اعتمادا على ما تراكم لدينا من ملاحظات حول بطء وضعف الأداء الحكومي، الذي لم ينفع في تجويده والرفع من وتيرته ما أجري من تعديلات وزارية جزئية وشبه كلية، يمكن القول بأن رئيس الحكومة والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، ينقصه الكثير من المؤهلات والخبرة في الاضطلاع بمهامه. إذ ليس له من أسلوب في التعاطي مع قضايا البلاد والعباد عدا الهروب إلى الأمام، جاعلا من المثل القائل: "كم حاجة قضيناها بتركها" شعارا له، لما يتسم به من تخبط وارتباك في اتخاذ القرارات الحاسمة وافتقاره إلى الرؤية الاستشرافية والقدرة على ابتكار الحلول الناجعة للمشاكل المطروحة. فبعد عجزه البين عن الوفاء بتعهداته في تحسين ظروف عيش المواطنات والمواطنين، ومحاربة الفساد ومختلف أشكال الريع والقيام بالإصلاحات الكبرى في قطاعات التعليم والصحة والشغل وغيرها. وبعد أن أجهز على حق الموظفين في الترقية المبرمجة برسم سنة 2020، وحذف مناصب الشغل في وجه آلاف الشباب "المعطلين" وخاصة ذوي الشهادات العليا، بدعوى تخفيف العبء عن ميزانية الدولة ومواجهة آثار جائحة "كوفيد -19" الصحية والاقتصادية والاجتماعية، عوض البحث عن موارد مالية من جهات أخرى، وتجنيب البلاد المزيد من الاحتقان الاجتماعي… ها هو يعود اليوم في شخص وزير الصحة خالد آيت الطالب، ليجازي "الجيش الأبيض" بحرمانه من عطلته السنوية عبر قرار مفاجئ لا يقل رعونة عن قراراته السابقة، في وقت كان فيه هؤلاء العاملون بالقطاع الصحي يمنون النفس بالاستفادة من تحفيزات مادية وإجازات استثنائية نظير جهودهم، اعترافا بما يقدمونه من خدمات إنسانية جليلة، ومساهمة في الرفع من معنوياتهم. لاسيما أن رواد الفضاء الأزرق، لم ينفكوا ينوهون بأعمالهم على منصات التواصل الاجتماعي، تقديرا لبلائهم الحسن في معركتهم ضد الوباء الفتاك، الذي لا يتوقف عن حصد آلاف الأرواح في كافة بلدان العالم، دون أن يتوصل الباحثون إلى إيجاد لقاح مضاد أو دواء ناجع يخلص الإنسانية جمعاء… والعطلة سواء منها الأسبوعية أو السنوية ليست امتيازا، أو حكرا على علية القوم من وزراء وبرلمانيين وغيرهم ممن يوجد أغلبهم في عطلة مفتوحة، بل هي حق مشروع تكفله جميع التشريعات. فمدونة الشغل تمنح الأجير الحق في الاستفادة من راحة أسبوعية، كما أنها تمتعه بإجازة سنوية للخلود إلى الراحة واستعادة حيويته. وهي فترة زمنية يتوقف خلالها الأجراء والعمال وحتى التلاميذ، وتخصص للمتعة أو الهدوء والاسترخاء. فكيف يجوز حرمان الأطر الصحية من هذا الحق وهم الأولى بقسط من السكينة لاستجماع قوتهم بعد كل الجهود المضنية التي يبذلونها من أجل إسعاف المصابين وإنقاذ حياتهم، متحملين العديد من الضغوطات العضوية والنفسية والنقص الحاد في المستلزمات الضرورية؟ فقرار الوزارة الوصية المباغت والقاضي بتعليق العطلة السنوية إلى أجل غير مسمى ودعوة المستفيدين من رخص استثنائية إلى العودة عاجلا لمقرات عملهم داخل أجل لايتعدى 48 ساعة، في ظل ارتفاع عدد المصابين بالجائحة وتزايد الوفيات خلال الأسابع الأخيرة ومباشرة بعد رفع الحجر الصحي، نزل على رؤوس العاملين بالقطاع الصحي كالصاعقة ونسف جل أحلامهم. إذ كيف يعقل والحالة هذه أن تقلص عطلتهم السنوية في مرحلة أولى إلى عشرة أيام فقط، ثم يتم التراجع عنها هي الأخرى وإلغاؤها نهائيا؟ ألا يعلم العثماني ومعه وزيره في "الصحة" أن هؤلاء الجنود هم الأكثر حاجة إلى قسط من الراحة لتجديد نشاطهم واستجماع قوتهم لمواجهة العدو غير المرئي الخطير: فيروس كورونا المستجد؟ ثم كيف ستكون عليه مردودية من وهبوا أنفسهم فداء للوطن وأبنائه بحس وطني صادق وروح المسؤولية، من غير منحهم أي فسحة زمنية للراحة بعد أن أخذ منهم الإنهاك البدني والنفسي مأخذه؟ لذلك كان طبيعيا أن يؤدي مثل هذا القرار الانفرادي الصادم إلى تنظيم وقفة احتجاجية بجميع مقرات العمل في سائر المدن المغربية يوم الثلاثاء 4 غشت 2020، للتنديد بإلغاء العطلة السنوية الخاصة بنساء ورجال الصحة، وغياب الحماية الصحية والتحفيزات المادية، التي تتوافق مع انخراطهم العفوي والحماسي في المجهود الوطني، وتواجدهم في الخط الأمامي من المعركة ضد الوباء الفتاك. وحتى وإن كانت النقابات الممثلة للأطر الصحية العاملة في المستشفيات العمومية، قد توصلت مؤخرا إلى إقناع وزير الصحة بتخصيص تعويضات مالية لفائدة كافة المشرفين على الإسعافات والعلاجات الضرورية للمصابين بفيروس كورونا التاجي وغيره من الأمراض، الذي اقترح بدوره تمتيعهم بتعويضات تتراوح ما بين ألف درهم وثلاثة آلاف درهم وفق مقاييس محددة سلفا، فإن ذلك لن يكون بديلا عن عطلتهم السنوية ولا في مستوى ما يبذلون من جهود مضنية وما يتعرضون إليه من مخاطر محدقة أثناء قيامهم بواجبهم المهني… وسواء وافقت النقابات المعنية أم لم توافق على ما اقترحته الحكومة من تعويضات للأطر الصحية، مكافأة لها على امتثالها للتعليمات منذ تفشي الفيروس ببلادنا في مطلع شهر مارس 2020، فإنها لن توفيها حقها كاملا أمام مهامها المتعددة، رغم ظروف العمل الصعبة وانعدام مستلزمات الوقاية والحماية وضعف التجهيزات اللوجستيكية والخصاص المهول في الموارد البشرية، وما ترتب عن ذلك من إصابات ووفيات في صفوف هؤلاء الشرفاء أثناء مزاولة أعمالهم بكل جدية ونكران الذات بعيدا عن أسرهم. مما يستدعي وقفة تأمل حقيقية للنهوض بالقطاع ورد الاعتبار لجميع العاملين به.