الصحافيون الشرفيون المتقاعدون يسلطون الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية    التضخم السنوي في المغرب يسجل 2.4% في 2024    ارتفاع أسعار الذهب لأعلى مستوى في 11 أسبوعا وسط ضعف الدولار    مجموع مشتركي نتفليكس يتخطى 300 مليون والمنصة ترفع أسعارها    "أزياء عنصرية" تحرج شركة رحلات بحرية في أستراليا    الكاف يؤكد قدرة المغرب على تنظيم أفضل نسخة في تاريخ كأس أمم إفريقيا    إحباط محاولة تهريب تسعة أطنان و800 كلغ من مخدر الشيرا وتوقيف ستة مشتبه فيهم    مراكش: توقيف 6 سيدات وشخص لتورطهم في قضية تتعلق بالفساد وإعداد وكر لممارستة    دراسة: أمراض اللثة تزيد مخاطر الإصابة بالزهايمر    وهبي: مشروع قانون المسطرة الجنائية ورش إصلاحي متكامل له طابع استعجالي    تصريحات تبون تؤكد عزلة الجزائر عن العالم    حماس تنعى منفذ عملية تل أبيب المغربي حامل البطاقة الخضراء الأمريكية وتدعو لتصعيد المقاومة    ترامب يصفع من جديد نظام الجزائر بتعيين سفير في الجزائر يدعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء    أبطال أوروبا.. فوز درامي لبرشلونة وأتلتيكو يقلب الطاولة على ليفركوزن في مباراة عنيفة    شح الأمطار في منطقة الغرب يثير قلق الفلاحين ويهدد النشاط الزراعي    تداولات الإفتتاح ببورصة الدار البيضاء    تنفيذا للتعليمات الملكية.. تعبئة شاملة لمواجهة موجة البرد في مناطق المملكة    الجفاف وسط البرازيل يهدد برفع أسعار القهوة عبر العالم    وزارة التربية الوطنية تبدأ في تنفيذ صرف الشطر الثاني من الزيادة في أجور موظفيها    الدريوش تؤكد على ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي للمضاربات في سعر السردين    عادل هالا    جماهير جمعية سلا تطالب بتدخل عاجل لإنقاذ النادي    رئيس جهة سوس يقود حملة انتخابية لمرشح لانتخابات "الباطرونا" خلال نشاط رسمي    فرنسا تسعى إلى توقيف بشار الأسد    بنما تشتكي ترامب إلى الأمم المتحدة    كيوسك الأربعاء | الحكومة تنهي جدل اختصاصات كتاب الدولة    خديجة الصديقي    Candlelight تُقدم حفلاتها الموسيقية الفريدة في طنجة لأول مرة    الكشف عن النفوذ الجزائري داخل المسجد الكبير بباريس يثير الجدل في فرنسا    الصين تطلق خمسة أقمار صناعية جديدة    توقعات طقس اليوم الأربعاء بالمملكة المغربية    المدافع البرازيلي فيتور رايش ينتقل لمانشستر سيتي    الشاي.. كيف تجاوز كونه مشروبًا ليصبح رمزًا ثقافيًا عميقًا يعكس قيم الضيافة، والتواصل، والوحدة في المغرب    نقاش مفتوح مع الوزير مهدي بنسعيد في ضيافة مؤسسة الفقيه التطواني    الكنبوري يستعرض توازنات مدونة الأسرة بين الشريعة ومتطلبات العصر    جريمة بيئية في الجديدة .. مجهولون يقطعون 36 شجرة من الصنوبر الحلبي    سقوط عشرات القتلى والجرحى جراء حريق في فندق بتركيا    ماستر المهن القانونية والقضائية بطنجة ينظم دورة تكوينية لتعزيز منهجية البحث العلمي    أمريكي من أصل مغربي ينفذ هجوم طعن بإسرائيل وحماس تشيد بالعملية    كأس أمم إفريقيا 2025 .. "الكاف" يؤكد قدرة المغرب على تنظيم بطولات من مستوى عالمي    المغرب يواجه وضعية "غير عادية" لانتشار داء الحصبة "بوحمرون"    الدفاع الجديدي ينفصل عن المدرب    اليوبي يؤكد انتقال داء "بوحمرون" إلى وباء    فضيل يصدر أغنيته الجديدة "فاتي" رفقة سكينة كلامور    افتتاح ملحقة للمعهد الوطني للفنون الجميلة بمدينة أكادير    أنشيلوتي ينفي خبر مغادرته ريال مدريد في نهاية الموسم    الغازوال والبنزين.. انخفاض رقم المعاملات إلى 20,16 مليار درهم في الربع الثالث من 2024    تشيكيا تستقبل رماد الكاتب الشهير الراحل "ميلان كونديرا"    المؤتمر الوطني للنقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية: "خصوصية المهن الفنية أساس لهيكلة قطاعية عادلة"    في حلقة جديدة من برنامج "مدارات" بالاذاعة الوطنية : نظرات في الإبداع الشعري للأديب الراحل الدكتور عباس الجراري    الإفراط في اللحوم الحمراء يزيد احتمال الإصابة بالخرف    وفاة الرايس الحسن بلمودن مايسترو "الرباب" الأمازيغي    علماء يكشفون الصلة بين أمراض اللثة وأعراض الزهايمر    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    الأمازيغية :اللغة الأم….«أسكاس امباركي»    ملفات ساخنة لعام 2025    أخذنا على حين ′′غزة′′!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرمزية في فيلم "يليكيس دوار البوم"
نشر في لكم يوم 13 - 09 - 2020

شرعت القناة الأولى المغربية في تقديم بعض الأفلام المغربية الحديثة ليلة كل جمعة لتخفيف حدة الحجر الصحي على الأسر ومتتبعي القناة، وتقريب آخر الأفلام السينمائية للجمهور العريض، هكذا كان الجمهور في سهرة 11 شتنبر 2020 على موعد مع طبق سينمائي حصد عددا من الجوائز في مهرجانات مغربية ،عربية وعالمية بعد أن ظل حبيس القاعات والمهرجانات… يتعلق الأمر بالفيلم الطويل "كيليكيس دوار البوم" الصادر سنة 2018، والشريط لعز العرب العلوي كتابة وإخراجا، ومن بطولة ثلة من النجوم المغاربة منهم من محمد الرزين في دور الفقيه وابنيه: أمين الذي لم يظهر في الشريط إلا جثة قضت نحبها في المعتقل، وحسن الذي جسد دوره أمين الناجي، إضافة إلى حسن بديدا الذي لعب دور سعيد وجسدت أسماء سريوي دور ابنته وفاء، فيما حضر كمال كاظمي في دور حميدة ، في حين لعبت دور أمه الفنانة فاطمة هراندي التي انجبته سفاحا، وجاءت نعيمة المشرقي ضيف شرف في دور أم أحد المعتقلين تتعقب آثار ابنها ممثِّلة لأمهات المعتقلين… كما أدى ممثلون آخرون دور شخصيات عسكرية منهم محمد بوصبع في دور الكولونيل المشرف على المعتقل، وجمال العبابسي في دور الكابران وشخصيات (كومبراس) جسدت أدوار الجنود والحرس في توهيم للمتفرج بواقعية الأحداث… وعلى الرغم من كون الفيلم واقعي يقارب قضايا واقعية، ويحيل على أحداث تاريخية… فكثيرة هي اللقطات الحبلى فيه بالدلالات الرمزية….
يبدأ الفيلم بمجموعة من الرسائل الرمزية أولها تصريحٌ للمخرج يحدد فيه المكان (منطقة صحراوية) الزمان (لم أتجاوز حينها الثامنة من عمري) الحدث (لعبة واحدة حرس ومساجين) والهدف من الشريط ( للحكي للرسم عبر الصورة، عبر السينما، ملامح جرح يأبى النسيان) لينطلق الشريط بصورة لعين تنظر من كوة صغيرة ثم جنود يقودون أسرى مكبلة أرجلهم معصوبة عيونهم تحت جنح الظلام، قبل أن ينبعث صوت المؤذن ينادي للصلاة… ويكون أول مشهد حواري من خلال سؤال استنكاري يسأل فيه الفقيهُ الأطفالَ: "لماذا لا تذهبون للجامع" كأنه ينكر عليهم هذا السلوك ويدعوهم ليؤموا الجامع… كل هذه المؤشرات وغيرها في البداية تفتح شهية المتلقي للتأويل…
من وسط هذه المشاهد المشحونة بدلالات سالبة ينبثق الأمل مع شابين "حسن" و"وفاء" وقد اختار المؤلف اسميهما بعناية فائقة تخدم سيرورة أحداث الشريط يتناوب المشهد الثاني بين صورة حسن يحمل سلال قصب ووفاء المتعلمة تشمخ عائدة للقرية لإنقاذها من الجهل، ونظراتهما تقطر رومانسية وتشع أملا يعد المتفرج باحتمال وجود علاقة عاطفية قوية بينهما واستعدادهما لتجاوز كل ما قد يقف في طريق علاقتهما في هذه القرية المنسية بين جبال الأطلس… من هاتين الشخصيتين تتناسل الأحداث وتكون تلك العلاقة هي الخيط الرابط بين معظم أحداث الفيلم. فرغم هجرة معظم سكان الدوار ظل شيء غامض يشد الفقيه إلى القرية منذ تحويل قصبة الدوار التي بناها الأجداد إلى قاعدة عسكرية… ليكشف تطور الأحداث عن انتظار الفقيه عودة ابنه "أمين" الذي مضى على سفره لمتابعة دراسته زمن طويل دون أن تعرف عنه أسرته شيئا… وفي علاقة حسن بوفاء يتكون ثنائي متمرد رافض للجهل والتسلط ويهدف لتحرير السكان من الأغلال والقيود التي تكبلهم…
فيلم "كيليكيس دوار البوم" يتشابه و معظم أفلام السجون والاعتقال السياسي في اختيار المعتقل في منطقة نائية معزولة، وإيهام الحراس والعسس أن المعتقلين أعداء الوطن والدين، واختيار الحرس من الناس البسطاء السذج الذين يصدقون ما يقوله رؤساؤهم (يفعلون ما يُومَرون) وإبراز الصراع بين السجين والسجان، بين الجلاد والضحية مع التركيز على جبروت السجان، والشطط في استعمال السلطة. فكان الكابران حميدة يستغل سلطته في التبضع من البقال دون أن يدفع ثمن تبضعه، ويستغل الجنود ويحتم عليهم أن يدفعوا له من أجرتهم ويمونون حفلاته الراقصة، وهو يفتخر ويشمخ بتسلطه " أنا لم أدرس وها أنا ذا أتحكم في أولئك الذين درسوا" .لكن ما ميز الشريط خصوصيته المحلية وارتباطه في الوجدان الجمعي المغربي بسنوات الجمر والرصاص وإحالاته المتكرر على معتقل تازمامارت الرهيب وإن لم يذكره بالاسم والصفة. إضافة إلى حسن اختيار المناظر الخارجية حيث جبال الأطلس بقممها وأوديتها تقدم ديكورا سينمائيا قل نظيره، زاده تماهيا مع الأحداث حسن اختيار بعض المؤثرات الخاصة (spéciaux steffe) الأمطار وإنزال هيلوكوبتر في باحة القلعة، ويبقى خلق قنطرة بين الدوار والقلعة أهم مؤثر خاص يحمل دلالات رمزية كثيرة خاصة وأنه وظف أكثر من مرة في نقل النعوش… كل رمز من هذه الرموز والمؤثرات والأحداث في الفيلم تستحق قراءة نقدية خاصة لكن سنقتصر بإيجاز شديد – في هذا المقال القصير– على بعض الدلالات الرمزية التي تفرضها المادة المعروضة ومنها:
1. رمزية العنوان: إن كان المتفرج العادي يجد صعوبة في تحديد رمزية كلمة "كيليكيس" باستثناء استخدامها رمزاً سِرياً بين المعتقلين، فإن الشق الثاني من العنوان "دوار البوم" يُشرِّع باب التأويل أمام معاني هذا الطائر العجيب فالبوم جمعٌ لكلمة "بومة" وهي طائر ليلي يتميز بعينيه القادرتين على الرؤية حتى في الظلام، وصاحب أقوى نظرة والكائن الوحيد الذي يمكنه رؤية الشيء بالعينين معاً في ذات الوقت، يتميز بدقته في الصيد وسهولة الإيقاع بفرائسه من القوارض (يأكل ما يزيد على 5000 فأر في السنة)… لذلك تتعدد المعتقدات والأساطير الإنسانية حول هذا الطائر بين من يقدسه ويمنع أكله أو صيده، ومن يربطه بالسحر والشعوذة ، من يرى فيه رمزاً للشؤم وجلب الموت، ومن يراه طائرا مسالما صديقا للإنسان يساعده في التخلص من القوارض الذي تهدد مسكنه وحقوله…
والغريب أن كل هذه المعاني واردة في النص السينمائي بَدْءاً بالعين الثاقبة التي كانت ترقب ما يقع، مرورا باعتبار الدوار مكان للشؤم والموت، منذ أن حطت البوم على أسوار القلعة وحولتها إلى سجن ومنطقة عسكرية أرغمت الأهالي على مغادرة أرضهم، واعتبار العساكر بوماً لا تتلذذ بالتعذيب إلا ليلا، ترصد كل كبيرة وصغيرة يسهل عليها صيد الانقضاض على أي قارض بشري ترون فيه تهديدا للنظام… ومن تم فالبوم قد تطلق في الشريط على العساكر، كما قد تطلق على سكان الدوار…
2. رمزية التمر: كان للتمر حضور في ثلاثة مشاهد الأول عندما قدمت الحاجة حبات منه لبوزكري المنبوذ على حواف الدوار. والثاني لما قدمه الفقيه للحاجة وهو يواسيها في مصير ابنها المختطف، والمشهد الثالث في تقديم الفقيه التمر هدية لحميدة الذي قدمه سراً لأمين ابن الفقيه في ذات الكيس الورقي الذي سيستغله لخط رسالته الأخيرة لوالده بدمه ومن تم يتجاوز التمر دلالته الطبيعية كغذاء إلى علاقات وشائج مشحونة بالتعاطف دعمت كشف بعض الحقائق التي كان ينتظرها المتلقي وساهمت في تطوير أحداث الشريط…
3. رمزية القنطرة: على الرغم من كون القنطرة مجرد مؤثر خاص أحسن فريق المونطاج برئاسة غزلان أسيف توظيفها لتلعب دورا أساسيا في أحداث الفيلم باعتبارها صلة وصل بين عالمين يفصلهما وادٍ سحيق يستحيل عبوره دون قنطرة، ومما زاد في حسن توظيف هذه القنطرة استغلالها لنقل الموتى والنعوش فكان لتكرار صورة نقل الفقيه وسعيد للنعوش عبر تلك القنطرة دلالات تحيل على الربط بين عالمي الموت / الحياة، عالمي الحرية / الاعتقال…
4. رمزية النعش: عادة يستخدم النعش لنقل جثث الموتى إلى القبور، لكنه في فيلم " كيليكيس دوار البوم" وإن حافظ على وظيفته فقد جعل له كاتب النص وظيفة دلالية ليصبح رمزا للفرح لما زينه حسن برسم الورود والأزهار على واجهاته وجعل له عجلات ليتدحرج به مع عشيقته وفاء في المنحدر في مشهد مليء بالفرح، كما استحال النعش ذاته في نهاية الفيلم مركبا للنجاة استطاع من خلاله البطل حسن تهريب معشوقته مع السجل الذي يحوي أسماء المعتقلين، كمؤشر على إمكانية كشف اسرار فضائع ذلك المعتقل السري للعموم…
5. رمزية النافذة: حضرت النافذة في الفيلم في مشاهد متعددة داخلية وخارجية، ليلية ونهارية… فمن خلال النافذة تردد العشيقين (حسن وحميدة) على وفاء أول الأمر، كما كان لقضبان وشكل وصفاء أو ضبابية زجاج النافدة دلالته، فحميدة أرعَب وفاء وأظلم نهارها وهو يطل عليها من كوة نافذة القسم المتكسرة في وضح النهار، فيما أطلت من النافذة ليلا على حسن لتضيء ليله وهو ثمل يعربد أمام البيت تشع الفرحة من عينيها رغم وجود أبيها، وكان تصوير عملية دفن أمين من النافدة عن بعد في غاية الدقة والاحترافية، وعبر النافذة تتوصل وفاء من أبيها بخبر وفاة أمين ، وكما كانت البداية بنافذة اختار المخرج إنهاء الشريط بتوديع حسن لوفاء وخروجه على النعش مما يشبه النافذة ليقدم نفسه فداء ، مفضلا الموت تحت رصاص العساكر بدل الاستسلام لسم الثعبان وينتهي الفليم بمشهد ليلي وصورة قاتمة يخرج فيها الكولونيل يحمل معطفه ووحدها النوافذ مضاءة…
6. القضبان: كثيرة هي المشاهد التي صورت من وراء قضبان خاصة في بداية الشريط في إشارة إلى اعتبار المنطقة سجنا ابتداء من بداية الشريط حين تظهر أم حميدة تمسك قضبان النافدة وتتابع إدخال المعتقلين إلى المعتقل، وتليها لقطة تصوير الفقيه يخاطب الأطفال من خلف قضبان القصب ، فصورة حسن في أول لقاء له بوفاء وقد وضع على رأسه كرسي… كل ذلك يحيل على كثر العراقيل الت قد تعترض هذه الشخصيات… وكانت لقطة خروج حميدة من مكتبة لإحضار كوب ماء لسعيد وتصويره من وراء قضبان النافذة اللقطة الفارقة في تغيير مسار أحداث الشريط..
7. رمزية أسماء الشخصيات: اختار كاتب النص السينمائي أسماء الشخصيات بعناية. فكان من الشخصيات ما يحمل ما دلالات دينية ( الفقيه والحاجة) أو دلالاته العسكرية (الكولونيل والكابران) . كما كان للأسماء المختارة للشخصيات رمزيتها، فكانت أسماء ثنائي البطولة (حسن ووفاء) أسماء على مسميات: وفاء فعلا كانت رمزا للثقة والوفاء، وفية هدفها تعليم فتيات المنطقة وتنوير عقولهن، ومستعدة للتضحية بكل ما تملك من أجل خدمة أبناء منطقتها، وكذلك كان حسنُ حسنَ الخَلق والخُلق ليقدما للقارئ شخصيتين بسيطتين ثابتين على مواقفهما لكنهما بطلان إشكاليان هدفهما التمرد على السائد وتغيير الواقع … عكس بعض الشخصيات النامية التي غيرت مواقفها مع تطور الأحداث ك"سعيد" الذي لم يعرف السعادة يوما في حياته، وظل يحمل ما يختلج في صدره من معاناة إلى نهاية الشريط عندما اختار تغيير موقفه وسرقة سجل الأسماء وتقديمه لحسن مع علمه بما ينتظره لو اكتشف أمره…
8. رمزية الكلب: كان للكلاب في الشريط دوران مختلفان الأول تمثل في دور "لايكا" كلبة الكولونيل المدللة، والتي تحظى من العناية والرعاية ما لا يحظى به البشر وهي مؤنسة الكولونيل الوحيد في ذلك المكان المقفر، واسمها يحيل على أول كائن ثديي يخرج إلى الفضاء ويدور حول الأرض، وأوّل من فقد حياته جرّاء هذه التجربة. وربما لذلك اختار كاتب النص قتلها سينمائيا إضافة لإحساس الكولونيل بما يحس به عامة الناس عند فقد من يعزون، فيما تمثل الدور الثاني للكلاب في ترويع وترهيب المعتقلين كما تجلى في المشاهد الأخيرة بعدما تم إطلاق الكلاب على حميدة وسعيد عساهما يعترفان اين اختفى سجل الأسماء…
9. رمزية الثعبان: على الرغم من حضور الثعبان في الشريط ضمن مشهدين مرعبين : الأولى كان فيها الثعبان أخضر اللون أخاف الحاجة بعدما رأته يخرج من تحت الصخر الذي وضعت عليه بعض الأكل لبوزكري المنبوذ في تعبير وإشارة إلى اقترابها من جحر الثعبان وضرورة الحذر كلما اقتربت من القلعة… والثانية كان الثعبان كبرى سوداء لسعت "حسن" وهو يستخرج النعش من تحت أوارق الشجر ليهرب فيه مع عشيقته… والثعبان في الثقافة الإنسانية يتأرجح بين كونه رمزا للخصوبة والتجدد والشفاء، ورمزا لسرقة الحياة الأبدية الخالدة من الإنسان، والمشهدان معا لا تبتعد دلالتهما عن هذين المعنيين، فحتى وإن كان الثعبان سببا في قتل "حسن" وسرقة حياته فقتله كان خلاصا وتخليصا له من التنكيل الذي كان ينتظره لو ظل حيا وهو المقتنع بأن الموت بعزة خير من الحياة في الذل…
10. رمزية الفقيه: للفقهاء دور هام في تاريخ المغرب، وقد أجاد الشريط الرقص على رمزية الفقيه سواء باعتباره مساعدا للسلطة في تمرير مواقفها، أو باعتباره واعظا مرشدا له وظائف تعليم الصبية، غسل الأموات وتكفينهم ودفنهم، فعليه اعتمدت السلطة في تحويل القلعة إلى معتقل، تنكر لصديقه بوزكري، وظل الساعد الأيمن للقائمين على المعتقل يغسل ويدفن من أصابه هازم الذات ومفرق الجماعات، وإليه كان يرجع كل من ضاق عن تحمُّل ما يغلي في الصدر من هموم وكروب وظل الناصح للجميع والمؤذن للصلاة إلى أن اكتشف وفاة ولده بالمعتقل، ليختار له المخرج طريق الصمت والخرس…
بالإضافة إلى كل ذلك ففي الشريط رمزية لعناصر وشخصيات كثيرة يتداخل فيها القيمي بالديني والسياسي كرمزية المفتاح والمتعلم، ورجل السلطة، ورمزية الحلال والحرام، وخادم الوطن وعدو الوطن و…
تقنياً ما كان الفيلم ليحظى بكل تلك الجوائز التي حضي بها(الجائزة الكبرى لمهرجان الدولي لنيسفييل بصربيا ، وجائزة أفضل إخراج بمهرجان وهران الدولي، وجائزة التميز لأحسن فيلم أجنبي بمهرجان كندا الدولي للفيلم، وجائزة أحسن دور رجالي في مهرجان مونتكومري بأمريكا) ناهيك عن مشاركته في العديد من المهرجانات الدولية، ما لم يكن في المستوى من الناحية التقنية، خاصة وأن وراءه فريقا متخصصا أجاد سينانوس أندرياس إدارة التصوير واللعب على الضوء والتعتيم، واختيار زوايا التصوير بطريقة تتناسب والموسيقى التصويرية التي نسح خيوط إيقاعاتها عادل عيسى لتتماشى والصوت الحساني للمطربة رشيدة طلال الذي طرَّز حواشي الشريط خاصة جنيريك النهاية. بعدما كان خيَّب أفق انتظار المتفرج الذي كان ينتظر عيطة أطلسية وسط الشريط وهو يرى دخول فرقة أطلسية للقلعة ليتفاجأ بذلك الصوت الحساني الرخيم، وقد يكون لاختيار مغنية حسانية صحراوية في الشريط يقارب قضية وطنية حقوقية ما يبرره…
وبما أن الشريط يقارب قضية حقوقية سياسية حساسة، فقد كان كاتب النص ومخرج الشريط حذرا في التعامل مع بعض الأحداث، فتجنب الإيغال في تصوير تعذيب المعتقلين، ولمَّح دون تفاصيل للقرار العُلوي الذي صدر بإغلاق المعتقل والتخلص من كل الوثائق، ودون أن يحسم في مآل الكثير من الشخصيات ومصيرهم، ودون أن يعبر عن موقف صريح من أسئلة حارقة مثل من يخدم الوطن، ومن هم أعداؤه ناهبوه؟ وكيف أدرِج العسكر في تسيير المعتقل في بلد تسيير السجون فيه من اختصاص مؤسسات مدنية تابعة للعدل أو الداخلية وليس للمؤسسة العسكرية؟
لكن رغم ذلك فإن الشريط تحفة سينمائية تمرر رسائل متعددة، وإضافة نوعية لما تراكم في المجال السينمائي المغربي عامة وتيمة السينما المرتبطة بسنوات الجمر والرصاص، فهو فيلم يثير مشاعر المتلقي ويجعله يتعاطف مع الشخصيات لما تحمله وتعيشه من صراع داخلي حتى وإن كان يختلف معها في الموقف، وهو عمل يعكس بجلاء الانفراج الحاصل في حرية التعبير وحقوق الإنسان خاصة وأن الفيلم، وهو ينتقد واقعا كان معاشا، جاء شراكة بين المجلس الوطني لحقوق الإنسان والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة والمركز السينمائي المغربي وعدد من المؤسسات الوطنية والمحلية الموجودة بالأمكنة التي تم تصوير الشريط في مجالها الترابي… في تعبير صريح وإيمان بضرورة التغيير وهو ما عكسته المؤشرات الختامية مثل أبيات بابلو نيرودا الذي طلعت في بداية جينيرك الخاتمة (تستطيعون قطف جميع الأزهار لكنكم أبداً لا تستطيعون وقف زحف الربيع)، ونبات الأزهار على قبر أمين وكلمات أغنية الجنيريك التي تردد فيها رشيدة طلال وهي ترسم فيها الأفق الموعود :
هاك يا زماني ارسم لي صورة
عيونها دامعة وأذيالها جارية
ألوانها وحدة: الأحمر طاغي على لون السدرة
هاك يا زماني ألوان الطيف ….


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.