يثير سد النهضة جدلا كبيرا ومحتدما خاصة بين الطرفين المصري والإثيوبي، فمن جهة تعبر مصر عن مخاوفها من أن يشكل السد تهديداً على تدفق مياه نهر النيل، الذي يعتبر "شريان الحياة" في البلاد التي تعتمد عليه للحصول على قرابة 90 في المائة من احتياجاتها من المياه، ومن جهة ثانية تعتبر اثيوبيا سد النهضة مفتاحا لنهضتها خاصة على مستوى انتاج الطاقة الكهربائية بالبلاد. يعتبر نهر النيل أطول أنهار العالم بحيث يبلغ إجمالي طوله حوالي 6650 كيلومترا، ويمر بعشر دول إفريقية والتي تشكل دول الحوض وهي بوروندي ورواندا وأوغندا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والسودان ومصر ثم أضيفت إريتريا إلى المجموعة كمراقب عام 1999. يتكون نهر النيل من رافدين أساسيين هما النيل الأبيض والذي تعتبر بحيرة فيكتوريا برواندا المنبع الرئيسي له، ثم النيل الأزرق والذي ينبع من بحيرة تانا الاثيوبية ويساهم سنويا بحوالي 70 في المئة من مياه النيل. تم توقيع مجموعة من الاتفاقيات لتنظيم شؤون النهر وذلك منذ بروتوكول روما 1891، ونذكر من بين هذه الاتفاقيات كل من اتفاقية سنة 1929 والتي يعتبر أهم بنودها ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أي إجراءات على النيل وفروعه من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل لمصر، إضافة إلى اتفاقية سنة 1959 والتي أضافت من حصة مصر بالتزامن مع احداثها للسد العالي حيث وصلت نسبة مصر من نهر النيل إلى 55.5 مليار متر مكعب والتي تشكل أكثر من 50 في المئة من مياه النيل. رغبة إثيوبيا في بناء سد بحجم سد النهضة ليست وليدة اللحظة، فمنذ سنة 1956 قام مكتب الاستصلاح الزراعي التابع لخارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية بعملية مسح للنيل الأزرق لتحديد مكان لسد النهضة وذلك ما بين 1956 وسنة 1964. كما تعد اتفاقية عنتيبي سنة 2010 والتي وقعت عليها خمس دول من دول الحوض، من بين أهم مراحل إحداث اثيوبيا لسد النهضة، حيث نصت على انهاء الحصص التاريخية لمصر والسودان من مياه النهر، وهو ما دفع الدولتين إلى رفض الاتفاقية، كما نصت الاتفاقية أيضا على الاستخدام المنصف للمياه، وأكدت مصر في هذه الفترة على عدم قانونية تمويل أي مشروعات مائية إن على مجرى النيل أو على منابعه. وفي نفس السنة انتهت اثيوبيا من تصميم السد ، وانطلاقا من سنة 2011 بدأت اثيوبيا في بناء وتشييد سد النهضة. إحداث إثيوبيا للسد الأكبر في إفريقيا ليس غرضها الوحيد منه هو توفير المياه للاثيوبين، لكن الهدف الأساسي من سد النهضة هو توليد الطاقة الكهربائية خصوصا وأن الاقتصاد الاثيوبي يتطور بشكل كبير، إضافة إلى كون 50 مليون اثيوبي يعيش دون كهرباء. ومن المقرر أن تبلغ القدرة الإنتاجية لسد النهضة ستة آلاف ميغاواط، وهو حجر الزاوية لمساعي إثيوبيا كي تصبح أكبر دولة مصدرة للكهرباء في أفريقيا. ومنذ 2011 انطلق الصراع بين اثيوبيا من جهة ومصر السودان من جهة ثانية، واتفقت الأطراف الثلاثة على تشكيل لجنة ثلاثية وطنية-دولية لبحث الآثار المترتبة على هذا السد، وأصدرت اللجنة تقريرها أوائل يونيو 2013 والذي أكد على أن بناء السد سيتسبب في تقليل معدلات التدفق المياه الى دول المصب، وهو ما دفع بالرئيس المصري محمد مرسي إلى فتح حوار مع القوى الوطنية في تلك الفترة حيث اقترحت بعض الأطراف بالتهديد باستخدام القوة العسكرية، وهو ما أدى إلى أزمة ديبلوماسية بين مصر واثيوبيا. وفي مارس من سنة 2015 تم التوقيع على اتفاقية إعلان مبادئ سد النهضة بين اثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة ثانية، ولعل من أبرز ما لوحظ على الاتفاقية كونها قد غلبت على لغتها العبارات العامة التي سيؤولها كل طرف لصالحه ويعطيها من المعاني ما يتناسب مع مواقفه ويؤيد مصالحه، إضافة إلى تمكن اثيوبيا من جعل سد النهضة أمرا واقعا مستغلة بذلك الأوضاع السياسية بمصر في تلك الفترة. هكذا، استمر النزاع إلى اليوم خاصة حول مدة ملء خزان سد النهضة، فمصر تطالب بملء الخزان في أطول فترة ممكنة لا تقل عن عشر سنوات مع مراعاة سنوات الجفاف، أما اثيوبيا فتعتبر أن الأمر سيادي وتعتزم ملء السد ما بين أربع وسبع سنوات. إصرار اثيوبيا على الانطلاق في ملء خزان السد بداية من هذا الشهر يجعل من المفاوضات التي تبناها الاتحاد الافريقي صعبة وعسيرة، خاصة وأن كل الأطراف تعتبر موضوع سد النهضة، قضية حياة أو موت. طالب باحث