قدّم رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ استقالته الأربعاء بعد خمسة أشهر من توليه قيادة ائتلاف حاكم، وذلك اثر شبهات تضارب المصالح واحتدام الخلاف مع حزب النهضة ذي المرجعية الاسلامية. وتتزامن الأزمة السياسية في البلاد مع تصاعد الاحتقان والتوتر الاجتماعي خصوصا في مناطق الجنوب التي تشهد احتجاجات متواصلة تطالب بتأمين وظائف، فيما تسعى البلاد إلى الخروج من تداعيات جائحة كوفيد-19 على الاقتصاد.
وقالت رئاسة الحكومة في بيان "اعتبارا للمصلحة الوطنية (…) وحتى نجنب البلاد صراع المؤسسات، قدم اليوم السيد رئيس الحكومة" استقالته "حتى يفسح (لرئيس الجمهورية) طريقا جديدة للخروج من الأزمة". كما أكدت رئاسة الجمهورية في بيان بدورها أن الرئيس قيس سعيّد قبل استقالة الفخفاخ وشدّد على "ضرورة حل المشاكل وفق ما ينص عليه الدستور. كما جدد حرصه على عدم الدخول في صدام مع أي كان". وحكومة الفخفاخ الذي سيواصل مهامه الى حين تعيين خليفة له، صاحبة أقل الفترات الزمنية منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي في 2011 ودخول البلاد في مسار انتقال ديموقراطي. وعجزت الحكومات المتعاقبة مذّاك عن تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية. وتحقق لجنة برلمانية في شبهات تضارب مصالح تلحق بالفخفاخ لعدم تخليه عن حصص يمتلكها في شركة متخصصة في تدوير النفايات تمكنت من الفوز بمناقصات حكومية. وبدأ الموضوع يحظى باهتمام واسع لدى الرأي العام في تونس منذ صرّح الفخفاخ منتصف حزيران/يونيو أنّه يملك أسهماً في هذه الشركة وأنه بصدد التخلي عن حصصه فيها. وقبل اعلان استقالة الفخفاخ، قدّم حزب النهضة الذي يشارك في الائتلاف الحاكم مذكرة للبرلمان لسحب الثقة من الحكومة بسبب شبهات الفساد التي تلاحق الفخفاخ. ومساء الأربعاء أعلنت رئاسة الوزراء إعفاء وزراء النهضة الستّة من مناصبهم، بمن فيهم وزير الصحّة عبد اللطيف المكّي الذي أشرف على مكافحة فيروس كورونا المستجدّ في البلاد، وتعيين بدلاء عنهم بالنيابة. ويعتبر المحلل السياسي شكري بحرية ان هناك إعادة تشكيل للتحالف الحاكم والذي تشعر النهضة بأنها "مهمشة" داخله. – مشهد سياسي "سريالي" – وفشلت النهضة التي حصلت في انتخابات تشرين الأول/أكتوبر الفائت على 54 مقعدا في البرلمان، وهي أضعف حصيلة تحققها منذ 2011، في الحصول على ثقة البرلمان لمرشحها لرئاسة الحكومة الحبيب الجملي مطلع 2020. وتدخل الرئيس التونسي، أستاذ القانون الدستوري السابق، ورشح الفخفاخ الذي نال لاحقا ثقة البرلمان. واعتبر بحرية أن النهضة "قبلت مرغمة آنذاك تفادياً لانتخابات جديدة"، مضيفاً أنها وأمام محور الفخفاخ وسعيّد وجدت نفسها في وضعية لا تسمح لها بالحكم. وحزب النهضة هو أكبر الكتل البرلمانية وفي خلاف متواصل مع شركائه في الائتلاف الحكومي المكوّن من "حركة الشعب" و"التيار الديموقراطي" وحزب "تحيا تونس". ويسعى نواب عن هذه الأحزاب لجمع توقيعات من أجل تقديم مذكرة لسحب الثقة من رئيس البرلمان راشد الغنوشي الذي يتهمونه بسوء ادارة أعمال المجلس. ووصف زياد كريشان المحلل السياسي في راديو موزييك اف ام (خاص)، المشهد السياسي "بالسريالي"، معتبرا أن تونس تعيش وضعا "لا أحد يملك فيه زمام الحكم". وبدأت الأزمة تحتد بين الفخفاخ والنهضة مطلع الأسبوع الحالي حين أعلن الحزب تكليف رئيسه راشد الغنوشي بالانطلاق في مشاورات مع الأحزاب السياسية من "أجل مشهد حكومي بديل". -"الهرب الى الأمام"- وتفتح استقالة الفخفاخ الباب على مصرعيه للرئيس التونسي وتضعه داخل اللعبة السياسية من جديد. وتؤكد الرئاسة التونسية أنّ الدستور التونسي للعام 2014 يخول سعيّد تقديم مرشح لرئاسة الحكومة خلال مهلة زمنية تنتهي بعد 10 أيّام. ويرشح الرئيس التونسي بعد التشاور مع الأحزاب والمنظمات شخصية يكون أمامها مهلة زمنية لتشكيل حكومة جديدة بشهر وعرضها على البرلمان لنيل الثقة. وتقول نسرين جلايلية من منظمة "بوصلة" إن "هذا هرب الى الى لأمام وان من شأن التجاذبات السياسية ان تزيد تؤجج الوضع الاجتماعي". وتتواصل في الجنوب التونسي منذ أسابيع احتجاجات اجتماعية للمطالبة بالتشغيل بالقرب من حقول لاستخراج النفط والغاز ويهدد المحتجون بوقف الانتاج في منشآت نفطية في ولاية تطاوين. كما أثرت أزمة كوفيد-19 على اقتصاد البلاد المهدد بانكماش قد تبلغ نسبته 6,8 في المئة وبخسارة أكثر من 130 ألف شخص لوظائفهم، حسب تقديرات رسمية.