفية الأمريكية " ماري أرانا" ترى انّ هذه الحركة الأدبية لم تكن ظاهرة أمريكا اللاتينية ، بل كانت أمريكية نظرا لما كان يحدث حولها من مخاض بين قرّاء لم يكونوا على علم أو دراية، بل إنهم لم يعيروا أدنى إهتمام بما يجرى فى أمريكا اللاتينية من ثراء أدبي، وإبداع راق، وخيال مجنّح، كما أنهم لم يكونوا على علم بعد بالتراث العظيم للأدب الإسباني، وكان هذا البّوم نوعا من الموضة أو البدعة، ، ولكن لا يمكن مناقشتها. وطفق الأمريكيون ينظرون من خلال عيون أخرى مختلفة غير عيونهم ، ودخلوا فى جلد آخر..
وقالت إنّ هذا البّوم لا يمكن إعتباره حركة موحّدة، مثل حركة الرومانسيّين الفرنسييّن أو مثل حركة الطلائعييّن الرّوس ، كما أنّ هذا البوم لم يكن حركة كتّاب، بقدر ما كان حركة قرّاء، فقد أفضت هذه الحركة الأدبية إلى زيادة عدد القرّاء بشكل لم يسبق له مثيل، وذلك ترحيبا وحفاوة بالخيال الأمريكي اللاتيني الجديد . وتؤكّد الكاتبة انّ أحد الصّحافيين الأمريكيين الكبار وهو "جيمس ريستون" كان مخطئا عندما قال "إنّ أمريكا بمقدورها أن تفعل أيّ شئ من أجل أمريكا اللاتينية، ولكنها لا يمكنها أن تقرأ شيئا لها أوعنها " .
الكاتب الهولاندي "سيس نوتيبوم" يرى أنّ غابرييل غارسيا ماركيز قد إكتشف قارّة ولقننا كيف نحكي الحكايات، ونقصّ القصص، البّووم عرّفنا كذلك بسوداوية وعمق الكاتب الأوروغوائي خوان كارلوس أونيتّي ، وعالم بورخيس المسحور، وألمعية وبريق بيّو كاساريس.
وفى نظر الكاتب الإسباني" خوسّيه ماريا بوثويلو إيفانكوس" أنّ هذه الحركة أسهمت فى عولمة اللغة الإسبانية وثقافتها وعرّف بالأدب المكتوب فى هذه اللغة على أوسع نطاق، ونقل هذا الأدب وترجمته إلى مختلف اللغات العالميّة الحيّة ، وكانت أولى قراءاته لهذا البّووم "مدينة الكلاب " ليوسا ،و"مائة سنة سنة من العزلة" لماركيز ، و"راجويلا "لكورتاثار.فبواسطة خوان رولفو أدخل إلى الأدب العالمي السرد الهيكلي، مرورا بويليام فولكنر، وقدّم بارغاس يوسا السّرد الذي يرصد الواقع بواسطة الخيال، وتقريب الرّواية من التاريخ الجماعي، واستعاد أليخو كاربينتيير أجمل التقاليد الباروكية السّردية فى اللغة..؟
*كاتب من المغرب يقيم فى إسبانيا (غرناطة).
**هذاالإستطلاع نشرته جريدة"البّايس"الإسبانيةبتاريخ17نوفمبر2012وجميع المداخلات هي من ترجمة كاتب هذه السّطور.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.