قرار محكمة العدل الأوروبية: نواب أوروبيون يعبرون عن امتعاضهم من قرار يمس بالمصالح الاقتصادية الأوروبية    "البيجيدي": قرار المحكمة الأوربية ابتزاز سياسي وتدخل في سيادة المغرب    خبراء "نخرجو ليها ديريكت" يناقشون قرار محكمة العدل الأوروبية    قافلة المقاول الذاتي تصل الى اقليم الحسيمة    وزير الإعلام الفلسطيني يزور مقر الفيدرالية المغربية لناشري الصحف بالدار البيضاء    انطلاق بيع تذاكر مباراة المنتخب المغربي ضد نظيره من إفريقيا الوسطى    جماعة تطوان تصادق على ميزانية 2025.. والبكوري: تنتظرنا تحديات وستنطلق إنجازات    اعتداء على رجل سلطة بعد دخوله منزل مزارع للكيف دون استئذان    الحسيمة.. السجن لشخص ابتز خطيبته بصورها للحصول على مبالغ مالية    تركيا.. شخص يقتل شابتين وينتحر والسبب مجهول    بعد قرار محكمة العدل الأوروبية.. هنغاريا تؤكد على الشراكة الاستراتيجية مع المغرب وتدرس تطويرها وتوسعتها لمجالات عدة    استياء أوربي وردود فعل قوية على حكم محكمة العدل الأوروبية: المغرب سيظل شريكًا استراتيجيًا للاتحاد الأوروبي    الحسيمة.. تخليد الذكرى 69 لانطلاق العمليات الأولى لجيش التحرير بالشمال    ردا على محكمة العدل.. هنغاريا تتشبث بالشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب    محكمة التحكيم الرياضي تخفف عقوبة توقيف بوغبا        المحكمة تأمر بإفراغ بركة زوج المنصوري بالقوة من منازل قرب ضريح مولاي عبد السلام    كيوسك السبت | مثقفون ورجال قانون وأجانب قاطعوا الإحصاء العام للسكان والسكنى    "ميتا" تعلن عن إنشاء نموذج ذكاء اصطناعي جديد    طقس السبت ممطر في بعض المناطق    مهنيون يرممون نقص الثروات السمكية    مدرسة التكنولوجيا تستقبل طلبة بنصالح    إقليم تطوان .. حجز واتلاف أزيد من 1470 كلغ من المواد الغذائية غير الصالحة للاستهلاك خلال 4 أشهر        منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في الدورة الثانية من مناظرة الصناعات الثقافية والإبداعية    التعادل ينصف مباراة المحمدية والسوالم    خطاب خامنئي.. مزايدات فارغة وتجاهل للواقع في مواجهة إسرائيل    هكذا تفاعلت الحكومة الإسبانية مع قرار محكمة العدل الأوروبية    مغاربة يحيون ذكرى "طوفان الأقصى"    مصدرو الخضر والفواكه جنوب المملكة يعتزمون قصْدَ سوقي روسيا وبريطانيا    ثلاثة مستشفيات في لبنان تعلن تعليق خدماتها جراء الغارات الإسرائيلية    ريدوان: رفضت التمثيل في هوليوود.. وفيلم "البطل" تجربة مليئة بالإيجابية    مرصد الشمال لحقوق الإنسان يجمد أنشطته بعد رفض السلطات تمكينه من الوصولات القانونية    صرف معاشات ما يناهز 7000 من المتقاعدين الجدد في قطاع التربية والتعليم    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    بوريس جونسون: اكتشفنا جهاز تنصت بحمامي بعد استخدامه من قبل نتنياهو        باريس تفتتح أشغال "قمة الفرانكفونية" بحضور رئيس الحكومة عزيز أخنوش    إيقاعات ناس الغيوان والشاب خالد تلهب جمهور مهرجان "الفن" في الدار البيضاء    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    الفيفا يقترح فترة انتقالات ثالثة قبل مونديال الأندية    الدوري الأوروبي.. تألق الكعبي ونجاة مان يونايتد وانتفاضة توتنهام وتصدر لاتسيو    النادي المكناسي يستنكر حرمانه من جماهيره في مباريات البطولة الإحترافية    الاتحاد العام لمقاولات المغرب جهة الجديدة - سيدي بنور CGEM يخلق الحدث بمعرض الفرس    التصعيد الإيراني الإسرائيلي: هل تتجه المنطقة نحو حرب إقليمية مفتوحة؟    الفيفا تعلن تاريخ تنظيم كأس العالم للسيدات لأقل من 17 سنة بالمغرب    وزارة الصحة تكشف حقيقة ما يتم تداوله حول مياه "عين أطلس"    محنة النازحين في عاصمة لبنان واحدة    فتح باب الترشيح لجائزة المغرب للكتاب 2024    بسبب الحروب .. هل نشهد "سنة بيضاء" في تاريخ جوائز نوبل 2024؟    إطلاق مركز للعلاج الجيني في المملكة المتحدة برئاسة أستاذ من الناظور    الذكاء الاصطناعي والحركات السياسية .. قضايا حيوية بفعاليات موسم أصيلة    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دولة الحق والقانون
نشر في لكم يوم 10 - 11 - 2012

اضطر محمد المغربي الجنسية والقاطن بإحدى القرى الصغيرة المجاورة لروتردام بهولندا أن يسافر للمغرب وللمرة العاشرة لمحاولة حل مشكل قسمة إرث سقط في دهاليز المحاكم منذ سنين ولم يجد له مخرجا. لم يكن يؤمن كثيرا بالحلول القانونية ولكن لما تأكد من أن حقه ضاع وانتهى ولم يبقى أي سبيل حبي للحوار والتفاهم, اضطر إلى اللجوء إلى القضاء . لم يكن محمد ينوي أبدا رفع دعوة ضد أخيه من لحمه ودمه لكن هذا الأخير كان البادئ بالظلم حيث استغل علاقة الأخوة والثقة ووكالة مفوضة أمضيت من طرفه أثناء غيابه ليستولي على حقه في الميراث مستعملا وسائل نصب حرفية وتكتيكات سحرية مقننة .اللجوء إلى القضاء كما هو معروف يعني استحضار مصاريف جديدة والخوض في سيناريوهات معقدة تتطلب من صاحبها نفسا طويلا وصبرا جميلا. لتحريك ملف يتعلق بالإرث يتطلب من صاحبه امتلاك إرادة جندي محنك على أرض معركة شرسة طويلة الأمد قد لا تنتهي إلى الأبد. صعود وهبوط في سلالم إسمنتية حالكة مقرفة. مشي وركض في دهاليز طويلة ومنعطفات ممرات مظلمة ودق على أبواب لا تفتح والوقوف في طوابير يجيد أصحابها لغة الدفع والإقصاء, أفواه تفوح منها رائحة ثقوب في أسنان عفنة, ووجوه مكفهرة متملقة, لا تعرف معنى طلب معذرة أو تسامح, والتغدي واقفا على سندويتشات سردين معلب باردة والوقوف لساعات محملقا في باب ممرات يعيد المرء في نفسه لمئات المرات عبارة: "علا وعسى" بحث عن أسماء ووجوه تنسى بسرعة ,انتظارات قسرية ولقاءات زجرية وآمال تقتل وتحيى .لغة حك الجيب التي نصح محمد بتعلمها لم يستطع النطق بها أو حل شفراتها لكثرة حروفها وضخامة أرقامها, ففضل استعمال لغة التوسل والتضرع أنزلت نفسيته إلى الحضيض وهوى كذا مرة في كوابيس اكتئاب وأحلام مرعبة وجد نفسه فيها يحلم باقتناء طائرات حربية ودبابات حلف الأطلسي ليحل مشكلته مع أخيه. وأخيرا وبعد طول معانات لعب فيها محمد دور البطولة لأبناء الدهاليز والتشرد, أخيرا, بعد أصبح وجهه مألوفا لجميع الموظفين في الابتدائية والاستئناف, وبعد أن أمسى صديقا لحراس مداخل بنايات المحاكم, والشواش وسائقي سيارات الأجرة بالمدينة, وأصحاب مطاعم الأكلات الخفيفة, وأصحاب أكشاك الهواتف, وبعد أن أصبح معظم محاميي البلدة يضجرون منه ويتجنبون لقائه, بعد سنين طويلة أضاع محمد فرصا ثمينة لنقاهة واستجمام و راحة يستحقها بعد عناء عمل طويل مضني أرهق أعصابه في المهجر , بعد أن اصبح يعاني من أمراض في العمود الفقري وعسر في الهضم ومرض السكري, حكمت المحكمة لصالحه. كان يوما من أسعد الأيام لمحمد. فاقت فرحته فرحة الفريق الوطني الإسباني لكرة القدم في الدقائق الأخيرة من الشوط الثاني للمباراة النهائية التي جمعته مع المنتخب الإيطالي. ورجع محمد الى منزله يتأبط حكما نهائيا من المحكمة الموقرة يقضي باسترجاع كل حقوقه المهضومة لسنين. أسبوع الفرحة والسعادة والاحتفاء بنشوة الفوز لم يدم طويلا فقد كانت الصدمة مؤلمة حين توصل محمد إلى حقيقة مفزعة أطاحت بما تبقى من صبره وصحته وتفاؤله؛ تفعيل الحكم وتطبيقه على أرض الواقع كان أصعب بكثير من الجري وراء جمع أوراق ملفاته والوصول إلى دراسته من طرف هيئة محكمة موقرة والنطق بالأحكام المواتية.أصيب محمد بمرض الألزيمر بعد أسبوع واحد من اكتشافه أن الحكم الذي أصدرته المحكمة بناء على خبرة وشهود وإثباتات لا ريب فيها, لا يمكن تفعيله نظرا أن المهندسين الطوبوغرافيين للمجلس البلدي لا زالوا منهمكين في رسم خرائط مختلفة وطرق وأزقة في طي الكتمان تنتظر اليوم الأغر لتحويلها إلى واقع. بالطبع لم يكن هناك أية علاقة بين حكم المحكمة النهائي والعالم الخارجي أو الواقع المعاش. لم يطل عذاب محمد كثيرا بحيث وافته المنية بعد شهر من ذلك. الغريب في الأمر أن تقسيم تركة محمد لم تأخذ أكثر من شهرين بما فيه تسجيلها وتحفيظها من طرف الوارثين الجدد الملمين بأسرار اللعب القانونية والعارفين من أين تأكل الكتف.
محمد ليس الضحية الوحيد بالطبع لواقع مليء بمشاكل افتراضية سهلة ممتنعة. فأي شخص يمضي أسبوعا أو اثنين في بلدنا الجميل سيلاحظ أن مشكلتنا ليست في قوانينا ومدوناتنا القديمة او الجديدة. مشكلتنا الكبرى تتجلى في عدم احترام وصعوبة تفعيل تلك القوانين وتطبيقها على أرض الواقع. لدينا قوانين جد متحضرة وراقية أصدرت وصودق عليها بالأمس القريب لنسعد بولادتها إلى حين ثم يتم طيها في قبر النسيان شهور قليلة بعد ذلك.مما يجعلنا نتساءل أحيانا من جدوى تسطير قوانين جديدة صعبة وربما مستحيلة التفعيل إذا كانت الأولى وهي أكثر سهولة ومرونة لا تحترم وتنتهك بنودها وفصولها بصورة يومية على أرض الواقع.
سمعنا منذ سنين عن مصادقة برلمانية لقانون منع التدخين في الأماكن العمومية, وغمرتنا الدهشة كيف يمكن لمثل تلك القوانين المزدادة في بلدان جد متحضرة أن تحصل على تأشيرة الدخول إلى بلادنا .واستعدنا ولو لفترة وجيزة بعض الثقة في ضمان حقوقنا الأولية في تنفس هواء نقي غير سام وغير ملوث في الأماكن العامة. ثم ما لبثنا أن أفقنا من حلمنا وتفهمنا أننا لسنا في مستوى بشر تلك البلدان.
الكل مقتنع أن هنالك قانون ما على ورق ما يمنع الدخان في الأماكن العمومية, وآخر يمنع إحداث الضجيج في الأحياء السكنية واستعمال نفير السيارات وإشراك كرهي لسكان مدينة نوام في حفل زفاف بعد العاشرة مساء فبالأحرى بعد منتصف الليل. الكل يدري أن الرشوة والارتشاء يعرضا صاحبها للسجن ولكن معظم الناس لا يفرقون بين الزجر والجنحة والجناية. القانون وضع ليكمل ما بدأته التربية. كلنا مقتنعين بضرورة وجود قوانين. لكن الغريب في الأمر هو عدم اقتناعنا بتفعيله. نرى سلوكيات شادة لاقانونية بصورة شبه يومية , لكن إذا تجاوز أحد منا حده وتجرأ وتفوه ببند من بنود هذه القوانين بصوت مسموع في مكان عام لتذكير احد ما خارج عن القانون فلن يلوم إلا نفسه ولن يحصد إلا الندم والحسرة لما سوف يلقاه من استخفاف واستهزاء قد يتطور إلى عنف وتحقير وازدراء وحقد وعناد خطير.
أقول إننا بصراحة لسنا كلنا في مستوى بشر تلك البلدان ولا يمكن أن يطبق هذا القانون في مجتمع بدوي بلون مدني يحمل تراكمات مكبوتات امتزجت بقلق حاد مزمن, مجتمع ينقص فيه الوعي بالصالح العام ويستميت الجزء الأكبر منه لتوقيف عجلة التقدم ويتشبث بتأويلات تعكس عقدا أعقد بكثير من العقد الكلاسيكية المعروفة, الدائمة والمستقرة حتى النخاع من شعور بالنقص والدونية, عقد الذنب والسكيزوفرينية تمتزج بعقد السادية تظهر جليا في سلوكات منحرفة تتغدى بالجهل والعنف والكراهية. أمراض نفسية مستعصية تختلط فيها المفاهيم وتقنن تصرفات لاإرادية مشبعة ومغلفة بأنانية غريزية مفرطة باقتناع إبستيمولوجي ضيق. نمو عاطفي معطب يولد انحباسا للبعد النظري ويضبب روح المسؤولية يعتبر الفرد نفسه نواة الوجود ويعتبر الآخر شبه منعدم, لا بل قد يتعدى ذلك إلى البحث عن الاستمتاع بآلام الآخر. سيارات تقف لأيام وأسابيع في ممر الراجلين في جل مدننا الكبرى بطريقة تحث الراجلين على المغامرة بحياتهم والمشي في ممر السيارات المسرعة.بائعون وتجار يحطون بضائعهم في كل مكان, كراسي مقاهي ولافتات إشهارية, و متسولون يسدون ممرات الراجلين وما من يردعهم بقوة قانون.
بائعو الموسيقى الصاخبة ومرتزقة تجارة دين يعيشون على نشر الضجيج يقودون عربات أطفال بئيسة محملة بأبواق تصم الآذان يتجولون في الشوارع الرئيسية في المجال الحضري. كلمات نابية نسمعها في كل مكان. استفزازات لاأخلاقية نتعرض لها في تجوالنا في حضور أبناءنا ومن نحترمه ويحترمنا وما من يستحي. مرتمون صغار وكبار يرتمون على أمكنة عمومية بل حتى أراضي وعقارات وسكن وظيفي وصعوبة أو ربما استحالة إمكانية تفعيل قوانينا صريحة وواضحة لتجنيح أو تجريم أو على الأقل زجر كل من سولت له نفسه المس بشبر من أرض لملك عام أو حق مرور.
في نفس الوقت تستعمل كاميرات مراقبة آخر صيحة في عالم الإلكترونيات بأثمان خيالية لترقب وضبط مخالفة زجرية لسائق يسوق سيارته بزيادة نصف كيلومتر أو أقل على السرعة المسموح بها.
وفي ذات الوقت إن اردنا تفعيل قوانين طرد مرتمين على ملك عمومي او أرض في ملك الدولة نحتاج إلى جيش من رجال الأمن لرضخ أناس أقتنعوا بتقادم فعلهم ورأوا في استعمال العنف الممتزج بالبكاء حلا لحصولهم على حق ليس من حقهم ولا لغيرهم وبالتالي تجرؤوا بعصيان واضح ضد القوانين والسلطات التنفيذية, لجؤوا عن اقتناع بمعتقدات اختلطت فيها المفاهيم الفردية الضيقة للسياسة والاقتصاد, أمليت عليهم من طرف متآمرين, إلى استعمال وسائل حيل ومكر وخداع للقوانين قد تصل إلى حد مظاهرات تخرب فيها ممتلكات خاصة وعمومية ومن ثم فرض سياسة الأمر الواقع على مسؤولين متفهمين وأذكياء يعالجون الأمر بسياسة تأقلم وحل المشاكل الآنية بأي شكل ممكن وبأقل خسارة ممكنة. مشاكل عديدة نسقط فيها نتيجة غض الطرف لسنين على فعل هؤلاء المترامين كبارا كانوا أو صغارا وعدم إيقافهم عند حدهم مند البداية.
أتساءل هل نحن بحاجة إلى مثل كل هذه الكاميرات ذات التكنولوجية الجد متطورة لضبط المخالفات على طرقاتنا الوطنية إذا كانت المخالفات تملأ شوارعنا وأزقتنا بوضوح وبكثرة وبإلحاح في وضح النهار. إذا كان الاستهتار والاستخفاف بالقوانين يعشش في عقول الأغلبية عند غياب مسؤولي مراقبة المرور أتساءل كم من الأموال سيجنيها صندوق الدولة إن تم تفعيل القوانين بجدية على الأقل في المناطق الحضرية. قد يتساءل أحدنا من باب الدعابة إن أحسن استعمال هذه الأموال في بناء مستشفيات ومصحات نفسية وعقلية يعالج فيها هؤلاء المستهترين بالقوانين عوض زجرهم فقد نكون وصلنا إلى مستوى منشود سبقتنا إليه دولا جارة أكثر تقدما. أتسائل كذلك لماذا لا يتحرك مسؤولي الدرك على الطرقات كما هو الشأن في الولايات المتحدة, عوض القوقعة في أمكنة معينة معروفة, ليس من أجل صيد "الهميزات" ولكن من أجل تذكير وردع كل تجاوز للقوانين قبل حدوثه. كل مستعملي الطرق الوطنية يعرفون جيدا وسائل التفاهم الجاري بها العمل بالضوء وبالإشارة بين السائقين بوجود دركي مختبئ براداره عند منعرج من منعرجات الطريق. شيء خطير أن يتفاهم مواطنان لا يعرفان بعضهما البعض على التحايل والخداع والالتزام باحترام القانون عند نقطة معينة مما يؤكد بالتالي مشاركة الكل في فوضى عارمة على طرقنا تظهر نتائجها المؤلمة جليا في نسبة حوادث السير المرتفعة ببلادنا.
فعلا لا أحد ينكر اجتهاد متحملين مسؤوليات ناضجين محبين لبلدهم ساهرين مشكورين على تنفيذ قوانين ومفعلين لمساطر قانونية, مستحملين وضعا مزريا ما بين مطرقة الإغراءات المادية والمعنوية اليومية تحثهم على تجرع سموم رشاوي مزركشة بشتى الألوان من أيادي من هنا وهناك , وضغوطات قد تصل إلى حد التهديد وقد تكون في بعد الأحيان من لدن رؤسائهم, وسندان ضمائرهم.
اعتدنا لسنين بمشاهد مدهشة تطرب النفوس وتطمئن القلوب لعمليات ركض وصراخ ومداهمات وجري وصفير صفارات في سيناريوهات مألوفة لحملات تمشيطية لتفعيل قوانين في أماكن عمومية معينة في مناسبات معينة ليرتاح جلنا إلى حين, لكي تعود حليمة إلى عادتها القديمة.
تقع حادثة وتبحث في جيبك عن رقم تركبه لإخبار من يهمهم الأمر أولا ومن يجب أن يكونوا في المكان في الدقائق التالية. أناس محترمون في زي محترم زركشت أطرافه بخطوط وشارات عريضة وميداليات صارخة تبعث في نفس حامليها شعورا بالأبهة والافتخار نتوقع منهم منحنا إحساسا ولو وهميا بالأمان للحاضر على أنفسنا وصحتنا وشرفنا وممتلكاتنا يتقاعسون لانشغالاتهم الكثيرة الأخرى عن رد مكالمة هاتفية قد تنقد روح أحد منا. أصناف عدة من أرقام افتراضية نحملها في ذاكرتنا وفي جيوبنا بثقة عمياء تعطينا أملا بأن هناك من سيضحون بكل شيء ويأتون في اللحظة التي نحتاجهم فيها لإنقاذنا أو مساعدتنا, مثل ما نشاهده صباح مساء في أفلام تعرض بإلحاح أمام أعيننا. وننتظر إلى ما نهاية, ويطبع رنين النداء في ذاكرتنا السمعية في عشرات النسخ,قبل أن نفقد آخر قطرة من صبرنا وننهار أمام الأمر الواقع لنترك الكلمة النهائية لأعصابنا المرهفة الضعيفة لتتولى اتخاذ القرار المناسب فنسب ونلعن يوم ومكان ميلادنا, ونصدر صرخات مدوية داخل أنفسنا لا يسمعها حتى الأقرب منا, ونستغيث بخالقنا بقراءة أدعية حفظناها عن ظهر قلب , وتمر المصيبة ونتأقلم مع الوضع وننسى ونعود نحمل نفس ابتسامة الحالم بان الأمور عادت إلى نصابها ونستعيد ثقتنا بالأرقام الوهمية الافتراضية التي نحملها.
شخص ارتمى على عقار تركه مالكون إسبان غادروا ولم يتركوا أثر عنوان, كان مرفوقا بحارس شخصي يتباهى بعضلات كونت من تسول خبز وشاي, يساعده في عمليات مقننة لنهب اسهم الكراء من السكان. توفي المرتمي وبمرور الزمان أصبح الحارس الشخصي للمرتمي المتوفى الحاكم الناهي يسير على كل الأمور في المكان, تقوقع في بيت لا يملكه ولا يدفع إيجاره بدعوى حراسة ارض صغيرة طال غياب أصحابها ارتمى عليها وأصبح يدعي ملكها بحجج افتراضية. أمسى ما بين العشية وضحاها يقبض ثمن دخول سيارات من شتى الأنواع النقية منها والمشكوك فيها ويختار ضحاياه و يسفه ويصرخ ويلعن ويسب بأسفه الألفاظ, ويغضب على الجميع والكل خائف من بطشه وشره لمجرد أنه يتمتع بعضلات ولسان طويل وبمساندة بعض الجيران. أناس يتمتعون باسم محترم وهيبة ووقار ومكالمة هاتفية منهم أو إماءه منهم لها مفعول كبير وقادرة على تغيير مجرى الأمور. رجال أمن بأزياء محترمة في مأمورية رسمية يبتسمون في وجه سعادته ويستسمحون ويعودون أدراجهم لا يقدرون على الدخول في أمور وراءها ذوي نفوذ وقدرات خارقة بحركة لسان. أشواك صبار تخرج كلسعات نار من فم جهل إنسان يختبأ وراء من وعدوه بحماية ارتماءه على ملك من الأملاك واستغلاله بادعاء زور وبهتان .خارج عن القانون يلبس قناع شحاذ يتمسكن ويتضرع عند مساءلته ليذرف دموع جوع كثرة أطفال بمذلة وهوان. سكيزوفرينيا أشخاص كبروا في بؤس وفقر وجهل وإلحاح تسول وعند تخيلهم أنهم كبروا فوق القانون صاروا يسخرون ويستهزئون بمساطره أمام الملأ ويدعون سيادة ويضعون أنفسهم فوق الأعيان. زوجة بدوية جاهلة متكبرة تعلمت دروسا في الأمر والنهي في مطابخ أسياد وسيدات تتناسى أسمائهم وأسمائهن وعندما حبلت وولدت كائنات تجر الضياع تعلمت التسول بالعنف وصارت سيدة مجتمع مغلوب على أمره تسيطر على عقول نساء آخر الزمان. ومن زار المكان فسوف يستغرب لمنظر لن تشاهده في كوريا أو يابان. قطعان ماشية وفئران ,كلاب وقطط وحمام وغربان, وسرب دجاج وإوز وبط بدون حسبان. تلعب وتتسابق بمرح على أرض جرداء إلا من أزبال وبقايا عجلات مطاطية عششت فيها كل أنواع الحشرات والديدان, أرض متسخة بفضلات تمتزج بمكونات مجاري المياه الحارة استعملت كمرآب سيارات في حديقة حيوان. تركة تركها معمرون إسبان أضحت تزخر بالأوبئة ومصدر أمراض من شتى الأشكال والألوان. حضائر بكتيريا وجراثيم في وسط مجالنا الحضري على مرأى موظفين مسؤولين قد يكونوا من زبائن المكان.
القانون ببساطة , ونحن هنا بشأن القانون العام وبالطبع لن نغوص في التعريفات والمصطلحات الأكاديمية, آلة فرضية وضعية مستوحاة من عقل الإنسان بناء على تجارب عقود من الزمن حبرت على ورق للتفريق ما بين الخط الأخضر والخط الأحمر توضح وتضبط في بنود ما للفرد من حقوق داخل مجتمعه وما عليه من واجبات. ولخدمة القانون سخرت أجهزة لا تنام وأموال لا تنفد من أجل اطمئنان بال كل أفراد المجتمع على امن انفسهم ومتاعهم ومستقبل أبناءهم وأعراضهم ومقدساتهم. بدون قانون حضاري منطقي واقعي مساير للعصر نبقى في ظلمات لا يعرفها إلا من فقده. ويلات وشر الحروب والفوضى يفهمها جيدا من اكتوى بنار جحيمها. وليكون القانون ذا مصداقية وأكبر فعالية يجب أن يكون الكل مقتنعا بفصوله وبنوده. القانون جزء من حضارة بامتياز. ولكن القانون بكل أجهزته مهما كانت متطورة لن يستطيع أبدا أن يقوم مقام المربي والمربية الحنونين في البيت والمعلم والمعلمة الأكفاء في المدرسة, وعظ رجل دين ناضج لا تاجر دين, وصفحات توعية في جرائد ومجلات مسؤولة ووسائل ترفيه حضارية في أديرة الشباب وبرامج تثقيف وتحسيس وتربية على راديو وتلفزة مترزنة. العنف لا يولد في بلد يعشق سكانه الفن ويدرس أبناءه الموسيقى والمسرح والسينما الناضجة والنحت. العنف والاستهتار بالقوانين لا يولدان في بلد تكرس فيه سياسات تستثمر الأموال بسخاء في توفير الصحة الجسدية والنفسية السليمة للمواطنين ,في إنشاء فضاءات للرياضة بكل ألوانها متوفرة للكل.في تسهيل اقتناء وسائل استجمام وراحة في متناول الجميع يدفن فيها المواطنون البسطاء من مختلف الأجناس والأعمار قلقهم وتوترهم. مجتمع يتمتع بجسم سليم وبالتالي بعقل سليم لا يحتاج إلى زجر يردع طيشه إذا كان هذا الطيش قد ردع وصفي مبدئيا بأخلاق فاضلة وإيمان بمبادئ وصفات المواطن الصالح, بالأنشطة الاجتماعية والثقافية التي تعلم احترام القيم الإنسانية والفنون بشتى أشكالها من داخله وبإرادة حرة تعكس توازنا نفسيا لمجتمع إنساني متحضر وناضج . ردع تطوعي طبيعي إرادي صادر عن اقتناع صادق يطبق فيها الكل بنود القانون بسخاء وارتياح مفعمين بفخر واعتزاز بروح المواطنة الحقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.