هل يحلم اليمين المتطرف بطرد مسلمي فرنسا من أرض الجمهورية على يد شارل مارطل جديد ؟ هل صحيح أنّ الإسلام بدأ يشغل في الواقع الفرنسي مساحة أوسع وأكبر مما مضى ، وأصبح يمثّل تهديدا للهوية الفرنسية ؟ السؤال الأوّل يفرضه علينا ما وقع يوم السبت 20 أكتوبر 2012 في مدينة بواتييه الفرنسية حيث استولت مجموعة تُقدّر ب 73 فردا ينتمون إلى جماعة يمينية متطرفة تُدعى " جيل الهوية " على بناية مسجدها الكبير ، وشغلوا سطحه ناشرين لافتتيْن كبيرتين توضح الأولى اسمَ الحركة ، وتحيل الثانية بحملها رقم 732 إلى السنة الميلادية التي هزم فيها شارل مارطل المسلمين وأوقف تقدّمهم نحو قلب فرنسا ومنها إلى الشمال فما بعد ... والسؤال الثاني طرحته كثرةُ ردود الأفعال المتعارضة ، ومن خلالها – في منطقٍ قلَبَ الأشياء على رأسها فجعل من الضحية المتّهَم - حدّةُ الآراء والنقاشات بصدد الحضور الاسلامي الملحوظ في أكثر من مجال من الحياة العامة الفرنسية ، إضافة إلى نشر الإعلام أوراقا صحافية تسميها تحليلات سوسيولوجية تقف على موقف الفرنسيين من ظاهرة الإسلام الذي ، حسب ادعاءات خصومه ، يكسب في كل يوم مساحة هامة في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والفنون والإعلام والسياسة. وجاءت نتائج استطلاع للرأي (من 15 إلى 18 أكتوبر 2012) نشرته جريدة " لوفيكارو " اليمينية في 25 أكتوبر 2012 لتؤكد التدهورَ القوي لصورة الإسلام في فرنسا. فحسب هذا الاستطلاع يعتقد 69 في المائة من المشاركين فيه أن المجتمع الفرنسي يتعامل بانفتاح وتسامح مع المسلمين ، في حين أنّ هؤلاء ، حسب 67 في المائة ، ومعهم ذوو الأصول الاسلامية لا يندمجون في هذا المجتمع. كما تظهر نتائج الاستطلاع أنّ 60 في المائة من الأصوات ترى أنّ الإسلام في فرنسا له تأثير وحضور هام جدا ، و43 في المائة يعتقدون بأن حضور جالية إسلامية في فرنسا يمثل تهديدا لهوية هذا البلد. هذا ويتبيّن لنا من خلال فحص هذا الاستطلاع والتركيز على حساسيات المشاركين فيه سياسيا أنّ النسب المأوية العالية التي ترى في الإسلام خطرا لهوية فرنسا الثقافية والدينية تُفسّر بكون أصحابها هم من اليمين أي من حزب " الجبهة الوطنية " المتطرف (FN ) وحزب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركزوي " الاتحاد من أجل حركة شعبية " UMP )) . وخير شاهد على ما نقول هو نتيجة السؤال حول تمثيل الاسلام في الحقل السياسي ، وبالضبط انتخاب رئيس مجلس بلدي من أصول مسلمة : هل أنت مع أو ضد هذا في مدينتك ؟ فقد أظهرت تفاصيل حول المشاركين في الاستطلاع أنّ غالبية الأشخاص الذين صوّتوا ضدّ ( 45 في المائة ) هم من الحزبيْن اليمينييْن المذكوريْن ، في حين أنّ الذين رحّبوا لصالح الفكرة المطروحة ( 44 في المائة ) هم في غالبيتهم الساحقة من أحزاب اليسار. الغريب في الأمر أنّ الفرنسيين الذين يدّعون أنهم متسامحون ومنفتحون على المسلمين وأنهم لا يُكِنّون عداء لهم ، وأنهم بالتالي ليسوا عنصريين أو رافضين للثقافة الاسلامية أو متعاملين معها انطلاقا من الأحكام الجاهزة .. ، هم أنفسهم الذين يطالبون بإسلام محدود ، على مستوى الظهور ، في بنياته ومؤسساته ، وبناياته ومساجده وهندساته ، ولباسه وهيئة أتباعه من لحى وقسمات الوجه ولون البشرة .. ، وهم أنفسهم أيضاً الذين يخشون كثرة أبناءه وأتباعه وارتفاع أعداد معتنقيه .. وهذا الموقف للأسف يتّسم بالغموض إن لم نقل بالتناقض وهو يحمل في طياته ارتباكا وترددا يدعوان إلى الشك في صدق سماحته وانفتاحه. والحالة هاته ، كيف يمكن اعتبار رفض أن تكون للمساجد مآذن تشغل بضعة أمتار وتأخذ أشكالا هندسية مستوحاة من الفن المعماري المشرقي أو المغاربي الموريسكي ؟ ماذا إذن يوجد مخبّأً في المواقف التي لا تقبل أن تكون للمسلمين مساجد كبيرة متوفرة على قاعات قادرة على استقبالهم في صلاة الجمعة وأيام العيد وساعات الأنشطة الثقافية والتعليمية .. إلخ ؟ هل يعني هذا أنّ الإسلام المقبول أو المتسامَح معه يجب عليه أن يبقى في أغلب الحالات كما هو اليوم – نعم اليوم وهذه هي الحقيقة - أي إسلام الأقبية والسرادب والأماكن السفلى الباردة والمظلمة ، والمغلوقة التي ينقصها الهواء ولا تخضع للمتابعة الصحية والأمنية ؟ هل يرادُ من هذا الإسلام النائي عن الأنظار أن يتحوّل فيما بعد إلى إسلام يمارس فقط في البيوت والمنازل ؟ لكن هؤلاء المتسامحين مع إسلام لا مرئي ليس لهم ما يكفي من الشجاعة للإعراب بوضوح عمّا يريدونه فعلا من الإسلام والمسلمين. ماذا يريدون : إسلاما يكون خاضعا لمقاييس مُخَيّلة من يبالغ من الإنسانويين الجاعلين من الإنسان وحده ، دون اللجوء إلى الدين أو الاستعانة بالله ، مركز العالم ؟ أي إسلاما بدون مسلمين وطقوس تعبدية أو مسلمين بدون إسلام ؟ أي إسلاما ثقافيا وفلكلوريا يدور بالأساس حول الطبخ والكسكس والشاي بالنعناع والمرطبات والغناء والزغاريد ورقص البطن الشرقي .. ؟ أيريدون إسلاما دون صلاة ومساجد ، دون قرآن وعربية ، دون رمضان وصيام ، دون أعياد ومواسم دينية ، دون عرب وأسماء عربية ، دون بشرة ليست بيضاء وعيون ليست زرقاء ؟ وماذا يقولون في الحالات التي يتعلق فيها الأمر بأفراد لا يتكلمون العربية ، وليست لهم معرفة بالإسلام أو مطالب دينية - ومنهم من يختار لنفسه دربا آخر غير الإسلام وبعيدا عنه كل البعد - ، لماذا يكون الحكم عليهم هو هو ؟ هل لأنّ لون بشرتهم تزعج العيون الزرقاء ؟ هل لأن أصوات أسماءهم العربية التي ترنّ كعلامة تُذكّر الجميعَ بأصولهم وجذورهم الثقافية والإثنية تجعلهم دائما في عداد الأقليات المرئية المُخِلة بنظام الأصوات الفرنسية وسهولة مخارجها ونصاعة صفاتها ؟ هنا يفرض سؤالان نفسَهما بقوة : لماذا استدعى " جيل الهوية " شارل مارطل في هذا الوقت بالذات ؟ وهل من تلازم بين ما ترمز إليه هذه الشخصية الفرنسية التاريخية وبين تسييس الإسلام والمسلمين في خطاب اليمين الفرنسي ؟ الجواب يحمل أكثر من معنى ويمكن تلخيصه في أنّ هذه الجماعة وكلّ اليمينيين المتطرفين ينظرون إلى المسلمين الفرنسيين - أكانوا من أصول مغاربية أو مشرقية ، إفريقية أو أوروبية .. – على أساس أنهم " جسم " غريب على الهوية الدينية والتاريخية لفرنسا. وهم ، انطلاقا من هذا الاعتبار، ليسوا مواطنين بل غزاة جاؤوا على غرار أجدادهم لمحاربة المسيحيين ونشر ديانة محمّد .. وهم يقومون الآن ، حسب ما تقوله نفس الجماعة على موقعها ، بإبادة دينية جماعية في حق الفرنسيين المسيحيين لاسيما وأنّ عددهم في ازدياد متواصل ملحوظ. لهذا يجب مواجهتهم والحدّ من زحفهم وردّهم من حيث أتوا ، وهو التحدي الذي وصف به " جيل الهوية " حملتَه الخاطفة على المسجد إذ اعتبرها ' مقاومة ' حقيقية ضدّ أسلمة فرنسا. إنّ " جيل الهوية " - الذي يضم حركة الشبيبة المنتسبة ل " كتلة الهوية "- يريد بالتأكيد الرجوع بالفرنسيين وغيرهم إلى العصور الوسطى ، وكأن الزمن وقف منذ تلك الحقبة التاريخية ولم يحدث أي تطور في حركة المجتمعات وصيرورة الإنسان. وهو ، بهذا الموقف ، يرفض عالمَ اليوم ويحنّ إلى ماض تاريخي صهرت جهودٌ وطنية رسمية ( سياسية ودينية ) تحت ضغط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة على إخراجه في شكل أسطوري مثالي تتحكم فيه الخرافاتُ وأجنحة الخيال . غير أنه ، عن وعي أم لا ، يزيد في الأسطورة التاريخية الوطنية ويضخم من محتواها المأساوي قصد الانتعاش بالإحالات إلى المواجهة والحروب والدماء .. والخطير في الأمر أنّ هذا التصور للأشياء ليس معاديا للإسلام فقط ، بل إنّه يرفض أيضا قيمَ الجمهورية المبنيّة حول أسس ديمقراطية ومبادىء إنسانية كونية مثل المساواة في الحقوق بين المواطنين وضمان حرية العبادة للجميع في إطار قوانين تخص تراخيص بناء دور الصلاة وتسهر على حماية ممارسة الطقوس الروحية بها... ما من شك في أنّ عملية الاستيلاء على المسجد الكبير بمدينة بواتييه كانت مخططة سلفا وبشكل دقيق ، وكان المراد منها شيئيْن رئيسيين : استفزاز المسلمين ، ولفت نظر الإعلام إليها والاهتمام بأفكار أصحابها قصد الترويج لها بين الفرنسيين. فهل نجح " جيل الهوية " في تحقيق أهدافه ؟ بعد نشر الفيلم السخيف " براءة المسلمين " على يد مهووسين ومرضى نفسيين ، والرسوم الساخرة في جريدة كانت على وشك الإفلاس المالي ، وبعد أن قام أحدُ الرموز المتشددة ، فرانسوا كوبي ، في حزب اليمين باستغلال المواضيع التي تشكل رأسَ حربة إيديولوجيا ' الجبهة الوطنية " أي موضوع الإسلام ( اللحم الحلال ورمضان والحجاب والجهاد..) والهجرة وانعدام الأمن والعنصرية ضد البيض ، تحاول جماعة ُ" جيل الهوية " متابعة نفس الدور أي اللعب على أعصاب المسلمين وجرّهم إلى الوقوع في الخطأ. وكانت تأمل أن يقوم بعض أبناء المسلمين في فرنسا بردة فعل عنيفة لكي تُسَجّل في النهاية على حساب الإسلام كدين مسكون حتما بالانفعال والغضب ، والدعوة إلى ممارسة الرعب والإرهاب ضد خصومه وأعدائه. ألم يقل ناشط من هذه الحركة العنصرية لوكالة الأنباء الفرنسية : " كنا ننوي احتلال المسجد لمدة طويلة لكن بما أنه لم تكن لنا نية سابقة للمواجهة الفيزيقية فقد انصرفنا " ؟ (أنظر جريدة ليبيراثيون ، 20 أكتوبر 2012) ألا يعني هذا أنهم يقدمون أنفسهم على أنهم حركة سلمية لا تلجأ للعنف والمواجهة ، خلافا لما يُروّجُ له بصدد تصرفات المسلمين المعتادين على التهديد والتكسير واستعمال القوة؟ لكن هذا الاستفزاز – الذي هو في حدّ ذاته نوع خطير من العنف النفسي والأخلاقي - لم يأت بما كان يطمح له ، بل إنه مُنِيَ بفشل ذريع إذ التزم المسلمون في مدينة بواتييه بالابتعاد عن المكان والاصطدام بمحتلي المسجد. ولم يصدر منهم في جنوبفرنسا أو في جهة أخرى من الإكزاكون تهديدٌ أو ترهيب لأحد ، ولم تحدث فوضى ولم يدع أحد منهم إلى شغب أو إحداث بلبلة ، وإنما ظلوا متمسكين بالهدوء فلم يرْتبِكوا ولم يقعوا في تصريحات من شأنها الخلط بين وطنهم فرنسا وقيمه الجمهورية ، وبين أفعالٍ متهوّرة لجماعةٍ متعصّبة فقدَتْ عقلها وتخلط بين الأشياء عن علم وفي عنصرية مُعلَنة .. فيما يخص هدف دفع الإعلام إلى الاهتمام بالحادثة ومن خلالها عرض أفكار " جيل الهوية " ، لا مراء في أنّ هذه الجماعة قد حققت ما كانت ترمي إليه حتى ولو كانت التغطية الإعلامية لقضيتها محدودة نوعا ما. لكنّ فرحة أتباعها سرعان ما بدأت تخمد أمام ردود الأفعال القلقة والمندّدة التي عبّر عنها المجتمع المدني ومجلس مسلمي فرنسا بالإضافة إلى الطبقة السياسية عموما. وارتفعت بعض الأصوات خصوصا من جانب الحزب الشيوعي وحزب الجبهة اليسارية ومجلس مسلمي فرنسا لتدعو إلى حظر جماعة " جيل الهوية " بدليل أنها تدعو إلى الحقد والكراهية وتحرّض على المواجهة. واحتدم النقاش على مواقع شبكات التواصل الاجتماعي بين أنصار محتلّي مسجد بواتييه والمدافعين عن أفكارهم ، وبين المنتقدين لعمليتهم العدوانية ومفهوم الهوية الضيقة المعادية للآخر التي يحلمون بها. وفي كلّ مرة لما يتعرّض المسلمون للاعتداء أو الاستفزاز يبرز التساؤل الحتمي في ذهن الساعين إلى فهم ما يحدث : هل نحن أمام ظاهرة هامشية لا تستحق الاهتمام ؟ هل تمثل فقط تيار اليمين المتطرف وأفكار أقليته المرفوضة من غالبية الفرنسيين ؟ نعتقد ، كما عبر عن ذلك إيف داسونفيل Yves Dassonville ، والي لافيين la Vienne ، بأن الأمر يتعلق بقضية لا بد من التعامل معها بجدية صارمة. ويخطىء من يظن بأنها عملية بليدة وعابرة وأنها لا تستحق كل هذا الاهتمام من الإعلام والمسؤولين السياسيين. ولنا يقين راسخ بأنّ انتشار أفكار هؤلاء الشباب بين الفرنسيين ، ونجاح رؤيتهم المغلوطة والمحدودة للهوية الفرنسية - إن لم تحارَب بالكلام عنها وتفنيذها واحدة تلو الأخرى بالأدلة العقلانية المستنيرة ، والرجوع إلى القوانين المضبوطة ، والنقاش الديني المفتوح ، والرؤى الفلسفية والإنسانوية المعتدلة .. – لشيء ممكن ، خصوصا وأنّ فرنسا تمرّ بأزمة مالية واقتصادية قادرة بدفع اليمينيين والمتضرّرين منها على تعيين المسلمين ككبش فداء مسؤول عن البطالة وانتكاسة القيم الاجتماعية. ويقول البعض بأنّ معرفة التاريخ وخصوصا الأوروبي منه تقود إلى اعتبار فرضية طرد المسلمين من فرنسا ليس شيئا مُحالا . ألم يقم الملوك الكاثولكيون في إسبانيا ، التي كانت تمرّ بظروف اقتصادية عصيبة ، بطرد اليهود ، ومن بعدهم المسلمين الموريسكيين من ديارهم وأراضيهم ووطنهم بعد أن عاشوا فيها ما يقرب من ثمانية قرون ؟ ألم يصدروا في ذلك مراسيم رسمية وافقت عليها الدولة وصادق عليها رجال الكنيسة في روما ؟ ألم يبرّروا مرسوم الطرد ، بعد أن قادوا عددا من المسلمين إلى المحرقة ، بذرائع دينية ومخاوف من الارتفاع الديموغرافي في صفوفهم ؟ الخطر الذي يحدّق بالديمقراطية هو بمثابة الدود في الفاكهة لما تكون مريضة ، فكما أدّت بوصول إيديولوجيات متطرفة إلى الحكم فأصبحت فيما بعد ديكتاتوريات ارتكبت جرائم ضد الانسانية ومحرقة يهودية ستظل عارا في جبين النازية وكلّ القوى المتواطئة معها في أوروبا ، يخشى الكثير من المسلمين وغيرهم إعادةَ هذا النوع من الأخطاء التاريخية الجسيمة إذا وصل إلى السلطة في فرنسا ، عن طريق صناديق الاقتراع ، متطرفون يحنون إلى بطولات ملحمية أسطورية ولهم مشاريع وبرامج سياسية تستلهم روحَها وأفكارها ليس من الواقع المتعدد الثقافات والمفتوح على العالم والآخرين ، بل من قناعة تقول بضرورة متابعة ما بدأه شارل مارطل في 732 . هؤلاء الشارليون المارطليون الجدد يجدون صدى واسعا في أوروبا داخل صفوف أحزاب اليمين المتطرف والجماعات الشعبوية العنصرية التي تكسب يوما بعد يوم مساحات هامة في الرأي العام الأوروبي. ولا يرى المتخصصون والمتابعون لتطور الأفكار الإيديولوجية والمسار السياسي في أوروبا تهديدا أكبر على أمنها وسلامها واستقرارها من تهديد الجماعات اليمينية المتطرفة المتذرعة بحماية " الهويات الوطنية ". في الحقيقة ، ليس هناك من شيء يلفت الانتباه أكثر من سكوت المثقفين الفرنسيين وصمت المفكرين عن دلالات حادثة احتلال مسجد بواتييه وتبعاته المستقبلية. هل يمكن تفسير هذا الموقف السلبي بكون الضحية هم المسلمون والإسلام ؟ بعبارة أخرى ، هل كان المثقفون الفرنسيون سيلزمون نفس الصمت لو كانت دور عبادة آخرى ، غير إسلامية ، كدور عبادة يهودية أو بروتيستانتية أو بوذية تعرّضت لهجوم شبيبة كتلة الهوية اليمينية واستفزازها ؟ بل أكثر من هذا ، ألا يوجد من بينهم مَن يتعاطف مع تهافت الشارليين المارطليين الجدد وينظر إلى أنشطتهم الاستفزارية بعين راضية تترجم ما لا يستطيعون التصريح به ؟ أمام هذه الملهاة المأساة الفرنسية واستقالة الإنطلّجنسية في الإكزاكون عن القيام بدورها في التحذير من الأخطار المحدّقة بالديمقراطية والأقلية المسلمة، لا يسعنا في النهاية ، إذا سلمنا بأنّ الغضب والتسرّع في مثل هذه الحالة لا يغنيان في شيء ولا ينفعان ، وأنّ السخرية هي ربما خير سلاح لمواجهتها ، إلا أن نتابع بدايةَ الشوط الثاني من مباراة حامية الوطيس بدأت قبل 732 ودامت فترت استراحتها 1282. ها نحن إذن نشاهد انطلاقة صفارة الحكام اليمينيين لخوض غمار الشوط الثاني بين فريق الصليب وكلّ طاقمه ومؤيّديه من الشارليّين المارطليين الجدد ، وفريق الهلال ، علما بأن الفريق الأول لا يتمتع بالروح الرياضية اللازمة لاحترام قوانين اللعبة ، فماذا سيحدث وماذا سيكون حجم المفاجآت ؟ وكيف سيتصرف الجمهور في النهاية ؟ كاتب عربي مقيم بفرنسا