موتسيبي: نجاح كرة القدم في المغرب يجسد القيادة المتبصرة للملك محمد السادس    طنجة تستعد لكأس إفريقيا للأمم ببرنامج تنموي بقيمة 130 مليار سنتيم.. وهذه أبرز مشاريعه    بنعلي تعلن عن إنشاء أول محطة لاستقبال الغاز الطبيعي المسال بالناظور على خلفية ارتفاع لافت للاستثمار في الطاقات المتجددة    وزراء أفارقة يتفقون بمكناس على خطة زراعية ودعم تفاوضي موحّد للقارة    الأردن يتهم "الإخوان" بتصنيع الأسلحة    "توريد أسلحة لإسرائيل" يفجّر استقالات بفرع شركة "ميرسك" بميناء طنجة    وزير الزراعة الفلسطيني يشيد بالدعم المتواصل لوكالة بيت مال القدس الشريف للمزارعين المقدسيين    تعزيز التعاون الأمني المغربي الإسباني    خبراء ينادون بتدريس التنشيط الرياضي    الاستقلال يفوز بانتخابات جزئية ببوجدور    شباب الريف الحسيمي يراهن على جماهيره في مواجهة وداد صفرو    رئيس الحكومة يشرف على انطلاق جولة أبريل من الحوار الاجتماعي    سابقة قضائية.. محكمة النقض تنتصر لشابة تعاني اضطرابات عقلية أنجبت طفلا من شخص بالحسيمة    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها بأداء إيجابي    وزراء الخارجية العرب يرحبون بانتخاب المغرب لرئاسة التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان    بعد حوادث في طنجة ومدن أخرى.. العنف المدرسي يصل إلى البرلمان    الوقاية المدنية تواصل البحث عن تلميذ جرفته المياه في شاطئ العرائش    الابتكار في قطاع المياه في صلب نقاشات الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب    تعزيز التعاون المغربي الفرنسي، في صلب مباحثات بوريطة ورئيسة جهة «إيل دو فرانس»    السعودية توافق على اتفاقيات تسليم المطلوبين ونقل المحكومين مع المغرب    بالتعاون مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.. نقل سيدة إيفوارية من الداخلة إلى مراكش عبر طائرة طبية بعد تدهور حالتها الصحية    في حضرة الوطن... حين يُشوه المعنى باسم القيم    المغرب يجذب مزيدا من الفاعلين الاقتصاديين والمستثمرين الدوليين (صحيفة فرنسية)    الإتحاد الأوروبي يخاطر بإثارة غضب ترامب    وزراء الخارجية العرب يؤكدون على مركزية اتفاق الصخيرات كإطار عام للحل السياسي في ليبيا    بطلة مسلسل "سامحيني" تشكر الجمهور المغربي    الكتاب في يومه العالمي، بين عطر الورق وسرعة البكسل    إلغاء ضربة جزاء أعلنها الحكم تفجر غضب جمهور فتح الناظور    "التقدم والاشتراكية" ينتقد خوف الأغلبية من لجنة للتقصي حول "دعم الماشية" ويستنكر وصف أخنوش المعارضة ب"الكذب"    "طنجة المتوسط" يؤكد دعم الصادرات في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس    وفاة الإعلامي الفني صبحي عطري    وزير الداخلية يحسم الجدل بخصوص موعد الانتخابات الجماعية والتقسيم الانتخابي    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    زلزال بقوة 6.2 درجة يضرب إسطنبول    وزارة التعليم العالي تدرس إمكانية صرف منحة الطلبة شهريا    نادي "الكاك" يعتذر لجمهور القنيطرة    نادي مولودية وجدة يحفز اللاعبين    عباس يطالب "حماس" بتسليم السلاح    تراجع أسعار الذهب مع انحسار التوترات التجارية    القضاء يستمع إلى متزوجين في برنامج تلفزيوني أسترالي    إصابة الحوامل بفقر الدم قد ترفع خطر إصابة الأجنة بأمراض القلب    الحل في الفاكهة الصفراء.. دراسة توصي بالموز لمواجهة ارتفاع الضغط    أمريكا تتجه لحظر شامل للملونات الغذائية الاصطناعية بحلول 2026    هذه أغذية مفيدة لحركة الأمعاء في التخلص من الإمساك    المغرب يعزز منظومته الصحية للحفاظ على معدلات تغطية تلقيحية عالية    في الحاجة إلى مغربة دراسات الهجرة..    نقل نعش البابا فرنسيس إلى كاتدرائية القديس بطرس    توقيع شراكة استراتيجية ومذكرة تفاهم لبحث الفرصة الواعدة في إفريقيا بين فيزا ومجموعة اتصالات المغرب    في جولة أبريل من الحوار الاجتماعي.. الاتحاد العام لمقاولات المغرب يؤكد على تجديد مدونة الشغل والتكوين    المنتخب المغربي للتايكواندو يشارك في كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو بأديس أبابا    "الإيقاع المتسارع للتاريخ" يشغل أكاديمية المملكة المغربية في الدورة الخمسين    الغربة بين الواقع والوهم: تأملات فلسفية في رحلة الهجرة    صحيفة ماركا : فينيسيوس قد يتعرض لعقوبة قاسية (إيقاف لمدة عامين    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرمزية في فيلم "يليكيس دوار البوم"
نشر في لكم يوم 13 - 09 - 2020

شرعت القناة الأولى المغربية في تقديم بعض الأفلام المغربية الحديثة ليلة كل جمعة لتخفيف حدة الحجر الصحي على الأسر ومتتبعي القناة، وتقريب آخر الأفلام السينمائية للجمهور العريض، هكذا كان الجمهور في سهرة 11 شتنبر 2020 على موعد مع طبق سينمائي حصد عددا من الجوائز في مهرجانات مغربية ،عربية وعالمية بعد أن ظل حبيس القاعات والمهرجانات… يتعلق الأمر بالفيلم الطويل "كيليكيس دوار البوم" الصادر سنة 2018، والشريط لعز العرب العلوي كتابة وإخراجا، ومن بطولة ثلة من النجوم المغاربة منهم من محمد الرزين في دور الفقيه وابنيه: أمين الذي لم يظهر في الشريط إلا جثة قضت نحبها في المعتقل، وحسن الذي جسد دوره أمين الناجي، إضافة إلى حسن بديدا الذي لعب دور سعيد وجسدت أسماء سريوي دور ابنته وفاء، فيما حضر كمال كاظمي في دور حميدة ، في حين لعبت دور أمه الفنانة فاطمة هراندي التي انجبته سفاحا، وجاءت نعيمة المشرقي ضيف شرف في دور أم أحد المعتقلين تتعقب آثار ابنها ممثِّلة لأمهات المعتقلين… كما أدى ممثلون آخرون دور شخصيات عسكرية منهم محمد بوصبع في دور الكولونيل المشرف على المعتقل، وجمال العبابسي في دور الكابران وشخصيات (كومبراس) جسدت أدوار الجنود والحرس في توهيم للمتفرج بواقعية الأحداث… وعلى الرغم من كون الفيلم واقعي يقارب قضايا واقعية، ويحيل على أحداث تاريخية… فكثيرة هي اللقطات الحبلى فيه بالدلالات الرمزية….
يبدأ الفيلم بمجموعة من الرسائل الرمزية أولها تصريحٌ للمخرج يحدد فيه المكان (منطقة صحراوية) الزمان (لم أتجاوز حينها الثامنة من عمري) الحدث (لعبة واحدة حرس ومساجين) والهدف من الشريط ( للحكي للرسم عبر الصورة، عبر السينما، ملامح جرح يأبى النسيان) لينطلق الشريط بصورة لعين تنظر من كوة صغيرة ثم جنود يقودون أسرى مكبلة أرجلهم معصوبة عيونهم تحت جنح الظلام، قبل أن ينبعث صوت المؤذن ينادي للصلاة… ويكون أول مشهد حواري من خلال سؤال استنكاري يسأل فيه الفقيهُ الأطفالَ: "لماذا لا تذهبون للجامع" كأنه ينكر عليهم هذا السلوك ويدعوهم ليؤموا الجامع… كل هذه المؤشرات وغيرها في البداية تفتح شهية المتلقي للتأويل…
من وسط هذه المشاهد المشحونة بدلالات سالبة ينبثق الأمل مع شابين "حسن" و"وفاء" وقد اختار المؤلف اسميهما بعناية فائقة تخدم سيرورة أحداث الشريط يتناوب المشهد الثاني بين صورة حسن يحمل سلال قصب ووفاء المتعلمة تشمخ عائدة للقرية لإنقاذها من الجهل، ونظراتهما تقطر رومانسية وتشع أملا يعد المتفرج باحتمال وجود علاقة عاطفية قوية بينهما واستعدادهما لتجاوز كل ما قد يقف في طريق علاقتهما في هذه القرية المنسية بين جبال الأطلس… من هاتين الشخصيتين تتناسل الأحداث وتكون تلك العلاقة هي الخيط الرابط بين معظم أحداث الفيلم. فرغم هجرة معظم سكان الدوار ظل شيء غامض يشد الفقيه إلى القرية منذ تحويل قصبة الدوار التي بناها الأجداد إلى قاعدة عسكرية… ليكشف تطور الأحداث عن انتظار الفقيه عودة ابنه "أمين" الذي مضى على سفره لمتابعة دراسته زمن طويل دون أن تعرف عنه أسرته شيئا… وفي علاقة حسن بوفاء يتكون ثنائي متمرد رافض للجهل والتسلط ويهدف لتحرير السكان من الأغلال والقيود التي تكبلهم…
فيلم "كيليكيس دوار البوم" يتشابه و معظم أفلام السجون والاعتقال السياسي في اختيار المعتقل في منطقة نائية معزولة، وإيهام الحراس والعسس أن المعتقلين أعداء الوطن والدين، واختيار الحرس من الناس البسطاء السذج الذين يصدقون ما يقوله رؤساؤهم (يفعلون ما يُومَرون) وإبراز الصراع بين السجين والسجان، بين الجلاد والضحية مع التركيز على جبروت السجان، والشطط في استعمال السلطة. فكان الكابران حميدة يستغل سلطته في التبضع من البقال دون أن يدفع ثمن تبضعه، ويستغل الجنود ويحتم عليهم أن يدفعوا له من أجرتهم ويمونون حفلاته الراقصة، وهو يفتخر ويشمخ بتسلطه " أنا لم أدرس وها أنا ذا أتحكم في أولئك الذين درسوا" .لكن ما ميز الشريط خصوصيته المحلية وارتباطه في الوجدان الجمعي المغربي بسنوات الجمر والرصاص وإحالاته المتكرر على معتقل تازمامارت الرهيب وإن لم يذكره بالاسم والصفة. إضافة إلى حسن اختيار المناظر الخارجية حيث جبال الأطلس بقممها وأوديتها تقدم ديكورا سينمائيا قل نظيره، زاده تماهيا مع الأحداث حسن اختيار بعض المؤثرات الخاصة (spéciaux steffe) الأمطار وإنزال هيلوكوبتر في باحة القلعة، ويبقى خلق قنطرة بين الدوار والقلعة أهم مؤثر خاص يحمل دلالات رمزية كثيرة خاصة وأنه وظف أكثر من مرة في نقل النعوش… كل رمز من هذه الرموز والمؤثرات والأحداث في الفيلم تستحق قراءة نقدية خاصة لكن سنقتصر بإيجاز شديد – في هذا المقال القصير– على بعض الدلالات الرمزية التي تفرضها المادة المعروضة ومنها:
1. رمزية العنوان: إن كان المتفرج العادي يجد صعوبة في تحديد رمزية كلمة "كيليكيس" باستثناء استخدامها رمزاً سِرياً بين المعتقلين، فإن الشق الثاني من العنوان "دوار البوم" يُشرِّع باب التأويل أمام معاني هذا الطائر العجيب فالبوم جمعٌ لكلمة "بومة" وهي طائر ليلي يتميز بعينيه القادرتين على الرؤية حتى في الظلام، وصاحب أقوى نظرة والكائن الوحيد الذي يمكنه رؤية الشيء بالعينين معاً في ذات الوقت، يتميز بدقته في الصيد وسهولة الإيقاع بفرائسه من القوارض (يأكل ما يزيد على 5000 فأر في السنة)… لذلك تتعدد المعتقدات والأساطير الإنسانية حول هذا الطائر بين من يقدسه ويمنع أكله أو صيده، ومن يربطه بالسحر والشعوذة ، من يرى فيه رمزاً للشؤم وجلب الموت، ومن يراه طائرا مسالما صديقا للإنسان يساعده في التخلص من القوارض الذي تهدد مسكنه وحقوله…
والغريب أن كل هذه المعاني واردة في النص السينمائي بَدْءاً بالعين الثاقبة التي كانت ترقب ما يقع، مرورا باعتبار الدوار مكان للشؤم والموت، منذ أن حطت البوم على أسوار القلعة وحولتها إلى سجن ومنطقة عسكرية أرغمت الأهالي على مغادرة أرضهم، واعتبار العساكر بوماً لا تتلذذ بالتعذيب إلا ليلا، ترصد كل كبيرة وصغيرة يسهل عليها صيد الانقضاض على أي قارض بشري ترون فيه تهديدا للنظام… ومن تم فالبوم قد تطلق في الشريط على العساكر، كما قد تطلق على سكان الدوار…
2. رمزية التمر: كان للتمر حضور في ثلاثة مشاهد الأول عندما قدمت الحاجة حبات منه لبوزكري المنبوذ على حواف الدوار. والثاني لما قدمه الفقيه للحاجة وهو يواسيها في مصير ابنها المختطف، والمشهد الثالث في تقديم الفقيه التمر هدية لحميدة الذي قدمه سراً لأمين ابن الفقيه في ذات الكيس الورقي الذي سيستغله لخط رسالته الأخيرة لوالده بدمه ومن تم يتجاوز التمر دلالته الطبيعية كغذاء إلى علاقات وشائج مشحونة بالتعاطف دعمت كشف بعض الحقائق التي كان ينتظرها المتلقي وساهمت في تطوير أحداث الشريط…
3. رمزية القنطرة: على الرغم من كون القنطرة مجرد مؤثر خاص أحسن فريق المونطاج برئاسة غزلان أسيف توظيفها لتلعب دورا أساسيا في أحداث الفيلم باعتبارها صلة وصل بين عالمين يفصلهما وادٍ سحيق يستحيل عبوره دون قنطرة، ومما زاد في حسن توظيف هذه القنطرة استغلالها لنقل الموتى والنعوش فكان لتكرار صورة نقل الفقيه وسعيد للنعوش عبر تلك القنطرة دلالات تحيل على الربط بين عالمي الموت / الحياة، عالمي الحرية / الاعتقال…
4. رمزية النعش: عادة يستخدم النعش لنقل جثث الموتى إلى القبور، لكنه في فيلم " كيليكيس دوار البوم" وإن حافظ على وظيفته فقد جعل له كاتب النص وظيفة دلالية ليصبح رمزا للفرح لما زينه حسن برسم الورود والأزهار على واجهاته وجعل له عجلات ليتدحرج به مع عشيقته وفاء في المنحدر في مشهد مليء بالفرح، كما استحال النعش ذاته في نهاية الفيلم مركبا للنجاة استطاع من خلاله البطل حسن تهريب معشوقته مع السجل الذي يحوي أسماء المعتقلين، كمؤشر على إمكانية كشف اسرار فضائع ذلك المعتقل السري للعموم…
5. رمزية النافذة: حضرت النافذة في الفيلم في مشاهد متعددة داخلية وخارجية، ليلية ونهارية… فمن خلال النافذة تردد العشيقين (حسن وحميدة) على وفاء أول الأمر، كما كان لقضبان وشكل وصفاء أو ضبابية زجاج النافدة دلالته، فحميدة أرعَب وفاء وأظلم نهارها وهو يطل عليها من كوة نافذة القسم المتكسرة في وضح النهار، فيما أطلت من النافذة ليلا على حسن لتضيء ليله وهو ثمل يعربد أمام البيت تشع الفرحة من عينيها رغم وجود أبيها، وكان تصوير عملية دفن أمين من النافدة عن بعد في غاية الدقة والاحترافية، وعبر النافذة تتوصل وفاء من أبيها بخبر وفاة أمين ، وكما كانت البداية بنافذة اختار المخرج إنهاء الشريط بتوديع حسن لوفاء وخروجه على النعش مما يشبه النافذة ليقدم نفسه فداء ، مفضلا الموت تحت رصاص العساكر بدل الاستسلام لسم الثعبان وينتهي الفليم بمشهد ليلي وصورة قاتمة يخرج فيها الكولونيل يحمل معطفه ووحدها النوافذ مضاءة…
6. القضبان: كثيرة هي المشاهد التي صورت من وراء قضبان خاصة في بداية الشريط في إشارة إلى اعتبار المنطقة سجنا ابتداء من بداية الشريط حين تظهر أم حميدة تمسك قضبان النافدة وتتابع إدخال المعتقلين إلى المعتقل، وتليها لقطة تصوير الفقيه يخاطب الأطفال من خلف قضبان القصب ، فصورة حسن في أول لقاء له بوفاء وقد وضع على رأسه كرسي… كل ذلك يحيل على كثر العراقيل الت قد تعترض هذه الشخصيات… وكانت لقطة خروج حميدة من مكتبة لإحضار كوب ماء لسعيد وتصويره من وراء قضبان النافذة اللقطة الفارقة في تغيير مسار أحداث الشريط..
7. رمزية أسماء الشخصيات: اختار كاتب النص السينمائي أسماء الشخصيات بعناية. فكان من الشخصيات ما يحمل ما دلالات دينية ( الفقيه والحاجة) أو دلالاته العسكرية (الكولونيل والكابران) . كما كان للأسماء المختارة للشخصيات رمزيتها، فكانت أسماء ثنائي البطولة (حسن ووفاء) أسماء على مسميات: وفاء فعلا كانت رمزا للثقة والوفاء، وفية هدفها تعليم فتيات المنطقة وتنوير عقولهن، ومستعدة للتضحية بكل ما تملك من أجل خدمة أبناء منطقتها، وكذلك كان حسنُ حسنَ الخَلق والخُلق ليقدما للقارئ شخصيتين بسيطتين ثابتين على مواقفهما لكنهما بطلان إشكاليان هدفهما التمرد على السائد وتغيير الواقع … عكس بعض الشخصيات النامية التي غيرت مواقفها مع تطور الأحداث ك"سعيد" الذي لم يعرف السعادة يوما في حياته، وظل يحمل ما يختلج في صدره من معاناة إلى نهاية الشريط عندما اختار تغيير موقفه وسرقة سجل الأسماء وتقديمه لحسن مع علمه بما ينتظره لو اكتشف أمره…
8. رمزية الكلب: كان للكلاب في الشريط دوران مختلفان الأول تمثل في دور "لايكا" كلبة الكولونيل المدللة، والتي تحظى من العناية والرعاية ما لا يحظى به البشر وهي مؤنسة الكولونيل الوحيد في ذلك المكان المقفر، واسمها يحيل على أول كائن ثديي يخرج إلى الفضاء ويدور حول الأرض، وأوّل من فقد حياته جرّاء هذه التجربة. وربما لذلك اختار كاتب النص قتلها سينمائيا إضافة لإحساس الكولونيل بما يحس به عامة الناس عند فقد من يعزون، فيما تمثل الدور الثاني للكلاب في ترويع وترهيب المعتقلين كما تجلى في المشاهد الأخيرة بعدما تم إطلاق الكلاب على حميدة وسعيد عساهما يعترفان اين اختفى سجل الأسماء…
9. رمزية الثعبان: على الرغم من حضور الثعبان في الشريط ضمن مشهدين مرعبين : الأولى كان فيها الثعبان أخضر اللون أخاف الحاجة بعدما رأته يخرج من تحت الصخر الذي وضعت عليه بعض الأكل لبوزكري المنبوذ في تعبير وإشارة إلى اقترابها من جحر الثعبان وضرورة الحذر كلما اقتربت من القلعة… والثانية كان الثعبان كبرى سوداء لسعت "حسن" وهو يستخرج النعش من تحت أوارق الشجر ليهرب فيه مع عشيقته… والثعبان في الثقافة الإنسانية يتأرجح بين كونه رمزا للخصوبة والتجدد والشفاء، ورمزا لسرقة الحياة الأبدية الخالدة من الإنسان، والمشهدان معا لا تبتعد دلالتهما عن هذين المعنيين، فحتى وإن كان الثعبان سببا في قتل "حسن" وسرقة حياته فقتله كان خلاصا وتخليصا له من التنكيل الذي كان ينتظره لو ظل حيا وهو المقتنع بأن الموت بعزة خير من الحياة في الذل…
10. رمزية الفقيه: للفقهاء دور هام في تاريخ المغرب، وقد أجاد الشريط الرقص على رمزية الفقيه سواء باعتباره مساعدا للسلطة في تمرير مواقفها، أو باعتباره واعظا مرشدا له وظائف تعليم الصبية، غسل الأموات وتكفينهم ودفنهم، فعليه اعتمدت السلطة في تحويل القلعة إلى معتقل، تنكر لصديقه بوزكري، وظل الساعد الأيمن للقائمين على المعتقل يغسل ويدفن من أصابه هازم الذات ومفرق الجماعات، وإليه كان يرجع كل من ضاق عن تحمُّل ما يغلي في الصدر من هموم وكروب وظل الناصح للجميع والمؤذن للصلاة إلى أن اكتشف وفاة ولده بالمعتقل، ليختار له المخرج طريق الصمت والخرس…
بالإضافة إلى كل ذلك ففي الشريط رمزية لعناصر وشخصيات كثيرة يتداخل فيها القيمي بالديني والسياسي كرمزية المفتاح والمتعلم، ورجل السلطة، ورمزية الحلال والحرام، وخادم الوطن وعدو الوطن و…
تقنياً ما كان الفيلم ليحظى بكل تلك الجوائز التي حضي بها(الجائزة الكبرى لمهرجان الدولي لنيسفييل بصربيا ، وجائزة أفضل إخراج بمهرجان وهران الدولي، وجائزة التميز لأحسن فيلم أجنبي بمهرجان كندا الدولي للفيلم، وجائزة أحسن دور رجالي في مهرجان مونتكومري بأمريكا) ناهيك عن مشاركته في العديد من المهرجانات الدولية، ما لم يكن في المستوى من الناحية التقنية، خاصة وأن وراءه فريقا متخصصا أجاد سينانوس أندرياس إدارة التصوير واللعب على الضوء والتعتيم، واختيار زوايا التصوير بطريقة تتناسب والموسيقى التصويرية التي نسح خيوط إيقاعاتها عادل عيسى لتتماشى والصوت الحساني للمطربة رشيدة طلال الذي طرَّز حواشي الشريط خاصة جنيريك النهاية. بعدما كان خيَّب أفق انتظار المتفرج الذي كان ينتظر عيطة أطلسية وسط الشريط وهو يرى دخول فرقة أطلسية للقلعة ليتفاجأ بذلك الصوت الحساني الرخيم، وقد يكون لاختيار مغنية حسانية صحراوية في الشريط يقارب قضية وطنية حقوقية ما يبرره…
وبما أن الشريط يقارب قضية حقوقية سياسية حساسة، فقد كان كاتب النص ومخرج الشريط حذرا في التعامل مع بعض الأحداث، فتجنب الإيغال في تصوير تعذيب المعتقلين، ولمَّح دون تفاصيل للقرار العُلوي الذي صدر بإغلاق المعتقل والتخلص من كل الوثائق، ودون أن يحسم في مآل الكثير من الشخصيات ومصيرهم، ودون أن يعبر عن موقف صريح من أسئلة حارقة مثل من يخدم الوطن، ومن هم أعداؤه ناهبوه؟ وكيف أدرِج العسكر في تسيير المعتقل في بلد تسيير السجون فيه من اختصاص مؤسسات مدنية تابعة للعدل أو الداخلية وليس للمؤسسة العسكرية؟
لكن رغم ذلك فإن الشريط تحفة سينمائية تمرر رسائل متعددة، وإضافة نوعية لما تراكم في المجال السينمائي المغربي عامة وتيمة السينما المرتبطة بسنوات الجمر والرصاص، فهو فيلم يثير مشاعر المتلقي ويجعله يتعاطف مع الشخصيات لما تحمله وتعيشه من صراع داخلي حتى وإن كان يختلف معها في الموقف، وهو عمل يعكس بجلاء الانفراج الحاصل في حرية التعبير وحقوق الإنسان خاصة وأن الفيلم، وهو ينتقد واقعا كان معاشا، جاء شراكة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمركز السينمائي المغربي وعدد من المؤسسات الوطنية والمحلية الموجودة بالأمكنة التي تم تصوير الشريط في مجالها الترابي… في تعبير صريح وإيمان بضرورة التغيير وهو ما عكسته المؤشرات الختامية مثل أبيات بابلو نيرودا الذي طلعت في بداية جينيرك الخاتمة (تستطيعون قطف جميع الأزهار لكنكم أبداً لا تستطيعون وقف زحف الربيع)، ونبات الأزهار على قبر أمين وكلمات أغنية الجنيريك التي تردد فيها رشيدة طلال وهي ترسم فيها الأفق الموعود :
هاك يا زماني ارسم لي صورة
عيونها دامعة وأذيالها جارية
ألوانها وحدة: الأحمر طاغي على لون السدرة
هاك يا زماني ألوان الطيف ….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.