استوقفتني هذه الأيام شهادة صادمة عن قرية الأطفال المسعفين بأكادير عممها شاب كان يعمل مربيا بالمؤسسة عبر بعض وسائل الإعلام، الشهادة تتحدث عن عنف و إعتداءات جسدية ونفسية تطال الأطفال المستفيدين، و عن فساد وعشوائية في التسيير الإداري و التربوي. و يروي فيها هذا الشاب الذي أتت به الأقدار ليشتغل في مجال لا يمت لتكوينه بأية صلة، كيف تكالب عليه المسؤولون عن المؤسسة و طردوه بعد مضايقات عديدة. مثل هذه الشهادات و الشكاوى التي لا تجد سبيلا إلى التعميم و النشر كثيرة، و قليل منها ما يصل آذان المسؤولين، و حتى إن وصلت قلما يفتح تحقيق في الموضوع و نادرا ما يعرف طريقه نحو القضاء. شهادات و شكاوى بالجملة تعري واقع ما يسمى ''مؤسسات الرعاية الإجتماعية'' و واقع العمل الإجتماعي بالمغرب عموما. بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها الملك محمد السادس سنة 2005 إلى خيرية عين الشق بالدارالبيضاء، ووقوفه عن كثب على الأوضاع المزرية التي تعيشها المؤسسة وما كان يجري داخل أسوارها من إذلال و تحقير للنزلاء رغم كثرة مواردها المالية، وبعد التداعيات التي خلفتها هذه الحادثة المباغثة، سارعت الحكومة آنذاك إلى الإنكباب على إعداد قانون منظم للمؤسسات الخيرية و المراكز الإجتماعية، قانون سرعان ما خرج إلى الوجود تحت إسم قانون 14/05 المتعلق بشروط فتح مؤسسات الرعاية الإجتماعية و تدبيرها، نشر في الجريدة الرسمية عدد 5480 بتاريخ 15 ذو القعدة 1427 الموافق ل 7 دجنبر 2006. قانون تحركت مؤسسة التعاون الوطني، و جندت كل ما تملك من إمكانيات رغم قلتها، بصفتها الإدارة العمومية الوصية و المشرفة على هذا المجال، للتعريف به و تحسيس الجمعيات الحاملة لمشاريع مؤسسات الرعاية الإجتماعية على ضرورة إحترام المساطر و الإمتثال للشروط المنظمة لهذه المؤسسات، و التي أتى بها القانون الجديد، باعثا الأمل و الإرتياح في نفوس العاملين و الأخصائيين الإجتماعيين. لكن وبعد مرور مدة وجيزة، و بفعل تغييب دور مؤسسة التعاون الوطني و تقليص صلاحياتها، تبين عقم هذا القانون، و اكتشف الجميع أن دفتر التحملات و المساطر التي جاء بها لا تعدو أن تكون حبرا على ورق، في غياب واضح لآليات التتبع و المراقبة، فتناسلت ''مؤسسات'' تتدعي أنها للرعاية الإجتماعية، لا تملك من مقومات المؤسسة إلا الإسم يشرف عليها أناس لغايات في نفوسهم، و يسيرها من يعينونهم تحت رحمتهم، ضاربين القانون و مساطره عرض الحائط، و الغريب في الأمر أن العديد من هذه المؤسسات أشرف الملك بنفسه على تدشينها و افتتاحها. قرية الأطفال المسعفين بأكادير- موضوع شهادة المربي- لا تشكل الإستثناء، فقد سمعنا قبل أيام عن مديرة لدار للطالبة بنواحي بني ملال تعتدي على المستفيدات و تنعتهم بأقبح الأوصاف، مما دفع آباءهن إلى تقديم شكاية إلى مندوبة التعاون الوطني ببني ملال بغية إنصافهم و حماية فلذات أكبادهم من طيش ''السيدة المديرة''، التي تبين أنها لا تتوفر حتى على شهادة البكالوريا، في الوقت الذي يجد فيه خريجو ''الإجازة المهنية: مسير المؤسسات ذات الطابع الإجتماعي''، أنفسهم عرضة للبطالة و العطالة. و في يونيو الماضي تقدمت سيدة كانت تشتغل كمنشطة مسرحية متطوعة بمؤسسة الرعاية الإجتماعية دار الأيتام الحي الحسني بالدارالبيضاء، شكاية إلى السيد وكيل جلالة الملك بالمحكمة الإبتدائية عين السبع، والسيد عامل عمالة مقاطعة الحي الحسني، تسرد فيها مجموعة من الخروقات وأشكال من التعذيب النفسي و الجسدي يتعرض لها الأطفال نزلاء المؤسسة من طرف رئيس الجمعية المشرفة على الدار و بعض الأطرالتي تشتغل بمعيته، مقدمة رفقة الشكاية صورا صادمة لآثار عنف بادية على أجساد الأطفال. هذا ليس إلا غيضا من فيض، فحالات العنف الجسدي و الجنسي منتشرة بشكل كبير داخل مؤسسات الرعاية الإجتماعية خاصة منها المتخصصة في رعاية الأطفال، و حالات الفساد الإداري و المالي مستشرية في العديد من هذه المؤسسات، و ما خفي أعظم. هذا الواقع المزري الذي تعيشه مؤسسات الرعاية الإجتماعية ببلادنا، يدق ناقوس الخطر، و يستوجب وقفة لإستيعاب الوضع و تقدير مدى خطورته، و التدخل لوقف هذه المهازل التي تخدش كرامتنا و تمس إنسانيتنا. لا بد للدولة أن تتحمل مسؤوليتها في ضمان السير العادي لهذه المؤسسات و حماية المستفيدين من خدماتها، عبر وضع آليات لتنزيل القانون و مراقبة مدى احترام المؤسسة للمساطر و دفتر التحملات، فرض شروط الكفاءة و التخصص في القائمين على التسيير و الإشراف و التربية داخلها، وعدم التركيز و الاستثمار في بناء المراكز و تجهيزها على حساب الإستثمار في الموارد البشرية.