الشامي: 8.5 مليون مغربي ما زالوا خارج التغطية الصحية والقطاع الخاص يلتهم نفقات العلاج    سيناتور أمريكي يدعو لإنهاء تواطؤ بلاده في الإبادة الإسرائيلية بغزة    تلاميذ مغاربة يحرزون 4 ميداليات في أولمبياد العربية في الراضيات    الجامعة تُهنئ نادي الجيش الملكي بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا للسيدات    الكاف" يعقد اجتماعا بتنزانيا شهر دجنبر القادم    نادال يودع ملاعب التنس بعد مسيرة دامت ل 20 عامًا    ابناء العرائش بالمهجر مدريد ينظيمون انشطة رياضية متميزة تهدف إلى بناء جيل صاعد يرتقي بالوعي بالقيم الوطنية في دكرى المسيرة الخضراء وعيد الاستقلال    إلياس المالكي يعود إلى السجن..    طفلة برلمانية تحرج وزير الصحة حول ضعف الاهتمام بالصحة النفسية للأطفال في المناطق النائية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    تصنيف عالمي يرصد تواضع أداء "البنية التحتية المعرفية" في المغرب    صحة المغاربة في الميزان بعد اكتشاف مادة خطيرة في معلبات التونة    المجلس الاقتصادي: متوسط كلفة مريض في القطاع الخاص تفوف نظيره بالقطاع العام خمس مرات    حوادث تخلف 36 قتيلا في مدن المغرب    طنجة: حريق في ليلة ماطرة في أحد مصانع النسيج    "الهجرة السرية" تستنفر درك الجديدة    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    مجموعة "العدالة والتنمية" تطلب رأي مجلس المنافسة في مدى احترام الفاعلين في قطاع الدواجن للمنافسة الشريفة    فعاليات الملتقى الإقليمي للمدن المبدعة بالدول العربية    أمزيان تختتم ورشات إلعب المسرح بالأمازيغية    أزروال يواصل تحفيز ودعم لاعبي المغرب التطواني للعودة من ديربي الشمال بانتصار    بعد ‬أن ‬وصل ‬بالملف ‬إلى ‬المنغلق ‬و‬حرض ‬على ‬الإرهاب.. دي ‬ميستورا ‬أصبح ‬جزء ا‬من ‬المشكلة ‬ولا ‬بديل ‬عن ‬الرحيل        فرح الفاسي تكشف ل"القناة" تفاصيل إدمانها القمار في "آخر اختيار"    وسط إنزال أمني مشدد.. المجلس الجماعي للقنيطرة ينتخب مكتبه الجديد    ملكة الأردن رانيا ترد بطرافة على طلب طالب جامعي    محاميان مغربيان يطالبان بإعتقال ومحاكمة نتنياهو بتهمة الإبادة الجماعية في غزة    مجلس المستشارين يشرع في المناقشة العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2025    السفارة المغربية ببلجيكا والقنصلية العامة بأنفيرس تنظمان حفل استقبال بمناسبة عيد الاستقلال    وقفة احتجاجية بالرباط للتنديد بالإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة    نائبة أميركية ترفض "متحولة جنسيا" في مراحيض النساء    أستراليا تواجه جذب منصات التواصل الاجتماعي للأطفال    نقابة تعليمية تطالب بإسقاط الأحكام القضائية ضد أساتذة    المغرب يصدر سنويا 700 ألف سيارة لأكثر من 70 دولة    الذهب يواصل الارتفاع مع تراجع الدولار    الطريق السريع تزنيت–الداخلة.. شريان تنمية جديد للصحراء المغربية أبهر العالم    بسبب "فضيحة" عقد 62 مليون سنوياً مع فندق.. حماة المال العام يطالبون النيابة العامة بالتحقيق مع الميراوي    زيلينسكي يحذر من أن بلاده "ستُهزم" إذا قطعت عنها واشنطن المساعدات العسكرية    المنتخب الوطني لمواليد 2000 فما فوق يتعادل مع المنتخب الإيفواري في بنجيرفيل        إغلاق مئات المدارس بسبب التساقطات الثلجية القوية بالمملكة المتحدة    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    أوكرانيا تستخدم صواريخ "أتاكمس" الأمريكية في ضرب الأراضي الروسية..    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    في تأبين السينوغرافيا    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الحق والقانون
نشر في لكم يوم 10 - 11 - 2012

اضطر محمد المغربي الجنسية والقاطن بإحدى القرى الصغيرة المجاورة لروتردام بهولندا أن يسافر للمغرب وللمرة العاشرة لمحاولة حل مشكل قسمة إرث سقط في دهاليز المحاكم منذ سنين ولم يجد له مخرجا. لم يكن يؤمن كثيرا بالحلول القانونية ولكن لما تأكد من أن حقه ضاع وانتهى ولم يبقى أي سبيل حبي للحوار والتفاهم, اضطر إلى اللجوء إلى القضاء . لم يكن محمد ينوي أبدا رفع دعوة ضد أخيه من لحمه ودمه لكن هذا الأخير كان البادئ بالظلم حيث استغل علاقة الأخوة والثقة ووكالة مفوضة أمضيت من طرفه أثناء غيابه ليستولي على حقه في الميراث مستعملا وسائل نصب حرفية وتكتيكات سحرية مقننة .اللجوء إلى القضاء كما هو معروف يعني استحضار مصاريف جديدة والخوض في سيناريوهات معقدة تتطلب من صاحبها نفسا طويلا وصبرا جميلا. لتحريك ملف يتعلق بالإرث يتطلب من صاحبه امتلاك إرادة جندي محنك على أرض معركة شرسة طويلة الأمد قد لا تنتهي إلى الأبد. صعود وهبوط في سلالم إسمنتية حالكة مقرفة. مشي وركض في دهاليز طويلة ومنعطفات ممرات مظلمة ودق على أبواب لا تفتح والوقوف في طوابير يجيد أصحابها لغة الدفع والإقصاء, أفواه تفوح منها رائحة ثقوب في أسنان عفنة, ووجوه مكفهرة متملقة, لا تعرف معنى طلب معذرة أو تسامح, والتغدي واقفا على سندويتشات سردين معلب باردة والوقوف لساعات محملقا في باب ممرات يعيد المرء في نفسه لمئات المرات عبارة: "علا وعسى" بحث عن أسماء ووجوه تنسى بسرعة ,انتظارات قسرية ولقاءات زجرية وآمال تقتل وتحيى .لغة حك الجيب التي نصح محمد بتعلمها لم يستطع النطق بها أو حل شفراتها لكثرة حروفها وضخامة أرقامها, ففضل استعمال لغة التوسل والتضرع أنزلت نفسيته إلى الحضيض وهوى كذا مرة في كوابيس اكتئاب وأحلام مرعبة وجد نفسه فيها يحلم باقتناء طائرات حربية ودبابات حلف الأطلسي ليحل مشكلته مع أخيه. وأخيرا وبعد طول معانات لعب فيها محمد دور البطولة لأبناء الدهاليز والتشرد, أخيرا, بعد أصبح وجهه مألوفا لجميع الموظفين في الابتدائية والاستئناف, وبعد أن أمسى صديقا لحراس مداخل بنايات المحاكم, والشواش وسائقي سيارات الأجرة بالمدينة, وأصحاب مطاعم الأكلات الخفيفة, وأصحاب أكشاك الهواتف, وبعد أن أصبح معظم محاميي البلدة يضجرون منه ويتجنبون لقائه, بعد سنين طويلة أضاع محمد فرصا ثمينة لنقاهة واستجمام و راحة يستحقها بعد عناء عمل طويل مضني أرهق أعصابه في المهجر , بعد أن اصبح يعاني من أمراض في العمود الفقري وعسر في الهضم ومرض السكري, حكمت المحكمة لصالحه. كان يوما من أسعد الأيام لمحمد. فاقت فرحته فرحة الفريق الوطني الإسباني لكرة القدم في الدقائق الأخيرة من الشوط الثاني للمباراة النهائية التي جمعته مع المنتخب الإيطالي. ورجع محمد الى منزله يتأبط حكما نهائيا من المحكمة الموقرة يقضي باسترجاع كل حقوقه المهضومة لسنين. أسبوع الفرحة والسعادة والاحتفاء بنشوة الفوز لم يدم طويلا فقد كانت الصدمة مؤلمة حين توصل محمد إلى حقيقة مفزعة أطاحت بما تبقى من صبره وصحته وتفاؤله؛ تفعيل الحكم وتطبيقه على أرض الواقع كان أصعب بكثير من الجري وراء جمع أوراق ملفاته والوصول إلى دراسته من طرف هيئة محكمة موقرة والنطق بالأحكام المواتية.أصيب محمد بمرض الألزيمر بعد أسبوع واحد من اكتشافه أن الحكم الذي أصدرته المحكمة بناء على خبرة وشهود وإثباتات لا ريب فيها, لا يمكن تفعيله نظرا أن المهندسين الطوبوغرافيين للمجلس البلدي لا زالوا منهمكين في رسم خرائط مختلفة وطرق وأزقة في طي الكتمان تنتظر اليوم الأغر لتحويلها إلى واقع. بالطبع لم يكن هناك أية علاقة بين حكم المحكمة النهائي والعالم الخارجي أو الواقع المعاش. لم يطل عذاب محمد كثيرا بحيث وافته المنية بعد شهر من ذلك. الغريب في الأمر أن تقسيم تركة محمد لم تأخذ أكثر من شهرين بما فيه تسجيلها وتحفيظها من طرف الوارثين الجدد الملمين بأسرار اللعب القانونية والعارفين من أين تأكل الكتف.
محمد ليس الضحية الوحيد بالطبع لواقع مليء بمشاكل افتراضية سهلة ممتنعة. فأي شخص يمضي أسبوعا أو اثنين في بلدنا الجميل سيلاحظ أن مشكلتنا ليست في قوانينا ومدوناتنا القديمة او الجديدة. مشكلتنا الكبرى تتجلى في عدم احترام وصعوبة تفعيل تلك القوانين وتطبيقها على أرض الواقع. لدينا قوانين جد متحضرة وراقية أصدرت وصودق عليها بالأمس القريب لنسعد بولادتها إلى حين ثم يتم طيها في قبر النسيان شهور قليلة بعد ذلك.مما يجعلنا نتساءل أحيانا من جدوى تسطير قوانين جديدة صعبة وربما مستحيلة التفعيل إذا كانت الأولى وهي أكثر سهولة ومرونة لا تحترم وتنتهك بنودها وفصولها بصورة يومية على أرض الواقع.
سمعنا منذ سنين عن مصادقة برلمانية لقانون منع التدخين في الأماكن العمومية, وغمرتنا الدهشة كيف يمكن لمثل تلك القوانين المزدادة في بلدان جد متحضرة أن تحصل على تأشيرة الدخول إلى بلادنا .واستعدنا ولو لفترة وجيزة بعض الثقة في ضمان حقوقنا الأولية في تنفس هواء نقي غير سام وغير ملوث في الأماكن العامة. ثم ما لبثنا أن أفقنا من حلمنا وتفهمنا أننا لسنا في مستوى بشر تلك البلدان.
الكل مقتنع أن هنالك قانون ما على ورق ما يمنع الدخان في الأماكن العمومية, وآخر يمنع إحداث الضجيج في الأحياء السكنية واستعمال نفير السيارات وإشراك كرهي لسكان مدينة نوام في حفل زفاف بعد العاشرة مساء فبالأحرى بعد منتصف الليل. الكل يدري أن الرشوة والارتشاء يعرضا صاحبها للسجن ولكن معظم الناس لا يفرقون بين الزجر والجنحة والجناية. القانون وضع ليكمل ما بدأته التربية. كلنا مقتنعين بضرورة وجود قوانين. لكن الغريب في الأمر هو عدم اقتناعنا بتفعيله. نرى سلوكيات شادة لاقانونية بصورة شبه يومية , لكن إذا تجاوز أحد منا حده وتجرأ وتفوه ببند من بنود هذه القوانين بصوت مسموع في مكان عام لتذكير احد ما خارج عن القانون فلن يلوم إلا نفسه ولن يحصد إلا الندم والحسرة لما سوف يلقاه من استخفاف واستهزاء قد يتطور إلى عنف وتحقير وازدراء وحقد وعناد خطير.
أقول إننا بصراحة لسنا كلنا في مستوى بشر تلك البلدان ولا يمكن أن يطبق هذا القانون في مجتمع بدوي بلون مدني يحمل تراكمات مكبوتات امتزجت بقلق حاد مزمن, مجتمع ينقص فيه الوعي بالصالح العام ويستميت الجزء الأكبر منه لتوقيف عجلة التقدم ويتشبث بتأويلات تعكس عقدا أعقد بكثير من العقد الكلاسيكية المعروفة, الدائمة والمستقرة حتى النخاع من شعور بالنقص والدونية, عقد الذنب والسكيزوفرينية تمتزج بعقد السادية تظهر جليا في سلوكات منحرفة تتغدى بالجهل والعنف والكراهية. أمراض نفسية مستعصية تختلط فيها المفاهيم وتقنن تصرفات لاإرادية مشبعة ومغلفة بأنانية غريزية مفرطة باقتناع إبستيمولوجي ضيق. نمو عاطفي معطب يولد انحباسا للبعد النظري ويضبب روح المسؤولية يعتبر الفرد نفسه نواة الوجود ويعتبر الآخر شبه منعدم, لا بل قد يتعدى ذلك إلى البحث عن الاستمتاع بآلام الآخر. سيارات تقف لأيام وأسابيع في ممر الراجلين في جل مدننا الكبرى بطريقة تحث الراجلين على المغامرة بحياتهم والمشي في ممر السيارات المسرعة.بائعون وتجار يحطون بضائعهم في كل مكان, كراسي مقاهي ولافتات إشهارية, و متسولون يسدون ممرات الراجلين وما من يردعهم بقوة قانون.
بائعو الموسيقى الصاخبة ومرتزقة تجارة دين يعيشون على نشر الضجيج يقودون عربات أطفال بئيسة محملة بأبواق تصم الآذان يتجولون في الشوارع الرئيسية في المجال الحضري. كلمات نابية نسمعها في كل مكان. استفزازات لاأخلاقية نتعرض لها في تجوالنا في حضور أبناءنا ومن نحترمه ويحترمنا وما من يستحي. مرتمون صغار وكبار يرتمون على أمكنة عمومية بل حتى أراضي وعقارات وسكن وظيفي وصعوبة أو ربما استحالة إمكانية تفعيل قوانينا صريحة وواضحة لتجنيح أو تجريم أو على الأقل زجر كل من سولت له نفسه المس بشبر من أرض لملك عام أو حق مرور.
في نفس الوقت تستعمل كاميرات مراقبة آخر صيحة في عالم الإلكترونيات بأثمان خيالية لترقب وضبط مخالفة زجرية لسائق يسوق سيارته بزيادة نصف كيلومتر أو أقل على السرعة المسموح بها.
وفي ذات الوقت إن اردنا تفعيل قوانين طرد مرتمين على ملك عمومي او أرض في ملك الدولة نحتاج إلى جيش من رجال الأمن لرضخ أناس أقتنعوا بتقادم فعلهم ورأوا في استعمال العنف الممتزج بالبكاء حلا لحصولهم على حق ليس من حقهم ولا لغيرهم وبالتالي تجرؤوا بعصيان واضح ضد القوانين والسلطات التنفيذية, لجؤوا عن اقتناع بمعتقدات اختلطت فيها المفاهيم الفردية الضيقة للسياسة والاقتصاد, أمليت عليهم من طرف متآمرين, إلى استعمال وسائل حيل ومكر وخداع للقوانين قد تصل إلى حد مظاهرات تخرب فيها ممتلكات خاصة وعمومية ومن ثم فرض سياسة الأمر الواقع على مسؤولين متفهمين وأذكياء يعالجون الأمر بسياسة تأقلم وحل المشاكل الآنية بأي شكل ممكن وبأقل خسارة ممكنة. مشاكل عديدة نسقط فيها نتيجة غض الطرف لسنين على فعل هؤلاء المترامين كبارا كانوا أو صغارا وعدم إيقافهم عند حدهم مند البداية.
أتساءل هل نحن بحاجة إلى مثل كل هذه الكاميرات ذات التكنولوجية الجد متطورة لضبط المخالفات على طرقاتنا الوطنية إذا كانت المخالفات تملأ شوارعنا وأزقتنا بوضوح وبكثرة وبإلحاح في وضح النهار. إذا كان الاستهتار والاستخفاف بالقوانين يعشش في عقول الأغلبية عند غياب مسؤولي مراقبة المرور أتساءل كم من الأموال سيجنيها صندوق الدولة إن تم تفعيل القوانين بجدية على الأقل في المناطق الحضرية. قد يتساءل أحدنا من باب الدعابة إن أحسن استعمال هذه الأموال في بناء مستشفيات ومصحات نفسية وعقلية يعالج فيها هؤلاء المستهترين بالقوانين عوض زجرهم فقد نكون وصلنا إلى مستوى منشود سبقتنا إليه دولا جارة أكثر تقدما. أتسائل كذلك لماذا لا يتحرك مسؤولي الدرك على الطرقات كما هو الشأن في الولايات المتحدة, عوض القوقعة في أمكنة معينة معروفة, ليس من أجل صيد "الهميزات" ولكن من أجل تذكير وردع كل تجاوز للقوانين قبل حدوثه. كل مستعملي الطرق الوطنية يعرفون جيدا وسائل التفاهم الجاري بها العمل بالضوء وبالإشارة بين السائقين بوجود دركي مختبئ براداره عند منعرج من منعرجات الطريق. شيء خطير أن يتفاهم مواطنان لا يعرفان بعضهما البعض على التحايل والخداع والالتزام باحترام القانون عند نقطة معينة مما يؤكد بالتالي مشاركة الكل في فوضى عارمة على طرقنا تظهر نتائجها المؤلمة جليا في نسبة حوادث السير المرتفعة ببلادنا.
فعلا لا أحد ينكر اجتهاد متحملين مسؤوليات ناضجين محبين لبلدهم ساهرين مشكورين على تنفيذ قوانين ومفعلين لمساطر قانونية, مستحملين وضعا مزريا ما بين مطرقة الإغراءات المادية والمعنوية اليومية تحثهم على تجرع سموم رشاوي مزركشة بشتى الألوان من أيادي من هنا وهناك , وضغوطات قد تصل إلى حد التهديد وقد تكون في بعد الأحيان من لدن رؤسائهم, وسندان ضمائرهم.
اعتدنا لسنين بمشاهد مدهشة تطرب النفوس وتطمئن القلوب لعمليات ركض وصراخ ومداهمات وجري وصفير صفارات في سيناريوهات مألوفة لحملات تمشيطية لتفعيل قوانين في أماكن عمومية معينة في مناسبات معينة ليرتاح جلنا إلى حين, لكي تعود حليمة إلى عادتها القديمة.
تقع حادثة وتبحث في جيبك عن رقم تركبه لإخبار من يهمهم الأمر أولا ومن يجب أن يكونوا في المكان في الدقائق التالية. أناس محترمون في زي محترم زركشت أطرافه بخطوط وشارات عريضة وميداليات صارخة تبعث في نفس حامليها شعورا بالأبهة والافتخار نتوقع منهم منحنا إحساسا ولو وهميا بالأمان للحاضر على أنفسنا وصحتنا وشرفنا وممتلكاتنا يتقاعسون لانشغالاتهم الكثيرة الأخرى عن رد مكالمة هاتفية قد تنقد روح أحد منا. أصناف عدة من أرقام افتراضية نحملها في ذاكرتنا وفي جيوبنا بثقة عمياء تعطينا أملا بأن هناك من سيضحون بكل شيء ويأتون في اللحظة التي نحتاجهم فيها لإنقاذنا أو مساعدتنا, مثل ما نشاهده صباح مساء في أفلام تعرض بإلحاح أمام أعيننا. وننتظر إلى ما نهاية, ويطبع رنين النداء في ذاكرتنا السمعية في عشرات النسخ,قبل أن نفقد آخر قطرة من صبرنا وننهار أمام الأمر الواقع لنترك الكلمة النهائية لأعصابنا المرهفة الضعيفة لتتولى اتخاذ القرار المناسب فنسب ونلعن يوم ومكان ميلادنا, ونصدر صرخات مدوية داخل أنفسنا لا يسمعها حتى الأقرب منا, ونستغيث بخالقنا بقراءة أدعية حفظناها عن ظهر قلب , وتمر المصيبة ونتأقلم مع الوضع وننسى ونعود نحمل نفس ابتسامة الحالم بان الأمور عادت إلى نصابها ونستعيد ثقتنا بالأرقام الوهمية الافتراضية التي نحملها.
شخص ارتمى على عقار تركه مالكون إسبان غادروا ولم يتركوا أثر عنوان, كان مرفوقا بحارس شخصي يتباهى بعضلات كونت من تسول خبز وشاي, يساعده في عمليات مقننة لنهب اسهم الكراء من السكان. توفي المرتمي وبمرور الزمان أصبح الحارس الشخصي للمرتمي المتوفى الحاكم الناهي يسير على كل الأمور في المكان, تقوقع في بيت لا يملكه ولا يدفع إيجاره بدعوى حراسة ارض صغيرة طال غياب أصحابها ارتمى عليها وأصبح يدعي ملكها بحجج افتراضية. أمسى ما بين العشية وضحاها يقبض ثمن دخول سيارات من شتى الأنواع النقية منها والمشكوك فيها ويختار ضحاياه و يسفه ويصرخ ويلعن ويسب بأسفه الألفاظ, ويغضب على الجميع والكل خائف من بطشه وشره لمجرد أنه يتمتع بعضلات ولسان طويل وبمساندة بعض الجيران. أناس يتمتعون باسم محترم وهيبة ووقار ومكالمة هاتفية منهم أو إماءه منهم لها مفعول كبير وقادرة على تغيير مجرى الأمور. رجال أمن بأزياء محترمة في مأمورية رسمية يبتسمون في وجه سعادته ويستسمحون ويعودون أدراجهم لا يقدرون على الدخول في أمور وراءها ذوي نفوذ وقدرات خارقة بحركة لسان. أشواك صبار تخرج كلسعات نار من فم جهل إنسان يختبأ وراء من وعدوه بحماية ارتماءه على ملك من الأملاك واستغلاله بادعاء زور وبهتان .خارج عن القانون يلبس قناع شحاذ يتمسكن ويتضرع عند مساءلته ليذرف دموع جوع كثرة أطفال بمذلة وهوان. سكيزوفرينيا أشخاص كبروا في بؤس وفقر وجهل وإلحاح تسول وعند تخيلهم أنهم كبروا فوق القانون صاروا يسخرون ويستهزئون بمساطره أمام الملأ ويدعون سيادة ويضعون أنفسهم فوق الأعيان. زوجة بدوية جاهلة متكبرة تعلمت دروسا في الأمر والنهي في مطابخ أسياد وسيدات تتناسى أسمائهم وأسمائهن وعندما حبلت وولدت كائنات تجر الضياع تعلمت التسول بالعنف وصارت سيدة مجتمع مغلوب على أمره تسيطر على عقول نساء آخر الزمان. ومن زار المكان فسوف يستغرب لمنظر لن تشاهده في كوريا أو يابان. قطعان ماشية وفئران ,كلاب وقطط وحمام وغربان, وسرب دجاج وإوز وبط بدون حسبان. تلعب وتتسابق بمرح على أرض جرداء إلا من أزبال وبقايا عجلات مطاطية عششت فيها كل أنواع الحشرات والديدان, أرض متسخة بفضلات تمتزج بمكونات مجاري المياه الحارة استعملت كمرآب سيارات في حديقة حيوان. تركة تركها معمرون إسبان أضحت تزخر بالأوبئة ومصدر أمراض من شتى الأشكال والألوان. حضائر بكتيريا وجراثيم في وسط مجالنا الحضري على مرأى موظفين مسؤولين قد يكونوا من زبائن المكان.
القانون ببساطة , ونحن هنا بشأن القانون العام وبالطبع لن نغوص في التعريفات والمصطلحات الأكاديمية, آلة فرضية وضعية مستوحاة من عقل الإنسان بناء على تجارب عقود من الزمن حبرت على ورق للتفريق ما بين الخط الأخضر والخط الأحمر توضح وتضبط في بنود ما للفرد من حقوق داخل مجتمعه وما عليه من واجبات. ولخدمة القانون سخرت أجهزة لا تنام وأموال لا تنفد من أجل اطمئنان بال كل أفراد المجتمع على امن انفسهم ومتاعهم ومستقبل أبناءهم وأعراضهم ومقدساتهم. بدون قانون حضاري منطقي واقعي مساير للعصر نبقى في ظلمات لا يعرفها إلا من فقده. ويلات وشر الحروب والفوضى يفهمها جيدا من اكتوى بنار جحيمها. وليكون القانون ذا مصداقية وأكبر فعالية يجب أن يكون الكل مقتنعا بفصوله وبنوده. القانون جزء من حضارة بامتياز. ولكن القانون بكل أجهزته مهما كانت متطورة لن يستطيع أبدا أن يقوم مقام المربي والمربية الحنونين في البيت والمعلم والمعلمة الأكفاء في المدرسة, وعظ رجل دين ناضج لا تاجر دين, وصفحات توعية في جرائد ومجلات مسؤولة ووسائل ترفيه حضارية في أديرة الشباب وبرامج تثقيف وتحسيس وتربية على راديو وتلفزة مترزنة. العنف لا يولد في بلد يعشق سكانه الفن ويدرس أبناءه الموسيقى والمسرح والسينما الناضجة والنحت. العنف والاستهتار بالقوانين لا يولدان في بلد تكرس فيه سياسات تستثمر الأموال بسخاء في توفير الصحة الجسدية والنفسية السليمة للمواطنين ,في إنشاء فضاءات للرياضة بكل ألوانها متوفرة للكل.في تسهيل اقتناء وسائل استجمام وراحة في متناول الجميع يدفن فيها المواطنون البسطاء من مختلف الأجناس والأعمار قلقهم وتوترهم. مجتمع يتمتع بجسم سليم وبالتالي بعقل سليم لا يحتاج إلى زجر يردع طيشه إذا كان هذا الطيش قد ردع وصفي مبدئيا بأخلاق فاضلة وإيمان بمبادئ وصفات المواطن الصالح, بالأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تعلم احترام القيم الإنسانية والفنون بشتى أشكالها من داخله وبإرادة حرة تعكس توازنا نفسيا لمجتمع إنساني متحضر وناضج . ردع تطوعي طبيعي إرادي صادر عن اقتناع صادق يطبق فيها الكل بنود القانون بسخاء وارتياح مفعمين بفخر واعتزاز بروح المواطنة الحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.